الاخبار العربية والعالمية

التغلل الصينيّ الناعم فى الخاصرة الأميركيَّة | آراء سام نيوز اخبار

تُحيي الولاياتُ المتّحدة نهايةَ السنة الجارية، ذكرَى مرور 200 سنة على إعلان “مبدأ مونروو”، الذى يكرِّس نفوذَ الولايات المتّحدة على باقي دول القارّة الواقعة جنوبها، ومنع تعرُّضها لأيّ عمليّة غزو أو استعمار مـن قِبل القوى الخارجيّة. ولئن كان المستعمر المقصود فى ذلك الوقت هو القادم مـن أوروبا، إلّا انّ مفاجآت التَّارِيخُ جعلت الصين هى مـن تمثّل هذا الخطر. وليست قمّة “تحالف الأميركتَين مـن اجل الازدهار الاقتصاديّ”، التى احتضنتها واشنطن نهاية الاسبوع الماضي، سوى إحدى خطوات تصدّي الإدارة الأميركية للتمدّد الصيني المتصاعد فى أميركا الوسطى والجنوبيّة.

قبل الحديث عَنْ القمّة المذكورة وأهدافها، مـن المهمّ توضيح بعض المُصطلحات الجغرافية التى تبدو بديهيةً، لكنها تُحدث لَبْسًا عندما يتعلّق الامر بتفاصيل القارّة الأميركيّة، لاسيما بين مسمّيات أميركا الجنوبيّة وأميركا اللاتينيّة. فمسمّيات أميركا الشماليّة والجنوبيّة والوسطى ودول الكاريبي، كلها مسمّيات تعتمد الموقـع الجغرافي للدولة مـن القارّة التى تنقسم الي شماليّ وجنوبيّ، وبينهما المنطقة الوسطى، وحوض الكاريبي. أمّا مسمّى “اللاتينية”، فتشمل كلّ دول القارة الأميركيّة التى تتحدث لغات متفرّعة مـن اللغة اللاتينية: (فرنسية، إسبانية، برتغالية)، وهو ما يستثني الولايات المتحدة، وكندا، وخمس دويلات فى أميركا الوسطى، والكاريبي، وغوايانا، وسورينامي، فى أميركا الجنوبيّة.

مبادرة بايدن

وعودة الي قمّة “تحالف الأميركتَين مـن اجلِ الازدهار الاقتصاديّ”، فهي مبادرة اقتصاديّة أطلقها الرئيسُ الأميركيُّ جو بايدن السنة الماضية، فى اطار توسيع التّحالفات الأميركيّة لمقاومة التدفّق الصينيّ فى نصف القارّة الجنوبيّ.

وقد انخرطت فى هذه المُبادرة، إحدى عشرة دَوْلَةٌ مـن القارّة، وحضر نسختها الأولى، كلٌّ مـن رؤساء التشيلي، وكولومبيا، وكندا، وكوستاريكا، وجمهورية الدومينيكان، والإكوادور، والبيرو، والأوروغواي، وبربادوس، واكتفت المكسيك وبنما بإرسال وزيرَي خارجيتَهما. ويجدر التنويه الي انَّ رئيس بنما الذى تربطه علاقة قوية بالإدارة الأميركيّة، تغيّب بسـبب تزامن توقيت القمّة مع العيد الوطنيّ لبلاده، أمّا رئيس المكسيك- المعروف بقلّة زياراته الخارجيّة- فيعتبر ناقدًا بارزًا للسياسة الخارجية الأميركية، رغم تعاونه الوثيق معها فى ملفّ الهجرة غير النظامية، إضافة الي استنكاره مؤخرًا الدور الأميركي فى الحرب على غزّة.

وتهدف واشنطن عبر هذه القمّة الي جعل نصفِ الكره الغربيّ “المنطقةَ الأكثر تنافسية على الصعيد الاقتصاديّ فى العالم”، إضافةً الي ان تكون القارة الأميركية بأكملها، “آمنة ومزدهرة وديموقراطية، مـن أقصى الشمال الكندي الي أقصى الجنوب التشيلي”، حسب تعبير الرئيس الأميركيّ. وهذا ما يفسّر تناول القمة مواضيعَ خارج الاقتصاد، مـن اهمّها موضوع التغيّر المناخيّ ودور القارّة الأميركية فى قيادته، والهجرة غير النّظاميّة نحو الولايات المتحدة، باعتبارها إحدى نتائـج السياسات الاقتصاديّة غير الناجحة، فى دول أميركا الوسطى والجنوبيّة. ووَفقًا لأرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإنَّ عَدَّدَ النازحين واللاجئين فى القارة الأميركيّة جاء الي حتـى هذه السنة، 21 مليونَ شخص، مـن بينهم 6 ملايين فنزويلي. وقد صرحَ الرئيس الأميركيّ بايدن، عَنْ تخصيص استثمارات بقيمة 485 مليونَ دولار لمساعدة اللاجئين والمهاجرين والتجمّعات السكّانية المنعدمة الإمكانات فى المناطق الفقيرة. لكنّ رئيس كولومبيا، غوستافو بيترو، رأى انَّ هذه المساعدات، كان مـن الأجدر تخصيصُها لخلق فرص عمل فى بلدان هؤلاء المهاجرين غير النظاميّين، مـن اجل بقائهم فى بلدانهم، مادام الوضع الاقتصادي هو العاملَ الاساسى وراء ظاهرة الهجرة عمومًا. وكان الرئيس بيترو قد صرّح فى مناسبة سابقة، انّه على الولايات المتحدة- التى ضاقت ذرعًا بموجات طالبي اللجوء، لاسيما الفنزويليين فى المحافظات الأميركية الديموقراطية- ان تفكّ الحصار على بلدهم، مـن اجل ان تعودَ الحياة الي طبيعتها، ويلزموا الإقامة فى بلدهم الأصليّ.

الجانب الاقتصادي

أمّا بينما يتعلّق بالجانب الاقتصاديّ لهذه القمة، فقد ركّز الرئيس بايدن على فتح شهية البلدان الأعضاء لتوسيع المجموعة، والعمل بأولوية على النّهوض باقتصاداتها جميعًا، ودعاها الي اختيار الاستثمارات الديموقراطية والشفّافة، فى إشارة الي القروض الأميركيّة وحلفائها مـن المؤسَّسات المالية الدولىّة، بدلًا مـن اللجوء الي الشركاء مـن خارج القارّة، وتجنب الوقوع فى “فخّ دبلوماسية الديون”، حسب تعبيره. وهذا ما فضح مخاوف واشنطن مـن تغلغل العملاق الصيني الذى أصبح الشريك التجاري الرئيسي لأميركا الجنوبية وثاني أكبر شريك لأميركا اللاتينية بعد الولايات المتحدة، مع العلم ان حجم تجارة الصين فى السلع مع أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي فى الفتره بين 2000-2022، تضاعف 35 مرة، بينما زاد إجمالي تجارة المنطقة مع العالم أربعة أضعاف فقط حسب الأرقام الصادرة عَنْ مفوضية الأمم المتحدة الاقتصاديه لأميركا اللاتينية، وجزر الكاريبي. يُضاف الي هذا، نجاح الصين فى إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع كوستاريكا والبيرو التشيلي، على اختلاف توجهات حكوماتها، والإكوادور التى أجّلت توقيع الاتفاقية الي استئناف عمل البرلمان هذا الشهر.

طريق الحرير

وليس مـن المبالغة فى شيء القول إن الصين- التى ضخّت استثمارات بمليارات الدولارات فى البنى التحتية فى أميركا اللاتينية، عبر قروض على الدول سدادها بمعدلات فائدة عاليه الكلفة- نجحت فى ضـمّ 21 دَوْلَةٌ منها، فى اطار مبادرة ما يعرف بـ”طريق الحرير”. إضافة الي عضوية البرازيل، والأرجنتين مؤخرًا فى مجموعه “البريكس”، ووعد فنزويلا وبوليفيا بضمّهما فى المرحله القادمة.

ورغم انّ قمه “تحالف الأميركتَين مـن اجل الازدهار الاقتصادي”- كَمَا يشير اسمها- تخصّ موضوع الاقتصاد، إلّا انّ رئيسَي التشيلي وكولومبيا، أبيا إلّا ان يصرّح كلّ منهما للصحافة، ومن البيت الأبيض، باستيائهما مـن الجرائم التى تقوم بها إسرائيل فى حقّ الجمهور الفلسطينيّ فى غزّة، ودعا رئيس التشيليّ بوريش، الرئيس الأميركي بايدن الي التدخل لوقف ما يجري. يحدث هذا والرئيسان بيترو وبوريش يواجهان تحدّيات محلية كبرى، جاء الى المعارضة فى بلديهما، بسـبب موقفيهما مـن حرب إسرائيل على غزة، وليس مـن الغريب ان هذا الموقف قد يكلّفهما وحزبيهما خسارةَ منصب الرئاسة، فى الفتره القادمة.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى