اقتصاد وأسعار العملات

سـر أسعار الفائدة الأمريكية | صحيفة الاقتصادية

في الولايات المتحدة، يشكل سعر الفائدة الحقيقي الآمن طويل الأجل ــ العائد المعدل تبعا للتضخم على الاستثمارات منخفضة المخاطر مثل سندات الخزانة ــ إضافة إلى “الظروف المالية”، الآلية الرئيسة التي تؤثر في حوافز البناء وتوازن صافي الصادرات (نظرا لتأثيره في سعر الصرف).

منذ أوائل مارس وحتى منتصف مايو 2022، قفز هذا المقياس بأكثر من نقطة مئوية واحدة، حيث أدركت سوق السندات أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيخفف قريبا جهوده الرامية إلى تعزيز التعافي السريع في تشغيل العمالة في أعقاب الجائحة. ثم، في الفترة من أواخر أغسطس إلى أوائل أكتوبر 2022، قفزت مرة أخرى، وهذه المرة بنحو 1.5 نقطة مئوية على أساس سنوي، حيث توقع تجار السندات أن يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى إحكام السياسة النقدية لتجنب التضخم المستمر في اقتصاد عاد إلى التشغيل الكامل للعمالة.

كان هذان الارتفاعان هما اللذان أوجدا التكوين الحالي لأسعار الفائدة. والمعدلات اليوم أعلى كثيرا ــ بنحو نقطتين مئويتين ــ عن المستوى الذي كان أي شخص ليقدره للمعدل “المحايد” قبل خمس سنوات (قبل الجائحة).

سيتوقف كل شيء على ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي ليدرك الضعف المتزايد الاقتراب في الوقت المناسب لخفض أسعار الفائدة وتحقيق “الهبوط الناعم”. وقد صمد تكوين سعر الفائدة هذا لمدة سبعة أشهر الآن.

كان الهبوط سلسا بالفعل. لكن الطيار لم يجرؤ على تحويل ناقل الحركة من الاتجاه إلى الخلف إلى فك التعشيق على الترس المحايد. من الواضح أن الاحتياطي الفيدرالي يخشى أن يستمر ارتفاع الأجور في الوظائف غير الزراعية. على أساس معدل موسمي، كان عدد الوظائف في فبراير أكبر بنحو 275 ألف وظيفة مقارنة بيناير، وهذا أعلى قليلا فقط من المتوسط الذي كان 250 ألف وظيفة خلال الأشهر الستة الأخيرة. وأظن أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يشعر بالانزعاج الشديد إزاء أسعار الفائدة التي تتجاوز كثيرا ما يعتقد بكل ثقة أنه سعر الفائدة المحايد، خاصة الآن بعد أن أصبح التضخم قريبا للغاية من الهدف المحدد بنسبة 2 %.

ثلاثة تفسيرات من الممكن أن توضح الوضع الحالي. فربما يستند الاستنتاج بأن أسعار الفائدة تتجاوز المعدل المحايد إلى تحليل خاطئ. أو ربما حدث خطأ في كيفية قياسنا لحالة الاقتصاد. أو ثالثا، ربما ارتكب بنك الاحتياطي الفيدرالي خطأ على غرار أخطاء ذئب البراري Wile E في الرسوم المتحركة الشهيرة.

لو أخذنا هذه التفسيرات بترتيب عكسي، إذا كان الضعف الاقتصادي قادما بالفعل، فسيتمنى الاحتياطي الفيدرالي قريبا لو بدأ خفض أسعار الفائدة في يناير 2024. ولنتذكر هنا أن قرارات القطاع الخاص بتقليص الإنفاق على البناء، وإعادة تأمين المشتريات لموردين خارجيين، أوقفت مؤقتا في 2022 وأخـرت حتى 2023 حيث كان الناس ينتظرون لمعرفة مدى إحكام السياسات من جانب الاحتياطي الفيدرالي.

ماذا لو كانت القياسات خاطئة؟ كان الإجماع يؤكد لفترة طويلة أن دراسات مسح الرواتب في الولايات المتحدة تتفوق على دراسات مسح الأسر. ولكن في الأعوام القليلة الأخيرة، ظهرت فجوة بين هاتين الدراستين. فبينما يسجل مسح الرواتب 2.7 مليون وظيفة أكثر من عام مضى، فإن مسح الأسر يسجل زيادة قدرها 700 ألف شخص فقط في عدد العاملين في تلك الوظائف مقارنة بعام مضى.

إذا كانت سوق العمل ضعيفة كما تشير دراسات مسح الأسر، فإن هذا الضعف كان لا بد أن يظهر بالفعل في الإنفاق الاستهلاكي. لكنه لم يظهر.

ولكن إذا كنت تعلمت درسا واحدا خلال أكثر من 40 عاما من محاولتي فهم دورة الأعمال، فهو أنه لا يوجد انتظام تجريبي في الاقتصاد الكلي يوحي بالثقة بقدرته على الصمود وعدم الانهيار تحت أقدامنا في وقت قصير بدرجة غير عادية.

خاص بـ “الاقتصادية”

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى