دمشق- “كانـت غصة وشعورا مؤلما للغاية ان تجبرني دولتي على استدانة مَبْلَغٌ 400 دولار لأتمكن وأسرتي مـن عبور حدودها فى اثناء ظرف قاهر واستثنائي كالذي واجهناه فى لبنان، بينما تسمح للإخوة اللبنانيين بالعبور دون دفع اى رسوم”.
بهذه العبارة يصف حاله احمد.ح (29 عاما) وهو عامل بناء سوري نازح مـن لبنان الي ريف دمشق مؤخرا، وذلك عندما علم ان قرار تصريف 100 دولار على الحدود السورية ما يزال معمولا به رغم “الظرف القاهر” وحركة النزوح الجماعي الكبيرة للسوريين على خلفية التصعيد الإسرائيلي فى لبنان.
ويضيف للجزيرة نت “بدلا مـن الانتباه على حزم الأمتعة والتجهيز للعودة الي سوريا، كان عليّ التفكير بمصدر لاستدانة المبلغ ريثما أصل اليها وأعيد تحويله إليه. ولو لم يوفر لي أخي المبلغ دينا مـن صديقه فى لبنان لكنت بقيت عالقا وعائلتي هناك الي الان”.
عقبات
وإلى جانب أسرة احمد، لجأت العديد مـن العائلات السورية -وفق شهادات للجزيرة نت- الي استدانة مبالغ مالية بالدولار لتصريفها على الحدود السورية كرسوم عبور، لتشكل عقدة مضافة فى رحلة نزوحهم العكسي الي بلادهم. بينما اضطرت عائلات أخرى الي انتظار يـوم أو أكثر على الحدود لعدم امتلاكها المبلغ، وهو ما أثار موجة سخط واسعة مـن السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأصدرت الحكومة الجديدة للنظام السوري، الأحد، قرارا علقت بموجبه العمل بقرار تصريف مَبْلَغٌ 100 دولار لمدة أسبوع، والذي كان يشمل كل السوريين الداخلين الي مناطق سيطرته ممن هم فى سن 18 عاما فأعلى.
وتستمر حركة النزوح للآلاف منذ الاثنين الماضي، ليبلغ عَدَّدَ الواصلين منهم الي الأراضي السورية حتـى أول الامس 95 ألفا و516 مواطنا، وذلك وفق بيـان للمكتب التنفيذي فى محافظة ريف دمشق.
وأشار مصدر بداية بالهلال الأحمر السوري -فضّل عدم ذكر اسمه- الي ان معظم الموجودين بمراكز الإيواء، التى أعلنت عَنْ تجهيزها الجهات الرسمية فى حمص ودمشق وطرطوس، مـن السوريين. وأضاف للجزيرة نت ان معظم المراكز تتوفر فيها الخدمات الرئيسية مـن ماء وكهرباء، وتعمل الجمعيات الخيرية والمجموعات الأهلية -بالتنسيق مع الحكومة- بتقديم وجبات مـن الطعام وبعض المستلزمات الضرورية مـن منظفات وأغطية وفرشات للنوم للنازحين.
واضطرت عائلات أخرى للعودة الي شققها ومنازلها المتضررة وشبه المهدمة فى المناطق التى نزحوا منها الي لبنان قبل اعوام فى حمص وريف دمشق، بالرغم مـن دمار البنية التحتية وغياب الخدمات الرئيسية.
كابوس
تقول للجزيرة نت خديجة.ص (46 عاما) أرملة ونازحة سورية مـن لبنان الي مدينة المليحة بريف دمشق “هناك ازدحام كثير فى مراكز الإيواء، والناس فوق بعضها ويكاد لا يستطيع الشخص النوم ليلا مـن الضجة والحركة الدائمتين، وليست هناك خصوصية لا فى الغرف ولا الحمامات” مما دفعها وأولادها الثلاثة الي العودة الي منزلهم بالمدينة رغم صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية نظرا لبُعد الأسواق، وضعف حركة النقل العام فى المنطقة.
وعن ما عاشته فى لبنان اثناء الأيام القليلة الماضية، تقول خديجة “كان كابوسا، لقد نزحنا قبل اعوام تحت وابل القصف والقنابل وارتضينا حياة القلة والفقر هناك، واستيقظنا هناك قبل أيام لنجد أنفسنا فى الموقف ذاته، وأنه علينا النزوح مجددا الي سوريا. فإلى أين نذهب حتـى لا تكون حياتنا عرضة للخطر؟”.
وعلى الجهة الاخرى، يضطر بعض السوريين النازحين والمقيمين فى لبنان سواء كانوا مـن الشباب “المتخلّفين” عَنْ أداء الخدمة العسكرية، أو مـن المطلوبين للأفرع الأمنية بموجب مذكرة عمليات بحث، الي الدخول الي الأراضي السورية بصورة غير نظامية وعبر التهريب.
وبالإضافة الي صعود تكلفة التهريب بنحو ضعفي ما كانـت عليه قبل التصعيد الإسرائيلي فى لبنان، ثمة تعقيدات يواجهها النازحون اثناء الطريق نظرا للتشديد الأمني مـن جهة الحدود السورية.
خوف
يقول بشير (24 عاما) -وهو مصمم جرافيك مطلوب للخدمة العسكرية وعائد مؤخرا مـن لبنان الي مدينته حماة– إن المهرّب الذى أشرف على رحلة عودته الي سوريا جعل السائق يسلك طرقات وعرة وجديدة، وكلفته الرحلة 230 دولارا بدلا مـن 120 دولارا قبل التصعيد، واستغرقت الرحلة 4 ساعات، بينما أنها لا تستغرق عادة أكثر مـن ساعة واحده.
ويضيف للجزيرة نت “شعرت بخوف شديد عندما اقتربنا مـن الحدود، خوف مـن ان أخرج مـن قاع لأسقط فى آخر، فلا أريد ان أنجو مـن القصف لأقع فى قبضة النظام وجيشه”.
وأشار الي ان معظم أصدقائه ومعارفه السوريين فى لبنان مطلوبون للخدمة العسكرية أو لأحد الأجهزة الأمنية، وقد فضلوا إرسال زوجاتهم وأبنائهم ليبقوا هم فى لبنان. وقال إن التهريب متوقف حاليا نظرا للقصف المستمر للجيش الإسرائيلي على مواقع ومعابر غير رسمية بين البلدين.
وكشف نازحون سوريون عَنْ صعود سعر تعريفة الركوب للشخص الواحد فى سيارة النقل مـن لبنان الي سوريا، عبر المعابر الحدودية الرسمية بين البلدين، الي 150 دولارا، بدلا مـن 50 أو 100 دولار حسب وجهة الراكب فى سوريا قبل التصعيد.
وأكد المصدر المطّلع نفسه -للجزيرة نت- صحة ما تداولته وسائل الإعلام المحليه حول سماح النظام السوري، منذ السبت الماضي، بدخول المطلوبين لاداء الخدمة الإلزامية الي البلاد عبر المعابر الرسمية دون الخضوع الي تسوية على الحدود، نظرا للازدحام والضغط الحاصل على المعابر الحدودية مـن الطرف السوري.
وبدلا مـن ذلك يتم منحهم أوراقا لمراجعة شُعَب التجنيد الخاصة بهم شرط ألا يكونوا مطلوبين لجهات أخرى. وتعتبر الورقة صالحة لمدة شهرين منذ لحظة استلامها.
وبحسب تقديرات الحكومة اللبنانية، فإن عَدَّدَ اللاجئين السوريين يبلغ 1.5 مليون لاجئ. وتشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الي ان 90% منهم فى حالة مـن الفقر المدقع، بينما تبرز البقاع على أنها المنطقة الأعلى كثافة باللاجئين السوريين.