بدأت الأزمات المتصاعدة التي تواجه شركة بوينج (Boeing) تشبه أحد أفلام الطيران المثيرة من إنتاج هوليود. إضافة إلى سقوط قطعة من بدن الطائرة في الجو أثناء رحلة ركاب تجارية أخيرا، فوجئنا باكتشاف مخيف حول ثقوب حفِرت في غير محلها في طائرات لم تسلم بعد، والكشف عن عثور أحد المفتشين على “كمية مفرطة من العيوب” في عمليات أحد الموردين.
وإذا لم تكن هذه المشكلات سيئة بما فيه الكفاية، فقد قدمت إدارة الطيران الفيدرالية في أواخر فبراير مراجعة لاذعة لثقافة شركة بوينج الشركاتية ودعتها إلى تنفيذ أكثر من 50 تغييرا متعلقا بالسلامة. وأمهلت شركة بوينج 90 يوما لوضع خطة للتغلب على مشكلات عميقة تتعلق بمراقبة الجودة.
اعترفت شركة بوينج بالمسؤولية، والتزمت بإبطاء وتيرة التصنيع المتهورة، ووعدت بتحسين أدائها. وقد التقى رئيسها التنفيذي، ديف كالهون، بأعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، ونظمت مصانع بوينج فعاليات “التوقف” على مدار اليوم لوقف الإنتاج والتركيز على مراقبة الجودة، وكانت أحدث مناقشة لأرباح الشركة تدور حول السلامة والجودة والثقة. ولكن لكي يتسنى لها التعامل مع كل هذه القضايا، تحتاج شركة بوينج إلى تغيير ثقافتها التنظيمية.
تركز الثقافات المتراخية على الانفتاح، من خلال اعتناق المدى، وإظهار التسامح، وتعزيز الإبداع. وتميل الممارسات في هذه البيئات إلى كونها أقل توحيدا، ما يسمح بقدر أعظم من المرونة، والطابع غير الرسمي، والتجريب. ويشجع الموظفون على خوض المجازفات والتفكير خارج الصندوق. تتسم المنظمات التي تتمتع بثقافات متراخية عادة بهياكل أكثر استواء وأقل مركزية، حيث يتبنى القادة نهجا تعاونيا ويتحدون الوضع الراهن.
تحتاج شركة بوينج إلى محور ثقافي. وفي حين يشترك محيطها التشغيلي في كثير من أوجه التشابه مع صناعات أخرى عالية المخاطر، فقد انحرفت عن هذه البرمجة الثقافية وأصبحت شديدة التراخي. يتلخص أحد الأسباب في إعطاء الأولوية للربح على حساب الهندسة على نحو متزايد. في مناورة استراتيجية لتأمين الإعفاءات الضريبية، نقلت شركة بوينج مقرها الرئيس من سياتل إلى شيكاغو، فتسبب هذا في إيجاد فجوة جغرافية تزيد على 2000 ميل بين الإدارة العليا وعدد كبير من المهندسين والموظفين. ثم في 2022، أعلنت انتقالا آخر إلى أرلينجتون بولاية فيرجينيا.
كما أسهمت الاضطرابات داخل شركة بوينج في انفلاتها الثقافي. فبفضل التغييرات المتكررة في القيادة، تناوب خمسة رؤساء تنفيذيون على الشركة على مدار العقدين الماضيين، بات من الصعب الحفاظ على رقابة محكمة. الواقع أن دوران القيادة المستمر يعني أن معظم الاهتمام من القمة يركز على الإصلاحات السريعة القصيرة الأجل وليس على الأهداف الاستراتيجية الأطول أمدا، كما رأينا في حالة تحديث البرمجيات بعد تحطم طائرة Lion Air في 2018.
يجب على الشركة أيضا أن توضح أن العمال الذين يلفتون النظر إلى مخاوف بشأن انتهاك معايير السلامة سيكافؤون. الواقع أن أحد الأقسام الأكثر إثارة للقلق في تقرير إدارة الطيران الفيدرالية كان اكتشافها أن العمال الذين يلفتون النظر إلى مخاوف تتعلق بالسلامة يتعرضون للانتقام.
بينما تتصارع شركة بوينج مع هذه التحديات، يتعين عليها أن تعيد ضبط بوصلتها الثقافية. تعد المساءلة، والاستقرار، والالتزام بالسلامة من القيم الأساسية الضرورية لإعادة بناء الثقة، وتعزيز تدابير السلامة، ودعم التميز التنظيمي في صناعة الطيران. أما المسار الحالي الذي تسلكه شركة بوينج فسوف يقودها حتما إلى الانحدار التنظيمي والتراجع التنافسي.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.
Sorry Comments are closed