نمو بطيء وأسهم مرتفعة .. ما خطب الاقتصاد الياباني؟
قد يعد الارتفاع الذي شهدته الأسهم اليابانية منذ بداية العام إشارة إلى أن الاقتصاد الياباني في حالة جيدة، لكن هذا ليس هو الحال في الواقع.
شهد إنفاق الأسر في يناير أكبر انخفاض على أساس سنوي في 35 شهرا بنحو 6.3 %، وفقا لبيانات وزارة الشؤون الداخلية الصادرة يوم الجمعة، وهو الانخفاض الشهري الحادي عشر على التوالي. في الوقت نفسه، لم تتمكن وتيرة زيادات في الأجور من مواكبة التضخم على مدى عامين تقريبا.
علاوة على ذلك، أظهرت بيانات حكومية أولية الشهر الماضي أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض 0.4 % على أساس سنوي في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر. وعلى الرغم من إمكانية تعديل هذا الرقم، إلا أن ذلك يمثل ربعين متتاليين من التراجع، ما يعتبر ركودا فنيا.
ومع ازدهار سوق الأسهم وتراجع الاقتصاد الكلي في الوقت نفسه، فمن الطبيعي أن التساؤل عن كيف يمكن أن يحدث ذلك.
ببساطة، أداء الأسهم اليابانية جيد لأن أرباح الشركات قوية وعائداتها معززة للمساهمين، لكن الاقتصاد يتراجع لأن الشركات لا ترفع أجور موظفيها بشكل كاف لتحفز الاستهلاك، وفقا لأحد الخبراء الاقتصاديين.
وبحسب اليابان تايمز، ارتفع متوسط مؤشر نيكاي 225 القياسي بوتيرة غير متوقعة بلغت نحو 20 % هذا العام، ليتجاوز أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38915.87 الذي سجل في عصر الفقاعة عام 1989. وارتفع بعد ذلك فوق مستوى 40 ألف نقطة لأول مرة، رغم تراجعه في الأيام الأخيرة.
قال عدد من مراقبي السوق إن أداء الأسهم اليابانية المثير للإعجاب ليس تكرارا لموجة شراء الأسهم في فقاعة أواخر الثمانينيات، لأنه يعتمد هذه المرة على أرباح الشركات المحلية القوية.
وفقا لإحصاءات شركة إس إم بي سي نيكو سيكيوريتيز، من المتوقع أن يسجل صافي الأرباح المجمعة للشركات اليابانية الكبرى المدرجة في بورصة طوكيو مستوى قياسيا يصل إلى 47 تريليون ين (317.7 مليار دولار) خلال 12 شهرا حتى مارس، التي ستكون السنة المالية الثالثة على التوالي التي يحدث فيها ذلك.
إلى جانب ذلك، عزز ضعف الين – الناجم بشكل رئيس عن الفجوة الواسعة في أسعار الفائدة بين اليابان والولايات المتحدة – أداء الأسهم اليابانية، لأن ضعفه يدعم أرباح المصدرين.
في 2023، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، الذي يعكس إلى حد كبير إجمالي أرباح الشركات، 5.7 %، لكن إجمالي التعويضات الاسمية للموظفين ارتفع 1.8 % فقط.
وعلى الرغم من أن زخم زيادة الأجور اكتسب قوة على مدى العام الماضي استجابة لارتفاع الأسعار، فإن نمو الأجور لم يواكب التضخم بعد، الأمر الذي يعوق الاستهلاك.
أظهرت بيانات وزارة العمل الصادرة أن الأجور الحقيقية انخفضت 0.6 % على أساس سنوي في يناير، متراجعة بذلك للشهر الـ22 على التوالي.
قال شونسوكي كوباياشي، كبير الاقتصاديين في شركة ميزوهو سيكيوريتيز، إن الدفعة الاقتصادية الناتجة عن إطلاق العنان للإنفاق المكبوت في أعقاب الجائحة يبدو أنها قد انتهت بالفعل. “في هذه الحالة، تحتاج اليابان إلى محرك نمو آخر غير تأثير استئناف الأنشطة الاقتصادية”، مضيفا أن العثور على ذلك الآن سيكون صعبا، حيث من غير المتوقع أن يتجاوز نمو الأجور الحقيقية التضخم حتى العام القادم.
لم تنفق الشركات اليابانية كثيرا على زيادة الأجور، لكنها كانت توجه أرباحها الوفيرة إلى أماكن أخرى. أشار كوباياشي إلى أنها تستثمر في شركات أجنبية لتأمين فرص النمو، فضلا عن تعزيز عوائد المساهمين بزيادة توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم.
وبما أن الشركات تواجه ضغوطا أقوى من كل من الحكومة وبورصة طوكيو لتحقيق مزيد من العوائد للمساهمين، يرجح كوباياشي “أن تستمر أسعار الأسهم في الارتفاع، لكن سيستغرق الأمر بعض الوقت لإطلاق دورة قوية من الطلب المحلي بقيادة ارتفاعات الأجور والاستهلاك”.