الاخبار العربية والعالمية

يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي.. لماذا تختلف الأسلحة الكيميائية عَنْ اى أسلحة أخرى؟ سام نيوز اخبار

مُقَدَّمَةٌ الترجمة:

استخدمت دَوْلَةٌ الاحتلال الإسرائيلي الفسفور الأبيض فى غزة أكثر مـن مرة، وربما تُوسِّع مـن استخدامها لأدوات الحرب الكيميائية فى هجومها البري المتوقع على القطاع المُحاصر، وفي كل مرة يُستخدم فيها السلاح الكيماوي يتساءل الناس عَنْ سبب الضجة المتعلقة به؛ أليس سلاحا عاديا مثل بقية الأسلحة؟ ولِمَ يُعَدُّ محرما؟ ولِمَ تقف بعض الاتفاقيات الدولية امام استخدامه؟ فى هذه المادة يشرح بين هاينمان مـن “ذا أتلانتك” الامر.

 

نص الترجمة:

شهد عَامٌ 2013 جدلا عالمـيا واسعا حول ما إذا كان يجب التصرف بالقوة امام الحكومة السورية جراء استخدامها غاز السارين على المدنيين (وهو نوع مـن الأسلحة الكيميائية القاتلة، ويُعد أحد أكثر الغازات السامة فتكا، إذ يؤثر على الجهـاز العصبي المركزي ويعطل وظائفه، ويؤدي الي حدوث شلل تام وفشل تنفسي وقتل الضحية فى النهايه). واعتمد ذلك الجدل جزئيا على ما إذا كانـت الأسباب التى دفعت الي توقيع اتفاقية بعد الحرب العالميه الأولى لمنع استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية ما زالت تحظى بالاحترام بين الدول.

لم يركِّز بروتوكول جنيف لعام 1925 على التكنولوجيا المروِّعة التى ظهرت فى القرن العشرين وأفضتْ الي مذابح جماعية فى الحرب العالميه الأولى بقدر ما صبَّ جُل اهتمامه على الحروب الكيميائية. صحيح ان التقنيات المتقدمة للحروب فى ذلك الوقت كالأسلاك الشائكة، والأسلحة الآلية، والمدافع، خلّفت وراءها آثارا مروعة وغير مفهومة على الجنود، لدرجة أصبحت معها تكتيكات القتال العسكرية فى القرن التاسع عشر بالية وقديمة، لكن تأثير استخدام الغاز على الجبهتين الغربية والشرقية هو ما أدى الي حظر الحرب الكيميائية والبيولوجية رغم أنها تسببت فى نحو 1% فقط مـن الوفيات حينذاك.

استخدام قنابل الفسفور الأبيض في الحرب العالمية الثانية.
استخدام قنابل الفسفور الأبيض فى الحرب العالميه الثانية. (الصُّورَةُ: شترستوك)

 

نهج مختلف تماما

اعتبر بروتوكول جنيف ان استخدام الغاز فى الحروب هو نهج مختلف تماما عَنْ الأساليب الاخرى للقتل الجماعي، وهو ما أدى بدوره الي حظر استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو العديد مـن الغازات، بالإضافة الي تحريم أساليب الحرب البكتريولوجية (وهي استخدام الكائنات الحية المجهرية مثل البكتيريا أو الفيروسات وسيلةً للقتل الجماعي أو لنشر الأمراض فى ضوء الصراعات العسكرية). فى ذلك الوقت، قررت منظمة الصليب الأحمر الدولية، والزعماء الدينيون، والسياسيون، والمؤسسات العسكرية، تقديم ثلاث حجج تهدف الي إقناع الناس بأهمية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية فى الحروب.

تمحور السبب الاول حول أساليب القتل الفريدة، والمعاناة الخاصة التى سببتها الغازات للضحايا فى الحرب العالميه الأولى. فقد استخدمها الألمان لأول مرة امام البريطانيين فى معركة إيبرس عَامٌ 1915، ثم لجأت اليها جميع الجيوش بعد ذلك. تسبب الكلور حينذاك فى إتلاف الأُذنين والعينين والوفاة بسـبب الاختناق، واستُبدل بينما بعد بالفوسجين، وهو غاز عديم اللون يعمل على إتلاف الرئتين ومن ثم الاختناق بعد مدة مـن التعرض له. اما غاز الخردل فينجم عنه تقرحات فى الجلد الخارجي والأعضاء الداخلية، خاصة الرئتين، وقد يقتل الضحية فى النهايه بعد رحلة معاناة طويلة. وحتى أولئك الذين نجوا مـن الموت غالبا ما يعانون لبقية حياتهم مـن مشكلات صحية خطيرة فى الجهـاز التنفسي وغيرها مـن المشكلات الاخرى الناتجة عَنْ استنشاق مثل هذه الغازات.

 

اما السبب الثانى وراء تحريم استخدام مثل هذه الغازات فهو “تأثيرها العشوائي” دون تمييز فى ساحات المعارك. فالغازات المستخدمة فى الحروب الكيميائية تنتشر على نطاق واسع فى الجو، وقد تعود بها التيارات الهوائية لترتد مرة أخرى على الجنود أو على السكان المدنيين. أدى هذا الجانب المنفلت أو العصي على السيطرة مـن الحرب الكيميائية الي إبداء بعض القادة العسكريين مـن جميع الأطراف اعتراضهم على استخدام مثل هذه الغازات.

 

بينما يتمحور السبب الثالث حول الخوف مـن مستقبل مجهول. فرغم قلة عَدَّدَ الوفيات والإصابات الفعلية الناجمة عَنْ الحرب الكيميائية مقارنة بالإجمالي المروع لباقي تقنيات الحرب، اثناء هناك قلق بشأن استخدامها على نطاق أوسع وأكثر انتشارا فى المستقبل، ولعبت الصور المرعبة وغير الإنسانية للجنود وهم يرتدون أقنعة الغاز دورا فى تغذية تلك المخاوف العاطفية.

تدريب الجنود على الحرب الكيميائية والهجوم بالقنابل اليدوية.
صور الجنود بأقنعة الغاز. (الصُّورَةُ: شترستوك)

 

مـن اليابان الي إسرائيل

أدت هذه الأسباب معا الي بزوغ مستوى حصري مـن الخوف والاشمئزاز العام الذى دفع الي اتخاذ إجراء جماعي تجسَّد فى بروتوكول عَامٌ 1925. نص البروتوكول على ان مثل هذه الحروب أُدينت مـن قِبل الرَّأْي العام للعالم المتحضر، وافقت أربعون دَوْلَةٌ فى الأصل على البروتوكول، واليوم يتجاوز عَدَّدَ الدول التى اعتمدت البروتوكول 130 دَوْلَةٌ رغم ان الولايات المتحدة لم تعتمده رسميا حتـى عَامٌ 1975.

 

تجسدت الطبيعة الاستثنائية للحرب الكيميائية والبيولوجية فى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التى بدأ تنفيذها عَامٌ 1997. وقد تسعي الاتفاقية الي معالجة العديد مـن عيوب بروتوكول جنيف مـن اثناء حظر تصنيع مثل هذه الأسلحة الكيميائية وتخزينها. كَمَا اشترطت الاتفاقية تدمير المخزونات الحالية، وإنشاء نظام للتحقق وهيئة مراقبة خاصة، وبالفعل صدَّقتْ 193 دَوْلَةٌ على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (وقعت إسرائيل على الاتفاقية دون ان تصادق عليها)*.

 

وبطبيعة الحال، لا تملك الاتفاقيات الدولية المتعلِّقة بحظر الأسلحة الكيميائية آلية تنفيذ مباشرة، وبالتالي لا يمكنها فرض اجراءات أو تنفيذ إجراءات امام الدول التى تنتهك هذه الاتفاقيات. وبدلا مـن ذلك، يتطلب التصعيد القانوني امام دَوْلَةٌ مخالِفة استدعاء الإجراءات القانونية العامة للأمم المتحدة. ولطالما كان التَّارِيخُ حافلا بأمثلة لدول أخرى لجأت فى حروبها الي الأسلحة الكيميائية قبل سوريا، بدءا مـن اليابان التى استخدمت الأسلحة الكيميائية امام الصين فى أوائل الأربعينيات، مرورا بالعراق التى استخدمتها امام إيران والأكراد فى الثمانينيات (وصولا الي دَوْلَةٌ الاحتلال الإسرائيلي التى تستخدمها حاليا على المدنيين فى قطاع غزة)*.

Israeli airstrikes over Gaza Strip- - GAZA CITY, GAZA - OCTOBER 11: Smoke rises as the Palestinian Foreign Ministry claimed that Israel used phosphorus bombs in its attacks on populated areas in Gaza City, Gaza on October 11, 2023.
قصف قطاع غزة بقنابل الفسفور الأبيض. (الصُّورَةُ: الأناضول)

بالعودة على الأقل الي بروتوكول عَامٌ 1925، سنجد ان المجتمع الدولى اتخذ قرارا بتحريم استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لانه يُعَدُّ مسألة أخلاقية مختلفة تماما عَنْ الأسلحة التقليدية، وهو ما قد يرجعه البعض الي قدرتها على القتل والتدمير المروع على نطاق واسع وبصورة عشوائية دون تمييز. ولهذا السبب تُصنف العوامل الكيميائية والبيولوجية اليـوم ضوء أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة الي ان الأسباب المُقدَّمة لردع الحرب الكيميائية فى العشرينيات تشبه الي حدٍّ كثير الأسباب التى قدمتها ادارة أوباما فى حجتها لاتخاذ إجراء امام الحكومة السورية عَامٌ 2013.

 

فى ذلك الوقت، صرَّح وزير الخارجية الأميركي جون كيري قائلا: “إن مقتل أكثر مـن 1400 مدني سوري جراء المواد الكيميائية يُظهر الاستخدام الهائل والعشوائي للأسلحة التى رفض العالم المتحضر استخدامها منذ مدة طويلة. كَمَا أننا نشعر بالاستياء والاستنكار إزاء هذه الأعمال الوحشية التى تنتهك القيم الأساسية للإنسانية وتنطوي على أبشع الأسلحة فى العالم”. عرضت الإدارة فى ذلك الوقت أفلاما تكشف هول الخطب الذى حلَّ بالمدنيين جراء هذه الأسلحة الكيميائية، منهم رجال عراة الصدر ممددين على الأرضية متقوسين تحت وطأة تشنجات مستمرة، وأطفال عانوا مـن اضطرابات فى الجسم وفقدان السيطرة على حركاتهم، بينما يسود الذعر والصراخ المشهد.

 

بيد ان استخدام القوة لردع اى بلد يلجأ الي الحروب الكيميائية لا يعتمد فقط على الأسباب المقدمة لدعم بروتوكول جنيف لعام 1925، لكن مـن الواضح ان هناك العديد مـن العوامل الاخرى التى توضع فى الاعتبار منها قدرة العمل العسكري على تحقيق الأهداف المرجوة بفعالية، أو ضرورة ان تكون الإجراءات العسكرية متناسبة مع الهدف المرجو تحقيقه، بالإضافة الي وجود قيود وقواعد تحدد نطاق وطريقة استخدام القوة العسكرية، وأخيرا التأثيرات الردعية أو الترهيبية للعمل العسكري المدعوم مـن بعض الحلفاء التى عليها ان تسهم فى تحقيق الأهداف المرجوة وتقليل الاحتمالات السلبية المحتملة.

 

فى نهاية المطاف، يبقى الجدل حول فكرة ان “الحرب الكيميائية والبيولوجية” مختلفة تماما عَنْ الحروب الاخرى يُشكِّل اهميه بالغة، لأن مـن المفترض ان الولايات المتحدة فى وقت كهذا تتدخل -ولو ظاهريا- لمنع هذه الحروب لأسباب أخلاقية (لكن إحدى المفارقات العجيبة ان الولايات المتحدة تدعم فعليا الحرب الغاشمة للاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين فى قطاع غزة والتي تُستخدم فيها الأسلحة الكيميائية دون رقابة أو حساب)*.

————————————————————————–

*ملاحظات المترجم

————————————————————————–

هذا المقال مترجم عَنْ The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عَنْ موقع ميدان.

ترجمة: سمية زاهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى