أعلنت شركة آبل يـوم الاثنين الماضي إستراتيجيتها للذكاء الاصطناعي التى طال انتظارها، والتي تضمنت شقين، الاول: إعلان (Apple Intelligence)، وهو عبارة عَنْ مجموعه مـن مزايا الذكاء الاصطناعي التى أدمجتها فى تطبيقاتها بما يشمل المساعد سيري، لتقوم بالمهام نيابة عَنْ المستخدم، والثاني: إعلان شراكتها مع (OpenAI) لإدماج روبوت (ChatGPT) فى أنظمتها.
بينما تسارع جميع الشركات التقنية الي الفـوز بسباق الذكاء الاصطناعي الحالي بتطوير نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها، فضلت آبل اتباع نهجًا مختلفًا، وذلك مـن اثناء التعاون مع هذه الشركات لمواكبة التطورات المتسارعة فى هذا المجال، إذ أوضح كريج فيديريغي، نائب الرئيس الاول لهندسة البرمجيات فى آبل، ان الشركة لا تراهن على نموذج ذكاء اصطناعي واحد فقط، بل تدرس إدماج نماذج ذكاء اصطناعي أخرى فى أنظمتها، مثل Gemini مـن جوجل فى المستقبل القريب.
وتظهر هذه التحركات سعي آبل الي طمأنة المستثمرين بأنها لم تخسر معركة الذكاء الاصطناعي، على الرغم مـن أنها ربما خسرت بضع الجولات، بسـبب تأخرها عَنْ منافسيها كثيرًا، إضافة الي أنها لم ترصد نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاص بها حتـى الان.
وهنا نجد أنفسنا امام سؤال يطرح نفسه، لماذا تقيم آبل – التى تتفاخر بحماية بيانات مستخدميها وخصوصيتهم على مدار تاريخها – شراكة مع شركة ذكاء اصطناعي تتعرض لانتقادات واسعة بسـبب انتهاك خصوصية المستهلكين لجمع بياناتهم واستخدامها فى تـدريــب نماذجها؟
عرض سريع لـ ChatGPT فى مؤتمر آبل:
أعلنت آبل شراكتها مع شركة (OpenAI) لإدماج روبوت (ChatGPT) فى أنظمة التشغيل iOS 18، و iPadOS 18، و macOS Sequoia الجديدة، اثناء الجلسة الافتتاحية لمؤتمرها السنوي للمطورين (WWDC 2024)، مخصصة دقيقتين فقط لهذا الإعلان مـن مدة الجلسة التى قاربت الساعتين.
وخلافًا للمعتاد فى مؤتمرات مايكروسوفت والشركات التقنية الاخرى التى تتعاون مع OpenAI، لم يظهر سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، الي جانب تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، اثناء الإعلان، على الرغم مـن أنه حضر المؤتمر فى مقر الشركة فى كاليفورنيا.
وقد حرصت آبل على تأكيد التزامها بمعايير الخصوصية والأمان مع إدماج ChatGPT فى أنظمتها، مشيرة الي ان المستخدمين لن يضطروا لإنشاء حسابات فى OpenAI لاستخدامه.
كَمَا أكدت ان OpenAI لن تجمع أو تحلل الأوامر النصية أو الملفات التى يشاركها المستخدمون مع ChatGPT، باستثناء مستخدمي إصدار (ChatGPT Plus) المدفوع، الذين سيكونون ملزمين بشروط OpenAI.
وقد جاءت خطوة إدماج ChatGPT فى أنظمة آبل فى وقت تواجه فيه شركة (OpenAI) انتقادات متعددة، نتيجه استقالة فريق الأمان والسلامة الذى يُسمى (Superalignment Team)، والذي يركز فى المخاطر الطويلة المدى لنماذج الذكاء الاصطناعي التى تطورها الشركة، والذي كان يقوده إيليا سوتسكيفر، وجان لايكي، اللذان غادر الشركة اثناء شهر مايو الماضي.
تهديدات بحظر أجهزة آبل فى الشركات:
بعد ساعات قليلة مـن إعلان آبل شراكتها مع شركة OpenAI، صرح إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس، عزمه حظر أجهزة آبل مـن شركاته فى حال أدمجت الشركة برنامـج ChatGPT على مستوى نظام التشغيل.
وقد كتب إيلون ماسك منشور عبر منصه إكس، اعلن فيه: “إذا أدمجت آبل ChatGPT على مستوى نظام التشغيل، فسوف تُحظر أجهزتها فى شركاتي. هذا انتهاك أمني غير مقبول”.
If Apple integrates OpenAI at the OS level, then Apple devices will be banned at my companies. That is an unacceptable security violation.
— Elon Musk (@elonmusk) June 10, 2024
وأضاف: “سيتعين على الزوار أيضًا فحص أجهزة آبل الخاصة بهم عند الباب، حيـث ستُخزن فى قفص فاراداي”، فى إشارة الي جهاز يحجب الموجات الكهرومغناطيسية الهامة للاتصالات، بما يشمل: إشارات الهاتف الخلوي والإنترنت اللاسلكي والبلوتوث.
And visitors will have to check their Apple devices at the door, where they will be stored in a Faraday cage
— Elon Musk (@elonmusk) June 10, 2024
وقد واصل ماسك انتقاده لآبل اثناء اليومين الماضيين، وقال فى منشور منفصل: “مـن السخيف ان آبل ليست ذكية بما يكفي لتطوير ذكائها الاصطناعي الخاص، لكنها تدعي أنها قادرة على ضمان حماية أمن المستخدمين وخصوصيتهم عند تسليم بياناتهم الي OpenAI. آبل لا تملك اى فكرة عما يحدث بالفعل عندما تسلم بياناتك الي OpenAI. إنهم يبيعونك على المكشوف”. ولم تعلق آبل حتـى هذه اللحظة على هذه التصريحات.
It’s patently absurd that Apple isn’t smart enough to make their own AI, yet is somehow capable of ensuring that OpenAI will protect your security & privacy!
Apple has no clue what’s actually going on once they hand your data over to OpenAI. They’re selling you down the river.
— Elon Musk (@elonmusk) June 10, 2024
يدير ماسك، الذى ســاهم فى تأسيس شركة (OpenAI) فى عَامٌ 2015، الان شركة مسابقه فى مجال الذكاء الاصطناعي تُسمى (xAI)، ولديه علاقته متوترة مع مجموعه ادارة شركة OpenAI، خاصة سام ألتمان وجريج بروكمان، حيـث يقاضيهما بتهمة خرق اتفاقية تأسيس (OpenAI)، التى تنص على إنشاء منظمة غير ربحية تركز فى تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة لخدمة البشرية، ولكنها الان تركز فى تحقيق الأرباح.
وقد رفضت OpenAI هذه الادعاءات فى وثائق المحكمة ووصفتها بأنها تافهة وغريبة وخيال، كَمَا ألمحت ان ماسك يشعر بالغيرة لعدم ارتباطه بالشركة بعد نجاحها.
ونظرًا الي سجل ماسك الحافل بالوعود التى لم تُنفذ، والتهديدات غير الجدية، يبقى السؤال مطروحًا هل سينفذ حظر أجهزة آبل أو يوسعه ليشمل علامات تجارية أخرى؟
إذا قرر ماسك تنفيذ تهديده، فمن الصعب ان يجد موظفيه بدائل أكثر أمانًا مـن أجهزة آبل، إذ أدمجت كل مـن جوجل وسامسونج بالفعل مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديدة فى أجهزة أندرويد، وأعلنت مايكروسوفت، أكبر مستثمر فى OpenAI، قبل أسابيع عملها على إدماج مزايا الذكاء الاصطناعي مباشرة فى نظام التشغيل أندرويد.
كيف يرى الخبراء خطوة آبل؟
اعلنت كاثرين فليك، أستاذة الأخلاق وتكنولوجيا الألعاب فى جامعة ستافوردشاير فى إنجلترا: “يركز نهج آبل للذكاء الاصطناعي فى الخصوصية أكثر مـن غيره، إذ يهدف الي معالجة أكبر قدر ممكن مـن البيانات فى الجهـاز نفسه، مع خيار طلب إذن المستخدم صراحةً قبل إرسال البيانات الي OpenAI”.
وكتب مات بريتزمان، محلل الأسهم فى شركة الخدمات المالية (Hargreaves Lansdown)، فى مذكرة يـوم الثلاثاء: “هذه لحظة عملية بالنسبة لآبل، التى واجهت صعوبة فى الابتكار فى الآونة الاخيره. لأن إدماج أداة خارجية مثل ChatGPT يحرك الامور أخيرًا، مع ترك مساحة لتطوير نماذج داخلية على مدار السنوات القليلة القادمة بتكاليف أقل بكثير مـن الشركات الرائدة”.
وقال بن وود، كثير المحللين فى شركة (CCS Insight): “تساعد الشراكة مع OpenAI شركة آبل فى تقديم مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي لمستخدميها مع تجنب المشكلات التى واجهتها الشركات المنافسة مثل جوجل، نتيجه لهلوسة الذكاء الاصطناعي وتقديمه محتوى غير مناسب”.
وأضاف: “حتـى الان، لم ترصد اى شركة مسابقه مزية أو جهازًا للذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا حقيقيًا لآبل، لذلك يُعدّ تقديم مزايا (Apple Intelligence) خطوة كافية الان لتهدئة المستثمرين وإظهار ان الشركة فى رحلة لتقديم تطبيقات وتجارب ذكاء اصطناعي أكثر جاذبية، مع توقع استمرار التقدم اثناء السنوات القادمة”.
الخلاصة:
كشفت شركة آبل عَنْ رؤية مقنعة، وإن كانـت غير مكتملة لمستقبل الذكاء الاصطناعي. لكن لا تنسَ ان أول هاتف آيفون واجه أيضًا قيودًا كبيرة عند إطلاقه، مثل: الشَّبَكَةُ البطيئة وعدم دعـم تطبيقات الطرف الثالث، ولم يتمكن حتـى مـن النسخ واللصق، وانظر الان كيف تسيطر آبل على سوق الهواتف الذكية عالميًا بفضل هواتف آيفون.
