الاخبار العربية والعالمية

أحياء تحت الركام وجثث منتفخة والمعدات بدائية.. رجل دفاع مدني بغزة يحكي للجزيرة نت يومياته | سياسة سام نيوز اخبار

غزة- يصف رجل الدفـاع المدني فى غزة “احمد سلمان”، طبيعة عمله اثناء الحرب العدوانية التى تشنها إسرائيل على القطاع بـ”الهامة المستحيلة”، إذ إنه مُطالب بإنقاذ آلاف الفلسطينيين الذين هدمت منازلهم على رؤوسهم، فى الوقت الذى لا يمتلك فيه اى معدات ملائمة، بالإضافة الي نقص الوقود، وانقطاع الاتصالات.

ويقول احمد، الذى يعمل مشرفا على نقطه الطوارئ بجهاز الدفـاع المدني فى مدينة دير البلح وسـط قطاع غزة للجزيرة نت، إنهم يستخدمون أساليب بدائية لإنجاز عملهم، ومنها تتبع أصوات الانفجارات، وسؤال المصابين عَنْ أماكن القصف، بالإضافة الي استخدام المجاريف اليدوية فى تحطيم الباطون، بغرض إنقاذ المدنيين العالقين بين الركام.

ويروي رجل الدفـاع المدني تجربة عصيبة مرّ بها، حيـث استشهد أطفال أخيه الخمسة ووالدتهم فى قصف إسرائيلي، ورغم ذلك لم يستطع إرسال سيارات لإنقاذهم لوجود مـن هم “أولى بالإنقاذ”، وفيما يلي نص الحوار الذى أجرته معه الجزيرة نت:

  •  الي جانب الاستعدادات هل المعدات كافية للعمل؟

الإمكانيات منذ ما قبل الحرب ضعيفة جدا، لا تساوي 5% مـن الإمكانيات المطلوبة، وحتى أننا كنا لا نستطيع التعامل مع الحرائق الكبيرة مثل حريق مخيم النصيرات عَامٌ 2020، لم نستطع إطفاءه بسهولة لقلة الإمكانيات، واستعنا بخلاطات سيارات الباطون.

جميع سياراتنا غير مؤهلة، وكل هذا بفعل الحصار الإسرائيلي، حيـث لم تدخل اى معدات لنا منذ عَامٌ 2006، ومع أنه كان لدينا سيارة دفاع مدني مؤهلة وممتازة، لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفها عَامٌ 2008 ودمرها، وبعد ذلك لم تدخل لنا اى معدات أخرى.

لا نستطيع التعامل مع هذا الكم الكبير مـن القصف، نحن غير قادرين على العمل أو السيطرة، الناس تحت الركام حاليا، ولا نستطيع إخراجهم، أحيانا نجد شخصا حيا تحت الركام، ونحفر عليه بـ”كريك” (جاروف) فى محاولة لإنقاذه.

عمل الدفـاع المدني يريد لمعدات حديثة قادرة على التعامل مع عمليات رفـع الأنقاض والعثور على الأشخاص وانتشالهم.

نحن حاليا نستخدم معدات يدوية، وللأسف قد نقتل مـن نحاول ان ننقذه بواسطة هذه الأدوات، ولدينا “باقر” (آلة ميكانيكية لتحطيم الباطون) واحد فى المحافظة الوسطى، وقد تعطل هو الآخر، ولا إمكانية لإصلاحه فى اثناء هذا الحصار، فكل المعدات التى تعطلت لا يمكن إصلاحها، ولو كانـت لدينا آليات كافية لكان مـن الممكن إنقاذ عَدَّدَ أكبر بكثير مما ننقذه.

  • هل مررت بتجارب شخصية قاسية اثناء عملك رجل دفاع مدني فى هذه الحرب؟

مررت بتجربة عصيبة للغاية، فقط ترصد المنزل الذى يوجد فيه أخي وزوجته وأطفاله للقصف، وقُتل فيه 31 شخصا، كان مـن بينهم زوجة أخي وجميع أطفاله الخمسة، أصغرهم كان عمره 3 اعوام، لكن المشكلة التى واجهتني أنه كان هناك منازل تعرضت للقصف قبله وهي أولى بعمليات الإنقاذ.

أصبحتُ لا أعرف ماذا أفعل! هل أنقذ أخي وأطفاله، وأترك بقية الناس تحت الأنقاض فى مناطق أخرى؟ اتصلنا بوزارة الأشغال كي تحضر لنا سيارة “باقر” بينما كانـت الإجابة أنها لن تأتي إلا بعد يـوم أو يومين بسـبب كثافة الغارات، كان عليّ ان أتعامل بمهنية وأمانة، لذلك أرسلنا السيارات لمناطق أخرى، اتصل علي أهلي وسألوني “هل أنت غير قادر على إرسال آليات لإنقاذ أخيك وأطفاله؟” قلت لهم “نعم، غير قادر، هذه أمانة”.

كَمَا أذكر أول عملية نفذتها فى هذه الحرب، كان يـوم أحد، وكان هناك عَدَّدَ ضخم مـن الشهداء فى المحافظة الوسطى وحدها، نحو 200 شهيد، وبينهم أولاد أخي الخمسة، فى ذلك اليـوم أُبيدت عائلات كاملة، ومسحت مـن السجل المدني، بينما كل المناطق تطلب سيارة “باقر”، لكن للأسف لا يوجد سوى باقر واحد، ولذلك طلبنا “باقر” مـن رفح (أقصى جنوب القطاع)، ولم أعد أقدر على طلبه لعدم قدرتي على توفير السولار له.

أذكر أيضاً أني رأيت مشهدا صعبا جدا لجثمان منتفخ، والمؤلم أنه حتـى أهل الشهيد لم يستطيعوا الاقتراب منه لحمله ودفنه، هذا المشهد آلمني جدا، كيف ان ابناء الشهيد لم يستطيعوا الاقتراب منه، لكن رجل الدفـاع المدني انتشله وحمله، الإنسان عورة ويجب علينا ان نستر هذه العورة.

رجل الدفـاع المدني يرى أهوالا، يرى نصف رجل، يرى رؤوسا مقطوعة، جثثا متحللة يخرج منها الدود، وروائح قد تؤدي الي أوبئة، نحن مخلوقات كتب الله لها الفناء، وهذا أمر طبيعي.

عملتُ فى كل الحروب السابقة بدءا مـن الحرب الأولى عَامٌ 2008، وأستطيع القول إن هذه الحرب لا ترحم أحدا، لا صغيرا ولا كبيرا، لا بشرا ولا حيوانا ولا شجرا، ربما كانوا فى السابق يستهدفون شخصا بعينه، لكن الان يستهدفون الكل، وكل نواحي الحياة، حتـى إنهم استهدفوا مطحنة للقمح، لماذا؟ إنهم لا يريدون للناس ان تأكل الخبز، لا يريدون للناس ان تعيش ولا حتـى ان تأكل.

رجل الدفاع المدني أحمد سلمان يروي شهادته على مآسي الغارات الوحشية على منازل قطاع غزة (تصوير ياسر البنا)
رجل الدفـاع المدني احمد سلمان اضطر للاعتذار لأهله عَنْ إنقاذ ابناء أخيه بسـبب أولوية إنقاذ عائلات آخرين (الجزيرة)
  • حدثنا عَنْ روتين العمل اليومي لرجل الدفـاع المدني اثناء الحرب

نحن نعمل على مدار الساعة، لكن عادة فى الصباح نتصل لتوفير الوقود للسيارات، وهذه مشكلة عظيمة جدا، يريد تعبئة سيارة الباقر مثلا الي 300 لتر سولار، وأحيانا يأتينا فقط 250 لترا، وأحيانا نعبئها فقط بـ40 لترا، إنني فى هذه الحالة كأنني أقول للسائق أنجز نصف الهامة فقط.

أصبحنا نتدبر الوقود بشكل شخصي، نذهب مثلا الي بعض المؤسسات الخيرية والخاصة، ونطلب منهم ان يعطونا السولار المتوفر لديهم فى خزانات السيارات، ونسحبه منها بواسطة خراطيم، ثم نوزع العناصر مع طواقم العمل كي يتسنى لهم العمل على إنقاذ المواطنين.

ولكنّ المشكلة تتمثل فى كثافة القصف، فمثلا يكون هناك 3 غارات فى 3 مناطق، فى الوقت الذى تمتلك فيه سيارة واحده، فكيف تغطي هذه المناطق الثلاث معا؟

الاتصالات مشكلة فظيعة، لا نعرف مكان الاستهداف بسـبب سوء الاتصالات، أصبحنا نذهب لإنقاذ الناس متتبعين صوت الانفجار (يبتسم بمرارة) أو نقول للعناصر اتبعوا سيارات الإسعاف، أو نرسلهم الي المستشفى لسؤال المصابين عَنْ مكان القصف، أصبحنا نستخدم أساليب بدائية جدا، بل أسوأ مـن البدائية.

نحن نعمل بصعوبة كبيرة، ربما لا يجد رجال الدفـاع المدني الطعام والشراب لهم، إضافة الي نقص المعدات والوقود والاستهداف الإسرائيلي، فقد لا نستطيع العمل مطلقا، فطواقم الدفـاع المدني تتعرض للاستهداف، ولدينا 14 شهيدا على مستوى القطاع، لكن بشكل عَامٌ رجال الدفـاع المدني صامدون، ويؤدون رسالتهم، رغم المخاطر الهائلة التى يتعرضون لها.

  • مع اتساع نطاق القصف، كيف تبحثون عَنْ الأحياء وكيف تعملون على انتشال الجثث؟

بسب قلة الإمكانيات، فإن الأولوية هى لإنقاذ الأحياء، اما انتشال الجثث فهو متوقف على توفر المعدات حيـث يتم تأجيلها، وهو ما يتسبب للأسف بتحلل الجثث، وهذا أمر مؤلم للغاية، حيـث إنه يجب تكريم الشهداء ودفنهم، كَمَا أنه أمر خطير أيضاً، وقد يؤدي الي تفشي الأوبئة.

لا يوجد لدينا معدات لاكتشاف وجود أحياء تحت الأنقاض، ولذلك نستخدم أساليب بدائية مثل المناداة عليهم، أو البحث عَنْ مكان غرف النوم.

كَمَا أننا نبحث عَنْ الجثث تحت الأنقاض بالأسلوب التقليدي، وللأسف الشديد أحيانا نتتبع الذباب، حينما يكون قد مر على القصف عدة أيام، كونه يتجمع على الجثث، فلا مجسّات لدينا تكشف وجود إنسان، كلها أمور بدائية.

أستطيع القول إن نسبه الدمار فى المنازل المقصوفة هى أكثر مـن 1000%، لانه مع كل بيت يتعرض للاستهداف، تتدمر معه 10 بيوت أخرى بشكل شبه كامل، إنهم يستخدمون أسلحة فتاكة، تقتل الجيران بشكل لا يقل عَنْ المنزل المستهدف.

إنهم يستخدمون أسلحة تختلف عَنْ بعضها بعضا، صاروخ مثلا يخترق 3 أسطح مرة واحده، ويقطّع أشلاء المواطنين، رأينا مثل هذا فى مخيم البريج (شرق المحافظة الوسطى) حيـث دمّر حيّا كاملا، وهناك صواريخ تدفع الإنسان تحت الأرض لمسافات، فى منزل لعائلة أبو شعيب مثلا، وجدنا أشخاصا تحت الأرض بمسافة 5 أمتار.

مـن الامور القاسية التى نواجهها أننا نذهب لإنقاذ شخص ما كي تُحيي نفسا، (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)، لكنك غير قادر على ذلك، تحفر وتحفر ولكن للأسف بدون جدوى، هذا يرجع لإرادة الله، قد يستهدفون منزلا لاغتيال شخص ما، ويقتلون 50 شخصا، والشخص المستهدف ينجو، وبشكل عَامٌ نسبه الأحياء فى المنازل المستهدفة ضئيلة.

لا يزال هناك الآلاف تحت الأنقاض على مستوى قطاع غزة دون مبالغة، ونخشى صعود الرقم أكثر مع استمرار العدوان، فقد تم مسح وتدمير مناطق واسعة فى مدينة غزة، اما فى المنطقة الوسطى، فنتوقع ان يكون هناك 150 شخصا تحت الركام، ومع هذه المعدات، نحتاج لسنوات لرفع الأنقاض وانتشال الجثامين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى