اعتقلت سلطات الاحتلال منذ السابع مـن أكتوبر أكثر مـن 2400 شخص، استشهد ستة منهم فى ظروف غامضة. وبلغ عَدَّدَ المعتقلين أكثر مـن 7000 أسير فلسطيني، مـن بينهم 62 امرأة و200 طفل، وأكثر مـن 2070 معتقلًا إداريًا. ويتعرض الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون لظروف اعتقال قاسية للغاية، حيـث يحرمون مـن أبسط الحقوق التى أقرتها لهم اتفاقيات جنيف لعام 1949.
وتتسابق الأحزاب اليمينية المتطرفة الإسرائيلية، المكوِّنة للائتلاف الحكومي، لاتخاذ إجراءات انتقامية بحق الفلسطينيين، فى اطار المزايدة السِّيَاسِيَّةُ بينما بينها، سواء ما كان امام المدنيين فى قطاع غزة أم اقتحامها المدن والقرى فى الضفة الغربية وقتلها الشبان بدم بارد. ومن بين هذه الإجراءات المعاملة القاسية امام الأسرى، أو مشاريع قوانين عنصرية تتيح إعدامهم أو النيل مـن كرامتهم. فما هو الموقف القانوني للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين؟ ولماذا الان مشروع قانون إعدام الأسرى؟ وأين هذه المشاريع مـن القوانين الدولية الناظمة؟
ترفض دَوْلَةٌ الاحتلال معاملة المقاتلين الفلسطينيين بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، على اعتبار انّ صفة أسرى الحرب لا تنطبق إلا على أفراد القوات المسلحة، وأعضاء حركات المقاومة المنظمة لأحد أطراف النزاع. وبما ان المقاومين الفلسطينيين لا ينتمون الي اى دَوْلَةٌ، فإنهم غير مؤهلين للحصول على مكانة أسرى الحرب
لماذا قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين؟
صادقت الهيئة العامة للكنيست، يـوم الأربعاء الموافق 1 مارس 2023، بالقراءة التمهيدية على اقتراح قانون العقوبات الذى ينص على عقوبة الإعدام للأسرى الفلسطينيين، تم صياغة اقتراح القانون جاء الى عضو الكنيست ليمور سون هار ميليخ مـن حزب “الصهيونية الدينية” الذى يتزعمه بن غفير، وسيمرر المقترح الي الكنيست مـن اجل تحديد هوية اللجنة التى ستقوم ببحثه وإعداده للقراءة الأولى. وأُعيد طرح المشروع مرة ثانية بعد معركة “طوفان الأقصى”؛ بغية المصادقة عليه بالقراءة الأولى، والإسراع بالمصادقة عليه بالقراءَتين: الثانية والثالثة ليكون نافذًا بشكل فوري.
ويعتبر مشروع القانون أحد بنود اتفاق تشكيل الائتلاف الحكومي الذى تم بين رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، ورئيس حزب قوة يهودية إيتمار بن غفير، فى أواخر عَامٌ 2022.
وينص القانون المقترح على ما يلي:
“الشخص الذى يتسبب عمدًا أو مـن اثناء اللامبالاة بوفاة مواطن إسرائيلي، وعندما يحدث الفعل بدافع العنصرية أو العداء تجاه الجمهور اليهودي، وبهدف الإضرار بدولة إسرائيل وأمنها ونهضة الجمهور اليهودي، يحكم عليه بالإعدام”.
جاء هذا المقترح فى اثناء حالة مـن التخبط السياسي والعسكري تعيشها دَوْلَةٌ الاحتلال، تتمثل بالهروب الي الأمام وتنفيذ إجراءات انتقامية امام الفلسطينيين.
ومن المستبعد ان يشكل مقترح القانون، بينما لو أُقر فى الكنيست، رادعًا للفلسطينيين. وهو قانون يوصف فى الأوساط السِّيَاسِيَّةُ الإسرائيلية بأنه شعبويّ، ويحتاج الي نقاشات معمقة كي يكون صالحًا للنقاش فى الكنيست. وهو محاولة بائسة لتصحيح صورة الأحزاب اليمينية المتطرفة، ومن بينها صورة حزب بن غفير.
المركـز القانوني للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين
تمارس إسرائيل عملية تمييع واسعة امام الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وهي لا تعترف بالمركز القانوني، ولا تعترف بالحقوق التى وفرها لهم القانون الدولى الإنساني، خصوصًا اتفاقيتَي جنيف الثالثة والرابعة لعام 1949. وحتى عندما تطبق قوانينها الداخلية أو قراراتها الصادرة عَنْ أجهزتها الأمنية (الشباك) أو مصلحة السجون فإنها تمارس تمييزًا صارخًا بين المحتجزين لديها- اىًا كان مركزهم القانوني وفق التقييم الإسرائيلي- وبين السجناء الإسرائيليين.
بعد احتلال إسرائيل الضفةَ الغربية وقطاع غزّة والقدس الشرقية عَامٌ 1967، أصدر القائد العسكري لمنطقة قطاع غزة وشمال سيناء الامر العسكري رقم (107)، كَمَا أصدر القائد العسكري للضفة الغربية فى السنة نفسها، الامر العسكري رقم (144)، الذى نصّ على ان: “أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لا تتمتع بالسمو والأفضلية على القانون الإسرائيلي وتعليمات القيادة العسكرية، وأن ما تضمنته المادة 35 مـن الامر العسكري رقم (3) مـن إشارة الي اتفاقية جنيف الرابعة قد جاء بطريق المخالفة”. علمًا ان دَوْلَةٌ الاحتلال كانـت تعترف بانطباق اتفاقيات جنيف على الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل هذه الأوامر العسكرية.
ترفض دَوْلَةٌ الاحتلال معاملة المقاتلين الفلسطينيين بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، على اعتبار انّ صفة أسرى الحرب لا تنطبق إلا على أفراد القوات المسلحة، وأعضاء حركات المقاومة المنظمة لأحد أطراف النزاع. وبما ان المقاومين الفلسطينيين لا ينتمون الي اى دَوْلَةٌ، فإنهم غير مؤهلين للحصول على مكانة أسرى الحرب.
وفي محاولة لنزع الشرعية عَنْ نضال الجمهور الفلسطيني، لا تعترف دَوْلَةٌ الاحتلال بأصحاب المقاومة الفلسطينية، باعتبارهم جزءًا مـن حركات التحرر الوطني؛ لأن ذلك سيعطي شرعية لنضالهم. وبدلًا مـن ذلك، تصنفهم دَوْلَةٌ الاحتلال على أنهم سجناءُ لأسباب أمنية، وإرهابيون لا حقوق لهم. كَمَا بدأت بعد انسحابها مـن قطاع غزة فى عَامٌ 2005، بتصنيف بعض المعتقلين فى القطاع على أنهم “مقاتلون غير شرعيين”، كيفما فعلت الولايات المتحدة مع معتقلي سجن غوانتانامو، وعلى اعتبار انّ احتلالها قطاع غزة قد انتهى وليس لهم “حقوق” كَمَا هو الحال مع أسرى الضفة الغربية أو القدس المحتلة.
بناءً على ان صفة أسير حرب لا تنطبق إلا على عَدَّدَ قليل مـن المعتقلين الفلسطينيين، فإن الغالبية العظمى منهم هم مـن المدنيين الذين يتمتعون بالحماية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، سواء مـن حملوا السلاح فى وجه الاحتلال أم مـن ســاهم فى الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة.
يجري الاعتقال الإداري دون محاكمة استنادًا الي أمر يصدره قائد المنطقة، وباعتماد أدلّة وبيانات سرّية لا يطّلع عليها المعتقل نفسه
وينقسم السجناء فى السجون الإسرائيلية الي قسمين:
- الجنائيين
- والأمنيين
ويندرج المعتقلون الإداريون والمقاتلون غير الشرعيين ضوء فئة السجناء الأمنيين:
المعتقلون الإداريون
هم أشخاص حُرموا مـن حريتهم بناءً على أمر مـن الجهات الأمنية وليست القضائية، دون توجيه تهم جنائية أو أمنية ضدهم. ويستند هذا الاعتقال، بطريقة تعسفية، الي القانون الدولى الإنساني، وتحديدًا اتفاقية جنيف الرابعة. ولأنّ الحديث يجري عمّا يبدو أنه خطوة وقائية، فإنّه لا يوجد وقت محدّد لفترة الاعتقال. يجري الاعتقال الإداري دون محاكمة استنادًا الي أمر يصدره قائد المنطقة، وباعتماد أدلّة وبيانات سرّية لا يطّلع عليها المعتقل نفسه.
المقاتلون غير الشرعيين حسب لوائح مصلحة السجون
هم أشخاص محتجزون فى السجن بناءً على أمر اعتقال موقّع جاء الى رئيس الأركان. ولا يستحقون مكانة أسير حرب. وقد اعتقل عشرات الفلسطينيين مـن قطاع غزة بموجب هذا القانون، وبخاصة اثناء العدوان الإسرائيلي فى عَامٌ 2008، أو أولئك الذين اعتقلوا بعد السابع مـن أكتوبر.
وتستخدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراء الاعتقال الإداري بشكل واسع وروتينيّ بحيث اعتقلت، وما زالت، على مرّ السنين آلاف الفلسطينيين لفترات طويلة دون تمكينهم مـن الدفـاع عَنْ أنفسهم امام الادعاءات السرية الموجهة ضدهم.
قوانين عنصرية بحق الأسرى
أصدرت سلطات الاحتلال اثناء العقد الأخير عَدَّدًَا مـن القوانين العنصرية بحق الأسرى؛ منها قانون خصم مخصصات رواتب الأسرى والشهداء (2018). ويقضي هذا القانون بأن يتم خصم قيمة المبالغ التى تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى وذويهم، مـن عائدات الضرائب التى تجبيها سلطات الاحتلال، وتجميدها فى صندوق حصري، على ان يمنح المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، الحق فى إعادة جميع الأموال المجمدة للسلطة الفلسطينية إذا لم تقم السلطة بتحويل المخصصات لذوي الأسرى والشهداء والجرحى الفلسطينيين.
وكذلك قانون إعفاء المخابرات مـن توثيق التحقيق (2015). ويعفي هذا القانون جهاز المخابرات الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية مـن توثيق التحقيقات بالصوت والصورة التى يمكن ان تحظر ممارسة التعذيب امام المعتقلين والذي ما زال يمارس فى غرف التحقيق الإسرائيلية.
وكذلك قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين عَنْ الطعام (2015). ويعتبر هذا القانون مـن أخطر القوانين التى تهدد حياة الأسرى المضربين عَنْ الطعام.
قانون محاكمة الأطفال دون سن 14 عَامًٌا (2015)
وهو قانون يسمح بمحاكمة وسجن الأطفال مـن هم أقل مـن 14 عَامًٌا، وهو ما يتعلق بالأطفال الفلسطينيين الذين يخضعون لـ “قانون الاحداث الإسرائيلي المدني” كأطفال القدس. وينص القانون على ان المحكمة تستطيع ان تحاكم أطفالًا مـن سن 12 عَامًٌا؛ لكن عقوبة السجن الفعلي تبدأ بعد بلوغهم سنّ 14 عَامًٌا؛ بحيث يصبح سنّ المسؤولية الجنائية هو 12 عَامًٌا؛ ويمكن اعتقال طفل والتحقيق معه؛ وبعد إدانته يتم إرساله الي إصلاحية مغلقة، ويبقى فيها الي ان يبلغ 14 عَامًٌا.
قانون مكافحة الإرهاب (2016)
وهو قانون يوفّر أدوات جديدة للسلطات الإسرائيليّة، الي جانب تكريس قسم مـن قوانين الطوارئ الوحشيّة السارية منذ عهد الانتداب البريطانيّ والتعليمات المؤقتة الصادرة عنه، التى تهدف الي قمع نضال فلسطينيي الداخل (1948)، وملاحقة نشاطاتهم المساندة للفلسطينيين فى الضفة الغربيّة وقطاع غزّة. يفرض هذا القانون عقوبة السجن لمدة 25 عَامًٌا على رئيس تنظيم فلسطيني؛ و15 سنة على مَن يشغل منصبًا إداريًا أو قياديًا فى التنظيم؛ كَمَا ينص على ان لجنة الاعلان السراح لا ترصد توصية الي رئيس الدولة بتقليص محكومية مـن حكـم عليه بالسجن المؤبد، إلا بعد مرور 15 سنة على اعتقاله.
القانون الدولى الإنساني لا يسمح بالإضرار بصحة وسلامة الأسرى
يدعو القانون الدولى الإنساني- وهو ذو أحكام آمرة حتـى على الدول التى لم تصادق عليه- الي معاملة الأسرى المحتجزين معاملة إنسانية لائقة. ويحظر معاملة الأسرى معاملة مهينة أو حاطّة مـن كرامتهم، ولا يُسمح بأي عمل يمكن ان يؤدي الي أضرار جسيمة بصحة أو سلامة الأسرى المحتجزين. وبحسب المادة 13 مـن اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بحماية الأسرى لعام 1949 فإنه يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية فى جميع الأوقات. ويحظر ان تقترف الدولة الحاجزة اى فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير فى عهدتها، ويعتبر انتهاكًا جسيمًا لهذه الاتفاقية.
هل تنفذ إسرائيل عقوبة الإعدام؟
رغم انّ إسرائيل شاركت فى المفاوضات التى أدت الي إبرام اتفاقيات تناهض عقوبة الإعدام، فإنها لم تصادق على البرتوكولات الملحقة بها. وتشمل هذه الاتفاقيات العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره مـن ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة. ويعود عدم مصادقة الاحتلال على البرتوكولات الي أسباب دينية، حيـث تعتـبر طوائف دينية يهودية عقوبة الإعدام- شرعية أو سياسية- مرتبطة بتجنب ضغوط دولية.
اتخذت سلطات الاحتلال بعض الخطوات لتقليص استخدام عقوبة الإعدام. ففي عَامٌ 1996، ألغت إسرائيل عقوبة الإعدام للجرائم العادية، وأصبحت عقوبة الإعدام محصورة بالجرائم المرتكبة فى زمن الحرب أو فى حالة الضرورة القصوى؛ لمنع وقوع جريمة خطيرة. كَمَا أصدرت إسرائيل عَامٌ 2000 قانونًا يتطلب موافقة رئيس الوزراء ووزير الدفـاع ووزير العدل على تنفيذ حكـم الإعدام. ومنذ تنفيذ حكـم الإعدام فى حق أدولف أيخمان وهو متهم بارتكاب جرائم امام الإنسانية عَامٌ 1962، لم يتم تنفيذ اى حكـم إعدام بعد ذلك.
واليوم وبعدما أخفقت إحدى لجان الكنيست فى نقاش مشروع قانون إعدام الأسرى، لأسباب أمنية وسياسية، فإنه مـن الصعوبة بمكان المصادقة عليه فى وقت لاحق، لأن إسرائيل قد تلجأ الي تنفيذ عقوبة الإعدام بحق أسرى فلسطينيين متهمين بقتل جنود أو مستوطنين إسرائيليين مـن دون قانون وبشكل سري، وتسوق حججًا كثيرة عَنْ سبب وفاتهم، وليس أدل على ذلك مـن استشهاد 6 فلسطينيين فى ظروف غامضة فى سجون الاحتلال. كَمَا ان تنفيذ عقوبة الإعدام – بشكل رَسْمِيٌّ وعلني- قد يؤجج التوتر ويفجّر انتفاضة عارمة فى الضفة الغربية والقدس المحتلة.