الاخبار العربية والعالمية

أصبر على الابتلاء وأثق فى جهود “مسام”

وجهه المسكون بالحزن وعيناه المحمرتان وكأنهما لا تكفان عَنْ ذرف الدموع ومحاولة الصبر وحبس العبرات، وصوته المختنق بقهر الظلم والتعب والعجز، وكلماته المتراوحة بين السخط على صنيع الألغام اثناءًا، والمتمسكة بالحمد أحيانًا كثيرة على ما ألم به، وحاله وهو مقعد مبتور القدمين لا يقوى على الحركة، مشهد مغرق فى الحزن يفطر الفؤاد ويحبس الكلمات، ويكشف عَنْ مقدار جبروت الألغام فى اليمن ومقدار طغيانها وتعطشها للدم.

على هذه الحال، يتوجه العم عبد الله بعبارات مكلومة الي مشروع “مسام” شاكيًا مصابه بسـبب الألغام قائلًا: “كنت مارًا بجوار إحدى المستشفيات وقلبي مثخن بالحزن على فقد زوجتي وابنتي بسـبب الألغام، أحاول ان أتمسك بالصبر وأحمد الله على ما حل بأسرتي مـن قهر وعدوان، وما راعني إلا وقد اهتزت الأرض مـن تحت قدميّ بسـبب لغم غادر، فقدت رجلي اليمنى لحظتها وتأذت اليسرى جدًا بشظايا الألغام، واضطر الأطباء لاحقًا الي بترها”.

قسوة زارعي الألغام

يواصل العم عبد الله حديثه قائلًا: “لم نقترف اى ذنب حتـى تصنع بنا كل هذا، تلك الألغام وزراعها الظالمون المعتدون على حدود الله، والفاقدون للرحمة والإنسانية، لقد آذونا أيما إيذاء، ودمروا حياتنا وأسرنا وحتى مواشينا وبيوتنا، وها نحن كَمَا ترون على هذه الحال، فأنا لا أقدر على المشي البتة، وألازم مكاني حتـى أجد مـن ينشلني لأمضي لتدبر أبسط أموري اليومية، لقد حطمونا وقهرونا وسرقوا راحة بالنا وأعاقوا حياتنا، ولا نقول إلا الحمد الله على كل حال”.

عبارات القهر والغضب تخترق صدر هذا المسن المقعد، وعيناه تحكي المزيد عَنْ مقدار الألم الذى عاشه، وجسده الواهن اليـوم بفعل صنيع الألغام به والشيخوخة، يكشف مدى تجرد زراع الألغام فى اليمن مـن الإنسانية، وخروجهم عَنْ السليقة البشرية السليمة، وتوحشهم وتوغلهم فى متاهات الظلم والشر والعدوان، ونقمتهم على الجمهور اليمني البريء والمكتوي بطوفان الألغام الساحق.

العم عبد الله فقد قدميه بسبب لغم غادر في اليمن - اليوم

صبر جميل

رغم تكالب المظالم على عم عبد الله وقهر الإعاقة وعدوان الألغام عليه، يفترش الأرض محاطًا بأحفاده، يحتض هذا اثناءًا ويقبل ذاك أحيانًا، ويمرر يده على رأس تلك، وكأنه يستمد منهم القوة والرغبة فى مواصلة الحياة، ويرسل إليهم ابتسامات صغيرة مستأنسًا بهم كأنهم شمعات وضّاءة فى درب حزنه العميق والمظلم.

ولعل الجميل والملفت فى حالة العم عبد الله، تميزه بلسان شاكر وقلب ذاكر لرب العالمين، وقناعته الراسخة أنه فى امتحان دنيوي صعب للغاية، لكنه سيجنى ثمار صبره خيرًا عند بارئه، إذ يقول فى حديثه الي “مسام”: “احمد الله على هذه المحنة، وأشكره ان ابتلاني فى أهلي وصحتي، وسأصبر لأني على يقين ان مـن يحبه الله يبتليه، وهذه المحن تحمل فى باطنها رحمات لنا، الحمد الله على كل حال، وإن شاء الله الفرج قادم ما دام “مسام” يناضل مـن أجلنا، أسأل الله ان يبارك جهودهم وينصرهم، ويسعدنا بنصرهم على آفة الألغام”.

جهود متواصلة لتطهير اليمن

يواصل مسام جهوده فى نزع واتلاف الألغام فى اليمن، إذ تمكنت الفرق الميدانية منذ بداية المشروع وحتى الان مـن نزع 402.258 لغمًا وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة، عبارة عَنْ: 248.842 ذخيرة غير منفجرة، و7806 عبوة ناسفة، و139.423 لغمًا مضادًا للدبابات، و6187 لغمًا مضادًا للأفراد، بإجمالي مساحة 47.011.090 مترًا مربعًا مـن الأراضي اليمنية التى كانـت مفخخة بالألغام والذخائر والعبوات الناسفة.

مـن جانب اخر، أشاد المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بجهود مشروع “مسام” الإنساني لنزع الألغام فى اليمن، والتي زرعتها ميليشيات الحوثي بشكل عشوائي فى المناطق التى سيطرت عليها.

تحرير اليمن مـن الألغام

أشار البيان الصادر عَنْ المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية فى دورته 156، التى عُقدت فى مقر الأمانة العامة بالرياض، الي دور المشروع الإنساني لتطهير الأراضي اليمنية مـن الألغام، إذ استطاع مشروع “مسام” منذ تدشينه فى منتصف عَامٌ 2018، مـن نزع أكثر مـن 400 ألف لغم وذخيرة وعبوة ناسفة”.

وأسهمت جهود مشروع “مسام” فى تحرير عدة مناطق يمنية مـن سطوة الألغام وإعادة الحياة لطبيعتها للكثير مـن المرافق الحيوية فى اليمن، فى كسب ثقة الشارع اليمني، وتحصيل تعاون مثمر جاء الى المدنيين مع هذا المشروع مـن اثناء الإبلاغ عَنْ اى جسم مشبوه أو حوادث، للجهات المعنية التى وضعها المشروع على أهبة الاستعداد للتعامل المهني والإنساني مع البلاغات العاجلة، ما أسهم فى خفض عَدَّدَ ضحايا الألغام، ونشر الوعي أكثر بمخاطرها، وإكساب الشارع اليمني ثقافة وقائية تجاه علب الموت المتفجرة.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى