أخبار عالميةأخبار عربيةأخبار فلسطينالاخبار العربية والعالمية

أفريقيا الوسطى وتشاد.. الحرب ومواقف دول جوار السودان | سياسة سام نيوز اخبار

فى المقال السابق استعرضنا مواقف بعض دول الجوار السوداني، مـن الحرب الدائرة فى السودان، وما هى العوامل التى ساهمت فى صناعة هذه المواقف، والعلاقات المتشابكة حيالها وكيفية التواصل مع مكوّناتها، وركّزنا على إثيوبيا وإريتريا.

ويأخذنا الحديث فى هذه الحلْقة الثانية الي دول أخرى مـن جوار السودان، قد وجدت نفسها وسـط تلاطم الموج الهائل لهذه الحرب، والعواصف التى تهبّ مـن كل اتجاه، والكل يعلم ان ما يجري سيجرّ المنطقة برمّتها الي حضيض الحرب الإقليمية الطاحنة، وستكون تداعياتها وبالًا على الجميع، مهما تفاوتت الدرجات والمناسيب، ومن هذه الدول جنوب السودان، وأفريقيا الوسطى، وتشاد، وهي الدول المعنية بهذه الحلْقة.

وجد قائد الدعـم السريع بين يديه فرصًا ثمينة لصناعة علاقة سياسية، ووجود تجاري واستثماري يمهدان لنفوذ سياسي فى جنوب السودان؛ مستفيدًا مـن إدارته ملفي السلام بالبلدين

جنوب السودان

غني عَنْ القول، انَّ جمهورية جنوب السودان ذات ارتباط عضوي وثيق بالسودان، فقد كانـت جزءًا منه، وانفصلت عنه بعد حروب طويلة وتمرُّد بدأ 18 أغسطس/ آب 1955م، ولم يكن السودان يومئذ دَوْلَةٌ مستقلة عَنْ الاستعمار البريطاني، الي ان انتهى التمرد الأخير فى 31 ديسمبر/ كانون الاول 2004، بتوقيع اتفاقية السلام فى نيفاشا الكينية، ثم انفصال جنوب السودان فى يوليو/تموز 2011م.

ظلت العلاقة بين البلدين مع حملها الثقيل، تقوم على تقديرات دقيقة مراعاة لخصوصيتها وتتفاعل باستمرار بما يجري، واستطاع الرئيسان: عمر البشير، وسلفاكير المشي فوق الأشواك وحافظا على العلاقة بين البلدين؛ رغم تباعد الخطى أحيانًا، ووجود تقاطعات ذات كلفة عاليه هنا وهناك، تحمَّلا بعضهما حتـى ذهاب عهد الرئيس البشير.

مـن الطبيعي ان يرحّب ويدعم جنوب السودان، القيادة الجديدة للسودان بعد 11 أبريل/نيسان 2019م، فالرئيس سلفاكير، هو سليل المؤسسة العسكرية السودانية، وكان ضابطًا فى استخبارات الجيش السوداني، حتـى تمرد مع جون قرنق فى مايو/أيار 1983، ويعرف الجيش السوداني معرفة جيدة، مقاتلًا فى صفوفه، ثم مقاتلًا ضده مع الجيش الشعبي، والحركة الشعبية بقيادة جون قرنق.

بعد التغيير ونشوء نظام جديد فى السودان أبريل/نسيان 2019م، لم يكن لقوات الدعـم السريع علاقة متينة بدولة جنوب السودان، فسارع حميدتي بعد ان أصبح الرجل الثانى فى الحكـم لنسج علاقته الخاصة مع جوبا بعد تسلُّمه ملف التفاوض مع حركات التمرد فى دارفور ومناطق أخرى، والانخراط فى المفاوضات التى أفضت الي توقيع اتفاق سلام جوبا فى 3 أكتوبر/تشرين الاول 2020م.

وفي وقت متزامن تولى حميدتي، أيضًا، ملف الوساطة بين حكومة جنوب السودان ومعارضيها، خاصة الدكتور رياك مشار الذى كان يقود أكبر حركات المعارضة، وتم توقيع اتفاقية سلام خاصة بجنوب السودان فى 14 أكتوبر/تشرين الاول 2020م، وتم بموجبها تقاسم السلطة بين الرئيس سلفاكير، ونائبه رياك مشار.

وجد قائد الدعـم السريع بين يديه فرصًا ثمينة لصناعة علاقة سياسية، ووجود تجاري واستثماري يمهدان لنفوذ سياسي فى جنوب السودان؛ مستفيدًا مـن إدارته ملفي السلام بالبلدين.

وبسرعة وطّد علاقاته التجارية مع نافذين فى حكومة جنوب السودان، ودخل فى شراكات استثمارية مع أشخاص فى مناطق صنع القرار أو قريبين منها، فاختار ان تكون له علاقة بشريك تجاري هو بول ميل، أحد كبار رجال الأعمال والقيادي فى الحركة الشعبية ومستشار حصري للرئيس، ثم السيدة أدوك سلفاكير، كريمة الرئيس، وعمل مع هؤلاء فى مشاريع للطرق والجسور واستجلب آليات وشاحنات لهذه المشاريع.

ثم عَنْ طريق المستشار الأمني لرئيس الجمهورية السيد توت قلواك وآخرين، حصل على صفقات لتوريد متطلبات الجيش الشعبي: تعيّنات وملابس ومعدات.

ثم حصـلت شركة “الجنيد” التى يملكها قائد الدعـم السريع على عقود لشراء نفط مـن جنوب السودان، ولعب مدير جهاز الأمن الداخلي فى جوبا، أكول كور دورًا فى تسهيل الحصول على هذه التعاقدات، كَمَا اشترى ديون الخرطوم على جوبا فى رسوم عبور وتكرير نفط جنوب السودان.

وعملت شركات الدعـم السريع مع الاستخبارات العسكرية للجيش الشعبي، لتسهيل عبور آليات ومعدات تعدينية الي منطقه (سنغو) فى أقصى جنوب دارفور على حدود جنوب السودان، مقابل ان يدعـم قائد الدعـم السريع عملًا تعدينيًا مشتركًا للتعدين فى المناطق المتنازع عليها مع جنوب السودان (حفرة النحاس، كفيا كانجي، حفرة النحاس، كفن دبي)، وهي مـن أكثر المناطق فى تاريخ السودان وجدت اهتمامًا بريطانيًا وألمانيًا وإسرائيليًا؛ بسـبب وجود احتياطيات كبيرة مـن الذهب والنحاس والألماس واليورانيوم، وخصص قائد الدعـم السريع وشركته “الجنيد” هدايا عبارة عَنْ سيارات لبعض القادة العسكريين الذين سهّلوا عبور الآليات.

دخل حميدتي وشركته فى استثمارات مشتركة مع رجل الأعمال الجنوب سوداني، كور أجين، الذى أسس شركة اتصالات تسمى: (ديجيتال DIGITAL)، يملك حميدتي أكثرية أسهمها، واشترى بنايتَين فى وسـط جوبا لصالح الشركة، تستغل بعض طوابقها شركة “الجنيد”، بجانب استثمار طبي- مستشفى (ملوك النيل NILE KINGS)، بجانب استثمارات أخرى، بالإضافة لتعاملات ومصالح مالية مع كثير مـن ذوي التأثير فى جوبا.

وصلت ديون حميدتي على حكومة جوبا فى توريد تعيّنات واحتياجات الجيش الشعبي أكثر مـن مليار دولار بحلول أكتوبر/تشرين الاول 2022م، وقبيل الحرب ببضعة اشهر حدث خلاف حول هذه الديون، وبدأت جوبا تتململ مـن طريقة المطالبة بالديون.

وأوفدت جوبا وزيرَي المالية والبترول والمستشار الخاص للرئيس سلفاكير للخرطوم لمعالجة المسائل العالقة فى موضوع النفط والديون، وتقليل وتقليص التعامل مع الدعـم السريع فى تعاملات البترول، حيـث كانـت بعض الديون تدفع مـن البترول الخام لجنوب السودان، كَمَا حوت الزيارة رسالة تحذير مـن سلفاكير الي رئيس مجلس السيادة النادي أوَّل عبد الفتاح البرهان نقلها له مستشاره الخاص توت قلواك ملخصها: “ان حميدتي ينوي ويخطط لإطاحته مـن السلطة”.

ونسب الي السيد قلواك “ان حميدتي صارحه بأنه سيقوم بانقلاب ويطيح بالبرهان، وسيرفرف علم الدعـم السريع فوق القيادة العامة للجيش السوداني”. ويقول توت؛ إنه نصحه بعدم الإقدام على ذلك، وذكر مصدر مقرب للرئيس سلفاكير ان تقريرًا رفـع له مفاده “ان حميدتي حدد ساعة الصفر لانقلابه على البرهان واعتقاله هو والفريق كباشي”.

عندما بدأت الحرب، طرحت جوبا وساطتها فى الأيّام الأولى، لكن كان هناك توجه أميركي بعدم إعطاء الرئيس سلفاكير اىَّ دور إقليمي، وتنامى دور كينيا وإثيوبيا، بينما جوبا فى حاجة لتهدئة الْأَوْضَاعُ فى السودان؛ لمصالحها النفطية وحفاظًا على أمنها القومي، فطلبت أولًا مـن حميدتي وقواته ألا تهاجم المنشآت النفطية فى السودان التى تتم عبرها عملية تصدير نفط جنوب السودان.

والدليل على هذا أنه عندما هاجمت قوات حميدتي منطقه العيلفون ودخلت المحطة النفطية لضخ البترول، اتصلت جوبا وطالبته بعدم التخريب ورضخ حميدتي للطلب؛ طمعًا فى تسوية موضوع ديونه، كَمَا أنه ساوم بمصفاة النفط الرئيسية فى شمال العاصمة.

يدعـم عَدَّدَ مـن قادة الحركة الشعبية ومسؤولين فى جنوب السودان، موقف الدعـم السريع، وهو ما يناقض الموقف المعلن مـن الرئيس سلفاكير، ويحاول نائبه تعبان دينق، ود. ضيو مطوك، ولوكا بيونق، وفرانسيس دينق، ونيال دينق نيال، ووزير الخارجية السابق دينق داو ماييق، وآخرون، التعامل مع قائد الدعـم السريع وتقديمه للدوائر الغربية باعتباره داعمًا لما يسمى بمشروع السودان الجديـد، وحليفًا للحركة الشعبية، وسيلبي كل مطالبها خاصة فى الموضوعات الحدودية مثل أبيي ومناطق أخرى، وهذا ما حواه تقرير كتبه الدكتور لوكا بيونق لمعهد السلام الأميركي بواشنطن بعد لقائه بحميدتي فى نيروبي.

فى اتجاه آخر تقاتل مع الدعـم السريع حاليًا أعداد كبيرة مـن المقاتلين قدِموا مـن دَاخِلٌ دَوْلَةٌ جنوب السودان، وهي عدة مجموعـات مختلفة:

مجموعه استخبارات الجيش الشعبي: هى مجموعه قليلة العدد لا تتعدى 500 شخص، نشرهم الجيش الشعبي بالسودان مع الدعـم السريع؛ لجمع البيانات حول الحرب فى السودان، وعن الحركات الجنوبية المسلحة وعناصرها المقاتلة. مجموعه المرتزقة الجنوبيين تم استجلابهم عبر سماسرة جنوبيين وشماليين (تسعة سماسرة يقودهم عميد متقاعد فى جيش جنوب السودان وحاكم إشرافية أبيي شول دينق ألاك مـن الطرف الجنوبي)، تضم هذه المجموعة قبائل شتى مـن جنوب السودان وعددهم ما بين 5-7 آلاف مقاتل. مجموعه ضباط وعساكر فارين مـن الجيش الشعبي وهم فى الخدمة؛ تسللوا للاستفادة مـن الحرب ومرتبات الدعـم السريع، وهم العناصر المتخصصة فى المدفعية والأسلحة الثقيلة.

وقد قتل مـن هؤلاء 120 مـن ضباط وجنود فى معارك مدينة بابنوسة بغرب كردفان غربي البلاد فى معارك مـن 24-26 يناير/كانون الثانى 2024م.

عناصر المعارضة الجنوبية: توجد مجموعـات تتبع بول ملونق وتوماس سريليلو وستيفن بويا ولام أكول، ومجموعات مـن الاستوائية. مجموعـات تدين بالولاء لنائب الرئيس تعبان دينق. عَدَّدَ هؤلاء يقدر بأربعة آلاف مقاتل.

موقف جنوب السودان الان مرهون بموقف الرئيس سلفاكير الذى يقابل ضغوطًا مكثفة مـن دول عديدة، وقد وعدته إثيوبيا وكينيا بتوقيع اتفاقيات تعاون وإنشاء طرق برية تربط البلدين ومصفاة البترول وخطوط أنابيب، ومع ذلك لا تزال جوبا تقول؛ إنها مع الحلول التى توفرها دول جوار السودان والإيغاد، رغم ان لجوبا مسارات خاصة بها ونصائح تقدمها للجميع.

أفريقيا الوسطى

نسبه لحالة الفوضى فى هذا البلد وتأثير شركة فاغنر الروسية التى تتولى حماية نظام الرئيس فوستان تواديرا، فإن قوات الدعـم السريع وجدت نفسها نتيجه تحالفها مع فاغنر الروسية، ونهب ثروات أفريقيا الوسطى مـن الذهب والألماس واليورانيوم ومعادن أخرى، تحمي نظام الرئيس فى بانغي، وتحمي الحدود، وحاولت الدعـم السريع استقطاب قبائل الجهات الشمالية والشرقية والغربية للانضمام لصفوفها، مستغلة الحدود المجانية بين السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد والتداخل القبلي، وحاولت استمالة حركة (سيليكا) حركة المعارضة الرئيسية بعد ان ناصبتها العداء، واعتقلت قادتها قبل الحرب فى السودان، وهددت بعضهم، وكذلك حاولت مع كبرى حركات المعارضة (أنتي بلاكا).

وتسيطر فاغنر على بعض المطارات الترابية فى أفريقيا الوسطى، تم تسخيرها لصالح نقل العتاد الحربي، وبعض أنواع الدعـم اللوجيستي الذى اثناءّ يصل بالفعل عبر أفريقيا الوسطى.

ونظرًا للعلاقات بين البلدين ودور السودان فى عهد البشير لإحلال السلام فى أفريقيا الوسطى، وتوقيع اتفاقية سلام فى 2018، فإن موقف أفريقيا الوسطى يتراوح بين الدعـم غير المعلن، ومحاولات التبرؤ منه، والاستجابة للضغوط والإغراءات المالية مـن داعمي الدعـم السريع.

تشاد

لعبت تشاد دورًا محوريا فى دعـم التمرد، نتيجه للتداخل القبلي، ووجود مقاتلين تشاديين منذ العام 2014 فى صفـوف الدعـم السريع، ولا توجد مشاكل محددة وواضحة بين الدولة السودانية وجيشها مع تشاد، لكن الموقف التشادي ذهب فى اتجاه دعـم الدعـم السريع لعدة عوامل، منها عوامل خارجية، مثل الدور الإسرائيلي، ثم أسباب مالية، ولذا دفعت تشاد بضباط وجنود مـن جيشها للانخراط فى الحرب لصالح الدعـم السريع، وغضت الطرف وساعدت فى تدفق المرتزقة الأفارقة نحو السودان، ثم فتحت مطاراتها لدعم قوات الدعـم السريع، خاصة مطار أم (جرس)، ومطار (أبشي)، ومطار (نجامينا).

واستقبلت قيادات الدعـم السريع الذين ينطلقون مـن أراضيها، ونسقت اجتماعات لقيادة الدعـم السريع مع أطراف مـن الحركات المسلحة فى دارفور، وضغطت على بعضها، وحدثت انشقاقات فى حركة العدل والمساواة للضغط على قيادتها.

وتتولى العمل الداعم للدعـم السريع قيادات فى حكومة تشاد، مثل إدريس يوسف بوي، مدير مكتب الرئيس محمد إدريس ديبي، وهو صاحب نفوذ قوي ومرتبط بعدد مـن قيادات الجيش ورموز قبلية.

إن تشاد تعلم جيدًا وجود العدد الهائل مـن المقاتلين التشاديين دَاخِلٌ صفـوف قوات الدعـم السريع، وكذلك وجود عناصر المعارضة التشادية المسلحة المتحالفين مرحليًا مع التمرد فى السودان، وتعلم خطورة هؤلاء على النظام الحاكم، لكنها تفكر على مستويين:

الاول: ان تقضي هذه الحرب على قيادات المعارضة العسكرية وكوادرها وقواتها، وهذا فيه مصلحة لنجامينا. والثاني: طمأنات حميدتي بمنع الارتداد العكسي للمعارضة التشادية الي بلادهم حال انتهت الحرب بالسودان.

وتوجد استثمارات (نفط – ذهب)، وشركات تتبع الدعـم السريع فى تشاد، وتم دفع أموال كبيرة لعديد القادة والسياسيين والزعماء القبليين فى هذا البلد. وقبل أيام رتبت الدعـم السريع زيارات لوفد إعلامي تشادي زار مدينة الجنينة وولاية غرب دارفور بالسودان لتصحيح صورة الدعـم السريع دَاخِلٌ تشاد وخارجيًا.

الآراء الواردة فى هذا المقال هى آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى