بعد نجاح الثورة البلشفية ورحيل الحكومة المؤقتة، غاصت روسيا بأهوال الحرب الأهلية التى استمرت لأكثر مـن 5 اعوام وأسفرت عَنْ مقتل ما بين 7 و12 مليون شخص وهجرة حوالى مليوني شخص لخارج البلاد.
وفي خضم هذه الحرب الأهلية، واجه الروس العديد مـن المصاعب. إضافة للمجاعة، واجه الروس ويلات الحمى الإسبانية التى انتشرت بكامل أرجاء العالم متسببة فى مقتل عشرات الملايين.
وأثناء الحرب، اضطر البلشفيون لمواجهة تمردات عسكرية عديدة فى صفوفهم جاء أبرزها على يد مجموعه مـن ابرز البحارة اثناء شهر آذار/مارس 1921.
البلشفيون الأوفياء
اثناء العام 1921، واجهت روسيا ويلات المجاعة بسـبب الحرب الأهلية حيـث انهارت الحصص الغذائية اليومية لأقل مـن النصف مقارنة بالمستويات التى كانـت عليها قبل اندلاع الحرب العالميه الأولى. ويعود السبب فى ذلك أساسا لتدخل السلطات البلشفية بالمصانع وسياسة مصادرة المواد الغذائية بتعلة الحرب.
وأمام هذا الوضع، ردّ الروس بالإضرابات والعصيان وقوبلت هذه الحركات الاحتجاجية حينها برد قاس ودموي جاء الى البلشفيين.
الي ذلك، امتدت هذه الاحتجاجات لتطال البحارة والجنود الروس بقاعدة كرنشتات (Kronstadt) التى مثلت إحدى اهم المناطق الدفاعية الروسية قبالة سانت بطرسبرغ.
وفي الأثناء، مثلت الكتائب العسكرية المتمركزة بكرنشتات اهم الفرق العسكرية المؤيدة للبلشفيين حيـث ساند جنودها الثورة البلشفية منذ البداية عَامٌ 1917. وقبل ذلك، تمرد بحارة كرنشتات امام نظام القيصر نيقولا الثانى عَامٌ 1905 اثناء الثورة التى شهدتها الامبراطورية بتلك الفتره.
وعام 1917، عبرت إحدى سفن كتائب كرنشتات نهر نيفا (Neva) لتهدد قصر الشتاء القيصري فى خضم الاحتجاجات التى شهدتها الامبراطورية الروسية عَامٌ 1917. مـن جهة ثانية، وصف القائد البلشفي ليون تروتسكي (Leon Trotsky) بحارة كرنشتات بالبلشفيين الأوفياء مؤكدا على ولائهم لمبادئ الحزب البلشفي.
وأخطأ تروتسكي فى تقديراته حيـث تحرك بحارة كرنشتات غالبا كرد على تدهور المعيشة وظروف الحياة بدلا مـن القيم الأيديولوجية.
تمرد بحارة كرنشتات
اثناء شهر شباط/فبراير 1921، ضاق بحارة كرنشتات ذرعا مـن القمع السياسي الذى قاده البلشفيون وعبّروا عَنْ سخطهم مـن نظام شيوعية الحرب وتدهور المعيشة بروسيا. وقد اطلع البحارة عما يحصل ببلادهم عَنْ طريق الرسائل التى تلقوها مـن ذويهم بالمدن الروسية وشاهدوا بأعينهم المجاعة والبؤس بشوارع روسيا اثناء مؤتمر بتروغراد.
بداية آذار/مارس 1921، صرح بحارة كرنشتات تمردهم على السلطة البلشفية واتجهوا لتشكيل لجنة ثورية عسكرية. ولإنهاء تمردهم، قدم بحارة كرنشتات جملة مـن المطالب كانـت أبرزها تخفيف إجراءات شيوعية الحرب وعودة حرية التعبير واعتماد نظام أكثر ديمقراطية وشفافية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الاشتراكيين غير المنتمين للحزب البلشفي. أيضا، أنشأ المتمردون بكرنشتات صحيفتهم الخاصة التى طبعوا أعدادا كثيرة منها، ووصفوا لينين ورفاقه بسارقي ثورة الجمهور.
لوحة تجسد تمرد بحارة كرنشتات عَامٌ 1905
امام هذا الوضع، اتجه البلشفيون للرد. وبسبب وجود حوالى 15 ألف عسكري متمرد بكرنشتات، عمد تروتسكي لجمع حوالى 60 ألف عنصر مـن الجيش الأحمر وفرق التشيكا لقمع بحارة كرنشتات.
مستغلا تجمد المياه حول كرنشتات وعدم قدرة البحارة على استخدام البوارج الحربية بشكل ملائم، باشر تروتسكي بشن هجومه امام المتمردين. وبفضل تفوقه العددي والتقني واللوجستي، استطاع تروتسكي مـن سحق التمرد بحلول يـوم 18 آذار/مارس 1918 متسببا فى مقتل مئات البحارة المتمردين. وبينما نجح الآلاف فى الفرار نحو فنلندا، ألقت السلطات البلشفية القبض على ما يزيد عَنْ ألفي بحار متمرد أعدم جلّهم رميا بالرصاص لاحقا.