إحياء فنون العمارة القديمة.. شغف مهندسة أردنية بالبيوت التراثية | مرأة سام نيوز اخبار
تروي المهندسة الأردنية كريستين حنا نصر قصة اهتمامها بالفنون المعمارية القديمة والبيوت الأثرية بمدينة السلط، التى اعتادت زيارتها فى صغرها. وأكثر ما يمـيز البيوت التراثية التى دخلتها وجذبت نظرها؛ “العقود”، وهي ميزة البناء القديم وخاصة العثماني.
وإن عيش الإنسان بلا هـدف يسعي للوصول إليه سيجعل مـن حياته خالية مـن النجاح، وعادةً ما تكون الانطلاقة صوب تحقيقه عائدة الي موقف ترسخ فى مخيلته، خاصة فى مرحلة الطفولة كَمَا هو الحال بالنسبة للأردنية حنا نصر (58 عاما)، التى زارت فى طفولتها مدينة السلط (غرب العاصمة عمان)، التى تتميز بتنوعها الثقافي والحضاري، فأبهرها الحجر الأصفر والأقواس التاريخية.
بينما التصاميم المعمارية التى تبرز تنوع الحضارات التى مرت على مدينة السلط كالبيزنطية والرومانية والعثمانية، كفيلة بأن تجعل مـن حنا نصر مهندسة شغوفة بالبيوت التراثية عبر إعادة ترميمها وإحيائها مرة اخري.
ورصد تقرير للأناضول زار أحد البيوت التراثية التى أعادت المهندسة ترميمها بمدينة السلط، واطّلع على واقع ما تقوم به فى سبيل تحقيق هـدف تعيش معه ولأجله.
ولدت المهندسة عَامٌ 1965 بمنطقة اللويبدة بالعاصمة عمان، وتخرجت عَامٌ 1988 بتخصص الهندسة المعمارية فى الجامعة الكاثوليكية بالعاصمة الأميركية واشنطن.
وعادت الي موطنها بعد ان عاشت متجولة لسنوات فى عَدَّدَ مـن الدول الأوروبية، لكن حلم الطفولة كان يسافر معها الي كل مكان، وبقي إعجابها وانبهارها بصور “العقود” المستخدمة فى الأبنية القديمة مستقرا فى عقلها.
وقالت “فى صغري زرت السلط، وأبهرني الحجر الأصفر والأقواس التاريخية وتنوع الحضارات التى مرت على المدينة، كالبيزنطية والرومانية والعثمانية، ولا يمكن ان ننكر التَّارِيخُ”.
وأضافت “أكثر ما يمـيز البيوت التراثية التى دخلتها وجذبت أنظاري؛ “العقود”، وهي ميزة فى البناء القديم وخاصة العثماني، وهو ما يشهد له الدراما التركية؛ حيـث لاحظنا أنها موجودة بشكل كثير فى مدينة ماردين”.
وتابعت “هذا النمط يأسرني ويأخذني بالتاريخ الي عقود طويلة مضت، وكأنني أعيش فى الماضي القديم”.
واستطردت “عندما عدت الي الأردن بعد إكمال دراستي والعمل فى الخارج وتوفر المال لدي وبما يتيح لي الاستثمار، كانـت الوجهة صوب السلط، وخاصة الي صورة مـن الماضي للعقود ما زالت عالقة فى ذهني”.
والعقد فى العمارة الإسلامية القديمة -وكان ميزة بالعصر العثماني- عبارة عَنْ عدة حجارة متلاصقة، تسمى كل واحده منها فقرة، يتوسطها حجر آخر تكون مهمته التثبيت، يطلق عليه القفل.
بينما العقود تهدف الي حمل الأسقف والقباب والنوافذ، واستخدامها فى البناء وتضفي على المكان لمسة جمالية، خاصة عندما تضاف اليها الزخرفة والنقوش.
وقالت نصر “كانـت البداية بعدد مـن البيوت التراثية فى السلط عَامٌ 2018، وأنا الان لدي 3 بيوت تراثية، أنهيت ترميم الاول بصورة جميلة جدا تحفظ له لمساته وعراقة التَّارِيخُ فيه، بدون ان أطمس منها شيئا، لأن القيمة فى تلك اللمسات”.
وتضيف المهندسة “أنا أراعي بعملية الترميم استخدام مواد غير مضرة بالحجر وأعتمد على أساليب بدائية حتـى نحافظ على الحجر، وهندسيا، أحاول الحفاظ على القديم وأجعله قديما أكثر”، وأكدت ان “الغاية بصراحة كانـت عشق المكان، وواجبي كمهندسة أردنية تعشق تاريخ بلادها ان أحافظ على هذه الأنماط البنائية”.
واعتبرت ان العمارة والفن لهما رسالة حضارية ذات قيمة عاليه فى المجتمع، فـ”مهما اختلفنا فالحضارة تجمعنا، والمملكة الأردنية الهاشمية على مدى 100 عَامٌ مـن تأسيسها، نجحت فى الحفاظ على الأماكن التراثية والمعمارية؛ لأنها شاهد على عمق التَّارِيخُ وتنوع الحضارات والثقافات التى مرت عليها، ومن ضمنها العثمانية”.
وقالت “استغرق مني ترميم هذا البيت نحو عامين، وحاليا بدأت العمل على البيتين الآخرين، فأنا أعشق الترميم والأشياء القديمة، وبنفس الوقت أسعى الي الاحتفاظ بكل موجودات المكان التراثية، والتي تدلل على قدمه وعراقة التَّارِيخُ فيه”.
وتراعي المهندسة المعمارية فى عملية الترميم استخدام مواد غير مضرة بالحجر، وتعتمد أساليب بدائية لتحافظ على الحجر حتـى لا ينكسر، وتستخدم فى تكحيل الحجر مواد طبيعية متساقطة فى المكان ذاته وتخلطها بمواد أخرى.
وقالت “هندسيا، أحاول الحفاظ على القديم وأجعله قديما أكثر، فعلى سبيل المثال، لو نظرت الي الدرج ستشعر بأن عمره يعود لآلاف الأعوام”.
وأضافت “أنا أعمل لوحدي، والعمل شاق جدا، لكنه ماتع، ففي نهاية النهار عندما تجد ما أنجزت امام عينيك تشعر بقيمة ما قمت به، وبالطبع أستعين ببعض العمالة وخاصة فى نقل الأشياء الثقيلة”.
اما عَنْ نظرة الناس لما تقوم به، فتقول “كثير مـن الناس وخاصة مـن يزور المكان يرى حجم العمل الذى جرى عليه، وبالتالي يعشق المكان ويستأذن لزيارته مرة أخرى، تشعر ان للمكان روحا ويعطيك حجما كبيرا مـن الفرح”.
وتقع السلط على بعد 30 كيلومترا مـن العاصمة الأردنية عمان، وهي رابع أكبر مدن المملكة سكانا، وسميت قديما بـ”سالتوس”، نسبه الي القائد اليوناني الذى فتحها زمن الإسكندر المقدوني وبنى فيها معبدا للإله “زيوس” بمنطقة “زي”.
وفي عَامٌ 2021، قررت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، الموافقة على إدراج السلط “مدينة التسامح والضيافة الحضارية” على قائمة التراث العالمي.