الاخبار العربية والعالمية

إسرائيل على خطى فرعون.. وقت لا ينفع الندم | آراء سام نيوز اخبار

فى عمليتهم التى بدؤوها قبل أسبوع استطاع مقاتلو غزة الشجعان -الذين عاشوا تحت حصار لا إنساني 16 عاما- مـن إذاقة إسرائيل خسارة هى الأكثر عارا فى تاريخها، لنراها أمامنا تتداعى كنمر مـن ورق.

فلنتذكر ان تلك الدولة التى غُرست فى قلب الشرق الأوسط كالسكين كانـت تعتـبر نفسها الأمة الأكثر تفوقا وامتيازا ونبلا فى العالم، وقد احتفظت بتفوق عسكري وسياسي دائم بفضل الامتيازات والدعم الذى منحه لها النظام الدولى، خصوصا الولايات المتحدة، وقد أصبحت على مر السنين آلة حربية خارقة لا يتصور أحد -داخلها أو خارجها- هزيمتها أو اختراق دفاعاتها، لقد تصورت نفسها آمنة، لدرجة أنه لن تصيبها شرارة حتـى لو التهمت النيران كل ما حولها.

كانـت إسرائيل تبيع هذا الإحساس الموهوم بالأمان لأولئك المستوطنين الذين جلبتهم مـن ارجاء العالم، مـن بلاد لم تكن لهم فيها مشكلة أمان أو معيشة، بل حظوا فيها بالامتيازات، وكأن ذلك لم يكن كافيا، فجاؤوا مـن بلادهم البعيدة ليجبروا الفلسطينيين على الرحيل مـن منازلهم ويستولوا على ممتلكاتهم بالقوة.

هذه حالة عصيبة لا تتسع جملة واحده لشرحها، هل تعرضت يوما لمداهمة اثناء نومك ليخبرك زوار الليل ان منزلك الان صار ملكا لهم، وأن عليك جمع أغراضك والرحيل؟ هل يمكن تصور هذا الموقف للحظة واحده؟ لقد مارس المستوطنون فى إسرائيل هذا النمط مـن الإرهاب بشكل منهجي منذ عَامٌ 1948 وحتى اليـوم.

غزة فى مجموعها مدينة مؤلفة مـن مخيمات لاجئين أُجبروا على مغادرة منازلهم وأراضيهم عَامٌ 1948، وهم يشكلون 80% مـن سكان المدينة، بينما لا يزيد سكانها الأصليون على 20%، وتلك الأغلبية مـن اللاجئين تتمنى العودة يوما ما الي أراضيها ودورها التى أجبرت على تركها، لكنها لا تملك ذلك، ولا تملك حتـى حق مغادرة غزة.

فهل اكتفت دَوْلَةٌ الاحتلال الإرهابي (إسرائيل) بذلك؟ لا، فهي لم تمنحهم حتـى راحة البقاء فى سجنهم المفتوح (غزة)، فعلى مدى 16 عاما واصلت حصار هذا القطاع الضيق، وهو أمر -إن فكرنا فيه- ليس إلا تعبيرا عَنْ خوف إسرائيل مـن شعب غزة، وقد ظنت ان الضغط والقمع المستمرين سيكونان مفيدين فى تأخير نهايتها.

وخبراتنا تقول إن الجبان يكون أكثر فظاعة ووحشية فى ممارسته الإرهاب، وقد كانـت إسرائيل تحاصر وتسجن ولا تتوانى عَنْ قتل الأطفال والرضع، بل والأجنة فى أحشاء الأمهات خوفا مـن يـوم يكبرون فيه ليواجهوها.

إعادة سيرة فرعون

والمفارقة ان اليهود فى لحظة مـن تاريخهم كانوا ضحايا قصة مطابقة يمارس فيها ضدهم حاكم إرهابي جبان هو فرعون موسى أشكال القتل والتنكيل خوفا على نفسه، لم يأخذ اليهود عبرة مـن حياة موسى التى يدّعون الانتماء اليها، لقد كان موسى كابوس فرعون الذى يؤرق منامه وأصبح لاحقا نهايته ومصيره.

فرعون -الذى تنبأ بمجيء موسى لينهي حكمه- ظن أنه يمكنه تجنب المصير عبر قتل جميع الأطفال الذكور مـن بني إسرائيل، لكن موسى كان عصا الله التى ستسقط على فرعون، وعندما حان وقت سقوطها خرج موسى مـن دَاخِلٌ قصر فرعون نفسه ليكون هو الذى يجلده، وبالمثل، خوف إسرائيل مـن محاربي غزة لن يفيد فى تأخير نهايتها، تماما كَمَا كان خوف فرعون مـن موسى.

وعملية “طوفان الأقصى” -التى بدأها رجال غزة- عرضت للعالم أنه لا يمكن لجيوش العالم المتحدة ان تجعل هذا الجمهور يتخلى عَنْ حريته، فالحرية أثمن لديه مـن اى شيء آخر، والعملية التى خاضوها بمواردهم المحدودة امام أقوى أنظمة الدفـاع فى العالم كانـت بطولية بكل معنى الكلمة.

قبل عقود عدة اعتبر الفيلسوف اليهودي هيربرت ماركوزه مـن مدرسة فرانكفورت ان مفهوم البطولة فى المعارك قد انتهى مع تطور تكنولوجيا الدفـاع، فالفوز فى الحرب لم يعد معتمدا على شجاعة أو نبل أو مهارة أو بطوله المقابل، بل على ما يمتلكه مـن تكنولوجيا، ويمكن تلخيص ذلك بعبارة “اخترعت البندقية فماتت الشجاعة”، ونحن نرى اليـوم كم تطورت التكنولوجيا بحيث أصبح بإمكان مـن يملكها ان يحدث دمارا دون ان يتحمل المخاطر، فهل أصبح مفهوم البطولة إذن فى ذمة التَّارِيخُ؟

المفارقة ان اليهود فى لحظة مـن تاريخهم كانوا ضحايا قصة مطابقة يمارس فيها ضدهم حاكم إرهابي جبان هو فرعون موسى أشكال القتل والتنكيل خوفا على نفسه، لكنهم لم يأخذوا العبرة مـن سيرة موسى التى يؤمنون بها

الواقع ان هذه النظرية قد انهارت تماما فى مواجهه إرادة رجال المقاومة الفلسطينية الباحثين عَنْ الحرية، فرغم مواردهم المحدودة وأسلحتهم البسيطة التى أنتجوها بأيديهم فإن بطولتهم وشجاعتهم ومهارتهم فى استخدام ذلك السلاح البدائي لعبت الدور المرجح فى تلك المواجهة التى خاضوها امام أقوى نظام دفاع متكامل فى العالم ولكن يقف وراءه عدو لا يستطيع مواجهتهم بالالقاب ذاتها.

إسرائيل لا تتردد أبدا فى استخدام تكنولوجيا الإبادة الجماعية التى يعفيها استخدامها مـن تحمل اى مخاطر، وهي لا تتورع ان تستهدف بها طفلا أو عجوزا أو امرأة أو مدنيا، ولكنها حتـى وإن قلبت غزة رأسا على بعد ولم تترك فيها حجرا على حجر فإنها لن تستطيع إخفاء حقيقة هزيمتها وفضيحتها.

القوة التى تظهرها إسرائيل ليست قوتها، بل قوة تكنولوجيا الإبادة الجماعية التى تلجأ اليها الان بغضب لتكشف فقط عَنْ جبنها وفضيحتها، وكأن قدرتها على القتل الوحشي ليست كافية، ليسارع أبوها الروحي (الولايات المتحدة) الي مساعدتها بإرسال إحدى أقوى حاملات طائراتها لدعمها.

ما هذا الخوف؟ ما هذه الفضيحة؟ أليست لدى إسرائيل ثقة كافية فى أسلحتها؟ ما هى القوة الإضافية التى ستضيفها الولايات المتحدة اليها؟

العالم كله يعرف ان إسرائيل تبادر دائما بالعدوان وتمارس النهب والتضييق والقتل امام جميع الفلسطينيين وتقتل أطفالهم ونساءهم الأبرياء دون ان تكون هناك قوة مكافأة لصدها.

واليوم، عندما ترسل الولايات المتحدة سفنها الحربية لدعم إسرائيل امام كتائب القسام التى عرضت مهارة قتالية فى المواجهة غير المتكافئة لأول مرة فإن هذا يعبر عَنْ خوف أكبر بكثير عما كنا نظن، فكم رصاصة وقنبلة وهجوما جويا يريد الإسرائيليون لقتل طفل وُلد ليهدم فرعون وجبروته؟!

لقد رأوا بالتأكيد كابوسا لا نستطيع نحن رؤيته، جعلهم يجمعون بتوتر سفنهم الحربية وجيوشهم وترساناتهم الإعلامية والعملاء الذين زرعوهم منذ مدة طويلة فى البلدان المسلمة.

ما نراه هو ان وعد الله سيتحقق بالتأكيد، وليس ذلك حلما فهو مكتوب بوضوح فى كتاب الله، ونحن نؤمن بذلك {الذين اعلن لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران: 173).

مـن هذه اللحظة فصاعدا لا معنى لمحاولة إلقاء الخوف فى قلوب مقاتلي حماس الذين لم يعد الموت يخيفهم، فهم يخيفونه، لقد فازوا سواء ماتوا أو عاشوا، فلننشغل بحالتنا الخاصة، وتحية للأبطال الذين يعتبرون الله وكيلهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى