يمكن القول إن عَامٌ 2016 كان نقلة نوعية فى تاريخ التغير المناخي، حيـث تخطّت نسبه ثاني أكسيد الكربون فى الغلاف الجوي حاجز 400 جزء فى المليون، والذي مثل بالنسبة لبعض الباحثين فى هذا النطاق بداية طريق اللاعودة فى التغير المناخي.
فى الواقع، لقد ظلت نسبه ثاني أكسيد الكربون فى الغلاف الجوي للأرض طوال مئات الآلاف مـن السنوات السابقة بين حاجز 160 و300 جزء فى المليون، وإلى عصر الثورة الصناعية، حيـث باتت تلك النسبة تتصاعد منذ ذلك الحين الي ان وصلت حاليا الي 420 جزءا فى المليون.
ويعرف الاحترار العالمي بأنه صعود متوسط درجات الحرارة فى الغلاف الجوي، ويحدث ذلك بسـبب “تأثير الصوبة الزجاجية”، حيـث تدخل أشعة الشمس للأرض التى تمتص تلك الأشعة وتعيد نفثها للفضاء مرة أخرى، لكن ثاني أكسيد الكربون وغيره مـن الغازات الدفيئة تعكس تلك الحرارة للداخل مرة أخرى، وهو ما يتسبب باحترار الكوكب.
ويعد النشاط الإنساني هو السبب الرئيسي فى صعود نسبه ثاني أكسيد فى الغلاف الجوي وفق إجماع العلماء فى هذا النطاق، حيـث يستخدم البشر الوقود الأحفوري فى سياراتهم وطائراتهم ومحطات ومصانع الطاقة.
آلاف السنوات مـن التغيير
ويرى فريق مـن الباحثين مـن جامعة ليستر البريطانية ان الأثر الذى طال كوكب الأرض بسـبب النشاط البشري أدخلها فى مجموعه مـن التغيرات الدائمة، وبحسب بعض النماذج البحثية فى هذا النطاق فإن هذا النمط المناخي الجديـد مستمر مع كوكب الأرض لمدة 50 ألف سنة قادمة على الأقل.
ويؤكد الباحثون “أننا بذلك قد دخلنا بالفعل الي حقبة التأثير البشري”، وهو اصطلاح يشير الي دخول الأرض فى عصر جيولوجي جديد بسـبب تأثير البشر على بيئتها ومناخها وأنظمتها الحيوبة.
وعلى سبيل المثال، فقد بات العلماء يعتقدون ان الأرض تمر حاليا بانقراض سادس هائل أو انقراض الهولوسين، والذي يختلف عَنْ الانقراضات الخمسة السابقة فى أنه مدفوع بنشاط البشر، بينما كانـت الانقراضات السابقة اعلن لظروف أو كوارث طبيعية.
وبحسب إليزابيث كولبرت -وهي صحفية أميركية ومؤلفة وزميلة زائرة فى كلية وليامز- فى كتابها الانقراض السادس الحاصل على جَائِزَةٌ البوليتزر، فإنه بوصولنا لحاجز الثلاث درجات بحلول نهاية القرن ستخسر الأرض 47% مـن الحشرات، و26% مـن الفقاريات، و16% مـن النطاقات الجغرافية للنباتات، مما سيؤدي الي انحسار واضح فى درجات التنوع الحيوي بكوكب الأرض، وهذا الانحسار يتخذ اتجاها واحدا لا رجعة فيه.
مدن فى خطر
ويمضي الامر الي ما هو أعقد مـن ذلك، حيـث يشير فريق جامعة ليستر الي ان المسؤولين السياسيين يجب ان يتجهزوا لارتفاع مستويات سطح البحر ربما بمقدار عدة أمتار كاملة بحلول نهاية القرن، ويهدد ذلك حياة أكثر مـن ملياري مواطن يعيشون فى مناطق ساحلية أو قريبة مـن الساحل.
ويرتفع مستوى سطح البحر بسـبب ذوبان الجليد فى قمم جبال العالم ومناطق مثل غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، وشهدت الاخيره عددا مـن الاحداث تشير الي مخاطر جمة، ويخشى العلماء بشكل حصري مـن الانزلاق المتسارع لنهر “ثوايتس” الجليدي الواقع غربي أنتاركتيكا، حيـث إنه بات قريبا مـن النزول تماما للماء، مما يعني أنه سيذوب بمعدل اسرع.
وبمساحة أكبر مـن بريطانيا العظمى، فإن ذوبان كل جليد ثوايتس سيساهم فى صعود مستويات المحيط بمقدار نحو 60 الي 70 سنتيمترا، والمشكلة الأكبر ان هذا النهر الجليدي يعمل كسد طبيعي لكل الجليد المتراكم فى غربي القارة القطبية الجنوبية، ويقدر الباحثون ان ذوبان هذا الجليد بدوره سيرفع مستويات مياة البحر بنحو ثلاثة أمتار.
توترات غير مسبوقة
ويجري هذا النمط مـن التغيرات على كل جوانب المنظومة البيئية والمناخية على كوكب الأرض، حيـث بات العلماء متأكدون مـن ان منظومة الغلاف الجوي تغيرت بحيث ارتفعت احتمالات تردد وشدة وطول الظواهر المناخية المتطرفة مثل الموجات الحارة وموجات الجفاف والفيضانات والأعاصير.. الخ.
ويفتح ذلك بدوره الباب لتوتر اقتصادي شديد فى العديد مـن الدول وبخاصة الهشة منها، وهو ما يؤجج التوترات السِّيَاسِيَّةُ، ويؤدي لنشوء نزاعات مسلحة داخلية أو بين الدول وبعضها البعض، ويرفع نسبه الفقر، ويؤثر بالتبعية على البيئة بالسلب.
ولذلك، يرى فريق جامعة ليستر أنه حتـى لو قررت دول العالم الاتفاق الان على سياسات واضحة لوقف نفث المزيد مـن ثاني أكسيد الكوبون فى الغلاف الجوي، فإنه مازال هناك تحد كثير امام البشر حاليا ومستقبلا لتطوير آليات لتخليص الغلاف الجوي مما علق به مـن ثاني أكسيد الكربون، وهي عملية تظل الي الان صعبة، وتحتاج للمزيد مـن الإنفاق على النشاط البحثي الخاص بها.
المصدر : ذا كونفرسيشن + مواقع إلكترونية + ناسا + نوا