الأبواب العتيقة بالمغرب.. شواهد تاريخية تقاوم آثار الزلزال | ثقافة سام نيوز اخبار
مراكش- لا يدخل الزائر الي المدن العتيقة فى المغرب، دون الولوج مـن أبوابها التاريخية، سواء فى مدن الرباط أو فاس أومراكش وهي مدن لا تزال تحتفظ بأسوارها وأبوابها وعمارتها العتيقة والجميلة.
لكن الزلزال الذى أصاب المغرب مؤخرا جعل عددا مـن الباحثين والمتخصصين فى علم الآثار يتحسرون على ما أصاب المآثر التاريخية العريقة فى مناطق الزلزال مثل مدن وسـط المغرب كمراكش وتارودانت وورززات وإقليم الحوز مما عرض بعض الأسوار والأبواب والآثار للتصدع.
وبلغت قوة زلزال إقليم الحوز 7 درجات على سلم ريختر، حسب المعهد الوطني للجيوفيزياء بالرباط، ويعد أعنف زلزال يضرب المغرب منذ ما يزيد عَنْ قرن.
الأبواب العتيقة والزلزال
يوضح الجمال أبو الهدى محافظ المباني التاريخية فى المديرية الجهوية للثقافة بمراكش ان مركز الهزة الأرضية كان هو منطقه إغيل المجاورة لمدينة مراكش، مشيرا الي ما خلفته مـن تصدعات ودمار فى العديد مـن المآثر التاريخية كقصر الباهية وقبور السعديين والمنزه وصومعة الكتيبة وباب كنواة، بينما اعتبر مسجد تنمل التاريخي أكبر المتضررين.
مـن جانبه، يقول الباحث فى تاريخ المغرب عبد اللطيف قصور إنه مـن الناحية المعمارية، لا يمكن الحديث عَنْ المدن المغربية القديمة دون التوقف عند خصائصها الهندسية التى تمثل فيها الأسوار المحيطة بالأحياء العتيقة مكونا رئيسيا.
ويضيف -للجزيرة نت- أنه على امتداد هذه الأسوار، توجد أبواب تتباين مـن حيـث أحجامها وأسماؤها ومكانتها التاريخية وكذا قيمتها التراثية المستمرة الي اليـوم، فى مدن على غرار مكناس، والرباط ومراكش وتطوان والصويرة وفاس.
بدوره يقول عبد العاطي الحلو الأستاذ الباحث بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط إن المدينة المغربية كانـت تحاط بسور وبأبراج وبعناصر دفاعية، ولها مداخل وأبواب تحمل أسماء معينة وذات اتجاهات محددة.
ويضيف للجزيرة نت “نجد أبوابا بالمدن المغربية تحمل أسماء الأيام مثل باب الخميس، وبعض الأبواب كانـت تأتي خارجها أسواق لاستقبال السلع مـن البادية القريبة، وهناك أبواب تحمل أسماء جهات أو تدل على الطريق نحو مدينة معنية. على سبيل المثال باب سبتة وباب فاس “.
أدوار الأبواب
وحظيت الأبواب فى المدن المغربية العتيقة، تاريخيا بأهمية كبيرة، واضطلعت بأدوار متعددة، اثناء الحقب المتنوعة، وفق عبد اللطيف قصور، إذ كانـت مكونا رئيسيا فى الإستراتيجيات الدفاعية العسكرية عَنْ المدينة وساكنيها.
فالبوابون وهم الموظفون المسؤولون عَنْ هذه الأبواب، كانوا يعمدون ليلا الي الحراسة، كَمَا كانوا يوظفون الشرفات والأبراج فى القيام بواجباتهم العسكرية والأمنية نظرا لارتفاعها، وقامت الأبواب ايضا بوظيفة اقتصادية وتجارية، يقول المتحدث ذاته.
ويرى عبد العاطي لحلو ان هذه الأبواب التاريخية، لعبت أدوارا كبرى فى الحراسة وفي مراقبة الدخول والخروج سواء الناس أو السلع، مشيرا الي ان لكل باب وظيفة معينة حسب المنطقة التى يؤدي اليها وحسب السلع والرواج التجاري الذى يكون فيه.
ونوه الي اهميه بعض أبواب مدينة مراكش مثل باب الروب الذى كانـت تفرض فيه رقابة شرعية لدخول بعض المواد التى يمكن تخميرها مثل عصير العنب والزبيب، كونها مدينة إسلامية يمنع فيها تداول الخمور أو بيعها.
مُمَيَّزَاتٌ العمارة فى الأبواب
يعد فن العمارة بالمغرب دلالة على تعدد الروافد الحضارية فى المملكة سواء الأمازيغية أو العربية، أوالأندلسية، فضلا عَنْ إرث الغزاة القدامى كالرومان، والدول الاخرى المستعمرة الاخرى مثل البرتغال وإسبانيا وفرنسا كروافد معمارية حديثة.
وكان لنزوح العديد مـن العائلات الأندلسية -بعد سقوط إمارة غرناطة سنة 1492 واستقرارهم فى مدن مثل تطوان والرباط وسلا- آثار واضحة على تحدث طرق بناء وهندسة أبواب المدن بالمغرب، ومن تجليات هذا التغير ظهور فتحة مقوسة ترتكز على عمودين، يرتفع كلا منهما تاج حجري منحوت كَمَا أصبحت تحيط بقوس الباب وتعلوه نتوءات ملساء.
ويوضح عبد العاطي الحلو ان طريقة بناء معظم الأبواب الموجودة فى المغرب تكون بالتراب المدكوك والعمارة الطينية الترابية، مثل باب سيدي عبد الوهاب وباب الغربي فى وجدة، وأبواب أخرى فى مكناس.
ويقول، ثمة أبواب أخرى مبنية بالحجر المنجور مثل الأبواب الموحدية، ومنها باب الرواح وباب زعير والأوداية الكبير بالرباط وكلها أبواب بنيت بالحجر، بينما بنيت الأبواب فى مراكش بالحجر المنقوش.
وهناك أبواب أخرى ذات طابع علوي ومريني وسعدي، وهي أبواب تتميز بزخارف كثيرة وفسيفساء وكتابات ونقوش وحواشي مزينة مـن الجوانب، مثل “باب منصور لعلج” الذى يوجد فيه الرخام والزليج وفيه كتابات جعلته مـن أجمل الأبواب فى المغرب.
المآثر والأبواب ما بعد الزلزال
يشير الباحث فى التراث والتاريخ جمال البوقعة لظهور تشققات كبيرة على مستوى السور التاريخي لمدينة مراكش الذى يعود للفترة المرابطية، فضلا عَنْ دمار شبه كلي لمسجد تنمل الموحدي بمنطقة “تلات نيعقوب” بإقليم الحوز، وهو مـن أعرق المعالم العمرانية التى تؤرخ للفترة الموحدية بالمغرب.
ويقول البوقعة للجزيرة نت “نسجل أيضا بإقليم تارودانت تضرر السور الكبير للمدينة الذى بناه السعديون، حيـث لوحظت تشققات كثيرة على مستويات عدة منه، وفي أكادير تضررت أجزاء قليلة مـن القصبة التاريخية، المعروفة باسم أكادير أوفلا”.
ويؤكد البوقعة ان لجانا متخصصة تقوم بتشخيص حالات المعالم والمواقع التى تضررت “والكل منكب حول اقتراح مشاريع لترميمها وإعادة توظيفها مرة اخري”.
فى السياق ذاته، يقول عبد اللطيف قصور، إن أسوار مدينة تارودانت التاريخية، لحقها دمار بسـبب الزلزال، مما أثر على بعض أبوابها التاريخية كباب خميس، بجانب تضرر العديد مـن المنشآت التاريخية كالقصور والإيكودار.
اما بالمدينة الحمراء مراكش التى شيدت منذ القرن الـ12 الميلادي بأيدي دَوْلَةٌ المرابطين، والبعيدة نحو 40 كيلومترا عَنْ مركز الزلزال بالحوز، فتضررت العديد مـن مآثرها بسـبب الهزة الزلزالية، مثل هيكل مسجد الكتبية التاريخي.
كَمَا تعرضت أسوارمراكش الدفاعية التاريخية التى تلتف حول المدينة بطول 19 كلومترا الي أضرار فى بعض أجزائها -وهي أسوار تضم 20 بابا ونحو 100 برج- تضرر عَدَّدَ منها مثل باب الدباغ.
وتضررت ساحة جامع لفنا الشهيرة، إذ سُجل انهيار صومعة مسجد خربوش، وفق عبد اللطيف قصور.
وسارع المغرب الي تخصيص ميزانية إجمالية تقدر بـ120 مليار درهم (نحو 12 مليار دولار) على مدى 5 اعوام، بهدف إعادة إعمار المناطق المتضررة مـن الزلزال، وسيذهب جزء منها الي ترميم وإصلاح الأضرار الكلية أو الجزئية التى لحقت ببعض المآثر التاريخية، مـن اجل استمرار انعكاس دورها المهم فى إبراز غنى وعراقة الثقافة المعمارية المغربية، وكذا إنعاش النشاط السياحي بالمناطق المنكوبة.