الاخبار العربية والعالمية

الإرث قبل حماس.. عَنْ ماذا يبحث نتنياهو تحديداً فى الحرب؟ | آراء سام نيوز اخبار

مضى ما يزيد على خمسة أسابيع على الحرب الوحشية التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة. إن الكارثة الإنسانية الكبيرة التى خلفتها حتـى الان- عبر القتل العشوائي للمدنيين واستهداف المستشفيات والمنشآت السكنية ومنع دخول الأغذية والمساعدات الطبية والإغاثية للمنكوبين وإجبار سكان شمال القطاع على النزوح نحو الجنوب- تعطينا لمحةً واضحةً عَنْ استراتيجية إسرائيل فى هذه الحرب.

هذه الاستراتيجية ترتكز على ثلاثة اهداف: إخراج غزة مـن معادلة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ومعاقبة جماعية للفلسطينيين كوسيلة لإعادة ترميم مفهوم الردع الذى تصدع بعد هجـوم “رأس الحربة” حماس فى السابع مـن أكتوبر، وتحويل الحرب الي فرصة لإكمال ما عجزت إسرائيل عَنْ فعله منذ النكبة الفلسطينية عبر محاولتها إحداث تغيير ديمغرافي كثير فى الصراع مـن اثناء التهجير فى غزة، وتصعيد وتيرة عمليات الطرد الجماعي للفلسطينيين مـن بعض مناطق الضفة الغربية المحتلة.

إن عامل نتنياهو الشخصي يضفي بعدًا آخر على الحرب؛ لانه يقابل مصيرًا سياسيًا مدمرًا بعد انتهاء الحرب، فهو ينظر الي إطالة أمدها الي أقصى مدة ممكنة

رغم ان الجرائم الإسرائيلية كانـت إحدى نتائـج الدعـم المطلق الذى قدمه الغرب لإسرائيل فى بداية الحرب بذريعة الدفـاع عَنْ نفسها، فإن بعض القادة الغربيين بدؤوا يظهرون شعورًا بالصدمة مـن هذه الجرائم، لكنه شعور يبدو فى الغالب مصطنعًا مـن اجل تخفيف الضغط الداخلي والخارجي الذى تواجهه الحكومات الغربية بسـبب الضوء الأخضر الذى منحته لإسرائيل لشن الحرب، ومواصلتها بهذا الشكل الوحشي، فضلًا عَنْ الدعـم السياسي والعسكري لها، مثل ما تفعله الولايات المتحدة. مع ذلك، فإن الانتقادات المتزايدة، فى العواصم الغربية للحرب الإسرائيلية، لا تحدث مـن حقيقة ان الغرب، عمومًا، غير مستعد لممارسة نفوذه مـن اجل وقف الغطرسة الإسرائيلية.

لا تزال الولايات المتحدة تعارض وقفًا لإطلاق النار، وكذلك تفعل ألمانيا؛ بهدف منح إسرائيل مزيدًا مـن الوقت لتحقيق أهدافها فى غزة. كَمَا ان المسارات الإنسانية التى يطالب بها الغرب الان تثير المزيد مـن الشكوك حول دوافعها الحقيقية. فهي تبدو فى جانب مصممة لتخفيف المسؤولية الأخلاقية التى يتحملها الغرب فى هذه الحرب، وفي جانب آخر، لتخفيف الضغط الدولى على إسرائيل، وتمكينها مـن تهجير المدنيين مـن شمال القطاع الي جنوبه بذريعة حمايتهم.

لكن- وكما يبدو واضحًا حتـى الان- فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصمم على مواصلة هذه الحرب، ليس فقط مـن اجل القضاء على حماس، بل أيضًا مـن اجل تحقيق اهداف استراتيجية أخرى تتجاوز حركة حماس. يعطي التواطؤ الغربي- الي جانب إسرائيل فى هذه الحرب وعجز العالمين: العربي والإسلامي عَنْ فعل شيء لوقفها- رسالةً واضحةً لنتنياهو بأنه قادر على مواصلة المذبحة فى غزة، وإحداث نكبة ثانية للفلسطينيين دون الحاجة الي الاهتمام بالعواقب.

إن عامل نتنياهو الشخصي يضفي بعدًا آخر على الحرب؛ لانه يقابل مصيرًا سياسيًا مدمرًا بعد انتهاء الحرب، فهو ينظر الي إطالة أمدها الي أقصى مدة ممكنة، والتسبب بنكبة ثانية للفلسطينيين على أنهما وسيلتان لتأخير العقاب السياسي، وربما النجاة منه فى نهاية المطاف. كتب أحد المعلقين البارزين فى صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الاسبوع الماضي: إن انتظار نهاية الحرب مـن اجل إخراج نتنياهو مـن المشهد السياسي الإسرائيلي، يعني ان الحرب لن تنتهي. ويبدو محقًا فى هذا التقدير؛ لأن الإسرائيليين يدركون جيدًا عقلية نتنياهو وأساليبه التى مكنته مـن البقاء فى السلطة كل هذه السنوات.

إن مواجهه الكارثة الإنسانية الكبيرة فى قطاع غزة، ووقف الحرب ينبغي ان يشكلا أساسًا للمقاربات الإقليمية والدولية. مع ذلك، يجب ألا تتجاهل هذه المقاربات حقيقة ان إسرائيل تتعامل بدرجة أساسية مع هذه الحرب مـن منظور الفرصة التى خلقتها لها لإخراج غزة مـن معادلة الصراع، وتهجير جديد للفلسطينيين مـن اجل القضاء تمامًا على الفرص المتبقية لإقامة دَوْلَةٌ للفلسطينيين فى المستقبل.

سعى القادة البارزون الذين حكموا إسرائيل الي ترك إرثهم الخاص بهم. وغالبًا ما كان إحداث أقصى قدر مـن الكوارث بالفلسطينيين وبقضيتهم هو المعيار الاساسى الذى يحدد ما إذا كان هذا الإرث يستحق ان يدون فى الصفحات الأولى مـن التَّارِيخُ الإسرائيلي. وعلى الرغم مـن ان أسوأ انتكاسة تعرضت لها إسرائيل منذ حرب عَامٌ 1973 حصـلت فى مدة حكـم نتنياهو، وعلى الرغم مـن أنه تسبب بانقسام داخلي عميق وغير مسبوق فى تاريخ إسرائيل، فإنه ينظر الي إلحاق نكبة ثانية بالفلسطينيين على أنها الإرث الذى يجب ان يتركه.

ومع ان الأهداف المعلنة لنتنياهو فى الحرب القضاء على حماس، إلا أنه يبحث عَنْ الإرث قبل حماس. إنه يريد ان يذكر فى التَّارِيخُ الإسرائيلي بأنه الزعيم الذى استطاع بعد ثمانية عقود مـن نكبة الفلسطينيين الأولى ان يحدث لهم نكبة ثانية، وأن يتوج التغييرات الديموغرافية التى أحدثها- فى فلسطين التاريخية اثناء مدة حكمه مـن اثناء التوغل الاستيطاني فى الضفة الغربية- بتهجير الفلسطينيين مـن قطاع غزة، وإطلاق العنان للحركة الاستيطانية بتصعيد عمليات التهجير فى المنطقة المصنفة “ج” فى الضفة، والتي يتصورها المجتمع الدولى على أنها جوهر مشروع الدولة الفلسطينية.

لذلك، فهو يحاول، مـن الان، الي فرض تصوراته لليوم القادم لانتهاء الحرب مـن اثناء إعلان ان إسرائيل ستتولى السيطرة الأمنية على غزة بعد القضاء المفترض على حماس، ورفض عودة السلطة الفلسطينية الي القطاع، ومعارضة المقترح الأميركي بإشراك دول المنطقة فى ادارة الترتيبات الأمنية فى غزة بعد الحرب. وعلى الرغم مـن ان التبريرات التى يقدمها نتنياهو تنبع فى العلن مـن اعتبارات أمنية، فإنها فى الواقع تتجاوز هذه الاعتبارات. يعتقد نتنياهو ان إعادة احتلال غزة يساعده فى المستقبل فى إعادة نشر المستوطنات فى القطاع، وأن السماح بعودة السلطة الفلسطينية الي ادارة غزة أو نشر قوات أجنبية فيها سيضعف ذلك قدرة إسرائيل على مقاومة مشروع حل الدولتين للصراع، خصوصًا ان هذا المشروع عاد ليأخذ زخمًا كثيرًا فى السياسات الإقليمية والدولية تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

لقد عرضت ادارة الرئيس جو بايدن رفضًا صريحًا لإعادة احتلال إسرائيل قطاع غزة، وتعطي انطباعًا قَوَيًا بأنها تريد ان تنتهي هذه الحرب بإعادة الاعلان عملية سلام جادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تفضي الي حل الدولتين. لكن الحقيقة التى سيتعين عليها مواجهتها الان؛ هى ان الأهداف الكبرى لنتنياهو فى الحرب، هى تدمير اى فرصة متبقية للسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى