الاخبار العربية والعالمية

الإعلام الغربي على محك “طوفان الأقصى” | آراء سام نيوز اخبار

تفرض التجربة العريقة والمتنوعة للإعلام الغربي سقف توقعات عاليا فى ما يتعلق بمدى دقته وتوازنه فى نقل وقائع معركة “طوفان الأقصى” وما تثيره مـن مواقف ووجهات نظر وما تستدعيه مـن معطيات لا غنى عنها فى إضاءة المشهد واستكشاف مساراته الماثلة والمحتملة.

على أرض الواقع بدت المسافة واضحة بل وفجة بين التقاليد والقيم التى يقول الإعلام الغربي إنه يتحرك ضمنها ويرى مـن خلالها تطورات المشهد فى الشرق الأوسط، وما أنجزته منابر اعلامية غربية على أرض الواقع مـن حوارات ثنائية وأوسع تناولت المستجدات الساخنة والدامية الدائرة هناك.

دون تعميم مخل بوسعنا القول إن الإعلام الغربي الذى تضاءلت مساحة الاهتمام لديه بالحدث الفلسطيني حتـى اكتفى فى أغلب الأحيان بأخبار قليلة ذات طابع أمني، والذي اختزل قضية شعب وأرض فى حوادث أمنية متفاوتة الأحجام لكنها معزولة أقرب لأقواس سرعان ما تغلق بعد ان تكون قد فتحت بهذه الحيثية أو تلك لأيام محدودة.

هذه المقاربة نزعت فعليا عَنْ القضية الفلسطينية عناوينها الكبرى، فهي لم تعد قصة احتلال وسعي لاجتثاث شعب مـن أرضه، وهي ليست قصة ملايين مـن اللاجئين دَاخِلٌ أرضهم وخارجها، ولا هى قصة قهر يومي فى سجن كثير يسمى غزة.

هى ليست كل ذلك وإنما مجموعـات فلسطينية مسلحة تقوم بين اثناء وآخر باختراق الصمت المضروب حول وفاة مسار التسوية مـن اثناء عمليات عسكرية هنا وهناك، دون إشارة بالقدر الكافي واللازم أصلا الي جذور المشكلة والعقد المستحكمة فيها، والتي جعلت منها برميل بارود قابل للانفجار كل لحظة لهذا السبب أو لذاك.

سؤال يختزل قفزة هائلة

دَاخِلٌ هذه الذهنية وضمن هذا التأطير جاءت استضافات لشخصيات فلسطينية لتبادرها فى ترديد شبه ببغائي لسؤال كاد يتكرر حرفيا وهو: هل تدين ما قامت به حماس بوصفه عملا إرهابيا استهدف مدنيين؟

سؤال يختزل قفزة هائلة فوق السياقات ومسارعة نحو “استحلاب” إدانة سهلة ومباشرة بدت أقرب لهدية مجانية لحكومة بنيامين نتنياهو التى وصفت على لسان نخب إسرائيلية وغربية بكونها الأكثر يمينية والأشد خطورة فى تاريخ حكومات إسرائيل، تلك التى لم تتوقف يوما فى التنافس الشرس على تنكيل أفظع وأشمل بالفلسطينيين.

وفي كل مرة كان الجواب الفلسطيني إحالة على ألف باء الصراع ومنابع الظلم البواح الذى اكتنف فصول القصة على مسمع ومرأى مـن دول العالم، خاصة منه ما يسمى العالم الحر، ذلك الذى تداعى للإعراب ليس فقط عَنْ مساندة إسرائيل، وإنما ايضا الشد مـن أزرها بألوان مـن الدعـم جاء الي ذروته المؤقتة بإرسال ادارة بايدن قطعة عملية مـن البحرية الأميركية وتخصيص فوري لثمانية مليارات مـن الدولارات فى شكل دعـم عسكري مباشر للجهد الحربي الإسرائيلي.

لم يكن ذلك هو أسوأ ما قام به الإعلام الغربي فى أغلب ما خصصه لمتابعة معركة “طوفان الأقصى” بالخبر والتحليل، ففي مرات عدة كان المدعوون عبارة عَنْ مجموعه فى أوركسترا تعزف النغمة ذاتها، فتتعدد الزوايا لتكثف الصُّورَةُ نفسها: إسرائيل فى مرمى التهديدات الإرهابية!

ووسط جوقة المدعوين تجد مـن يتم تقديمه على أنه خبير فى الشأن مهمته بسط توطئة معلوماتية تشمل معطيات وتعقيدات التَّارِيخُ والجغرافيا والاقتصاد والديمغرافيا، ولك ان تذهل لحجم المغالطات التى يتم تسريبها تحت غطاء مـن الاسطورة الجديد علمية ومواقع أكاديمية رنانة تحكي فى الواقع جهلا فادحا أو تجاهلا يلامس حد الإجرام فى رسم صورة ترصد على أنها واقع، وما فى الواقع بواقع.

السؤال المشروع

ولعل السؤال المشروع والمطروح هنا هو القادم:

هل مثل هذا التعاطي الاعلامي حالات شاذة تحفظ ولا يقاس عليها؟ أم أنها منهج قائم يتم تفعيله كلما دعت الحاجة، والحاجة هنا خطر مهم يحيق بإسرائيل يستدعي تبييضا لصفحتها وترويجا مـن طرف ظاهر وآخر لسرديتها؟

وهل مثل هذا التعاطي هو مجرد سقطة مهنية مـن إعلام راكم تجربة طويلة فى تقديم حروب عالمية ومعارك تحرر وطني وكوارث طبيعية؟ أم ان الامر يتعلق بجوهر صلب يسكن العقل الغربي الباطن ويحكم تفكيره ويمنعه مـن مجاوزة خطوط حمراء ويجعله يدمن تكرار رواية يمكن وصفها بكونها “يهودية مسيحية”، طبعا دون وقوع فى فخ التعميم والاستغراق عند استعمال التعبيرين؟

الحقيقة هى ان معركة “طوفان الأقصى” والتغطية الغربية لها أعادتا القضية الفلسطينية الي سيرتها الأولى وفرضت استدعاء المحركات الأساسية لدوامة العنف بشكليه الاحتلالي والمقاوم، لتضع الجميع امام معادلة أساسية تقول إن مـن يتغافل عَنْ الأسباب لا حق له فى ان يستاء مـن النتائج، ذلك ان عصر ملايين الناس فى قمقم غزة وقهر أمثالهم فى الضفة والشتات يتضمن حكما تداعيات ليس أقلها مقاومة المحتل وإيجاعه بكل الطرق الممكنة.

ولأي كان ان يجيل البصر فى مختلف القنوات والمواقع الغربية ليجد ان دلائل “العمى” فى النظر الي واقع القضية الفلسطينية أكثر مـن ان تحصى، واللافت للانتباه هو ان المحاور الفلسطيني وبمجرد التذكير بجذور القضية يجد أمامه مذيعا يسعي وبضعف صارخ الرد على البرهان الفلسطيني ثم سرعان ما ينهي المقابلة، فى مقابل لقاءات مع إسرائيليين يفسح مجال الزمن أمامهم مع مقاطعات شحيحة وخجولة لا تمنعهم مـن تزييف المشهد مجددا مرارا وتكرارا.

فى مقابل هذه القاعدة التى تحولت سقطة فى تجربة الإعلام الغربي تبرز هنا وهناك استثناءات قليلة ومحتشمة مـن بعض الشجعان الذين مـن حقهم الخوف على مصيرهم المهني لمجرد إفساح المجال امام تفهّم الحق الفلسطيني، فضلا عَنْ المفارقة الغربية الصارخة بين رفض الاحتلال الروسي لأوكرانيا، وتكريس وتزكية والتبرير للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

حديثنا فى الإعلام الغربي لا يمكن ان يكتمل دون آخر عَنْ تعامل الإعلام العربي مع “طوفان الأقصى”، وهناك ما أدهى وأنكى وأمر مما يقوم به الإعلام الغربي.

حديث تفرض التطورات التطرق إليه فى مقالة أخرى قريبا جدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى