لطالما اعتمد الفيدرالي على البيانات الاقتصاديه كمرشد أساسي فى اتخاذ قراراته، ولكن هل كان هذا الاعتماد مبالغاً فيه؟ هل تعثر فى تفسير هذه البيانات؟ وهل أدت قراراته ببقاء أسعار الفائدة مرتفعة حتـى الان الي تفاقم الوضع الاقتصادي الحالي؟
يرى خبراء اقتصاد ان الفيدرالي الأميركي ربما لم يوفق فى تقدير تأثير الجائحة على الاقتصاد، حيـث اعتمد على نماذج تقليدية لمواجهة تحديات غير تقليدية والتركيز المفرط على أسعار الفائدة وتجاهل العوامل الاخرى التى تؤثر على الاقتصاد كعناد التضخم الذى كان واضحاً مما ساهم فى تفاقم حالة عدم اليقين فى الأسواق.
وتباطأ معدل التضخم فى الولايات المتحدة اثناء يونيو الماضي حيـث ذكر مكتب إحصاءات العمل التابع لوزارة العمل الأميركية، ان مؤشر أسعار المستهلكين انخفض الي 3 بالمئة على أساس سنوي، بينما كان مؤشر أسعار المستهلكين جاء الي ذروته فى يونيو مـن العام 2022 عند مستوى 9.1 بالمئة.
وأبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نهاية يوليو الماضي على نسبه الفائدة دون تغيير للمرة الثامنة على التوالي عند مستوى 5.25 و5.5 بالمئة، بينما توقف عَنْ رفـع الفائدة للمرة الأولى فى سبتمبر 2023، وذلك بعد زيادتها 11 مرة منذ مارس 2022.
اضاف اقتصاد الولايات المتحدة وظائف جديدة بأقل مـن المتوقع اثناء يوليو الماضي، كَمَا تباطأ المعدل السنوي لنمو الأجور، وارتفع معدل البطالة، وأظهرت بيانات وزارة العمل، ان الاقتصاد الأميركي اضاف 114 ألف وظيفة فى يوليو بأقل كثيراً مـن التوقعات البالغة 176 ألف وظيفة، كَمَا عدلت البيانات عَدَّدَ الوظائف التى أضافها الاقتصاد الأميركي فى يونيو بالخفض الي 179 ألف وظيفة.
الانتباه على الفائدة وتجاهل عناد التضخم
وفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، اعلن الدكتور نضال الشعار الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين فى شركة “ACY“: “مـن الناحية العلمية والاقتصادية فإن ما يحصل فى المؤشرات الاقتصاديه الأساسية كان يجب ان يكون متوقعاً جاء الى صانعي السياسة الاقتصاديه وكنا قد أشرنا إليه مراراً وتكراراً فى مناسبات عديدة ومنذ أكثر مـن عَامٌ، إن اعتماد البنك الاحتياطي الفيدرالي الصرف على البيانات وتركيزه فقط على أسعار الفائدة دون النظر الي المستقبل وتجاهل عناد التضخم الذى كان واضحاً، هو ما أوصل الاقتصاد الي ما هو عليه الان”.
علينا الاعتراف بأن الطلب الكامن الذى تشكل بسـبب جائحة كورونـا آن له ان ينفذ وكان يمكن ان ينفذ بشكل طبيعي دون تدخل فالطلب المرتفع يولد بطبيعته أسعاراً مرتفعة، ولكن المصارف المركزية تصرفت بشكل تقليدي فى محاربة هذا النوع مـن التضخم غير التقليدي وبالغت مـن حيـث معدل أسعار الفائدة والزمن فى رفـع أسعار الفائدة، وفقاً للشعار.
وأشار الي ان ما يحصل حالياً مـن تباطؤ فى النمو الاقتصادي هو أمر طبيعي وجزء مـن دورة اقتصادية جديدة قد يكون مـن أحد صفاتها ما يسمى بالركود التضخمي والذي كان أحد مسبباته الاحداث الجيوسياسية بدءاً مـن الحرب الروسية الأوكرانية الي التوترات فى الصين ومن ثم التوترات الحالية فى الشرق الأوسط.
مخاوف الركود حقيقة
ويرى ان ما تشهد الأسواق مـن مخاوف الركود الاقتصادي القادم هى مخاوف حقيقة وكان يجب توقعها سابقاً بعد انتهاء جائحة كورونـا وقال: “إن سياسة رفـع أسعار الفائدة أسهمت فى تخفيض نسبه التضخم، ولكن مـن الواضح ان استمرارها لفترة طويلة لم يكن أمراً مساعداً إذ ان ذلك تزامن بشكل طبيعي مع هبوط فى حجم الطلب الكلي الكامن الذى تشكل بعد الجائحة اثناء عامي 2022 و2023 فكان مـن الطبيعي توقع هبوط هذا الطلب.
لكن هذا الشيء لم يحصل واعتقدت أغلب المصارف المركزية وأولها الفيدرالي الأميركي ان هذا الطلب هو طلب حقيقي ويجب معالجته ضوء الأدوات التقليدية وبالتالي كان الأحرى للمصارف المركزي ان تعي ماهية هذه العلاقة وتتفهم ماهية الطلب الهائل الذى تشكل بعد الجائحة ومداه الزمني، ولكنها مرة أخرى اعتبرته ظاهرة اقتصادية متكررة، وفق تعبيره.
كيف ستتأثر الأسواق؟
لكن السؤال الذى يفرض نفسه.. هل ما يحدث حالياً مـن توقعات ومخاوف الركود فى الاقتصادات العالميه سيؤثر على الأسواق فى الفتره قصيرة الأجل؟ الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين فى شركة “ACY” طرح التساؤل وأجاب عليه بنفسه قائلاً: “نعم سيؤثر وسنرى انهيارات أخرى قادمة، فالسوق بشكل عَامٌ له يتمتع بميزة خاصة جداً إذ ان البيانات والبيانات المتوفرة فييه هى التى تسيطر وهي اهم مـن التوقعات”.
وأردف بقوله: “العالم حالياً يقف خائفاً وحذراً مـن تكرار مأساة الكساد الكبير، لا اعتقد ان فى ذلك مبالغة لكن قد لا يكون هذا الشيء معادلاً للكساد الكبير الذى حصل فى أوائل القرن الماضي لأن الأدوات المتوفرة حالياً للأسواق والحكومات هى أدوات متقدمة وهناك نوع مـن التوازن والضوابط قد تحظر انهياراً هائلاً فى الأسواق، لكن سيكون هناك هبوط وإن لم يحصل حالياً فقد يحصل فى المستقبل القريب ويجب دائماً ان نفهم ان الخوف هو أحد العوامل الأساسية التى تصنع وتشكل الأسواق”.
وهناك مـن يعتقد بأن الأسواق سترتد بشكل إيجابي وأن الحالة الراهنة مؤقتة قد يكون هذا صحيحاً لكن نسبه حدوثه منخفضة، نحن ننتظر ردة فعل المصارف المركزية على ذلك وقد تكون ردة فعل مفرطة لا نعلم ذلك وهذا يعتمد على حكمة هذه المصارف فى ادارة هذه الأزمة التى يمكن توصيفها حالياً بأنها أزمة اقتصادية حقيقية وواقعية ومؤثرة جداً، طبقاً لما قاله الدكتور الشعار.
الفيدرالي ينتظر البيانات ولا يعرف المستقبل
وقال علي حمودي الخبير الاقتصادي، الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار فى “ATA Global Horizons“، فى حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “هناك حقيقة واحده تستحق ذكرها وهي ان جيروم باول والبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لا يعرفون المستقبل، ولا يمكنهم سوى الرد على ما تخبرهم به البيانات الاقتصاديه التى أصلاً تكون متأخرة، اى ما حدث مـن شهر وليس ما يحدث الان”.
كانـت أرقام الوظائف الأميركية فى يونيو أعلى مـن المتوقع، لكننا رأينا اثناء الشهرين الماضيين أدلة على تباطؤ فى الولايات المتحدة وخاصة نشاط المستهلك الأميركي، بينما البيانات الأمريكية مخيبة للآمال مقارنة بالتوقعات السابقة لبضعة اشهر، وهو الاتجاه الذى جاء الي أسوأ مستوياته فى أوائل يوليو الماضي، وبلغ ذروته مع أرقام الوظائف الأميركية لشهر يوليو التى صدرت يـوم الجمعة الماضي بينما مخيبة للآمال وخلاف ما كان يتوقعه السوق، وفق تعبيره.
وأوضح ان السوق اعتبر ذلك بمثابة تحذير جديد مـن الركود، وأتت قبل يومين فقط مـن قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بالإبقاء على أسعار الفائدة مما أثار قلقاً شديداً لدى العديد مـن المستثمرين فى السوق وخاصة أسواق الأسهم.
مرحلة صعبة امام أسواق الأسهم والسلع
وأضاف محلل الأسواق حمودي ان الفيدرالي الأميركي أشار بالفعل فى اجتماعه الاربعاء الماضي الي ان أسعار الفائدة ستنخفض فى 18 سبتمبر القادم، لذا فإن الفيدرالي لا يريد فى الاعتراف بالمخاطرة التى تسببت بحالة الذعر، مـن اثناء خفض أسعار الفائدة قبل اجتماعه المحدد فى سبتمبر، لذلك يبدو مـن المرجح ان تكون الحياة صعبة لفترة مـن الوقت فى أسواق الأسهم والسلع، وينبغي ان يكون الاهتمام منصباً على ما إذا كان هذا الهبوط المفاجئ سيخلق خسائر بالاستدانة أو بالهامش بما يمكن ان تتسبب فى مجموعه مـن الخسائر الإضافية”.
ونوه الي ان الجانب المشرق الوحيد مـن تقرير الوظائف السيء لشهر يوليو هو أنه عزز بشكل أساسي وكبير أول خفض لأسعار الفائدة فى سبتمبر، كَمَا أنه رفـع احتمالات ان يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر مـن المتوقع اى ب 0.5 بالمئة. وهذا مـن شأنه ان يؤدي الي هبوط تكاليف الاقتراض على كل شيء مـن الرهن العقاري وقروض السيارات الي بطاقات الائتمان.
صحيح ان الكثيرين كانوا يرون ان بنك الاحتياطي الفيدرالي كان ينبغي ان يخفض أسعار الفائدة هذا الشهر، ومنذ يـوم الجمعة هناك مـن يترقب بأن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة فى وقت أقرب مـن اجتماع سبتمبر , بل هذا الاسبوع، وهو ما لا أعتقده، لأن هذا مـن شأنه ان يثير المزيد مـن الذعر فى الأسواق، لكن مـن المؤكد ان بنك الاحتياطي الفيدرالي سينتهي به الامر الي خفض أسعار الفائدة بنصف نقطه فى كل مـن سبتمبر ونوفمبر للتعويض عَنْ بعض الخسائر، طبقاً لما قاله الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار فى “ATA Global Horizons“.