أخبار عالميةأخبار عربيةأخبار فلسطينالاخبار العربية والعالمية

الدعـم الديمقراطي للإبادة.. الأونروا نموذجًا | سياسة سام نيوز اخبار

امتلكت حوالى 17 دَوْلَةٌ، ديمقراطية بمعظمها، كفايةً أخلاقية لقطع التمويل عَنْ وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” فى أصعب ظرف إنساني يمرّ به بشر فى القرن الحادي والعشرين.

وطلبت هذه الدول تحقيقًا لكشف ملابسات الاتهامات الإسرائيلية بتورط عَدَّدَ مـن موظفي الأونروا بهجوم 7 أكتوبر/ تشرين الاول. تشكلت لجنة تحقيق برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة؛ للوقوف على المزاعم الإسرائيلية يـوم 15 فبراير/ شباط الماضي. ويشترك فى عمل اللجنة ثلاث منظمات بحثية وحقوقية اوروبية.

تعطيل وتجويع

منذ الأيام الأولى لإعلان التحقيق تمَّ اعتماد تقديرات زمنية لانتهاء التحقيق، حيـث ستقدم اللجنة تقريرًا مؤقتًا أواخر مارس/ آذار للأمين العام للأمم المتحدة، بينما المقال النهائى سيُقدم أواخر أبريل/ نيسان هذا العام.

اى ان الدول التى أوقفت تمويلها للأونروا، لديها الراحة الكافية لتجويع الفلسطينيين، وتعطيل عمل المنظمة الأهم على الإطلاق فى قطاع غزة فى هذه الأيام الحرجة، التى يموت فيها الأطفال جوعًا فى شمال قطاع غزة.

عندما تمّ قصف مستشفى المعمداني الذى ذهب ضحيته حوالى 470 مدنيًا فلسطينيًا، ادعت إسرائيل ان صاروخًا فلسطينيًا محليًا هو الذى تسبّب بالمذبحة، رغم الإعلانات المتكررة مـن مسؤولين إسرائيليين رسميين بالمسؤولية قبل حذفها.

لم ترد الدول الغربية – ومن بينها كل الذين أوقفوا تمويل الأونروا اليـوم – أكثر مـن ساعات لاكتشاف “الحقيقة” التى تلاها بايدن بحضرة نتنياهو مـن قصاصة ورقية كُتبت على عجل. رددت الديمقراطيات التى تقدس “الحقيقة” كالببّغاوات، الرواية الإسرائيلية، دون تحقيق أو المطالبة به أصلًا.

اما فى قصة الأونروا، فالتحقيق مطلوب، وهو ذو ضوء مهم؛ كونه يساهم فى تركيع الأطفال الفلسطينيين، ويزيد مـن آلامهم. ولنا ان نتخيل ماذا يعني تعطيل عمل 13 ألف موظف للوكالة الدولية فى قطاع غزة الان، وإعاقة المنظمة التى لها قدرة على الوصول لكل أجزاء القطاع، ولديها الموارد البشرية واللوجيستيّة لكل ذلك. المطلوب هو ضرب هذا الشريان الذى ساهم فى تصْميد الناس مـن مرضى وأطفال ومسنين وحوامل.

قتل الشهود

هكذا كان “النموذج الديمقراطي” للتعامل مع جرائم الحرب فى غزة. فالأصل فى الكذب الإسرائيلي الصدق، حتـى لو اتضح خلافه. كلنا نعلم ان المواقف الدولية – التى تتالت بشكل تمثيلي على التهمة الإسرائيلية الموجهة امام الأونروا – هى جزء مـن دعـم جهود الحرب الإسرائيلية؛ الحرب امام المدنيين والسكان تحديدًا، لكن بوجوه مختلفة حتـى يتم تجنب التورط بالجريمة مباشرةً.

التحقيق هو شراء للوقت مـن اجل اكتمال الإبادة، ومن ضوء اهداف الإبادة قتل شهودها. تمثل الأونروا الشاهد الدولى على ما يحدث، وهي بنك معلوماتي هائل لكل ما حدث أصلًا منذ 75 عَامًٌا بالفلسطينيين.

وهدف قتل الشاهد ومحاولات اغتياله ليست جديدة، والتصريح برغبة الاغتيال يتردد على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، وخاصة نتنياهو، فى مناسبات لم تتوقف. وقد تساوقت واشنطن مع هذه الرغبات اثناء ولاية ترامب عمليًا.

بدت غزة يتيمة فى هذه الحرب، كَمَا لم تبدُ جاء الى. يتيمةً مـن النصرة الفاعلة مـن القريبين، ويتيمةً مـن الشهود. فقد تجلّت سوابق كثيرة فى هذه الحرب، منها منع الإعلاميين مـن دخول القطاع وتغطية الحرب، كأي حرب أخرى فى العالم.

وتردَّد ان شركات التأمين العالميه ترفض تقديم الصحفيين الراغبين الذهاب لغزة. ليس هذا سببًا كافيًا بطبيعة الحال، فالجميع يعلم انّ المتطوعين مـن مراسلي الحرب العالميين لديهم استعداد الذهاب بدون تأمين، لكن وسائل إعلامهم التى يعملون بها ترفض. كَمَا ان مـن يعمل بشكل مستقل وحرّ لا يُسمح له بالدخول.

استهتار وازدراء

كان واضحًا منذ اليـوم الاول ان المطلوب دوليًا إتمام الجريمة بأقل عَدَّدَ ممكن مـن الشهود. كانـت الأونروا معضلة مزمنة، فعمرها مـن عمر الصراع ذاته، وأصالتها مع المأساة الفلسطينية راسخة، وبحكم تلك الأصالة، باتت لها أدوار مركّبة تتجاوز مجرد توزيع المساعدات.

لا تمتلك وكالة دولية معلومات ووثائق عَنْ مأساة إنسانية بحجم ما تمتلكه الأونروا عَنْ فلسطين. وليس بمقدور جهة ان تروي الحدث الفلسطيني كَمَا الأونروا. ولذلك يصرّح نتنياهو بمنتهى الاستهتار بشيء اسمه مجتمع دولي أو امم متحدة، بأن لا وجود للأونروا فى غزة بعد الحرب. هل مـن مواقف حول هذا الازدراء المتكرر للأمم المتحدة؟

لم تصدم هذه الحرب العالم بوحشيّتها فقط، وإنما بحجم الدعـم “الديمقراطي” لهذا التوحّش. الدعـم الذى تُنتقى قوانينه، وأساليبه، وعباراته، لتتناسب مع التمدن الديمقراطي للقتل والاستعلاء العِرقي والديني والأخلاقي.

ستسجّل الأونروا فى وثائقها ان 17 دَوْلَةًٌ “ديمقراطية” وجدت مـن الأخلاقي قطع الدعـم عَنْ المنظمة الأممية الوحيدة القادرة على التخفيف مـن المجاعة. ووجدت ان فتح تحقيق يستمر ثلاثة اشهر يُقطع فيه التمويل مسبقًا عَنْ هذه المنظمة – بينما سيموت واحد مـن ستة أطفال جوعًا فى أماكن عملها – هو عمل “ديمقراطي”.

مفترق طرق

بعد ترصد إسرائيل لما تعرضت له فى محكمة العدل الدولية، بات الشعور ان آليات المحاسبة الدولية تحتاج الي تعامل مختلف، يتجاوز الاستهانة المعتادة بآثارها على كيان ذي حصانة خاصة.

تبدو إسرائيل وحلفاؤها الدوليون كمن انتبه فجأة الي خطورة المنظمات الدولية الشاهدة. وبالرغم مـن كون استهداف الأونروا لم يكن هـدفًا جديدًا إسرائيليًا، فإنّ الجديـد هو الشراكة الدولية فى هذا الاستهداف وبهذا الحجم.

إن المواقف العدائية الدولية الغربية – باستثناء الأميركية، تجاه الأونروا – جديدة كليًا، وقد تبدو كإعلان مرحلة جديدة لن تتمكّن الأونروا مـن الاعتماد فيها على داعمها الأكبر المتمثل بالاتحاد الأوروبي.

فهذه الحرب تسجل نفسها كمفترق طرق امام كثير مـن القضايا. وتتجلى فيها المساحات والاصطفافات كأنها مسروقةٌ مـن حقبة الاستعمار التقليدي فى بدايات القرن العشرين.

وحتى لا ننسى التحقيق، ماذا لو اكتشفت اللجنة الموقرة ان 7، أكثر أو أقل، مـن موظفي الأونروا قد شاركوا فى هجـوم “رأس الحربة” أكتوبر/تشرين الاول؟، وما هو التفسير الديمقراطي للعقاب الجماعي بحق ملايين الفلسطينيين؟، وما هو الجانب الأخلاقي الذى ستبرر فيه هذه الدول مساهمتها فى مجاعة الأطفال فى غزة تحت اى ذريعة؟

التَّارِيخُ يكتب، ولن تستطيع نتيجه اى تحقيق ان تمحوَ عار المشاركة فى إبادة الجمهور الفلسطيني فى غزة.

 

 

 

الآراء الواردة فى هذا المقال هى آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى