الاخبار العربية والعالمية

الذكاء الاصطناعي والتعليم.. هل يُلغي أحدهما الآخر؟ | تكنولوجيا سام نيوز اخبار

كتب العالم والفيلسوف البريطاني برتراند راسل عَامٌ 1945 “يولد الإنسان جاهلا وليس غبيا، فما يجعله غبيا هو النظام التعليمى”.

ومنذ ذلك الوقت وحتى الان أدخلت العديد مـن البلدان المتقدمة تحسينات ملموسة على نظم التعليم، وصولا الي التعلم القائم على المشاريع (Project-based learning) الذى يتطلب مـن الطــلاب إجراء مقابلات واستطلاعات رأي ودراسات وأبحاث بشكل مشترك.

الأنظمة التعليميه.. هل هى النهايه؟

لكن بعد الاعلان شات جي بي تي نهاية العام الماضي، حذر إيلون ماسك مـن أنه يمكن لهذه التقنية ان تجعل الواجبات المنزلية عديمة الفائدة، وقال فى تغريدة على منصه إكس (تويتر سابقا): “إنه عالم جديد.. وداعا للواجبات المنزلية!”.

لم يقتصر الامر على التحذير، بل عبر بعض المفكرين عَنْ خشيتهم مـن ان يُستخدم شات جي بي تي وسيلة لتجنب التعلم، وبالتالي وسيلة لنشر الغباء بين شريحة واسعة مـن الطــلاب.

فيرى عالم اللسانيات والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي ان استخدام شات جي بي تي هو فى الأساس “سرقة أدبية عاليه التقنية” و”طريقة لتجنب التعلم”. ويرى ان قيام الطــلاب بشكل غريزي باستخدام التكنولوجيا المتطورة لتجنب التعلم يعد علامة على فشل النظام التعليمى، “فإذا لم يكن النظام التعليمى جاذبا للطلاب ومثيرا لاهتمامهم ولا يتحداهم ولا يجعلهم يرغبون فى التعلم، فسوف يجدون طرقا للهروب منه”.

اما الروائي الكندي ستيفن ماركي فيقول: “كانـت المقالة، ولا سيما مقالة المرحله الجامعية، مركزا للتربية العلمية والإنسانية لأجيال عديدة”. وأضاف: “إنها الطريقة التى نُعلّم بها الطــلاب كيفية البحث والتفكير والكتابة. هذا التقليد بأكمله على وشك ان يتعطل مـن الألف الي الياء”.

وانطلاقا مـن هذه النظرة التشاؤمية قامت العديد مـن المدارس والمناطق والإدارات التعليميه حول العالم بحظر استخدام شات جي بي تي بالفعل وأضافته الي قوائم حظر مواقع مجموعه الإنترنت الاخرى الخاصة بها.

“عزلة قسرية”.. ما الآثار النفسية التي يسببها استمرار التعليم عن بعد لدى الأطفال؟
توفير التعليم المفصل وفق الاحتياجات الفردية لكل طالب أحد مزايا الذكاء الاصطناعي فى التعليم (غيتي)

التكنولوجيا والتعليم.. ثورة أم نكسة؟

غير ان نظام المدارس العامة فى مدينة نيويورك الذى سبق له ان تبنى هذه السياسة، قام بتغيير موقفه فى مايو/أيار الماضي وسمح للمعلمين باستخدام شات جي بي تي عندما يرون ذلك مناسبا. وللتخفيف مـن مخاطر الغش والانتحال بسـبب استخدام شات جي بي تي، اطلقت شركة أوبن إيه آي (OpenAI) المطور لشات جي بي تي تطبيقاً باسم مصنف نص الذكاء الاصطناعي (AI Text Classifier) تم تصميمه للسماح لأي شخص -بما فى ذلك المعلمين- بنسخ اى نص ولصقه وتحديد ما إذا كان مكتوباً بواسطة الذكاء الاصطناعي أم لا.

ولكن انتهى الامر بإيقاف هذا التطبيق نظراً الي معدل دقته المنخفض، فمثلاً صنف هذا التطبيق بعض النصوص المكتوبة بواسطة البشر -مثل مسرحيات شكسبير وإعلان الاستقلال الأميركي- على أنها مـن إنتاج الذكاء الاصطناعي.

غير ان العديد مـن المفكرين ورجال الأعمال يرون ان الذكاء الاصطناعي التوليدي كتقنية شات جي بي تي، يمكنها ان تلعب دوراً ثوريا وإيجابيا كبيرا فى جميع المجالات بما فى ذلك التعليم.

فمؤسس مايكروسوفت بيل غيتس يرى ان الروبوت المزود بالذكاء الاصطناعي التوليدي افضل مـن المدرس الذكي فى تعليم القراءة والكتابة، إذ يمكنه تعليم الأطفال القراءة والكتابة فى 18 شهراً فقط بدلاً مـن اعوام، بالإضافة الي ان كلفة التعليم بواسطة روبوت ذكي أقل بكثير مـن كلفة التعليم بواسطة مدرس بشري، خاصة بالنسبة للتعليم الفردي، كَمَا ان التعليم الروبوتي لن يقتصر على اللغات، بل سيشمل مواد عديدة أخرى منها الرياضيات.

ولتشجيع المدرسين على استخدام شات جي بي تي فى التعليم، اطلقت أوبن أيه آي فى شهر أغسطس/آب الماضي مدونة بعنوان “التدريس باستخدام الذكاء الاصطناعي (https://openai.com/blog/teaching-with-ai) توفر أمثلة للمعلمين عَنْ كيفية استخدام شات جي بي تي فى الفصول الدراسية الخاصة بهم، وتشرح كيفية عمله ومحدوديته، وفعالية برمجيات وضح الغش التى تهدف للتعرف عما إذا كان النص مكتوباً بواسطة البشر أم الذكاء الاصطناعي، وطرق وضح التحيز.

Artificial Intelligence. Technology smart robot AI, artificial intelligence by enter command prompt for generates something, Futuristic technology transformation.; Shutterstock ID 2284318457; purchase_order:ajnet; job:; client:; other:
الناس يفترضون ان سلوك الذكاء الاصطناعي مشابه لسلوك الإنسان وبالتالي يبالغون فى تعظيم قدراته (شترستوك)

الذكاء الاصطناعي.. مزايا لا يمكن إنكارها

يلخص المتحمسون لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي -مثل شات جي بي تي- فى التعليم مزاياه فى 7 نقاط رئيسية هى:

  • توفير التعليم المفصل وفق الاحتياجات الفردية لكل طالب.
  • تقديم الدروس الخصوصية والمساعدة على حل الواجبات المنزلية.
  • المساعدة على تعلم اللغات مـن اثناء توفير المحادثات والشروح والترجمات بلغات متعددة.
  • مساعدة الطــلاب والباحثين فى العثور على البيانات بسرعة، وتلخيص المقالات، وإنشاء الاستشهادات، وهو ما يوفر لهم إمكانية إنجاز الدراسات والبحوث بسرعة وكفاءة أكبر.
  • مساعدة الطــلاب فى تحسين مهاراتهم الكتابية عبر تقديم اقتراحات نحوية وأسلوبية، ومساعدتهم فى توليد الأفكار وكتابة المقالات والتقارير.
  • مساعدة المعلمين فى إنجاز مهامهم الإدارية كإدارة جداول الحصص أو الإجابة على استفسارات الطــلاب الشائعة.
  • يوفر للمعلمين إمكانية تطوير المواد التعليميه وإنشاء دروس تفاعلية وتصميم الاختبارات والواجبات.

ولاختبار النقطة الاخيره طلبتُ مـن شات جي بي تي إعطائي بعض الأسئلة فى مجال الرياضيات تناسب طلاب الصف السادس الابتدائي، فأعطاني عدة أسئلة إحداها: “مستطيل محيطه 30 سم وطوله يساوي 3 أضعاف عرضه، ما طول هذا المستطيل وما عرضه؟”. وبدا لي أنه سؤال مناسب لهذه الفئة.

أخيراً، تثار اليـوم المزيد مـن المبالغات إزاء مستوى الذكاء الاصطناعي التوليدي كشات جي بي تي، ويشبّه البعض ذلك بما حدث عَامٌ 1956 عند اختراع لغة معالجة البيانات (IPL) التى افترض البعض أنها أداة أساسية لتطوير الذكاء الاصطناعي ثم سرعان ما تلاشى ذلك الافتراض.

ويشبّه آخرون هذه المبالغات بما حدث عَامٌ 1966 عند الاعلان برنامـج محادثة بدائي للعلاج النفسي باسم “إليزا” طوره عالم الحاسوب فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا جوزيف وايزنباوم، حيـث ظن بعض مـن جربه أنه ذكي ويفكر كالمعالج النفسي البشري.

وقد فُسر ذلك بأن الناس تفترض لاشعورياً ان سلوك الحاسوب مشابه لسلوك الإنسان، وبالتالي تبالغ فى تعظيم قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي، وقد أطلق على هذه المبالغة اسم أثر إليزا (Eliza Effect). فهل يتكرر اليـوم ما حدث سابقاً؟

نشهد اليـوم مبالغات عديدة سواء فى تعظيم قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، أو فى التقليل منها، أو فى حجم المخاطر الناجمة عَنْ استخدامه. لكن مـن الواضح عملياً ان تأثيره كثير على نظم التعليم، إذ لم يعد بإمكان المدارس الاستمرار بالعمل بالطريقة القديمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى