الرئيسُ الروسيّ فلاديمير بوتين، فى الرياض فى زيارة خاطفة اليـوم 6 ديسمبر/ كانون الاول 2023م، ولو لعدّة ساعات، ولكنّها ستكون فاعلةً وحاسمة، كون المرحله تستلزم “حتمية اجتماع القادة” فى اثناءّ “التوازن الصعب” بين المواقف الدولية فى الملفات الشائكة والمتداخلة “سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا وعسكريًا”، وبين حضور الصين المقلق غربيًا فى المنطقة، الي أزمة أوكرانيا وتداعياتها على دول أوروبا، ثم العدوان الغربي “بقيادة قوات الاحتلال الصهيوني” على غزة، واحتمال تمدّده الي مناطق خارج دائرة الملف الفلسطيني بأبعاده السِّيَاسِيَّةُ والجغرافية.
مرحلة طارئة تستلزم إجراءً طارئًا، ما يمكن تسميته، بـ “سياسة التحوط” الثنائي “السعودي- الروسي” لضبط التحركات المحيطة المتناقضة فى الملفات المشتركة، وللخروج مـن التداعيات السلبية المحتملة، وقد تكون مفتعلةً للتشويش والإرباك.
المرحله تتجاوز التشاور الثنائي للوزراء النظراء، الي مقابلة القادة، ليس لمجرد وضع النقاط على الحروف فحسب، بل لضبط التحركات بعلامات الترقيم الجادة والفاعلة والحازمة.
ما بعد القمّة سؤال ستظل حقائق جوابه رهينة الأبواب المغلقة، ولكن تسرّباته سوف تزكم أنوف المتطفلين، وتبعث شيئًا مـن النشوة للمتطلعين للمصلحة الوطنيه
بكل تأكيد سوف يتجاوز اللقـاء- الأعلى اهميهً فى مستواه ومناسبته- مجرّدَ التشاور الثنائي المباشر الي التفاهم والاتفاق على محدّدات سياسية وأمنية، محوطة بسياج “اتفاقات أوبك +”، ولهذا مبرراته:
ما يعيشه عالم اليـوم مـن مرحلة الافتراق الأممي، “فوضى مرحلة ما بين الحربين العالميتين”، وارتداد ذلك السلبى على وعي النخب. الانحياز الغربي الي تسييس القضايا والملفات، والتوجّه الي عسكرة التفكير والتحليل، وانعكاس ذلك على عسكرة العلاقات والحلول.
العالم فى هذه المرحله منكشف مـن ثلاث نواحٍ:
اصطدام المصالح الدولىّة وتقاطعاتها السلبية. تعطيل الهيئات الأممية، وتهميش دورها فى التزام وتطبيق القانون الدولى. غياب الوعي النخبوي الضابط للسلوك الشعبي التابع للإرادات الحكومية.
المرحله الحالية الفارقة التى نحياها تستلزم التحالف مع الذات، وهذا لا يعني الدعوة للانطواء، وإنما العمل على بناء الشراكات والتفاعلات وَفقًا للمصلحة الوطنيه المباشرة “تكتيكيًا”، حيـث إنّ الزمن فى تغيراته اسرع مـن إستقبال الأنفاس للتخطيط والتشاور.
تستلزم المرحله ما يلي:
الفصل بين الملفات شكليًا، والربط بينها موضوعيًا، وأن يتبع ذلك عملية واعية لتحليل المخاطر والتحديات للوعي بها وتحييدها. استدارة الوعي التحليلي بالأهمية الإقليمية والدولية لمنطقة الخليج العربي، مـن زاوية القيمة “الجيوإستراتيجية” وليس مجرد “حيز الطاقة”. رغم أهميته، فالبُعد الجيوإستراتيجي لا يمكن المناورة فى استبداله أو التقليل مـن أهميته؛ خلافًا لأهمية الطاقة التقليدية وجهود العالم فى البحث عَنْ البدائل الجديدة لها، أو إرباك دول المنطقة بدعاوى “الاحتباس الحراري والانبعاثات الملوثة”.
حتميّة اجتماع القادة: ولي العهد السعودي، والرئيس الروسي، فى الرياض، تدفع المراقبين للتشوّق العميق لاختلاس تفاصيل أجندته ومخرجاتها، والتي بكل تأكيد لن يتم الإعلان عنها، وسيكون التلميح فقط بمساراتها وتوجهاتها، ولكنها بكل تأكيد ستكون براغماتية واقعية فى بناء مسار ثنائي “سعودى- روسي” إستراتيجي حصري متعدد الملفات؛ لتحقيق مصالح الطرفَين، وبالتبعية مصالح أخرى تابعة.
ما بعد القمّة سؤال ستظل حقائق جوابه رهينة الأبواب المغلقة، ولكن تسرّباته سوف تزكم أنوف المتطفلين، وتبعث شيئًا مـن النشوة للمتطلعين للمصلحة الوطنيه.
ما بعد القمة سيكون فضاء للوطنيين “مـن الجانبين”؛ لخدمة ورعاية المصالح الوطنيه، والتجرّد مـن النيّات الخفية، والتبعيات الطبيعية.
مرحلة التفاؤل والتفاعل والجدية، وقد لا تمرّ بالبلدين فرصة أوثق حزمًا مـن هذه المرحله، ولا أدْعى للجدية مـن هذه الفوضى، ولا أوفر إمكانات مما هو متاح.
أرجو ان “ما بعد القمة” يستجيب فى تفاعله لمرحلة “حتمية اجتماع القادة”.