الاخبار العربية والعالمية

السيناريوهات المستقبلية للسودان.. متى ستنتهي الحرب؟ | آراء سام نيوز اخبار

لو انّ العالم بأسره شاهد فيلم “الهجوم على دارفور” للمخرج الأميركي “أوي بول”- عندما صوّر، بكاميرا الواقع المُبين، الطريقةَ التى تهاجم بها مليشيا “الجنجويد”، قرى ومدن دارفور، والمذابح البشعة التى ترتكبها اثناء الحروب، مـن قتل للرجل والأطفال واغتصاب للنساء بلا هوادة، وحرق للبيوت والحيوانات وكل ما ينبض بالحياة- لأدرك خطورة ما يحدث فى السودان.

كَمَا استبان له على وجه الدقّة ما يجري فى الخرطوم، التى تتعرض منذ تسعة اشهر تقريبًا، لدمار غير مسبوق، وهجمات وحشية أخمدت فيها جذوة الحياة، وربما تحتاج هذه المدينة، الي سنين طويلة لتتعافى مـن جراحها.

سيناريو الفوضى العارمة

ربما لم يتفاجأ أهلُ دارفور- الذين عرَفوا حرب المليشيات وخبِروها- بما يحدث الان، وهم الذين ورثوا الحكمةَ وآمنوا بكثير مـن الأساطير الشعبية.

ومن هذه الأساطير بالطبع “أم كواكية”، اى “غُصُب كي”، وهي فوضى عارمة- ينال فيها الناس مـن دماء وأعراض وممتلكات بعضهم بعضًا- اعلن كل مائة عَامٌ، وأحيانًا أقل مـن ذلك، وتسبقها إرهاصات مقلقة.

لذلك يتحفّز الناس للقتال تحت وطأة عصبية القبيلة، فى اثناء غياب الحكومة والأحزاب السِّيَاسِيَّةُ، لكن السؤال المحير بالضرورة: كيف انتقلت “أم كواكية” مـن دارفور الي الخرطوم، وماهي سيناريوهات ما بعد الحرب؟

قبل ان نجيب عَنْ تلك الأسئلة، أو بالأحرى نستشرف مستقبل العملية السِّيَاسِيَّةُ فى السودان، مـن المهم الإجابة عَنْ السؤال المحوري، الذى يشغل بال معظم السودانيين، وهو: متى ستنتهي الحرب؟

وإن كنت أظن ان السؤال المهم هو كيف ستنتهي الحرب، اى بالقتال أم بالتفاوض؟ فى وقتٍ تشير بعض القراءات الي ان الحرب سوف تنتهي بالطريقة نفسها التى بدأت بها، على نحوٍ مفاجئ وبلا استئذان، لاسيما ان الجانب الاستخباراتي فى هذه الحرب يطغى على الجوانب الاخرى.

فضلًا عَنْ ان الجهة الخارجية التى تمدّ حركة التمرد بالأسلحة والأموال لديها اهداف مـن وراء هذه الحرب، ومتى تحققت أهدافها، أو شعرت بعدم جدوى ما تقوم به، فسوف تتوقف بالضرورة، أو مـن الممكن ان تغيّر نهجها فى التعاطي مع الشأن السوداني.

قطع على رقعة الشطرنج

لا بد ان الحكومة السودانية فطنت الي ذلك الامر، وأدركت ان قوات الدعـم السريع مجرد قطع على رقعة الشطرنج، يتم تحريكها وَفقًا لتقديرات خارجية، ولذلك بدأت الحكومة توجه الاتهامات بصورة مباشرة لحلفاء الدعـم السريع فى الخارج.

وفي الوقت نفسه أيضًا ثَمة ضغوط دبلوماسية وخطوط مخابراتية مفتوحة بين السودان وتلك الدول، ربما تفضي الي تفاهمات ونتائج مُرضية للطرفين، وتلك على ما يبدو، لعبة مصالح، آخذة فى تقرير وضعيتها، للتعامل معها بجدية.

مـن المهم تحديد الأطراف الفاعلة على الأرض، وتلك التى اختارت الحياد المُخادع، لكنها فى الوقت نفسه تتحرك تحت ستار إيقاف الحرب.

وأعني بالأطراف الفاعلة، القوى العسكرية فى مناطق العمليات، تحديدًا، وهي: الجيش السوداني مـن جهة، والدعم السريع مـن جانب اخر، ولكل طرف حلفاء مـن القوى المدنية.

الجيش السوداني، بلا شك، حصل على دعـم التيار الإسلامي العريض، الي جانب الاصطفاف الوطني الذى دخلَ فيه أحزاب ذات ثقل جماهيري، مثل: الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، بقيادة مولانا محمد عثمان الميرغني، ومؤتمر البجا، فضلًا عَنْ الحركات المسلحة التى وقّعت على سلام جوبا، ولديها جيوش مقاتلة، جميعها الان تحت قيادة عسكرية موحّدة فى مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بمن فيهم قوات تابعة لعبد الواحد محمد نور.

أمّا الدعـم السريع فهو يعتمد على حاضنة سياسية لحمتها وسداها قوى الحرية والتغيير، ويقود خطها الخارجي رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك، وإن كان حمدوك أقل حماسًا، ويحاول فقط كسب ودّ أميركا وحلفائها، وبعض المنظمات الدولية، وهي كل ما يهمها السيطرة على موارد السودان، أو بالأحرى منع روسيا والصين الاستفادةَ مـن هذه الموارد، وعلى رأسها الذهب.

الخرطوم كلمة السرّ

السيناريوهات المستقبلية للسودان ترتبط بصورة أساسية بنتيجة الصراع بين هذه القوى، ومفتاح ذلك هو تحرير العاصمة الخرطوم.

ففي حال انتصر الجيش على الدعـم السريع، وهو السيناريو الأقرب- خصوصًا بعد حصول الجيش على أسلحة نوعية واستنفار آلاف المقاتلين، وتصدع الجبهة السِّيَاسِيَّةُ المساندة للدعـم، مع صعود وتيرة الإدانات الدولية لانتهاكات قوات الدعـم السريع، واختراقات عديدة فى السياسة الخارجية، أهمها إنهاء عملية “يونيتامس” فى السودان، التى انحازت لطرف دون الآخر، فضلًا عَنْ اقتراب تحديد مصير قائد الدعـم السريع حميدتي، حيـث يذهب كثير مـن المؤشرات الي احتمالية مقتله- فإنَّ هذا الانتصار لا يعني فناء قوات الدعـم السريع بالكامل، ولا حتـى نهاية قوى الحرية والتغيير.

وهي قوى لا يريد رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان فى تلاشيها، وإنما يحرص، مـن اثناء عدم قطع خطوط التواصل معها، على ان تكون موجودة فى المرحله القادمة، لتوازن الْمَلْعَبُ السياسي، وهي نفسها باتت على قناعة، بأنها لن تستأثر بالحكومة مرة أخرى، وما لا يدرك كله لا يترك جله.

تصفير العداد

أمّا القوى الإسلامية، التى ساندت الجيش وقاتلت الي جانبه، فإنها سوف تلقي بعد نهاية الحرب عَنْ كاهلها السلاح، وتستعد للانتخابات، باصطفافات جديدة، ونزعة أيديولوجية أكثر مرونة. وهي لترتيبات تنظيمية تخصها، قرّرت عدم المشاركة فى الحكومة اثناء المرحله الانتقالية.

لكن هذا السيناريو الذى سوف يتوج بغلبة الجيش، يريد الي مفاوضات، لا سيما أنه نادرًا ما توجد حرب لا تنتهي على طاولة التفاوض، وهي ضرورية حتـى لترتيبات عملية الاستسلام، وتحديد التزامات الأطراف المتقاتلة، وضمان توفير الدعـم المالي، وتعويض المتضررين، وتلك عقبات يصعب تجاوزها دون ضمانات دولية وممولين، ما يعني ان العودة الي منبر جدة ممكنة، ولكن بصورة مختلفة هذه المرة، بعد إخفاقات صاحبت الجولات السابقة.

وإن كان لا أحد يعرف، أيضًا، ما سيحدث بالضبط قبل أو بعد منبر جدة، فإن “غير المتوقع يحدث دائمًا”، وَفقًا لمثل فرنسي شائع استخدمه الكاتب أندريه موروا عنوانًا لإحدى رواياته، خصوصًا ان الإشكالية السلطوية المزمنة فى بلاد النيلَين ترتبط بطموحات الأشخاص والقبائل، والانقلابات العسكرية.

ولربما نفاجأ ايضا بقيادة جديدة للدعـم السريع تنقلب على آل دقلو وتأخذ بزمام الامور، فى طاولة حوار مع قيادة عسكرية أخرى على رأس الدولة.

وهو أمر غير مستبعد أيضًا، وسـط هذه الرمال المتحركة، وإن لم تكن تلك التغيُّرات على مستوى الأشخاص، فهي، قطعًا، ستصيب التحالفات والسياسات، وستقوم بتصفير العداد بالمرّة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى