غزة- “ليش طخوني؟” (لماذا استهدفوني بالرصاص؟) سؤال لم يفارق الشاب عطية النباهين منذ استهدافه برصاصة مـن جندي إسرائيلي أدت الي إصابته بشلل رباعي فى أطرافه قبل 9 أعوام، وقد استشهده فى غارة جوية إسرائيلية دفنته و12 آخرين مـن عائلته تحت ركام منزلهم بمخيم البريج للاجئين وسـط قطاع غزة فى العدوان الإسرائيلي الأخير.
فارق عطية النباهين (24 عاما) الحياة دون ان يجد إجابة عَنْ سؤاله، أو يعرف دافع القناص الإسرائيلي الذى قرر فى لحظة ان يسلب فتى -كان فى 15 عاما وقتها- حركته ويغتال أحلامه، ويجعله قعيد الفراش بلا حراك.
مجزرة مروعة
عند الساعة الـ11 مـن اليـوم الثانى للعدوان على غزة، فى الثامن مـن أكتوبر/تشرين الاول الحالي، كان عطية مـن ضحايا مجزرة مروعة ارتكبتها طائرات حربية إسرائيلية حوّلت منزل عائلته المكون مـن 3 طوابق الي “قبر جماعي”، ودُفن تحت أنقاضه 13 فردا بينهم امرأتان والعديد مـن الأطفال.
ولم ينجُ مـن أسرته سوى شقيقه تامر وزوجته الحامل فى شهرها التاسع وأحد ابناء شقيقه، وهو طفل فى الخامسه مـن عمره.
يقول تامر (37 عاما) للجزيرة نت “عاش عطية حياة بائسة، معاقا لا يغادر سريره إلا نادرا، ولا يعرف لماذا أصابته الرصاصة الإسرائيلية الغادرة وقضت على طفولته؟ وانتهت حياته فى غارة غادرة، وقد أصبح الان تحت الأرض ولن يعرف لماذا قُصفنا”.
نجا تامر مـن هذه الغارة، وقد انتشله وزوجته الحامل وابن شقيقه الطفل فتحي (5 اعوام) متطوعون بعد نصف ساعة مـن القصف، كانـت أرواحهم خلالها معلقة بين الموت والحياة.
كارثة
ويصف الشقيق ما حل بعائلته بـ”الكارثة”، وقال “قضى عطية 9 اعوام مـن عمره يتأمل إعاقته ولا يجد لها مبررا، وسأقضي ما تبقى مـن حياتي وليس لدي شك بأن الغارة جاءت مـن عدو إرهابي، ليس له هـدف سوى القتل والدمار”.
عندما أصيب بعيار ناري فى رقبته حوّله مـن طفل مفعم بالنشاط، وفق شقيقه، الي “بقايا إنسان عاجز مشلول لا يقوى على مساعدة نفسه”. ويذكر تامر النباهين عَنْ عطية أنه “عندما أصيب كان فى أرض للعائلة على مسافة نحو 700 متر مـن السياج الأمني الإسرائيلي شرق مخيم البريج”.
فى 16 نوفمبر/تشرين الثانى 2014، كان عطية فرحا بعيد ميلاده الخامس عشر، بينما الأجواء هادئة ولا يوجد ما يبرر لقناص إسرائيلي ان يطلق رصاصته نحو طفل بريء دَاخِلٌ أرضه، يضيف تامر.
وهوى الشلل بأحلام طفل أمست له أمنية وحيدة بأن يتمكن مـن السير على قدميه مجددا، ويقول شقيقه “كانـت أحلامه كبيرة ويريد ان يستقبل الدنيا بذراعيه، حتـى باغته صاروخ غادر وهو يتناول آخر لقيمات له فى الدنيا مـن يد زوجة شقيقي هديل (25 عاما) التى رافقته شهيدة الي الجنان”.
واستشهد، رفقة عطية وهديل، كل مـن علا (26 عاما) والطفلة أريج (9 أعوام) والطفل محمد (8 أعوام)، والطفل آدم (7 أعوام)، والطفل قيس (عامان)، والطفل جمال (7 اعوام)، والفتى محمد (15 عاما) والفتاة رهف (16 عاما)، وأبناء تامر الثلاثة وهم: كنان (7 أعوام) وريان (5 أعوام) ومريم (عامان ونصف العام).
كومة ركام
وأوضح تامر ان أطفال العائلة كانوا يلعبون عند مدخل المنزل وقت وقوع الغارة الجوية، “التى حوّلت المنزل الي كومة مـن الركام، وتسببت ايضا فى استشهاد وجرح عَدَّدَ مـن ابناء عمي فى منزلهم المجاور”.
وأفاد الباحث فى مركز الميزان لحقوق الإنسان بالمنطقة الوسطى مـن قطاع غزة محمد الدعالسة -للجزيرة نت- بأن طائرة حربية استهدفت منزل النباهين بصاروخين دون انذار مسبق.
وبحسب الباحث الحقوقي، فإن الغارة تسببت فى تدمير كلي لمنزل النباهين، وإلحاق أضرار جسيمة بمنازل مجاورة، وخلفت شهداء وجرحى.
وخاض “الميزان” مع “مركز عدالة لحقوق الإنسان” معركة قضائية طويلة فى المحاكم الإسرائيلية منذ اصابه عطية النباهين عَامٌ 2014، للحصول على تعويض مدني عَنْ إصابته التى أدت الي شلله التام، غير ان محاكم الاحتلال حرمته مـن الحصول على اى تعويض باعتباره مقيما فى غزة.
عوائق
وقال سمير زقوت نائب مدير “الميزان” للجزيرة نت إن محاكم الاحتلال استندت فى رفضها الي التعديل رقم 8 لقانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي. ويُعتبر هذا القانون “واحدا مـن عوائق إجرائية ومالية وقضائية وعقبات عديدة وضعتها السلطات الإسرائيلية لمنع الفلسطينيين مـن رفـع دعاو قضائية والحصول على سبل إنصاف مدنية فى المحاكم المحليه الإسرائيلية”.
ولاحقا، أقرّت ما تسمى “المحكمة العليا الإسرائيلية” فى يوليو/تموز 2022 قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية بخصوص قضية النباهين، وأيّدت القانون الذى يمنح الدولة حصانة شاملة مـن المسؤولية المدنية للتعويض عَنْ اى قتل وإصابة لفلسطينيين فى قطاع غزة.
وارتكبت دَوْلَةٌ الاحتلال -وفق زقوت- “جريمتي حرب بحق الشهيد عطية، ولم تفتح الجهات المختصة الإسرائيلية اى تحقيق حقيقي فى حادثة الاعلان النار عليه عَامٌ 2014”.
انتهاكات جسيمة
وبالنظر الي سياستها الممنهجة لمنح حصانة شاملة لقواتها المسلّحة عند قتل الفلسطينيين وإصابتهم، فمن المؤكد أنها لن تجري تحقيقا بما يتماشى مع المعايير الدولية فى قتله، يضيف زقوت.
وشدد المسؤول الحقوقي على ان الحياة التى عاشها عطية النباهين وقتله المأساوي يبرهنان على الوحشية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التى ترتكبها قوات الاحتلال بحق الجمهور الفلسطيني فى قطاع غزة.
وأكد ان عطية نجا اثناء حياته القصيرة التى قضاها تحت الحصار الإسرائيلي غير الإنساني، مـن 6 حروب إسرائيلية “حتـى قضى شهيدا معاقا”.