الكاتب الفرنسي آلان غريش: هذه أسباب انحطاط موقف المثقفين مـن الإبادة الجارية فى غزة | ثقافة سام نيوز اخبار
يرى الصحفى والكاتب الفرنسي آلان غريش انّ “المجتمع الدولى وخاصّة العالم الغربي لا يفعل شيئاً لوقف هذه المأساة التى تجري فى غزة” منتقدا “العالم الغربي الّذي يدّعي الدفـاع عَنْ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير المصير، لكنه يُثبت الان انّه عالَم منافق يُقدِّم مجموعه مـن الأكاذيب”.
وأشار الي انّ الصحفيين فى غزة “قاموا بعمل خيالي، وقدّموا لنا كلّ شيء نريده فهم بالفعل صحفيون شجعان”.
وغريش صحفي فرنسي مخضرم وخبير فى شؤون الشرق الأوسط، وُلِدَ بالقاهرة سنة 1948 لعائلة يهوديّة مصرىّة ذات أصول اوروبية، والده هنري كوريل أحد مؤسّسي الحزب الشيوعي المصرى، وكان لتلك النشأة تأثير فى تكوينه الفكري والسياسي، إذ غُلِبُ عليه التوجّه اليساري، واهتمامه بمشكلات الشرق الأوسط والعالم العربي رغم مغادرته وعائلته القاهره عَامٌ 1962 الي فرنسا.
وهو يُعدّ خبيراً بقضايا الشرق الأوسط وأحد المتخصّصين فى صراعات المنطقة، كَمَا انّه مناصر للقضية الفلسطينية، وازداد اهتمامه بقضايا العالم العربي مع تسلّمه رئاسة تحرير صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” العريقة لمدّة 10 اعوام، وأسّس سنة 2013 الموقـع الإلكتروني “أوريان 21” المتخصص فى قضايا العالمين العربي والإسلامي.
ومن كتبه: “الشرق الأوسط.. حرب بلا نهاية؟” عَامٌ 1988، “الإسلام فى تساؤلات” (2000)، “منظمة التحرير الفلسطينية.. الكفاح الداخلي” (2005)، “الأبواب المئة للشرق الأوسط” (2010)، “علامَ يُطلق اسمُ فلسطين؟” (2012)، “الإسلام والجمهورية والعالم” (2016). وقد تُرجم كتابه “فلسطين وإسرائيل: حقائق حول النزاع” الي اللغات الألمانية والعربية والهولندية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية، فإلى الحوار:
-
كباحث مهتم بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ نصف قرن، وعلى المستوى الشخصي باعتباركم مؤيّدا لنضال الجمهور الفلسطيني، ماذا تقول عَنْ مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين فى غزّة؟
ما يحدث فى فلسطين مـن قتل لآلاف النساء والأطفال الفلسطينيين أمر فظيع، بل أكثر مـن فظيع، فحقيقة انَّ المجتمع الدولى، حصريّةً العالَم الغربي، يُبدي عدم الاهتمام بهذه المأساة، ونحن كغربيين لا نستطيع القول إنّنا لم نعلم بذلك.
فكما اعلن فريق المحاماة لدولة جنوب أفريقيا امام محكمة العدل الدولية فى لاهاي، اثناء مناقشة لائحة الاتهام امام إسرائيل بارتكابها إبادة جماعية فى غزّة، إنّه لأوّل مرّة فى التَّارِيخُ نرى فيها فيلم إبادة لضحايا أرسلوا بأنفسهم الصور التى توثّق مقتلهم.
إذاً، نحن لا نعرف اى شيء، فما أخشاه انَّ هذا سيكون له تأثير لفترة طويلة على العلاقات ليس فقط بين العالَم الإسلامي والغرب، بل مع بقية دول العالَم أيضاً. فى الحقيقة نحن نرى بوضوح انّ العالَم الغربي الذى يدّعي الدفـاع عَنْ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير المصير، يُثبت الان انّه عالَم منافق يُقدِّم مجموعه مـن الأكاذيب. سيكون لهذا السلوك الغربي تأثيرٌ مستقبلي.
-
على ضوء العلاقة الممتدة بين فرنسا وإسرائيل منذ أربعينيّات القرن العشرين، كيف تفسّر قيام فرنسا بعد 7 أكتوبر/تشرين الاول 2023، بتأمين الغطاء السياسي والدعم العسكري للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين؟ وهل التعاطف الفرنسي مع إسرائيل شامل على المستويين الرسمى والشعبي أم محصور ضوء تيّارات سياسية محدّدة؟
بينما يتعلق بالسياسة الفرنسية علينا العودة الي التَّارِيخُ، ففي عَامٌ 1967 اتّخذت فرنسا بقيادة الجنرال شارل ديغول (1890-1970) موقفاً شجاعاً وقوياً امام العدوان الإسرائيلي، ومنذ ذلك الحين وحتى التسعينيّات مـن القرن الماضي، كان موقفُ فرنسا واضحاً، يتمثّل بموقف فرنسا الداعي الي الانسحاب مـن الأراضي العربية المحتلّة، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثّل للفلسطينيين، والاعتراف بحقّ الفلسطينيين بتقرير المصير.
وخلال تلك الفتره كانـت هناك أيضاً مبادرة دبلوماسية فعّالة أطلقتها فرنسا للمساعدة فى تطبيق حلّ الدولتين، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية. وفي الفتره التى كانـت فيها إسرائيل والولايات المتحدة تقولان: إنَّ منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية، استطاعت فرنسا جمع قسم مـن الدول الأوروبية حول سياستها الداعية للاعتراف بالمنظمة.
التغيير فى السياسة الرسمية الفرنسية حدث بعد عَامٌ 2001، حيـث بدا واضحاً انّ نظرة فرنسا الي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدأت تتغيّر، ولم تعدْ فرنسا تعتـبر انّ الصراع هو بين قوّة احتلال وشعب واقع تحت ذلك الاحتلال، بل أصبح الصراع امام الفلسطينيين جزءًا مـن الحرب امام الإرهاب التى قادتها الولايات المتحدة بالتحالف مع أوروبا الغربية وإسرائيل
لكنّ التغيير فى السياسة الرسمية الفرنسية حدث بعد عَامٌ 2001، حيـث بدا واضحاً انّ نظرة فرنسا الي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدأت تتغيّر، ولم تعدْ فرنسا تعتـبر انّ الصراع هو بين قوّة احتلال وشعب واقع تحت ذلك الاحتلال، بل أصبح الصراع امام الفلسطينيين جزءًا مـن الحرب امام الإرهاب التى قادتها الولايات المتحدة بالتحالف مع أوروبا الغربية وإسرائيل، وعندما تُناقش المسؤولين الفرنسيين اليـوم يقولون: إنَّ موقفهم لم يتغيّر، وإنهم لا يزالون يدعمون حلّ الدولتين وإنهم امام الاستيطان.
المسؤولين الفرنسيين اليـوم مساهمون بينما يحدث، وهم مشاركون فى الإبادة الجماعية
ولكنْ فى الحقيقة لم تحاول فرنسا جدّياً إيقاف إسرائيل عَنْ ممارساتها قبل السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول، ولم تحاول جدياً إيقاف الاستيطان الإسرائيلي وإجبار إسرائيل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية والتفاوض مع الفلسطينيين. على العكس مـن ذلك، عندما وافقت فرنسا على حلّ الدولتين كانـت تتعامل فى الوقت نفسه مع إسرائيل وكأنها ليست قوة احتلال. حيـث طوّرت العلاقات الثنائية معه، فى جميع المجالات كالأمن والجيش. لذلك فإنّ المسؤولين الفرنسيين اليـوم مساهمون بينما يحدث، وهم مشاركون فى الإبادة الجماعية.
أَمَّا بينما يتعلق بالرأي العام فالأمر معقّد أكثر. فمن المؤكّد انّ هاجس الإرهاب وحقيقةً انّ فرنسا تعرضت لهجوم إرهابي عَامٌ 2015 ذلك خلف نوعاً مـن الاضطراب فى الرَّأْي العام وحتّى فى الأحزاب السِّيَاسِيَّةُ. وعندما تستمع الي النقاش الدائر حول ما حدث بعد السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول، فستجد انّ الأحزاب السِّيَاسِيَّةُ قد انحازت بوضوح الي إسرائيل، كحزب إيمانويل ماكرون (الجمهورية الي الأمام) وحزب الجناح اليميني وحزب الجمهوريين، وحزب شارل ديغول، وهو أمر غريب بالنسبة لي.
اليمين المتطرف برئاسة مارين لوبان، وهو يمين شديد العداء للسامية، لكنّه يدعـم فى الوقت نفسه إسرائيل، لأنّ مجموعهَه يعتقدون انّ المسلمين أشدّ خطراً مـن اليهود. فهم يرون انّ عليّنا التخلص أوّلاً مـن المسلمين، ثمّ يأتي دور اليهود
وفي الوقت نفسه فإنّ الرئيس ماكرون اعلن: أريد ان نرى السفارة الفرنسية قد انتقلت الي القدس! ولديك أيضاً الموقف الجديـد والمثير جداً لليمين المتطرف برئاسة مارين لوبان، وهو يمين شديد العداء للسامية، لكنّه يدعـم فى الوقت نفسه إسرائيل، لأنّ مجموعهَه يعتقدون انّ المسلمين أشدّ خطراً مـن اليهود. فهم يرون انّ عليّنا التخلص أوّلاً مـن المسلمين، ثمّ يأتي دور اليهود. هذا بالنسبة للأحزاب اليمينية.
أَمَّا بالنسبة للأحزاب اليسارية، فلديك الأحزاب الاجتماعية التى ليس لها اهتمام واضح بالقضية الفلسطينية. أَمَّا الأحزاب الاخرى فهي منقسمة، حتّى الحزب الشيوعي الذى يعتبر تقليدياً الأشدّ تأييداً للفلسطينيين، فإنّه أدانَ بعبارات غامضة حركة حماس على أنها حركة إرهابية. بالمقابل فإنّ الحزب الوحيد كَمَا اعتقدُ اتّخذ موقفاً إيجابيّاً هو حزب “فرنسا الأبية” برئاسة جون لوك ميلانشون، وهو حزب شجاع ترصد لهجمات فظيعة اتهمته بأنّه معادٍ للسامية.
وضع فرنسا فى العالم يضعف كلّ عَامٌ كَمَا شاهدناه فى أفريقيا وغزّة، وهذا ما جعل فرنسا تفقد هيبتها، وعلينا ان نحلم بما حدث عندما كانـت فرنسا قويّة وقادرة على رفض شنّ حروب على بلدان فى الشرق الأوسط والعالم.
ولكنّ الشيء الأهمّ هو تعبئة الرَّأْي العام، وقد كان ذلك صعباً جدّاً بسـبب القمع، كَمَا هو الحال فى المملكة المتحدة وألمانيا. وبالرغم مـن القمع نرى تعبئة شعبيّة قويّة على الأرض لصالح الفلسطينيين. وأعتقد انَّ وضع فرنسا فى العالم يضعف كلّ عَامٌ كَمَا شاهدناه فى أفريقيا وغزّة، وهذا ما جعل فرنسا تفقد هيبتها، وعلينا ان نحلم بما حدث عندما كانـت فرنسا قويّة وقادرة على رفض شنّ حروب على بلدان فى الشرق الأوسط والعالم.
غزّة نقطه تحوّل
-
كيف تنظر الي موقف الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الّتي وقفت بكلّ ثقلها الي جانب إسرائيل فى حربها امامّ المدنيين فى غزّة. وبرأيكم كيف بنت تلك الدول موقفها مـن الحرب الإسرائيلية على غزة؟
إنَّ الحرب الإسرائيلية على غزة ستكون نقطه تحوّل فى العلاقة بين الغرب وبقية العالَم، وقد لاحظنا ما حدث اثناء غزت روسيا أوكرانيا (فبراير/شباط 2022) اثناء أجمعت الدول الغربية على إدانة ذلك الغزو. ومن الواضح انّ العالَم الغربي الذى يتحدّث عَنْ القوانين الدولية والشرعية الدولية فى أوكرانيا، كان قد خرق جميع القوانين الدولية فى الحرب على العراق عَامٌ 2003، وكذلك فى فلسطين منذ أكثر مـن 50 عاماً، وفي دول ومناطق أخرى أيضاً.
ولذلك لم يعد أحد يصدّق تلك المزاعم. ولكنْ خرق القوانين والشرعية الدولية كان أشدّ وضوحاً فى حالة الفلسطينيين. وهذا سيكون الأساس لقيام ما نسميه الحكومة العالميه، أقصد انّ الغرب لن يقررَ وحده بعد الان. وسيكون للدول الاخرى دور أيضاً. ويمكن اعتبار ما فعلته دَوْلَةٌ جنوب أفريقيا فى محكمة العدل الدولية مثالاً بارزاً على ذلك. ولقد استخدم مسؤولو جنوب أفريقيا القانون الدولىّ لمصلحتهم وليس لمصلحة الغرب.
-
كمتابع وخبير بشؤون الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية بشكل حصري، ما رؤيتكم على المدى المتوسط والطويل لتداعيات أحداث غزّة وعلى مستقبل العلاقة بين الشرق والغرب أو عالم الشمال والجنوب؟
مـن الصعب التنبّؤ الان بعواقب الحرب الإسرائيلية على غزّة وتداعياتها على الوضع العام فى الشرق الأوسط والعالَم. ولكنْ يمكن القول إنَّ ما فعلته حركة حماس فى 7 أكتوبر/تشرين الاول قد غيّر الوضع بطريقة ما. فقبله كانـت معظم الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا، قد اعتقدت انَّ القضية الفلسطينية قد انتهت ولم تعد تبدي اهتماماً بهذه القضية.
وكما تعلم، كانـت هناك محادثات للتطبيع بين إسرائيل والمزيد مـن البلدان العربية، لذلك فإنّ ما حدث ذلك اليـوم قد غيّر الامور بشكل جذري. ومن الواضح الان انَّ فلسطين أصبحت مرة اخري هى جوهر المشكلة فى الشرق الأوسط.
الفلسطينيين هم الذين يقررون كيف يقاومون الاحتلال الإسرائيلي مـن اجل إنهائه
والأمر الآخر الذى برز هو حقوق السكان الفلسطينيين الذين لديهم الحقّ، وفقاً للقانون الدولى، بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ولهم الحقّ فى استخدام السلاح لإنهاء الاحتلال العنصري. وعلى اىّة حالٍ فإنّ الفلسطينيين هم الذين يقررون كيف يقاومون الاحتلال الإسرائيلي مـن اجل إنهائه. والمشكلة مـن وجهة نظر الناس فى الغرب هى انّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مستمر منذ أكثر مـن 50 عاماً.
-
بعض وسائل الإعلام الغربية ولا سيّما بعض القنوات الفرنسية فى تغطيتها لأحداث غزّة لا تظهر اىّ صور دمار للغارات الإسرائيلية والمجازر التى اعلن. ما تفسيركم لمثل هذا الموقف المنحاز للسردية الإسرائيلية، والذي لا يسمح بوصف إسرائيل بالإرهاب؟
بينما يتعلق بموقف وسائل الإعلام مـن الحرب الإسرائيلية على غزّة، بالطبع الامر معقد أكثر. فمعظم وسائل الإعلام فى أوروبا الغربية وأيضاً فى الولايات المتحدة قد دعمت الحرب الإسرائيلية امام الفلسطينيين، أو الحرب امام غزّة، بالطبع فى العالم الغربي الأصوات الراديكالية والصحف والناس الذين يستطيعون قول شيء مختلف بما فيه الكفاية، فهم أقليّة، وقوّة وسائل الإعلام تميل الي عدم إعطائهم دوراً ليعبروا عَنْ رأيهم، فأثناء هذه الأزمة لم تتمَّ دعوتي الي برنامـج تلفزيوني أو إذاعي رغم انّني أحد المختصين فى القضية الفلسطينية منذ 50 عاماً، لكنّ المشكلة مـن يمتلك وسائل الإعلام؟ حالياً المزيد والكثير مـن اليمين المتطرّف هم مـن يمتلكون وسائل الإعلام، والداعمين لإسرائيل، فالناس الذين يمتلكون وسائل الإعلام مهمّين جداً فى هذه الفتره، والمثال على ذلك الملياردير اليهودي باتريك دراحي، الذى يملك القناة الاخبارية الإسرائيلية العالميه “آي 24 نيوز” ويملك الاخبارية “بي إف إم” تعتـبر قناة فرنسية إسرائيلية تُروّج لإسرائيل، لذلك فهذا شيءٌ مهمّ.
اثناء هذه الأزمة لم تتمَّ دعوتي الي برنامـج تلفزيوني أو إذاعي رغم انّني أحد المختصين فى القضية الفلسطينية منذ 50 عاماً، لكنّ المشكلة مـن يمتلك وسائل الإعلام؟
ثانياً، فمعظم الصحفيين المختصين فى الشرق الأوسط لا يدعمون إسرائيل أبداً، ولكنْ عندما يكون هناك أزمة كبيرة جداً فإنّ كلّ وسائل الإعلام توجّه رسالتها بشكل رئيسي للناس الذين لا يعرفون شيئاً، للذين لا يتكلمون العربية، للذين هم فى الحقيقة فى متناول الهجمة الإعلامية الإسرائيلية، فهذا كلّه مهم، وأيضاً لديك الناس الداعمين لإسرائيل.
بدأت وسائل الإعلام الفرنسية تتحدث عمّا يجري فى غزّة لأنّ الامر أصبح واضحاً أكثر وأكثر بوجود تطهير عرقي حقيقي امام الفلسطينيين لم يجر الحديث عنه مسبقاً، ومن الأسباب أنهم يقولون إنه ليس لدينا صور عمّا يحدث فى غزّة، ولكن بالطبع لديهم الصور، فمعظم الصحفيين الغربيين يعتقدون انًّ الصُّورَةُ التى مصدرها إسرائيل هى المقبولة، أَمَّا التى مصدرها الفلسطينيون فيجب ان تخضع للدراسة
إذا نستطيع القول: إنّه كان هناك مرحلتان فى الطريقة التى غطّى بها الإعلام الفرنسي الوضع فى غزة وإسرائيل، الأولى دعنا نقول فى الشهر الاول، قد كان هناك تبرير بالفعل للتطهير العرقي امام الفلسطينيين، إلاّ انّه منذ بداية ديسمبر/كانون الاول 2023، بشكل عَامٌ بدأت وسائل الإعلام الفرنسية تتحدث عمّا يجري فى غزّة لأنّ الامر أصبح واضحاً أكثر وأكثر بوجود تطهير عرقي حقيقي امام الفلسطينيين لم يجر الحديث عنه مسبقاً، ومن الأسباب أنهم يقولون إنه ليس لدينا صور عمّا يحدث فى غزّة، ولكن بالطبع لديهم الصور، فمعظم الصحفيين الغربيين يعتقدون انًّ الصُّورَةُ التى مصدرها إسرائيل هى المقبولة، أَمَّا التى مصدرها الفلسطينيون فيجب ان تخضع للدراسة، فهم لا يستخدمون المزيد مـن الصور التى مصدرها غزّة.
الصحفيين فى غزّة قاموا بعمل خيالي، وقدّموا لنا كلّ شيء نريده، فهم بالفعل صحفيون شجعان، إلاّ انَّ عملهم لم يستخدم فى الصحافة الغربية لأنّنا فى الغرب، نعتقد انّ كل ما يفعله العرب ليس صحافة جديّة
وأنا بدوري أقول إنّ الصحفيين فى غزّة قاموا بعمل خيالي، وقدّموا لنا كلّ شيء نريده، فهم بالفعل صحفيون شجعان، إلاّ انَّ عملهم لم يستخدم فى الصحافة الغربية لأنّنا فى الغرب، نعتقد انّ كل ما يفعله العرب ليس صحافة جديّة.
-
خرجت تعليقات كثيرة بالأوساط الثقافية الفرنسية بعضها مؤيد للحرب على غزّة وبعضها معارض. ومن بين المؤيدين للحرب بعض المثقفين الفرنسيين المتحدرين مـن أصول عربية، مثل الطاهر بن جلون، فضلاً عَنْ الجزائريين كمال داود وبوعلام صنصال وياسمينة خضرا، وآخرين. ما تعليقك على مواقف الذين ساندوا آلة الحرب الإسرائيلية امام المدنيين الفلسطينيين؟
بينما يتعلق بطبقة المثقفين فى فرنسا ومنذ السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول 2023، نستطيع القول: إنّهم كانوا منحطّين جدّاً، وذلك لأنّهم لم يُظهروا اىّ ردّةِ فعل مستنكرة لما تقوم به إسرائيل فى غزّة، وأحد الأسباب هو انّه كان مـن الصعب جداً على المرء فى بداية الاسبوع الأوّل مـن الحرب على غزّة ان يشاهد شيئاً على وسائل التواصل الاجتماعي مـن دون ان يُتهم بمعاداة السامية.
وأعتقد انّ ذلك قد خلّف شيئاً مـن الخوف بين المثقفين والمسؤولين. فعلى سبيل المثال، طُلِبَ مـن العديد مـن الوزراء تتبّع نشاط جميع العاملين فى الوزارة التى يرأسها الجامعيون والدكاترة، بينما يتعلق بتداول المحتوى المتعلّق بإسرائيل وفلسطين.
وقد تعرّض بعضهم للمضايقة وطُلِبَ منه المجيء الي الجامعة ليشرحَ سبب كتابته للتعليقات على منصّة إكس على سبيل المثال. وهذا كلّه خلّف وضعاً صعباً، وأولئك الذين دعموا إسرائيل فى حربها على غزّة هم مـن الطبقة العادية، مـن عامة الناس أو بالأحرى مـن كبار السنّ، وبعض ذوي الأصول العربية. لكن ما أعتقده حقاً انّ هؤلاء لا يمثلون اى شيء. وتنبغي الإشارة الي انّ معظم المعارضة فى فرنسا مكّرسة امام الإسلام والمسلمين، ولها تأثير قويّ. فعلى مدار 20 عاماً واظبت على إدانة الإسلام وحرضت الغالبية عليه.
-
برأيكم هل سَتُحدِثُ الحرب على غزة تغييرا فى موقف الرَّأْي الغربي مـن إسرائيل؟ وهل سيكون هناك حل نهائى للقضية الفلسطينية؟
بينما يتعلق بالرأي العام ورؤيته لإسرائيل، اعتقد انّ هذه الحرب سَتُحدِثُ تغييراً فى موقف الناس، وهذا سيستغرق وقتاً، فوسائل الإعلام تلعب دوراً سلبياً، إلاّ انّ معظم الناس يشاهدون ما يحدث مـن اثناء وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لَعِبت دوراً مهماً جّداً فى هذا المجال، ونحن نعرف بالطبع انَّ شركة “ميتا” المالكة لفيسبوك على سبيل المثال، نجحت فى الحدّ مـن المحتوى الفلسطيني. ويمكن القول إنَّ ثمّةَ حرباً أيديولوجية تجري على وسائل التواصل. وقد نُشِرَ مقالٌ فى صحيفة “هآرتس” على ما اعتقد يوضّح انَّ الحكومة الإسرائيلية ناقشت بشكل عَامٌ كيفية القتال امامّ حماس، لأنهم أدركوا، اى الإسرائيليين، أنهم خسروا الحرب على غزّة، وهذا صحيح فى رأيي.
اعتقد انّ هذه الحرب سَتُحدِثُ تغييراً فى موقف الناس، وهذا سيستغرق وقتاً، فوسائل الإعلام تلعب دوراً سلبياً، إلاّ انّ معظم الناس يشاهدون ما يحدث مـن اثناء وسائل التواصل الاجتماعي
وقد حاولت إسرائيل إيجاد شقاق بين الفلسطينيين، بين حركة فتح فى الضفة الغربية وحركة حماس فى غزة، لتقول إنّ هذا الانقسام بين الفلسطينيين هو الذى يعيق التوصل الي اى حلّ. وأُكرر القول: إنَّ هذا الواقع سيتغيّر، وأعتقد أيضاً انَّ صورة إسرائيل الراسخة فى الذهن الغربي منذ مدة طويلة قد تهشّمت، وسيكون مـن الصعب عليها ان تستعيد تلك الصُّورَةُ.
وثمّة خدعةٌ يقع فيها الذين يقولون حسناً دعونا نغيّر نتنياهو لعلّ شيئاً ما سيتغيّر، لكنّنا نعرف جيّداً انّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذى سيطر على مفاصل السلطة عَامٌ 2022، يسيطر الان على الائتلاف الحاكم وعلى المعارضة. والمعارضة لا تختلف عَنْ نتنياهو. ولقد تبيّن انّ نسبه الإسرائيليين الذين يدعمون المذبحة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين فى غزة بلغت 90%، وهذا يدّل على عدم وجود اختلاف بين الائتلاف الحاكم والمعارضة.