الاخبار العربية والعالمية

الكاتب دافيدي بيكاردو: الإيطاليون يقفون مع فلسطين رغم انحيازات النخب | ثقافة سام نيوز اخبار

“ليس إماما ولكن يتمتع بتأثير كثير بين مسلمي إيطاليا، اسمه دافيدي بيكاردو وهو القائل ان حماس حركة مقاومة”.

هكذا وصفه الصحفيان الإيطاليان كلاوديو أنطونيللي وسلفاتوري دراغو بعيد إعلانه عَنْ دعمه الكامل لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) فى وقفة تنكر كل “أصدقاء فلسطين” فى إيطاليا لحق الفلسطينيين فى المقاومة المسلحة.

هو ابن مترجم القرآن الكريم الي اللغة الإيطالية روبيرتو حمزة بيكاردو، والرئيس السابق لتنسيقية الجمعيات الإسلامية فى ميلانو.

يدير دافيدي بيكاردو حاليا مجـلة “لا لوتشي” وقد انفرد مؤخرا بمحاورة القيادي بحماس، باسم نعيم، وذلك فى ذروة الحرب الإسرائيلية على غزة والتحريض على المقاومة الفلسطينية فى وسائل الإعلام الإيطالية، واستضافته الجزيرة نت حول قضايا فلسطين والعلاقة بين العالمين العربي والأوروبي:

  • أنت الصحفى الوحيد فى إيطاليا الذى حاور قياديا فى حماس منذ بدء العدوان على غزة بالرغم مـن الحظر غير المعلن على وجوه الحركة فى الإعلام الغربي عامة، بل ذهبت لاعتبار حماس حركة مقاومة تحررية. ألم تقلق مـن ان تتهم بالترويج لـ”إرهابيين” خصوصا بعد التنديد الواسع الذى قوبلت به حماس فى إيطاليا بعد عملية 7 أكتوبر/تشرين الاول سواء مـن الأوساط اليسارية أو اليمينية، وقبل كل هذا وذاك ترتيب الحركة رسميا مـن طرف الاتحاد الأوروبي بأنها منظمة إرهابية؟

صحيح ان النقاش السياسي والإعلامي فى إيطاليا ليس حرا -عكس كل الادعاءات- وهو ما خلق شرخا بين النخب والشعب الإيطالي الذى يقف مع الفلسطينيين بالرغم مـن الانحياز الاعلامي الكامل لصالح إسرائيل.

النقاش السياسي والإعلامي فى إيطاليا ليس حرا -عكس كل الادعاءات- وهو ما خلق شرخا بين النخب والشعب الإيطالي الذى يقف مع الفلسطينيين بالرغم مـن الانحياز الاعلامي الكامل لصالح إسرائيل

ونحن فى مجـلة “لا لوتشي” اخترنا صف الشعوب وصف الإعلام الحر، فإن كان هناك صراع فى مكان ما فلا معنى مـن التعتيم على أحد طرفي الصراع. شيطنة حماس، ومحاولة خلع إنسانيتها مـن اثناء سياسة التعتيم تعني ان هناك مـن يخشى إيصال صوت طرف مـن شأنه ان يؤثر على الرَّأْي العام بطرحه العقلاني الذى قد يحطم منطق الإبادة التى تتعرض لها غزة المسكونة بوحوش تهدد وجود الغرب نفسه، وفق إعلام “التيار السائد”. بينما أننا امام شعب يدافع عَنْ نفسه مـن احتلال غاشم.

الحوار الذى أجريناه كان سبقا إعلاميا لم تجرؤ اى وسيلة اعلامية كبرى فى إيطاليا على إعادة نشره. اما عَنْ تهمة الترويج للإرهاب، فقرار الاتحاد الأوروبي سياسي وليس له اى سند قانوني.

إن اعتبرنا المقاومة المسلحة امام الاحتلال إرهابا، علينا إذن ان نندد بأثر رجعي بجميع حركات التحرر الوطنيه التى عرفها التَّارِيخُ.

وأما إن اعتبرنا المقاومة المسلحة امام الاحتلال إرهابا، علينا إذن ان نندد بأثر رجعي بجميع حركات التحرر الوطنيه التى عرفها التَّارِيخُ. والحقيقة ان الإرهاب الفعلي كَمَا يرى اليـوم العالم أجمع هو ما تمارسه إسرائيل امام الفلسطينيين، وليس ما تقوم به حماس.

  • لاحظنا ان إيطاليا، بالرغم مـن كل شيء لم تتبن التدابير الاستثنائية التى اتخذتها فرنسا أو ألمانيا وبريطانيا فى التعامل مع المتظاهرين أو المتعاطفين مع حماس. ما الذى يجعل إيطاليا معتدلة سياسيا الي حد كثير فى موقفها مـن الشأن الفلسطيني؟ وهنا لا بد مـن الإشارة الي موقف حزب “إخوة إيطاليا” الحاكم -الذى تتزعمه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني- و”فورزا إيطاليا” -الذى أسسه رئيس الوزراء الراحل سيلفيو بيرلوسكوني، ويرأسه حاليا وزير الخارجية أنطونيو تاياني- وقد رفض الحزبان الانضمام للمظاهرة “الكبرى” التى دعا لها الوزير اليميني ماتيو سالفيني فى 4 نوفمبر/تشرين الثانى الحالي لدعم إسرائيل وهو شريكهما فى الائتلاف الحكومي (عَنْ حزب “رابطة الشمال”). هل يوجد جذور ثقافية لهذا الموقف؟

إيطاليا لها تقاليد راسخة فى العلاقات مع العالم العربي والإسلامي. فهذا بلد السياسي الراحل إنريكو ماتي الذى وقف مع ثورة التحرير الجزائرية وساند جبهة التحرير الوطني امام الاستعمار الفرنسي، وقد كلفه ذلك فى وقت لاحق حياته.

إنها بلد السياسي والبرلماني بيتينو كراكسي صديق عرفات الشخصي الذى دافع عَنْ حق الفلسطينيين للجوء للمقاومة المسلحة. إنها بلد الرئيس الأسبق ساندرو بيتريني الذى ندد بمجازر صبرا وشاتيلا بأقسى العبارات، كَمَا أنها أيضا بلد السياسيين المخضرمين ألدو مورو وجوليو أندريوتي اللذين تمكنا مـن الحفاظ على علاقات متوازنة مع العالم العربي.

فى الجمهورية الثانية عرفت إيطاليا أيضا زعيمين سياسيين كبيرين أحدهما مـن اليمين والآخر مـن اليسار، سيلفيو بيرلوسكوني وماسيمو داليما وكلاهما عرف كيف يبقي على علاقات جيدة مع العالم العربي. هذا التَّارِيخُ صنع شيئا يشبه البصمة الوراثية لإيطاليا فى علاقاتها مع الدول العربية، بالإضافة الي عامل القرب الجغرافي، فإيطاليا حريصة على ان تكون جسرا على المتوسط بين العالم العربي وأوروبا.

بالرغم مـن مواقف ميلوني المنبطحة للولايات المتحدة فى تحديد سياساتها الخارجية كَمَا اتضح فى أكثر مـن مناسبة، فإنها لا يمكن ان تتجاهل التَّارِيخُ والجغرافيا ولا حتـى الديموغرافيا فى صياغة موقفها مـن العالم العربي والإسلامي.

وبالرغم مـن مواقف ميلوني المنبطحة للولايات المتحدة فى تحديد سياساتها الخارجية كَمَا اتضح فى أكثر مـن مناسبة، فإنها لا يمكن ان تتجاهل التَّارِيخُ والجغرافيا ولا حتـى الديموغرافيا فى صياغة موقفها مـن العالم العربي والإسلامي. ففي مظاهرة 4 نوفمبر/تشرين الثانى الحالي التى أشرت اليها، لم يلب نداء الوزير اليميني سالفيني سوى 500 شخص أغلبهم مـن المسنين، بينما كانـت ميلانو تحصي فى الوقت نفسه 30 ألف شخص يتظاهرون نصرة لفلسطين أغلبهم مـن الشبيبة الإيطالية المسلمة. هذه كلها معطيات لا تغفل عنها الجهات المختصة عند تحديد الموقف الجيوسياسي للبلاد.

  • الافتتاحية التى كتبتها بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الاول الماضي فى “لا لوتشي” أتت تحت عنوان: “أعداء فلسطين وأصدقاؤها المزيفون: جبهتا البروبغندا الإيطالية”. مـن أعداء فلسطين وأصدقاؤها المزيفون؟ ولماذا اعتبرت ان خطر الأصدقاء الزائفين لا يقل عَنْ خطر الأعداء؟

الأعداء الصريحون لفلسطين هم ممثلو ذلك “اليمين المؤسساتي” الذى يعتقد ان إسرائيل تخوض حربها نيابة عنه وعن الغرب كله فى اطار نظرية “صدام الحضارات”، لذلك نجدهم يمنحون تأييدهم التام لـرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فى هذه “الحرب الصليبية التى لا دين فيها”.

الأعداء الصريحون لفلسطين هم ممثلو ذلك “اليمين المؤسساتي” الذى يعتقد ان إسرائيل تخوض حربها نيابة عنه وعن الغرب كله فى اطار نظرية “صدام الحضارات”.

واللافت هنا هو نجاح إسرائيل فى طرح نفسها كجزء مـن العالم الغربي، بالرغم مـن أنها دَوْلَةٌ عرقية قائمة على رؤية دينية وهي العناصر ذاتها التى يعيبها الغرب على العالم الإسلامي.

فى المقابل نجد اليسار الإيطالي الذى كان يقف فى وقت مـن الأوقات فى صف الشعوب المضطهدة ويؤيد حركات التحرر مـن الاستعمار أصبح الان لا يدعـم الجمهور الفلسطيني سوى على نحو “مجرد” لا يفضي الي اى شيء ملموس، كأن يستخدم الأسطوانة المشروخة “حل الدولتين”، وذلك لإراحة ضميره وإقفال أفواه الفلسطينيين الذين يطالبونه بتسجيل موقف ما.

اليسار الإيطالي الذى كان يقف فى وقت مـن الأوقات فى صف الشعوب المضطهدة ويؤيد حركات التحرر مـن الاستعمار أصبح الان لا يدعـم الجمهور الفلسطيني سوى على نحو “مجرد” لا يفضي الي اى شيء ملموس.

شخصيا أرى ان موقف اليمين أشرف منه؛ لانه يدعـم بصدق طرفا واحدا، بينما اليسار لا يزال يلوك عبارة “حل الدولتين” مع أنه يعلم جيدا ان إسرائيل لن تعطي للفلسطينيين دَوْلَةٌ.

الفلسطينيون الذين تخلى عنهم العالم أجمع، ما الذى بيدهم فعله امام كل المظالم التى يتعرضون لها؟ ألا يحق لهم المقاومة؟ “لا، لا يحق لهم”. هذا هو ببساطة جواب اليسار وهكذا سقط عنه القناع اثناء هذا العدوان. ذلك أنه إن كان هناك حق، فلا بد مـن آلية عملية لإنفاذه.

خطورة اليسار الإيطالي اليـوم على القضية الفلسطينية لا تكمن فى أنه اختار بيع الكلام لفلسطين فحسب، بل رفضه المقاومة الحقة للفلسطينيين، خصوصا إن كانوا مسلمين. وهذا ملمح خطير آخر مـن سلوك اليسار الذى لا يريد فلسطينيين سوى على شاكلته، يريد “علمانيين، نسويين، ولم لا أيضا متحولين جنسيا”.

لكن خطورة اليسار الإيطالي اليـوم على القضية الفلسطينية لا تكمن فى أنه اختار بيع الكلام لفلسطين فحسب، بل رفضه المقاومة الحقة للفلسطينيين، خصوصا إن كانوا مسلمين. وهذا ملمح خطير آخر مـن سلوك اليسار الذى لا يريد فلسطينيين سوى على شاكلته، يريد “علمانيين، نسويين، ولم لا أيضا متحولين جنسيا”، لذلك حماس لا تعجبهم.

ولا يهم فى هذه الحالة إن ذهبت الديمقراطية وصناديق الانتخاب التى جلبت “حماس” الي الجحيم. هؤلاء “الأصدقاء” يشكلون ضررا بالغا على القضية الفلسطينية لأنهم يدعون زيفا دعـم نضال الجمهور الفلسطيني بينما هم لا يقومون فعليا سوى بتقويضه.

الباحث والصحفي الإيطالي- الصورة من الصحافة الايطالية Davide Picardo
الصحفى الإيطالي دافيدي بيكاردو نوه بتقاليد إيطاليا الراسخة فى مجال العلاقات مع العالم العربي والإسلامي (مواقع التواصل)
  • بما أنك أثرت موضوع “الجندر”، شاهدنا فى إيطاليا وجوه إسلامية مـن أصول عربية مهاجرة تقف مع اليسار فى الترويج لنظرية الجندر (النوع الاجتماعي). ألا يستطيع المسلم فى إيطاليا والغرب عامة ممارسة السياسة دون التخلي عَنْ عناصر أصيلة مـن هويته؟

هذا يعيدنا الي معضلة اليسار الحالي الذى تخلى عَنْ هموم الجمهور الحقيقية وحاضنته الأساسية وانحاز لأجندات النخب المعولمة. هذه ظاهرة تنبأ بها بالمناسبة شاعر إيطاليا اليساري الكبير بيير باولو بازوليني قبل 40 سنة. أضيفي اليها الادعاء الاستعراضي الزائف بالترحيب بالثقافات للإيهام بالتعددية وتقبل الآخر الذى لا يخرج عَنْ تقبل وصفات طبخ المهاجرين لكن ليس رؤيتهم للعالم.

المقاربة الفولكلورية اليسارية لموضوع الهجرة تريد مسلمين ينخرطون فى السياسة لاستغلالهم إعلاميا فقط بأسمائهم العربية والحجاب على رأسهم، لكن ليس قبل ان يتجردوا مـن تقاليدهم المحافظة، وكل ما يتعارض مع أيديولوجيا الجندر.

وهنا تحضرني مقولة لماكس فريش “طلبنا سواعد للعمل، فأتونا بشرا” وهكذا فإن المقاربة الفولكلورية اليسارية لموضوع الهجرة تريد مسلمين ينخرطون فى السياسة لاستغلالهم إعلاميا فقط بأسمائهم العربية والحجاب على رأسهم، لكن ليس قبل ان يتجردوا مـن تقاليدهم المحافظة، وكل ما يتعارض مع أيديولوجيا الجندر. مسلمو إيطاليا لن يرضوا بهذه الانحرافات مجددا، وأنا أؤكد ان الامور فى صدد التغيير.

لذلك نحن نتوجه للحوار مع مـن يدافع عَنْ القيم التى نؤمن بها على اليمين. صحيح ان الامر غدا صعبا ضوء الاصطفافات السِّيَاسِيَّةُ الاخيره التى تلت الحرب على غزة، ولكننا سنحدد التشكيلات التى تستحق ان نفتح معها حوارا فاعلا.

  • بالحديث عَنْ الأسماء “العربية” التى يستغلها اليسار كَمَا تقول للإيهام بحالة مـن التنوع الثقافي وتقبل الآخر فى مؤسساته، تنتشر فى المقابل فى كواليس الجامعات الإيطالية أحاديث عَنْ تمييز يتعرض له أساتذة مسلمون (إيطاليو الأصل) ضوء تخصصات إنسانية محددة تدفع البعض لإخفاء ديانته حتـى لا تتم عرقلة مسيرته المهنية. بما أنك مـن ابرز الناشطين المسلمين فى إيطاليا -وأكثرهم نفوذا بتوصيف جريدة “لافيريتا”- ألا تفكرون فى إنشاء مرصد للإسلاموفوبيا فى إيطاليا مـن اجل الوقوف على مثل هذه الحالات خصوصا أنها تمس عادة المسلمين الجدد، وهم إيطاليون أبا عَنْ جد بأسماء إيطالية وليسوا مهاجرين؟

بالفعل، هذه ظاهرة خطيرة للغاية، خصوصا ان الامر يتعلق بالجامعة وهي قطاع استراتيجي ينتج المعرفة وبالتالي يشرعن للسلطة.

وقد شهدنا بعد أحداث الـ11 مـن سبتمبر/أيلول تبني سردية معادية للإسلام اصطفت معها على نحو ما الجامعة لتغدو بوقا أيديولوجيا آخر، الي جانب الصحافة، بالرغم مـن ان الامر يتعلق بحقل لا بد ان يكون فضاء حرا لإنتاج الأفكار وأن يلتزم الموضوعية والصرامة العلمية.

انحياز كهذا بالتأكيد مـن شأنه ان يؤثر على سمعة البحث العلمي فى إيطاليا لا سيما فى أقسام الدراسات الاستعرابية والإسلامية، وهذا طبعا لا يعني ان الجامعة الإيطالية تخلو مـن أسماء نقدية حرة، لكن مؤخرا رحل بالفعل عَنْ عالمنا أكاديميان كبيران كانا مضطرين لإخفاء إسلامهما طيلة حياتهما وذلك بسـبب الخشية مـن الاضطهاد المهني الذى كان مـن شأنهما ان يتعرضا له فى حال إعلان إسلامهما.

للأسف فى الوقت الحالي لا نملك الأدوات اللازمة للتصدي لهذه الظاهرة خصوصا ان الحقوق الأساسية التى تكفل حرية المعتقد غير موجودة، لذا أمامنا المزيد لفعله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى