المؤتمر اليهودي العالمي.. منظمة “لضمان بقاء الجمهور اليهودي” ودعم إسرائيل | الموسوعة سام نيوز اخبار
منظمة دولية تمثّل الأفراد والجاليات والهيئات اليهودية فى أكثر مـن 100 دَوْلَةٌ، تأسست فى جنيف، سويسرا، عَامٌ 1936. وهي مؤيدة للحركة الصهيونية التى عملت على إقامة دَوْلَةٌ إسرائيل على حساب الفلسطينيين.
يحاول المؤتمر، الذى يتخذ مـن نيويورك مقرا له، الي تقوية الوحدة بين اليهود والحفاظ على العادات الثقافية والدينية والاجتماعية اليهودية. ويعمل مع الحكومات والسلطات الاخرى مـن اجل رعاية شؤون اليهود فى العالم و”حماية حقوقهم وحريتهم وسلامتهم”.
النشأة والأهداف
تعود نشأة المؤتمر اليهودي العالمي الي ما بعد تأسيس المنظمة الصهيونية العالميه عَامٌ 1897، والتي رأى بعض قادتها البارزين ضرورة إنشاء منظمة يهودية عالمية موازية “لضمان الحقوق المدنية والدينية والسياسية لليهود فى المنفى”.
وفي حقيقة الامر أراد هؤلاء منذ البداية تأسيس منظمة ذات طابع يهودي شامل موازية للمنظمة الصهيونية العالميه لإتاحة الفرصة امام الفئات اليهودية التى ترفض الصهيونية للانضواء تحت راية منظمة يهودية الهويه صهيونية المضمون، وأن تكون هذه المنظمة الجديدة مقبولة عند الذين يرفضون المنظمات الصهيونية أو لا يقبلون التعامل معها.
وُلد المؤتمر بسعي مـن قادة يهود حول العالم، مثل ماكس نورداو (1849-1923)، أحد آباء الصهيونية والمساعد الاول لتيودور هرتزل (1860-1904) مؤسس الحركة الصهيونية، والصحفي الأوكراني ليو موتزكين (1867-1933) والحاخام الأميركي ستيفن وايز (1874-1949)، وناحوم غولدمان (1895-1982) الذى ترأس لاحقا المنظمة الصهيونية العالميه بين عامي 1956 و1968.
وتشكل العبارة التلمودية “جميع اليهود متكافلون” أساسا لوجود المؤتمر اليهودي العالمي، الذى يعتبر نفسه “الذراع الدبلوماسية للشعب اليهودي” المشتّت فى أصقاع المعمورة. بينما الغاية مـن تأسيس المؤتمر، كَمَا جاء فى دستوره “ضمان بقاء الجمهور اليهودي وتعزيز وحدته”. وهو يحاول الي تحقيق الأهداف التالية:
تنسيق جهود الهيئات المنتسبة الي عضويته والمتعلقة بالمشكلات السِّيَاسِيَّةُ والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب اليهودي. ضمان حقوق اليهود والجاليات اليهودية ومصالحهم والدفاع عنها فى اى مكان يكون فيه إنكار أو خرق لهذه الحقوق أو تعرّض للخطر. تشجيع ودفع التطور المبدع للحياة اليهودية الاجتماعية والثقافية فى جميع ارجاء العالم. تمثيل المنظمات المنتسبة الي عضوية المؤتمر العام امام الهيئات الحكومية والمراجع الدولية، والسعي لديها فى كل ما يتعلق بالشؤون التى تعني الجمهور اليهودي بأسره.
الرؤساء والأعضاء
ترأس المؤتمر اليهودي العالمي منذ تأسيسه بعضٌ مـن اهم رموز الحركة الصهيونية فى العالم، وهم على التوالي:
- جوليان ماك (مـن 1936 الي 1943).
- ستيفن وايز (مـن 1944 الي 1949).
- ناحوم غولدمان (مـن 1949 الي 1977).
- فيليب كلوتزنيك (مـن 1977 الي 1979).
- إدغار برونفمان (مـن 1979 الي 2007).
- رونالد لودر (2007).
اما عضوية المؤتمر اليهودي العالمي فتتكوّن مـن هيئات جامعية فى 115 دَوْلَةٌ، إضافة الي منظمات يهودية إقليمية ودولية، وهي:
- المؤتمر اليهودي الأفريقي.
- المؤتمر اليهودي الإيرو-آسيوي.
- المؤتمر اليهودي الأوروبي.
- المؤتمر اليهودي اللاتينو أميركي.
- المؤتمر اليهودي العالمي – إسرائيل.
- المؤتمر اليهودي العالمي – شمال أميركا.
- رابطة مكافحة التشهير.
- “بناي بريث” (ابناء العهد)، وهي أقدم منظمة خدمات يهودية فى العالم.
- مؤتمر الحاخامات الأوروبي.
- مؤتمر المطالبات المادية اليهودية امام ألمانيا (كليمس كونفرنس).
- منظمة “هيليل” الجامعية الدولية، والتي تدعم 140 ألف طالب يهودي فى 850 حرما جامعيا وكلية فى العالم.
- المجلس الدولى للنساء اليهوديات.
- اللجنة اليهودية الدولية للحوار بين الأديان.
العمل وعوامل البروز
كانـت لما عرف بـ”قضية دريفوس” (ألفريد دريفوس)، وهو ضابط يهودي فى الجيش الفرنسي، قُدّم الي المحاكمة عَامٌ 1894 بتهمة تسريب ونقل أسرار عسكرية عَنْ الجيش الفرنسي الي الجيش الألماني المعادي لفرنسا، مقابل مبالغ مالية، وكذا أعمال الاضطهاد والتفرقة العنصرية امام اليهود فى روسيا القيصرية ورومانيا دور مهم فى تعجيل إنشاء منظمة صهيونية عالمية.
بينما أوضاع يهود أوروبا الشرقية بعد الحرب العالميه الأولى دافعا لقادة الفكر الصهيوني -الذين فشلوا فى استقطاب جميع اليهود ووضعهم تحت سيطرة المنظمة الصهيونية- الي استغلال هذا الوضع مـن اجل إنشاء هيئة لها صبغة يهودية عالمية، وتعمل تحت شعار “معالجة المشكلات الخطيرة المتعلقة بحقوق اليهود والجاليات اليهودية وحريتهم فى المستقبل”.
وفي الولايات المتحدة، استغل القادة الصهاينة الْأَوْضَاعُ التى خلفتها الحرب العالميه الأولى، وبذلوا جهودا لتوحيد الجاليات اليهودية الأميركية وإنشاء هيئة تجمعها وتستطيع “التعبير عَنْ معتقدات الجمهور اليهودي، ومعالجة حاجاته ومطالبه”.
فأنشئ “المؤتمر اليهودي الأميركي” عَامٌ 1918، وبذل جهودا مضنية لإنشاء منظمة يهودية على نطاق عالمي يعترف بها اليهود وغير اليهود على حد سواء وتكون “هيئة يهودية تمثيلية تُعنى بمعالجة مشكلات الشتات”.
وشكّل ظهور النازية دافعا نحو إنشاء مثل تلك الهيئة، التى أبصرت النور فى عَامٌ 1936 فى جنيف، حيـث اجتمع 230 وفدا مـن 32 بلدا، وأُعلن رسميا عَنْ تأسيس الهيئة المذكورة وتبني اسس دستورها تحت اسم “المؤتمر اليهودي العالمي”.
وانتُخب ستيفن وايز مـن الولايات المتحدة رئيسا للجنة التنفيذية للمؤتمر، وناحوم غولدمان رئيسا للجنة الإدارية، والقاضي اليهودي الأميركي جوليان ماك (1866-1943) رئيسا شرفيا.
ويقول الباحث المصرى فى الامور اليهودية والصهيونية الدكتور عبد الوهاب المسيري (1938-2008) فى كتابه “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية” إن “فكرة المؤتمر باركها الزعيم الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني (1883-1945) فى اجتماع بينه وبين غولدمان ساده الفهم المتبادل، وقد أبدى الدوتشي (اى القائد بالإيطالية) استعداده لدعم هذا المؤتمر”.
وإثر نشوب الحرب العالميه الثانية (1939-1945) وإقدام ألمانيا النازية على احتلال قسم مـن أوروبا، نُقل المقر الرئيس للمؤتمر اليهودي العالمي الي نيويورك، وأنشئ له فى الوقت ذاته مقرٌ موازٍ فى العاصمة البريطانية لندن لأنها كانـت فى ذلك الحين ملجأ للحكومات الأوروبية فى المنفى.
التأهل والتغلغل الدولى
بعد التأسيس استطاع المؤتمر اليهودي العالمي ان يجمع فى مقري نيويورك ولندن قادة يهود أوروبا والخبراء القانونيين والسياسيين للقيام بحملة مكثفة امام النازية. ووُضعت هذه الحملة قيد التنفيذ فى اجتماع طارئ عقده المؤتمر فى مدينة أتلانتيك الأميركية فى نوفمبر/تشرين الثانى 1944.
اما الإنجاز الأهم الذى حققه قادة المؤتمر بعد التأسيس فكان دفعهم حكومة ألمانيا الاتحادية الي توقيع اتفاقية لوكسمبورغ عَامٌ 1952، والتي وافقت الحكومة الألمانية بموجبها على دفع مليارات الماركات للحكومة الإسرائيلية تعويضا لليهود الذين قُتلوا فى معسكرات الاعتقال النازية.
وذهبت معظم التعويضات التى بلغت 822 مليون دولار الي إسرائيل، إضافة الي المبالغ التى دُفعت للأفراد، واعترف غولدمان نفسه بأن مجموع التعويضات الفعلي جاء الي 40 مليار مارك ألماني (نحو 4 مليارات دولار).
واستخدمت الحكومة الإسرائيلية معظم هذه الأموال فى مشاريعها الاقتصاديه وخططها العسكرية، وفي جلب اليهود مـن مختلف ارجاء العالم للاستيطان فى فلسطين.
واضطلع المؤتمر اليهودي العالمي مباشرة أو عبر “مؤتمر المطالب المادية اليهودية مـن ألمانيا”، بدور بارز فى إعادة تأهيل الجاليات اليهودية الأوروبية المشتتة، و”إعادة بناء الحياة الروحية والثقافية للسجناء اليهود الذين هاجروا فى مختلف ارجاء العالم”.
ومنذ الحرب العالميه الثانية، أسهم الطابع الدولى الذى اكتسبه المؤتمر اليهودي العالمي فى جعل كثير مـن أعماله السِّيَاسِيَّةُ والدبلوماسية ذات اهميه وفعالية، لا سيما أنها رفعت شعار “تثبيت حقوق اليهود وحرياتهم فى دول عدة”.
وأنشأ المؤتمر جهازا للبحوث والعمل امام المنظمات الوطنيه والعالمية النازية الجديدة التى ظهرت أو نشطت بعد الحرب العالميه الثانية، بذريعة أنها “معادية للسامية”. وخلال ستينيات القرن الـ20، أصبح موضوع يهود الاتحاد السوفياتي الشغل الشاغل للمؤتمر.
استطاع المؤتمر اليهودي العالمي أيضا التغلغل فى بعض المؤسسات الدولية، فكان أول تنظيم يهودي يمنح صفة استشارية فى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، وكذلك فى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
كَمَا حصل المؤتمر على تمثيل فى منظمة العمل الدولية، وأقام “علاقات للتعاون العام” مع منظمة الدول الأميركية، ويتمتع بمكانة استشارية مـن الدرجة الأولى فى المجلس الأوروبي.
وتحت غطاء المكانة الدولية المستقلة التى اكتسبها المؤتمر اليهودي العالمي، يجاهر فى خدمة اهداف إسرائيل والصهيونية، ولا سيما فى مجال تشجيع الهجرة والضغط على الحكومات المتنوعة للسماح لليهود بالهجرة الي إسرائيل.
وحقق المؤتمر نجاحا فى هذا المضمار فى دول كثيرة، وينسج علاقات قوية مع الدوائر الحكومية المعنية فى إسرائيل بشأن “القضايا التى تتسم بالمصالح المشتركة بشأن اليهود فى البلدان الاخرى”.
واستطاع المؤتمر مـن اثناء جهوده المكثفة ان يجذب شخصيات دولية. ففي عَامٌ 2017 ألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلمة امام مندوبي الجمعية العامة للمؤتمر اليهودي العالمي فى نيويورك، تزامنا مع ذكرى “المحرقة اليهودية”، ليكون بذلك أول أمين عَامٌ أممي يلقي كلمة امام مؤتمر يهودي عالمي.
وتناول غوتيريش فى كلمته “التحيز امام إسرائيل” بشكل علني، إذ اعلن فى كلمته إنه سيكون “على الخطوط الأمامية فى مكافحة معاداة السامية”، وشدّد على ان “مـن حق (إسرائيل) العيش بسلام وأمن مع جيرانها”، وأن “إنكار وجود إسرائيل هو شكل حديث لمعاداة السامية”.
دعـم مطلق لإسرائيل
أصبحت للمؤتمر اليهودي العالمي قيادة مشتركة مع المنظمة الصهيونية العالميه، التى تم الاعتراف بها عضوا فى المؤتمر بدلا مـن صفة مراقب، ولها 4 مقاعد فى المجلس الإداري و5 مقاعد فى المجلس العام.
وجرى تقريب اهداف المؤتمر اليهودي العالمي مـن اهداف المنظمة الصهيونية العالميه، وترتكز هذه الأهداف على “تعميق الارتباط بدولة إسرائيل”. كَمَا تم تعديل البند الاول مـن نظام المؤتمر لينص على “توثيق العلاقة بين يهود العالم ودولة إسرائيل بصفتها القوة الخلّاقة المركزية فى الحياة اليهودية”.
وانسجاما مع اسس الصهيونية العالميه، يؤكد المؤتمر تصميم “الجمهور اليهودي بأسره” على “المحافظة على وحدة القدس عاصمة لدولة إسرائيل”، وكذلك “تماثل يهود العالم التام وغير المتحفّظ مع دَوْلَةٌ إسرائيل”، والرفض القاطع لإقامة “دَوْلَةٌ علمانية فلسطينية لا هـدف لها سوى القضاء على دَوْلَةٌ إسرائيل”.
يؤكد المؤتمر اليهودي العالمي المكانة المركزية لإسرائيل فى واقع اليهود فى عالم اليـوم. ويرى فى أدبياته ان إسرائيل تجسيد حقيقي للهوية اليهوديّة المعاصرة. لذلك يحرص على تمتين العلاقة معها، وتقوية علاقات الجاليات اليهوديّة فى العالم معها، ويضع دعمها ومواجهة مـن يحاول الي سحـب الشرعية عنها فى مُقَدَّمَةٌ نشاطاته.
ويرحّب المؤتمر بأي اتفاقيات تعقدها إسرائيل مع دول العالم، كَمَا يُظهر رفضه واستياءه مـن اى محاولات لدول أو منظمات تعمل على إظهار وجه الاحتلال الحقيقي.
ويرى غولدمان ان “دَوْلَةٌ إسرائيل تشبه الشوكة فى حلق العالم العربي، فهي دَوْلَةٌ (وظيفية) تدور فى اطار المصالح الغربية يمكنها عرْقلة السياسة المشتركة لهذا العالم، ولو كانـت إسرائيل محايدة وغير ضالعة فى مسائل السياسة الدولية الأساسية لاستطاع العالم العربي قبول الامر الواقع (اى وجود إسرائيل) على نحو أسهل”.
بينما صرح رونالد لودر، الذى تولى رئاسة المؤتمر عَامٌ 2007، ان “عهد اليهودي الهادئ الخجول قد انتهى”، وقال إنه “لم يعد علينا الاعتماد على الآخرين لحمايتنا”.