الاخبار العربية والعالمية

الملحون المغربى تراث عالمي.. إبداع أصيل تضامن شعراؤه مع فلسطين | ثقافة سام نيوز اخبار

مراكش – بعد انتظار طويل، استطاع “فن الملحون” المغربى، الدخول رسميا للقائمة التمثيلية للتراث غير المادي العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

وحصل ذلك اليـوم الأربعاء، اثناء انعقاد الدورة الـ18 للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي فى كاسان بجمهورية بوتسوانا.

ويقول آدم العلوي، رئيس جمعية إدريس بلمامون، إن جمعيته هى مـن اطلقت المبادرة عَامٌ 2016 قبل ان تتبناها وزارة الثقافة وأكاديمية المملكة، حفاظا على هذا الفن الذى يعتبر جزءا مـن ذخيرة الفنون الشعبية والتقليدية المنتشرة على نطاق واسع فى المغرب، والمتأثر بتحديات وتهديدات العولمة.

ويبرز فى حديث للجزيرة نت، ان الأجيال الشابة تبدي الان اهتماما متزايدا به، حيـث وجدته نقطه مرجعية قوية لهويتها ومصدرا غنيا للإلهام الإبداعي.

ويضيف ان إدراج هذا العنصر فى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي يساعد على زيادة تعزيز جدواه واستدامته مـن اثناء تشجيع الشعراء الموهوبين على مواصلة تأليف القصائد، والمطربين والموسيقيين لإعطاء هذا الفن رؤية وأهمية أكبر فى مجال الثقافة فى البلاد.

بدوره يعبر توفيق أبرام، شاعر الملحون والمهتم بشؤونه، -للجزيرة نت- عَنْ فرحته الغامرة بهذا الإدراج، مبرزا ان ذلك لم يكن هينا وعرف تقديم أدلة دامغة ودفوعات طويلة، ومشيرا الي ان المغاربة يهتمون بثقافتهم الشعبية ويتشبثون بهويتهم التى لا يمكن التفريط فيها.

مـن جهته، يبدي الباحث عبد الصمد بلكبير، نجل الشاعر الكبير فى فن الملحون، محمد بلكبير، تخوفه مـن ان يُستعمل هذا المورد الثقافي المغربى أداة لفرض الدارجة العامية بدل العربية الفصحى سواء فى التعليم والإعلام أو فى باقي مناحي الحياة، خدمة لأجندات استعمارية على حد قوله.

ويشكك الأستاذ الجامعي -الذى نال درجة الدكتوراه فى موضوع “شعر الملحون، الظاهرة ودلالاتها”- بينما يسميه “الأهداف السِّيَاسِيَّةُ الملغومة للفرنكوفونية”، لكنه اعتبر ان فن الملحون فى الوسـط بين الدارجة العامية والعربية الفصحى، ويهتم بفن القول وتبسيط المعاني للمجتمع.

إبداع أصيل

وتبرز قوية الترشيح للائحة التى قدمت باللغة الفرنسية، واطلعت عليها الجزيرة نت، ان هواة ومحبي الملحون يوجدون فى جميع ارجاء المغرب مـن جميع طبقات المجتمع.

وتضيف ان هذه الظاهرة نشأت فى منطقه تافيلالت فى جنوب شرق المغرب، ثم انتشرت لتشمل سكان المدن التاريخية موطن الحرف التقليدية، كَمَا هو الحال فى فاس ومكناس وسلا والرباط والدار البيضاء وأزمور وآسفي ومراكش وتارودانت.

فرقة ملحون مراكش
فرقة ملحون مغربي بمدينة مراكش (الجزيرة)

وتشير الوثيقة الى ان فن الملحون موجود أيضا فى الجزائر، وتشترك منطقه المغرب العربي فى العديد مـن العروض الفنية التقليدية، بينما يستمر التبادل بين الباحثين فى هذا النوع الشعري والموسيقي المتوارث حتـى يومنا هذا.

وتوضح الوثيقة، ان “الملحون” هو شكل شائع مـن أشكال التعبير الشعري الذى يغنى، معتمدا على اللهجة العربية وأحيانا العبرية، مستمدة مباشرة مـن الحياة اليومية، وتتطور وفقا لنوع معين مـن الوزن الشعري.

ويعلق الباحث بلكبير على ذلك، ان “الملحون” كان هدفه فى البداية المساهمة فى مجتمع مدني حي وفاعل، محاولا القيام بوظيفة الدمج بين نخبة المجتمع المغربى وعموم الجمهور، مسلمين كانوا أم ويهودا.

ويؤكد ان أغلب مـن كتب شعر “الملحون” هم مـن العلماء الذين عملوا على التواصل مع الجمهور عبر الكلمة الموزونة الدالة.

المغرب/ سلا/ سناء القويطي/ الفرقة الموسيقية الوطنية تؤدي أناشيد الملحون على مسرح البلدية بسلا المغربية المصدر: الجزيرة
الفرقة الموسيقية الوطنيه تؤدي أناشيد الملحون على مسرح البلدية بسلا المغربية (الجزيرة)

عنوان حضارة

يشير المدير الفنى للمهرجان الوطني للموسيقى والتربية بمراكش أنس الملحوني -فى حديث للجزيرة نت- الي ان فن الملحون عنوان حضارة مغربية ضاربة فى القـدم، فمن خلاله عالج شاعره الملهم العديد مـن القضايا التى شغلت بال المجتمع المغربى، بمضامين دينية مثل “التَّصْليّات”، ” التّوسّلات”، “الشوقيّات “، “الزُّهديات”، “المدائح النبوية”، أو بأغراض أخرى فى الغزل ووصف الطبيعة والوطنيات والقوميات وأيضا الهزل والتفكه وما شابه.

واستطاع شاعر الملحون ان يرسم بدقة عاليه صوره الشعرية وأخيلته الإبداعية البليغة معتمدا على لغة عامية بليغة فاقت فى استعمالاتها البلاغية والإيقاعية العروضية ما قد نقف عليه فى الشعر المدرسي، حتـى شاع بين المنتسبين لهذا الفن ان “المَلحون افّرَاجْتُو فَاكّلاَمُو”؛ اى فى لغته الشاعرة البليغة الواصلة العذبة المقنعة.

وتعيدنا هذه العبارة، وفق أنس الملحوني، 50 سنة الي الوراء، وإلى مطارحات فكرية عاليه القدر بين 3 مشاريع ثقافية، حمل لواءها 3 مـن أعلام فن الملحون توثيقا، وتحليلا، ودراسة، ونظما.

فرقة ملحون مغربية
آلات موسيقية متعددة تصاحب غناء فرقة ملحون مغربية (الجزيرة)

ويضيف ان الأستاذ محمد الفاسي، رجح كفة أثر الإنشاد والجوانب التنغيمية وذلك فى إشارته الي ان الملحون “مشتق مـن التلحين بمعنى التنغيم، بينما ربط الدكتور عباس الجراري مفهوم اللحن بالخطأ الإعرابي، بينما يخلص الشيخ احمد سهوم الي ان “الملحون” هو “القول البليغ، الواصل المقنع”.

ويأتي الراحل الحاج احمد سهوم ليلخص هذه المطارحات فى حديثه عَنْ بلاغة وفنية فن الملحون قائلا:

فـَـنْ الـمـَـلحـُـون فـَـنْ سـَـانـِــــي سـَــاطـَـعْ فـِـ سَـايـَـرْ لـَـزْمـَــانْ
فـِـيـهْ الحـَـكـْـمـَـة عْـلى اللـّْــوَانْ
فـَـنْ الـمـَـلحـُـون فـَـــنْ بـَـانـِــــي
بَـالتـَّـصْويــرْ الـرّْفـِـيعْ غـَـــــانِي مـَـا يـَـهـْــدَمْ يـَــا اسـّْــيـَــادْنــَــــا
واسّْـــــتـِـعـَـــارَاتْ كـَـــتـْــبـَـــان
تـَـنـْـظـَـرْهــا ســَـايـَـرْ الـّْعـْـيَانْ

فلسطين والملحون

ولم يفت شعراء “الملحون” -الذين تغنوا بكل مظاهر الحياة فى المجتمع المغربى- ان يهتموا بما يقع فى فلسطين منذ بدء الاحتلال الي الان، فكتبوا قصائدهم بحس وطني جارف، يتعدى هذا المستوى ليجسد بعدا قوميا أبان عَنْ اتساع أفق الانتماء عندهم.

ومن بينهم يذكر الشاعر المراكشي الشيخ الحاج محمد بلكبير صاحب قصيدة “الفلسطينية” التى نظمها -على حد قول الراحل محمد الفاسي- بعد العدوان الصهيوني فى يونيو/حزيران 1967، ويقول مطلعها:

“لله آهل الإسلام بادروا بالتوبة واستَغفروا واطلبوا مُولانا
يفجي هذا الغمَّة على الجميع ويشفي المصاب”.

فرقة ملحون الأداء
مهرجان الملحون والأغنية الوطنيه (الجزيرة)

ويقول الباحث عبد الصمد بلكبير فى هذا الصدد إن القصيدة عنوان بارز لاهتمام فن “الملحون” بالقضايا الوطنيه والقومية، مبرزا أنه قدمها الي أكاديمية المملكة عندما كان عضوا بها الي جانب أكثر مـن 3500 قصيدة أخرى تراثية غنية بمواضيع متنوعة.

وفي ذات السياق، يشير أنس الملحوني الي شيخ أشياخ مراكش فى زمانه، الشيخ الحاج محمد بن عمر، الذى أبدع فى الأغراض الاجتماعية والوطنية بعدد غير يسير مـن “العّْرُوبيَّات ” و”القصائد الملحونية”، ففي قصيدة نظمها اثناء الحرب على فلسطين سنة 1967، يقول فى لازمتها:

“صُونُوا بِيتْ المقدسْ يَا ارّْجَالْ النَّجْدَة نَصرُوا الدِّينْ يَا أهل لِيمَانِي.. وَاحموهْ مَن لَعْدَا اتّْفَرْ مَنُّوسَايَرْ لِيهُودْ”.

ويعتبر هذا النص الشعري وأمثاله عند الشيخ محمد بن عمر شواهد عيان على تجاوب الشاعر الشعبي مع “وقائع الوطن الكبير” على حد قول الدكتور عباس الجراري.

وفي إحدى “عرُوبيَّات” الشيخ محمد بن عمر الملحوني، جاء موسوما بـ”القدس”، يُضمنه رغبته فى الانتقال الي القدس السليبة، والدفاع عنها قائلا:

“الحول علي جار، القدس نترجاه راني فى أرض الغربة، مَكْواني صبَّار
آش يصبَّــر، يَا أهلِي جِـــيراني والوحش فى اضلوعي، وَقـَّــدْ اجْمَارو
ولعدوفي أرضنا، تمكارونسَّاه جاهر فى اعنادو، واليوم إيجاهر تجْهَار
سَلـُوا عمَّن، امسايروفي سْـــلاه اخبـيــــــرواليوم، ريُّـوفالس مَــكـَّـــارْ
اشهود تاريخنا، كَـتـْبَـاتْ بعياني الظَّالَــم، لا بُـد يَـنـْـتظَــر سَاعَة ابّْطَارُو”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى