المنعطف الأكثر توترا.. أثر حرب غزة على علاقات مصر وإسرائيل | اخبار سام نيوز اخبار
25/10/2023–|آخر تحديث: 25/10/202310:56 م (“توقيت” مكة المكرمه)
على وقع الحرب على غزة، تمر العلاقات المصرية الإسرائيلية بأحد أكثر منعطفاتها توترا منذ عـقد اتفاقية السلام عَامٌ 1979، إذ يتبادل الطرفان رسائل متضادة بخصوص تهجير أهل غزة الي سيناء، وفتح معبر رفح فى كلا الاتجاهين.
ومنذ اتفاقات كامب ديفيد وقعت حوادث جانبية أسقطت قتلى ومصابين مـن كلا الطرفين، ايضا يشهد الشارع المصرى احتجاجات تطالب باتخاذ موقف رَسْمِيٌّ أكثر حزما تجاه العدوان على غزة.
ضغوط للتهجير
تتصاعد الأصوات الإسرائيلية الداعية لتهجير سكان غزة الي شبه جزيرة سيناء بهدف إحداث تحدث جيوسياسي فى خريطة القضية الفلسطينية، وتحظى تلك الأصوات بدعم أميركي صريح عبّر عنه بوضوح صراحة منسق الاتصالات الإستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي قائلا “على المصريين ان يستعدوا لفتح معبر رفح والسماح بتدفق حركة المرور البشري مـن خلاله”.
وشدد عليها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قائلا إن “واشنطن تجري محادثات مع إسرائيل ومصر بشأن توفير ممر آمن للمدنيين فى غزة”، بينما تتردد اخبار عَنْ تقديم مجموعه مـن الإغراءات للقاهرة تشمل إعفاءها مـن قدر كثير مـن ديونها الخارجية أو تقديم قروض جديدة أكبر مـن صندوق النقد الدولى تخفف مـن أزمتها الاقتصاديه المتفاقمة.
فى المقابل، تتوالى التصريحات المصرية -على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري- الرافضة لمخطط التهجير، إذ ترى فيه خطرا إستراتيجيا يهدف الي تصفية القضية الفلسطينية، وتحويل لملف غزة مـن كونه أزمة إسرائيلية ليصبح أزمة مصرية، إذ سيشرع سكان غزة لا محالة بإعادة تنظيم صفوفهم، وسينخرطون فى أعمال مقاومة مجددا انطلاقا مـن سيناء.
وهذا الامر سيدفع إسرائيل للرد وتنفيذ هجمات مضادة كيفما كان يحدث فى خمسينات القرن العشرين، وأدى آنذاك الي مقتل مئات الجنود المصريين فى عدة هجمات شنتها إسرائيل انتقاما مـن هجمات الفدائيين بقطاع غزة الذى كان يخضع للإدارة المصرية، ومن ثم ستجد مصر نفسها بين خيارين إما مواجهه الاعتداءات الإسرائيلية عسكريا، أو التصدى لمجموعات المقاومة الفلسطينية نيابة عَنْ إسرائيل، وكلا الخيارين لا تحبذهما القاهره.
استدعاء للشارع
شهدت بعض المدن المصرية احتجاجات على العدوان الإسرائيلي على غزة، وبالأخص فى أول يـوم جمعة بعد اشتعال الاحداث، وبالتحديد يـوم 13 أكتوبر/تشرين الاول الحالي، حيـث شهد الجامع الأزهر وقفة احتجاجية، كَمَا شهدت العديد مـن الجامعات احتجاجات فور حدوث مجزرة المستشفى المعمداني، لكن الاحتجاجات شهدت قفزة كبيرة بعد ان لوح السيسي يـوم 18 أكتوبر/تشرين الاول -فى اثناء عقده مؤتمرا صحفيا بالقاهرة رفقة المستشار الألماني أولاف شولتز- بنزول ملايين المصريين للشوارع فى حال دعوته لهم للتظاهر احتجاجا على مخطط تهجير أهل غزة الي سيناء.
وسرعان ما نظمت الأحزاب الموالية للسلطة وقفات احتجاجية فى أغلب الميادين الرئيسية بالمدن المصرية، كَمَا غضت وزارة الداخلية الطرف عَنْ احتجاجات أخرى دخلت إحداها ميدان التحرير أيقونة ثورة يناير، واكتفت بتفريق التظاهرات واعتقال نحو 140 متظاهرا ممن لم يلتزموا بالتعليمات الحكومية سواء مـن جهة مدة التظاهر أو الشعارات التى رفعوها، إذ أشار بعضهم الي ان الهدف مـن التظاهر هو التضامن مع فلسطين، وليس تفويض اى مسؤول بشيء، وهو ما يمثل خروجا عَنْ السيناريو المرسوم للاحتجاج.
وتشير تلك التطورات الي رغبة السلطات فى استدعاء الشارع لمواجهة الضغوط الأميركية، فضلا عَنْ توفير مسارات آمنة للتعبير عَنْ الغضب الشعبي.
رد فعل رَسْمِيٌّ متدرج
تدرج رد الفعل المصرى الرسمى على العدوان الإسرائيلي، إذ بدأ بمتابعة السيسي للأحداث منذ أول يـوم مـن دَاخِلٌ مركز ادارة الأزمات الإستراتيجي بالعاصمة الإدارية الجديدة، ثم إصدار مجلس الأمن القومي المصرى بيانا يشدد على “رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وأن أمن مصر القومي خط أحمر”.
مع تكرار القصف الإسرائيلي لمعبر رفح 4 مرات، وإصرار الاحتلال على رفض إدخال المساعدات الإنسانية بالتزامن مع قطع المياه والكهرباء والوقود عَنْ سكان غزة، ودعوته لهم لإخلاء منازلهم بالأخص فى شمال القطاع والخروج باتجاه مصر، اعلن السيسي بأن “رد الفعل الإسرائيلي تجاوز مبدأ حق الدفـاع عَنْ النفس الي العقاب الجماعي”، وسـط تقديم اعلامية حكومية منحازة للمقاومة بشكل غير مسبوق، ثم إعلان الحداد رسميا لمدة 3 أيام على ضحايا المستشفى المعمداني، ورعاية السلطات لمظاهرات شعبية منددة بالعدوان.
وكذلك نظمت مصر قمه دولية للسلام بمشاركة ممثلين مـن 31 دَوْلَةٌ وجهة دولية، مـن بينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لمناقشة تطورات الْأَوْضَاعُ فى غزة، لكنها لم تسفر عَنْ نتائـج ملموسة فى اثناء سعي ممثلي الدول الغربية لإدخال إدانة حماس فى البيان الختامي وتأييد ما وصفوه بحق إسرائيل فى الدفـاع عَنْ النفس، مما أدى الي عدم صدور بيـان فى نهاية القمة.
وما زالت القاهره ترفض فتح معبر رفح باتجاه واحد، وتصر على فتحه مـن الاتجاهين، وتسعى للضغط للسماح بمرور مساعدات إنسانية بوتيرة أكبر فى اثناء اقتصار القوافل الحالية على 20 شاحنة فقط لكل منها، وهو ما لا يغني شيئا فى اثناء قطع إسرائيل المياه والوقود والكهرباء عَنْ غزة.
احتكاكات ميدانية
مع اشتعال القتال، قررت السلطات الإسرائيلية إغلاق حقل غاز تمار الذى يمد مصر بالغاز، كَمَا أصدرت شركة شيفرون تعليمات بوقف تشغيل خط أنابيب غاز شرق المتوسط بين إسرائيل ومصر، واستخدام خط أنابيب الغاز العربي الذى يمر عبر الأردن بدلا منه، وهو ما أثر على كمية الغاز الإسرائيلي الواردة الي مصر، إذ انخفضت بنسبة 20%، وهو ما يؤثر سلبا على القاهره التى عانت مؤخرا أزمة فى توفير الغاز والمازوت لمحطات الكهرباء، فضلا عَنْ حاجتها للإيرادات بالعملة الأجنبية التى تحصل عليها مـن إسالة وتصدير الغاز.
ميدانيا، أسهم حادث قتل شرطي مصرى سائحين إسرائيليين فى مدينة الإسكندرية -فى 8 أكتوبر/تشرين الاول الحالي، إثر إصرارهم على رفـع العلم الإسرائيلي- فى دفع تل أبيب لحث رعاياها على مغادرة مصر على وجه السرعة، ثم جاء حادث الاعلان دبابة إسرائيلية قذيفة تجاه برج لقوات حرس الحدود المصرية، مما أسفر عَنْ اصابه 9 عسكريين مصريين، توفي أحدهم لاحقا متأثرا بإصابته، مما اضاف مزيدا مـن التوتر للعلاقات بين الجانبين.
وجهة نظر مغايرة
فى مقابل موقف السلطات المصرية المعلن الرافض للتهجير، وضحت صحيفة غارديان الي ان القاهره تدرس عرضا لاستضافة نحو 100 ألف فلسطيني مـن غزة مقابل مساعدات مالية أميركية، وهو ما يشير الي ان الموقف المصرى قابل للمساومة فى حال تقديم مقابل مجز، وليس موقفا نهائيا غير قابل للتعديل، كَمَا يرى محللون.
إذ استطاع إستقبال المهجرين فى مدينتي رفح والشيخ زويد اللتين سبق إخلاؤهما مـن السكان اثناء العقد الماضي. لكن هذا الخيار حال اعتماده لن يحظى بدعم شعبي. وفي حال استمرار الاعتداءات الإسرائيلية يُرجح ان تزداد الاحتجاجات الشعبية فى مصر، إذ تُعد القضية الفلسطينية مـن القضايا الجامعة للمصريين بمختلف توجهاتهم، حسبما يقول مراقبون.
وإذ يضيف العدوان غير المسبوق على غزة أزمة جديدة الي طوق الأزمات المحيط بمصر، حسبما يقول محللون، الذى يشمل ليبيا والسودان بما فيهما مـن انقسامات داخلية واقتتال، ويلقي بتبعات إنسانية واقتصادية وسياسية على مصر التى تعاني أزمة اقتصادية خانقة، فإنه يستقبل الباب امام سيناريوهات محفوفة بالمخاطر وسـط مخاوف مـن وجود مخططات لتركيع مصر، والتي تعجز حتـى الان عَنْ معالجة تلك الأزمات فضلا عَنْ أزمة سد النهضة ومياه النيل.