2/10/2024–|آخر تحديث: 2/10/202401:25 ص (“توقيت” مكة المكرمه)
مـن الأخطاء الكبيرة التى يُمكن ان يرتكبها طرف مُنخرط فى حرب لا يُريدها، ويسعى للحد مـن أضرارها عليه إظهار التردد عندما يكون الطرف الخصم مُندفعًا بقوة؛ لأن التردد يُشجعه على الإفراط فى استعراض القوة؛ لاعتقاده بأن تكاليفه محدودة عليه.
تنطبق هذه الحالة على المواجهة الإيرانية الإسرائيلية فى حرب السابع مـن أكتوبر/تشرين الأوّل. لقد أفرطت إيران منذ الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية فى دمشق فى أبريل/ نيسان الماضي فى التردد بإظهار الردع القوي، وهو ما شجّع إسرائيل على مواصلة تصعيد المواجهة مـن اثناء اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية فى طهران نهاية يوليو/ تموز الماضي، ثم تصعيد الحرب على حزب الله باغتيال فؤاد شُكر أحد قادته الكبار، وصولًا الي اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله الاسبوع الماضي، وتوسيع نطاق الحرب على لبنان.
إن نجاح إسرائيل فى فرض إيقاعها على الحرب فى الأسابيع الاخيره، ورفع تكاليفها الكبيرة على حزب الله عقّدا مـن المأزق الإستراتيجي الذى تواجهه إيران. فقد أصبحت تكاليف مواصلة إظهار التردد آخذة فى الارتفاع على إيران، وحليفها حزب الله. فمن جانب، لم يردع التردد إسرائيل عَنْ مواصلة تصعيد الحرب. ومن جانب آخر، عمّق مـن الانكشاف الإستراتيجي الذى يواجهه حزب الله.
وفي ضوء ذلك، لم يكن امام طهران خيار سوى التخلي عَنْ هذا التردد بشن هجـوم “رأس الحربة” صاروخي مباشر على إسرائيل الثلاثاء. لكنّ الهجوم لا يزال مُتسقًا مع إستراتيجية إيران الرئيسية التى تُركز على ردع الحرب الإقليمية. وحقيقة ان الهجوم الصاروخي الاول فى أبريل/ نيسان الماضي لم يُظهر الردع الكافي امام إسرائيل، فإن الهجوم الجديـد جاء مُختلفًا عَنْ السابق مـن حيـث الشكل والمضمون.
فى الشكل، فإن إيران تعمّدت ان يكون الهجوم أوسع نطاقًا مـن هجـوم “رأس الحربة” أبريل/نيسان، وأن يُحدث أضرارًا واضحة على عكس الهجوم الاول. وفي المضمون، فإن تزامن الهجوم الجديـد مع تصعيد الحرب على الجبهة الأولوية، مُصمم لتحذير إسرائيل مـن ان مواصلة اندفاعتها امام حزب الله ستؤدي الي حرب إقليمية.
لا تزال إيران تُظهر رغبتها الصريحة بتجنب التورط المباشر فى الحرب. وهذا مفهوم؛ لأن مثل هذا التورط سيجلب تكاليف باهظة على طهران نفسها، وقد يُشكل تهديدًا وجوديًا لنظامها. لكنّ المخاطر الكبيرة التى يواجهها حزب الله فى الوقت الحالي تجعل الفوائد المتصورة لتجنب التورط المباشر فى الحرب أقل اهميه بالنسبة لإيران مـن عواقب الانخراط فيها إذا أصبحت أمرًا واقعًا.
فحزب الله ليس مُجرد حليف لبناني لطهران أو وكيل إقليمي قوي لها فحسب، بل جزء مـن العقيدة الدفاعية الإيرانية. وأي تهديد وجودي له سيؤدي الي إضعاف هذه العقيدة، وإلى تقويض قوة وكيل يُمثل بحكم الجغرافيا خطَ دفاعٍ إيرانيٍ على الجبهة مع إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن اى نجاح إسرائيلي فى إضعاف قوة حزب الله، سيُحفز تل أبيب فى المدى المنظور على تصعيد عملياتها العسكرية امام الوجود الإيراني فى سوريا، فى اطار إستراتيجيتها الرامية الي إضعاف اعتماد إيران على وجودها الإقليمي، وعلى مجموعه حلفائها فى المنطقة كجزء مـن عقيدة الدفـاع لديها.
لقد عرضت عقيدة “الصبر الإستراتيجي” التى انتهجتها إيران منذ بداية حرب السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول نقاط ضعف كبيرة؛ لجهة أنها لم تُحَقَّق الفوائد المرجوة منها على صعيد تجنب تعميق تورطها بالوكالة فى الحرب، وتجنب تعميق التورط المباشر لحزب الله فيها.
كَمَا ان عقيدة “التراجع التكتيكي” التى أعلنها المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي بعد اغتيال هنية فى طهران، جاءت بنتيجة عكسية؛ لأنها عززت مؤشرات الضعف الإيرانية، وعززت اعتقاد إسرائيل بأن تكاليف تصعيد الحرب على حزب الله ستبقى مُنخفضة. واليوم تنتقل إيران الي تبني عقيدة جديدة تمزج بين “الصبر الإستراتيجي” و”استعراض إضافي للقوة”؛ بهدف تأكيد الردع الذى يمنع الحرب الإقليمية بالتوازي مع رفـع مخاطرها؛ لتحذير تل أبيب وواشنطن مـن عواقب الذهاب بعيدًا فى إضعاف حزب الله.
مع ذلك، فإن هناك حقيقتين سيتعين على إيران التعامل معهما منذ الان فصاعدًا أكثر مـن اى وقت مضى مـن هذه الحرب. الأولى؛ ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصبح أكثر جرأة فى تصعيد الحرب لاعتبارات مُتعددة؛ أهمها قلق إيران مـن التورط المباشر فيها. والثانية ان الولايات المتحدة، التى لعبت دورًا مهمًا فى الحد مـن مخاطر الحرب الإقليمية منذ أبريل/ نيسان الماضي، لم تعد قادرة على مواصلة لعب هذا الدور، إما لأنها تعتقد ان إيران لن تتورط بالحرب بأي حال، أو لأنها لم تعد قادرة على التأثير فى سلوك نتنياهو فى الحرب، أو كلا الأمرين معًا. وفي المحصلة، فإن هذا الوضع يوجد المزيد مـن المخاطر الكبيرة على إيران وحزب الله.
بينما ان طهران صممت إستراتيجيتها فى الحرب منذ البداية للحد مـن تكاليفها عليها وعلى حليفها حزب الله، فإن نتنياهو لا يُدير الحرب مـن منظور الحد مـن التكاليف واستعادة الردع الذى كان قائمًا قبل السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول، بل مـن منظور الفرص التى أوجدتها إسرائيل لنفسها مـن اجل إعادة تشكيل التهديدات المحيطة بها مـن حماس فى غزة، وحزب الله فى لبنان، وإعادة تشكيل التهديد الإيراني مـن اثناء إضعاف عقيدة الدفـاع الإيرانية، وهذا ما قلل فى الواقع مـن تأثير رسائل الردع الإيراني، وعظم تأثير الاندفاعة الإسرائيلية فى الحرب.
ومن غير المُرجح ان يُحَقَّق الهجوم الإيراني على إسرائيل الثلاثاء هـدف إظهار الردع أو الضغط على إستراتيجية إسرائيل الجديدة فى لبنان. وقد تُصبح الخيارات، التى تسعي إيران جاهدةً لتجنبها منذ بداية الحرب، أمرًا لا مفر منه فى نهاية المطاف. لقد وعد نتنياهو فى بداية الحرب بتغيير الشرق الأوسط. وأي تأخير إضافي إيراني فى التكيّف مع الأهداف الحقيقة لإسرائيل فى الحرب، سيرفع التكاليف الباهظة عليها، وعلى حلفائها ودورها الإقليمي.
الآراء الواردة فى المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.