قبيل بداية الحرب العالميه الثانية، أثارت خطوط ماجينو (Ligne Maginot) الدفاعية الفرنسية، التى امتدت على طول الحدود الألمانية الفرنسية، قلق المسؤولين العسكريين الألمان الذين تخوفوا مـن إمكانية فشل عملية غزو محتملة لفرنسا. وأملا فى معالجة هذه المعضلة، اتجه الألمان لتصميم مدافـع عملاقة لاستخدامها فى تدمير خطوط ماجينو حيـث اعلن المصممون الألمان عَنْ قدرة قذائف هذه المدافع على اختراق الدروع الفرنسية وإلحاق خسائر جسيمة بجيوش باريس.
الي ذلك، لم يستخدم الألمان المدافع العملاقة اثناء عملية غزو فرنسا عَامٌ 1940. وبدلا مـن ذلك، فضّلت القيادة العسكرية الألمانية الاعتماد على هذه المدافع لتوجيه ضربة قاضية للقوات السوفيتية بالقرم عَامٌ 1942.
غوستاف الثقيلة
أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، باشرت مؤسسة كروب (Krupp) الألمانية بتصميم مدفع غوستاف الثقيلة (Schwerer Gustav) أملا فى تلبية رغبة هتلر بالإطاحة بدفاعات ماجينو الفرنسية. وعلى حسب التصاميم، قدّر طول مدفع غوستاف الثقيلة بنحو 47.3 متر، طول مدفع القصف قدر بقرابة 32.5 متر، بينما جاء الي وزنه حوالى 1350 طنا. مـن جهة ثانية قدّر عيار هذا المدفع بنحو 800 ملم تزامنا مع قدرته على إلقاء قذائف، قدر وزنها بحوالي 7 أطنان، لمسافة قد تبلغ 47 كيلومترا.
الي ذلك، مثّل غوستاف الثقيلة مدفعا مـن مدافـع السكك الحديدية. ولاستخدامه احتاج الألمان لتفكيكه ونقله عبر السكك الحديدية قبل ان يتكفل مئات المهندسين بإعادة تجميعه. وبسبب حجم القذائف وعملية التجميع والتركيب، لم يكن هذا المدفع قادرا على الاعلان العديد مـن القذائف حيـث اعلن المسؤولون الألمان عَنْ إمكانية استخدامه لإطلاق نحو 14 قذيفة فقط باليوم الواحد.
قصف القرم
بعد تدخلهم بفرنسا عبر غابات الأردين (Ardennes)، فضّل الألمان عدم استخدام مدفع غوستاف الثقيلة عَامٌ 1940. وفي خضم عملية بربروسا (Barbarossa) التى انطلقت يـوم 22 حزيران/يونيو 1941، اتجه الألمان لنقل مدفع غوستاف الثقيلة نحو الجبهة الشرقية لاستخدامه بحصار سيفاستوبول (Sevastopol) بشبه جزيرة القرم.
فعقب فشل هجومها الاول على سيفاستوبول، فرضت جيوش المحور، التى تزعمتها ألمانيا، حصارا على هذه المدينة. وبحلول منتصف العام 1942، اتجهت جيوش المحور لشن هجـوم “رأس الحربة” جديد على سيفاستوبول أملا فى انتزاعها مـن قبضة السوفييت.
وفي خضم هذا الهجوم الثانى الذى انطلق يـوم 2 حزيران/يونيو 1942، شنت المدفعية وطائرات سلاح الجو الألماني عمليات قصف هائلة امام سيفاستوبول. وحسب مصادر تلك الفتره، ألقت طائرات سلاح الجو الألماني ما لا يقل عَنْ 20 ألف طن مـن القنابل على سيفاستوبول بشهر حزيران/يونيو 1942 لوحده.
وأثناء هذا الهجوم على سيفاستوبول، اعتمد الألمان لأول مرة بشكل مكثف على مدفع غوستاف الثقيلة. فخلال شهر شباط/فبراير 1942، باشرت القوات الألمانية بنقل قطع هذا المدفع نحو القرم. مـن جهة ثانية، احتاج الألمان لنحو 4 آلاف عامل ومهندس و5 أسابيع لتثبيت المدفع وتركيبه ليكون بذلك جاهزا لقصف سيفاستوبول.
اثناء مدة استخدامه التى استمرت ما بين يومي 5 و17 حزيران/يونيو 1942، أطلق مدفع غوستاف الثقيلة 47 قذيفة نحو سيفاستوبول. وقد استهدفت عمليات القصف هذه حصون ستالين ومكسيم غوركي ومولوتوف وسيبيريا ودمرت أحد مخازن السلاح، الواقعة على عمق 30 مترا تحت الأرض، بسيفاستوبول.
ومع نهاية مهمته قرب سيفاستوبول، اتجه الألمان لتفكيك هذا المدفع ونقله تجاه لينينغراد. ومع تعثر الهجوم على لينينغراد، مكث هذا المدفع العملاق بالمنطقة لمدة سنتين قبل ان تتم إعادته نحو الأراضي الألمانية أين تكفل عَدَّدَ مـن المختصين بتفكيكه وتدميره عَامٌ 1945 لتجنب وقوعه بقبضة القوات السوفيتية.