أخبار فلسطين

تمر الهبوب عَادةٌ سُودانيّةٌ لم تهزمها الحرب.. فما قصتها؟!

تمر الهبوب، عَادةٌ سُودانيّةٌ مـن أغرب العادات والتقاليد؛ مُوغلة فى القِدم والغرابة، وترتبط تلك العادة ارتباطاً وثيقاً بالتمر والنخيل، وتحديداً بموسم حصاد التمور فى السودان، حصريّة بالمناطق الشمالية الواقعة على ضفتي نهر النيل التى تشتهر بزراعة النخيل. ورغم اشتداد الحرب الطاحنة والمعارك المحتدمة بالسودان منذ منتصف أبريل الماضي، لكنها ظلت صامدة ومتماسّكة كغيرها مـن العادات والتقاليد السودانية النبيلة.. فما هو تمر الهبوب؟!

مشاعٌ للجميع!

تمر الهبوب، هو التمر الذى يتساقط مـن النخل المُثمر بفعل هبوب الرياح عليها، فيصبح مشاعا لكل الناس، وحلال طعامه للجميع قبيل حصاده. وهو عادةٌ قديمةٌ للغاية ومتوارثة منذ مئات السنين، وتعتبر ثقافة محلية مُتجذِّرة عند القاطنين على ضفتي نهر النيل مـن منطقه الدبة التى تبعد حوالى 330 كلم تقريباً بالاتجاه الشمالي للعاصمة الخرطوم الي وادي حلفا عند حدود السودان ومصر، كَمَا تعرفها مناطق أخرى بالسودان.

ويقول محمد ابراهيم لـ”العربية.نت”، إنّ الفقراء والمساكين يسترزقون مـن ريع تمر الهبوب الذى يصل الي ربع المحصول فى بعض الأحيان، فمزرعته على سبيل المثال تنتج 220 جوالاً مـن التمر يكون ربعها لتمر الهبوب فى بعض الأحيان، مُشيراً الي انّ تلك المجموعات تقصد الحقول باكراً قبل شروق الشمس بهدف جمع التمور، مـن دون ان يكون لأحد الحق فى اعتراضهم. ولعل ما يُميِّز تمر الهبوب – حسب قوله – بأنه يأتي خليطاً مـن أنواع مختلفة مـن التمور كالبركاوي والقنديلة وغيرها.

غرسٌ للطير والسابلة!

الي ذلك، يُؤكِّد مواطنون تحدّثوا لـ”العربية.نت” ان أهل تلك المناطق تعارفوا منذ قديم الزمان عَنْ غض الطرف عَنْ تمر الهبوب، إذ لا يمنعون عنه الفقراء والمساكين وأبناء السبيل ويدعونهم يأكلون ويجمعون منه ويبيعون وهم موفورو الكرامة دون الحاجة لاستئذان أصحابه.

ويذكرون انّ تلك القيم والأعراف الرفيعة ترسّخت فى نفوس الناس هناك منذ الأزل، لدرجة أنهم يقولون عند غرس النخيل “أيتها النخلة لقد زرعناك للشحاذ والسارق والجائع وللطير والسابلة”، ولعل هذا بعضٌ مما صوّره الروائي السوداني العالمي الطيب صالح فى روايته ذائعة الصيت (موسـم الهجرة الي الشمال) بأنّ جده كان يستخفي بأعواد الذرة خوفاً ان تلتقي عينه مع أعين الذين يأخذون مـن زرعه دُون استئذانٍ.

بالرغم مـن ذلك إلا ان هناك أصواتاً علت فى السنوات الاخيره بتحريم تمر الهبوب دون استئذان صاحبه، لكنها لا تجد ثمة أصداء قوية فى تلك المجتمعات المحليه التى تستعد لحصاد التمور فى مثل هذا الأيّام سنوياً.

عيدٌ موسميٌّ للعودة الي الجذور!

أشجار النخيل تنتشر بكثافة فى مناطق السودان الشمالية، وتُزرع فى المزارع والمنازل ولا تُقطع إلا نادراً، وتُوظّف جذوعها وجريدها لأغراض عديدة كسقف المنازل وعلف الحيوانات بعد تجفيفه وطحنه وخلطه مع البرسيم والحشائش الاخرى، ويصبح حينها مفيدٌ للغاية، ويعاون على در الألبان بكميات أكبر. كَمَا تُستخدم جذوع النخل فى حريق كمائن الطوب الأحمر.

ويحتل السودان المرتبة الثامنة فى إنتاج التمور بالعالم، ويُقدّر عَدَّدَ أشجار النخيل فى الولاية الشمالية بنصف عَدَّدَ أشجار النخيل فى السودان تقريباً، إذ تنتج الولاية الشمالية وحدها 63% مـن الإنتاج الكلي للتمور السودانية، بواقع 60 كيلو غراماً للشجرة الواحدة فى المتوسط. و تعتـبر التمور المحصول النقدي الأكثر شُهرةً بتلك المناطق.

ويشبه حصاد التمور، الأعياد الموسمية التقليدية أو مايشابه موسـم العودة الي الجذور، حيـث يلتئم شمل الأسر الممتدة خلاله، كَمَا يُعَـدُ موسـم التمور سانحة لتسديد الديون وشراء ملابس جديدة وحتى شراء بيوت والزواج وغيرها.

اشهر أصناف التمور بالسودان!

ويُعَـدُ “القنديلة” و”البركاوي” و”التمودا” و”الكُلمة” مـن اشهر أصناف التمور بالسودان، وتتّصف بالحجم الكبير جداً وبالنوعية الممتازة والقابلية للتخزين الجاف، هذا بالإضافة الي التمور الرطبة مثل “المدينة” وشبه الرطبة مثل “مشرق ود لقاي” و”مشرق ود خطيب”.

كَمَا أُدْخِلَتْ لاحقاً بعض الأصناف العالميه مثل المجهول والبرحي والصقعي والسكري وغيرها، حيـث حقّقت نجاحاً ملحوظاً خاصة فى مواعيد نضجها المبكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى