الاخبار العربية والعالمية

حضارة بشرة بيضاء وعيون زرق.. هكذا “فجرت” إسرائيل قبور روسو ولينكولن وأبيغيل | اخبار ثقافة سام نيوز اخبار

“إن دم رجل واحد أغلى مـن حرية البشرية جمعاء”، تلك إحدى العبارات التى اشتهر بها الفيلسوف الفرنسي المعروف ذو الأصول السويسرية جان جاك روسو (1712-1778)، الذى تهتم كثير مـن المدارس والجامعات فى الدول العربية على تدريس فكره، الي جانب ما أنتجه فلاسفة أوروبيون شكّل إنتاجهم أساس “فلسفة الأنوار” المؤسِّسَة للحداثة الغربية.

فى رسائله وكتبه اثناء روسو يصدح بتمجيد فكر الحرية والتحرر ويقول “يولد الإنسان حرا، وهو مقيد بالأغلال فى كل مكان”، ويزيد “إن تخلي المرء عَنْ حريته هو تنازل عَنْ صفاته رجلا”، ولم يكن مستغرَبا ان يسهم فكره فى التأسيس للثورة الفرنسية التى اندلعت فى 1789، بعد اعوام قليلة مـن وفاته.

ولم يكن روسو وحده يغني بهذا الدرب فى أوروبا، بل ردد كثيرون هذه الشعارات حتـى فى الولايات المتحدة التى نجحت ثورتها الكبرى امام الاستعمار البريطاني (1775-1783)، بدعم مـن الفرنسيين: فكرا وتمويلا وجنودا.

A Palestinian woman carries a child as she walks next to houses destroyed in an Israeli strike during the conflict, amid the temporary truce between Hamas and Israel, in Khan Younis in the southern Gaza Strip November 24, 2023. REUTERS/Ibraheem Abu Mustafa
الدمار أصاب كل قطاع غزة بدعم أميركي وغربي مستمر (رويترز)

فهذا أول رئيس للدولة الأميركية الوليدة جورج واشنطن (فى المنصب: 1789-1797) يقول “عندما تتجذر الحرية، تصبح نبتة سريعة النمو”، وتلك أبيغييل أدامز (1744-1818)، زوجة ثاني رئيس للدولة الأميركية الوليدة جون آدامز (فى المنصب: 1797-1801) تقول “الروح التى تسود بين البشر مـن جميع الدرجات وجميع الأعمار والأجناس، هى روح الحرية”، وقد كانـت أفكارها مؤثرة لدرجة أنها توصف بأنها مـن المؤسسين الأوائل للولايات المتحدة.

مسار يؤكده أحد الرؤساء الأوائل لأميركا وهو أبراهام لنكولن (فى المنصب: 1861–1865) قائلا “أولئك الذين ينكرون الحرية على الآخرين، لا يستحقونها لأنفسهم”.

كَمَا يصرخ بنيامين فرانكلين (1706-1790) -الفيلسوف والمخترع وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وأول سفير لها فى فرنسا الثورة- قائلا “أولئك الذين يتخلون عَنْ الحرية الأساسية لشراء القليل مـن الأمان المؤقت، لا يستحقون الحرية ولا الأمان”.

احتراق الحداثة

لكن الأفكار المتشبعة بالحرية والمؤسِّسَة “للحداثة الغربية” احترقت -فى نظر كثيرين- مع تفجر أول الصواريخ الإسرائيلية على أرض غزة بدعم أميركي غربي واضح، وعجز بيّن للمؤسسات الأممية.

فمباشرة بعد اندلاع طوفان الأقصى، بادر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الي فتح خط دعـم عسكري ومخابراتي ومالي وسياسي للاحتلال، وسارعت بلاد أبراهام لنكولن لإرسال حاملتي طائرات الي المنطقة، متعهدة بتقديم أسلحة ومساعدات لإسرائيل قيمتها 14.3 مليار دولار، الي جانب المساعدات السنوية التقليدية بقيمة 3.4 مليارات دولار.

وذلك على الرغم مـن علم الجميع بتفاصيل المجازر اليومية المرتكبة بحق المدنيين فى غزة، واستهداف الاحتلال للمستشفيات ولسيارات الإسعاف وللمساجد والكنائس، وارتقاء آلاف الشهداء وجُلّهم مـن الأطفال، وسقوط آلاف الجرحى، فضلا عَنْ نزوح مئات الآلاف مـن منازلهم التى انهارت بقنابل أميركية تزن الواحدة منها طنا.

دعـم بلدان “ثورة الحرية والإنسانية والأنوار” جاء سريعا ومباشرا لاحتلال وصف الفلسطينيين علنا بأنهم “حيوانات”، وتوعدهم بالإبادة، وسخّر عسكره وإعلامه ووسائل التواصل الاجتماعي التى يملكها للتعتيم على تلك الإبادة الجماعية، والترويج للرواية الإسرائيلية، ومحاربة كل رأي مخالف حتـى دَاخِلٌ بلد مثل الولايات المتحدة التى تفتخر بتقديس حرية التعبير.

عياد أبلال
عياد أبلال اعلن إن مجازر إسرائيل كشفت ان الغرب بأنواره مجرد قناع للوحشية والظلم (الجزيرة)

الصدمة

الأستاذ الجامعي المغربى عياد أبلال، الباحث فى علم الاجتماع وأنتروبولوجيا الثقافة، كان مـن أوائل مـن عبروا عَنْ صدمتهم مـن موقف ممثلي “الحداثة الغربية” مـن مجازر غزة، ونشر تدوينة على صفحته بفيسبوك -بعيد اندلاع طوفان الأقصى- اعلن فيها “كنت ضحية الحداثة الغربية وفلسفة الأنوار، وترافعت عنهما فى كل محفل ومنبر، لكني اكتشفت ان الغرب بأنواره وحداثته مجرد قناع للوحشية والبربرية والظلم”.

ولم يختلف عنه موقف الأستاذ الجامعي المغربى محمد أبلاغ، الذى درس الفلسفة، ونشر تدوينة تزامنت مع مجازر غزة اعلن فيها “آن الأوان لتسقط الأوهام لكي نتعامل نقديا مع فكر يعدّ الآخرين أناسا حياتهم أو موتهم سيان”.

وغير بعيد عنهما، كتب الأستاذ الجامعي الموريتاني المصطفى ولد اكليب بمرارة على صفحته فى Facebook‎ ‎ “إن الغرب هو أكبر أكذوبة عرفها التَّارِيخُ”، وقال “أصبحت أخجل مـن طلابي الذين درستهم عبر عقود فلسفة الأنوار وما لحقها مـن فلسفات غربية حديثة ومعاصرة تمجد مفاهيم الحق، والعقلانية، والإنسانية، والقيم، والأخلاق، والتقدم، والعدالة، والإنصاف، وحقوق الإنسان، والحرية، والنقد، … إلخ، أعتذر منكم طلابي الأعزاء، لأنني كنت مشاركا فى خداعكم”.

مواقف لا تكاد تختلف عَنْ فئات واسعة مـن شعوب العالم عموما -وليس العربية والإسلامية فقط- التى فوجئت بالرد الغربي الداعم لإبادة شعب أعزل، خلافا للقيم والمبادئ التى اثناء الغرب -لعقود- يحاول لترسيخها فى الأذهان.

A displaced Palestinian boy carries a bag, as he returns to his home walking next to houses destroyed in an Israeli strike during the conflict, amid the temporary truce between Hamas and Israel, in Khan Younis in the southern Gaza Strip November 24, 2023. REUTERS/Ibraheem Abu Mustafa TPX IMAGES OF THE DAY
جُل ضحايا المجازر الإسرائيلية اليومية فى غزة كانوا مـن الأطفال (رويترز)

وانكشف الضباب

الأنثروبولوجي عياد أبلال، اعلن للجزيرة نت “مجازر غزة كشفت ضبابية المشهد، وأخرجتني مـن صدمة الحداثة كَمَا تلقيتها فى تعليمي الجامعي، وكما مارستها فى كتاباتي وفي محاضراتي بإعجاب منقطع النظير بالغرب، وكأن غشاوة ما كانـت فوق عيني”.
والغرب -حسب عياد- اجتهد لقرون فى إيصال “فلسفة التنوير” الي العالم أجمع “حتـى صرنا لا نرى طريقا للتنمية والتقدم إلا باقتفاء طريق الغرب”، وهي حالة تشبه “تنويما مغناطيسيا”.

وذلك على الرغم مـن ان الواقع برهن طوال عقود على ان شعارات الحرية والحق والأخوة والمساواة لا تعدو ان تكون وسائل لتسويغ الاستعمار الجديـد وتقتيل وتجويع شعوب المنطقة، وقلب المعاني كَمَا فى الحالة الفلسطينية، حتـى صارت القوى الفاعلة الخيرة شرا مطلقا وهمجية وإرهابا، وتحول الإرهاب الي قوى فاعلة.

ويتابع عياد أبلال قائلا، إن قلب المعاني بهذا الشكل يحيل الي الفيلسوف الألماني فريديرك نيتشه الذى حاول دون جدوى نقل الفلسفة الغربية مـن منطق العقل الي منطق الجسد، وهو منطق يوضح ان قيم الحرية والمساواة والعدل، خاصة بالسياق الغربي الذى “تضخمت مركزيته حتـى صار يرى التقدم والتطور والحضارة مـن نصيبه، بينما ان باقي العالم، خاصة العرب والمسلمين مجرد تخلف وبربرية وتوحش”.

****داخليه**** المصطفى ولد اگليب ٢
أستاذ الفلسفة بجامعة موريتانيا المصطفى ولد اكليب دعا لتجاوز فكرة ان الحضارة الغربية هى حضارة كونية (مواقع التواصل)

افتتان ولكن

المصطفى ولد اكليب، الذى درّس الفلسفة بموريتانيا 34 عاما بالجامعة، أعلن للجزيرة نت أنه لم يندم على تدريسها، وبيّن سبب اعتذاره لطلابه فى التدوينة الشهيرة قائلا “كنت أتبع فى تدريس الفلسفات الغربية مسلكا جعلني معجبا بتلك الفلسفات الي حد الافتتان والتماهي مع أطروحاتها كونها تمثّل نضج العقل البشري وتمام رشده”.

وزاد موضحا “لم أكن أقصد الاعتذار عَنْ تدريس الفلسفة لانه لا معنى لذلك الاعتذار، فالفلسفة تجعل العقل صاحيا والفكر واعيا، ولم يكن المقصود عدم الإيمان بالقيم التى وضحت اليها التدوينة تلميحا لا تفصيلا وتوضيحا، بل اعتذرت عَنْ ربط تلك القيم بحضارة الغرب وفلسفاته حصرا وتخصيصا”.

وهو رأي لا يكاد يختلف عَنْ موقف الباحث محمد أبلاغ الذى أوضح ان الحضارة اللاتينية الأوروبية تلقفت مشعل الفلسفة مـن الفلاسفة والعلماء العرب، وبدأت مرحلة جديدة فى تاريخ الفكر الإنساني توارث فيها فلاسفة وعلماء أوروبا العلم والفلسفة عَنْ طريق الترجمة، مشددا على ضرورة الانتباه الي “التملك” الذى قامت به أوروبا ابتداء مـن القرن الـ19 للعلم والفلسفة وعدّهما فكرا غربيا خالصا لم تسهم فيه الحضارات الاخرى بأي شيء؛ لأن عقلية الرجل الأبيض الأوروبي هى عقلية آرية، وهي المؤهلة وحدها لأن تبدع فى هذه المجالات.

ومن ثم -يضيف محمد أبلاغ- فالإنسانية بالنسبة لتلك الحضارة تخص “جنسا” واحدا فقط هو الإنسان الأوروبي، أو ذا الأصل الأوروبي، وهو ما نطلق عليه اليـوم الحضارة الغربية، وهذه العقلية ولدت عندها عدم الاكتراث بما يقع للآخرين.

ذنب السياسة

وقد يجادل بعض الناس فيقول، إن الفكر مظلوم فى هذه الحالة؛ لانه يتحمل ذنب قرارات اتخذها السياسيون، وهو ما يرد عليه عياد أبلال قائلا، إن أساس العدوان ودعمه فكري محض، لكنه يتلون بألوان السياقات المتنوعة مـن تورا بورا وأبو غريب وغوانتانامو الي غزة.

ويضيف موضحا ان الحرب الإعلامية التى تسند الحرب الهمجية الغربية على غزة تتأسس على مفاهيم وقيم مزيفة، فعندما ينظر المرء فى الخطاب عَنْ إسرائيل، سيجد حتما الأساس الفكري للحداثة الغربية فى بعدها الأنواري، فحركة حماس تمثل الإرهاب والقمع وقتل الأطفال، بينما تمثل إسرائيل -المدعومة غربيا- الحرية والنور والديمقراطية والتقدم.

ويتابع قائلا، إن اللوبي الصهيوني تأسس على أساطير وخرافات كَمَا شرح ذلك المفكر الفرنسي روجي غارودي مثلا، فكيف لهذا الغرب ان يؤمن بهيكل سليمان، وبالأرض الموعودة، وما الي ذلك مـن مفاهيم أسطورية مـن المفروض ان الحداثة جاءت على أعقابها وعلى هدمها؟ “فأين سلطة العقل والحكمة والفلسفة بينما تعرفه الصهيونية اليـوم فى العالم؟ وأين الحداثة مـن الإسلاموفوبيا التى تحولت الي عقيدة جديدة لمجتمعات ما بعد العلمانية بتعبير داستن بورد (أستاذ الفلسفة والأديان واللغة العربية بجامعة أوليفت بولاية ميتشغان)؟”.

ويزيد المصطفى ولد اكليب الامر وضوحا فيقول، إن الفصل بين السياسة والفكر لم يعد فصلا ممكنا على المستوى المعرفي؛ لأن العلاقة بينهما علاقة جدلية، مشددا على ان سياسة الدول تعبير عَنْ قيمها وعن مدى احترامها للإنسان، سواء كان مواطنا ضوء حدودها، أو إنسانا مغايرا مختلفا .

وحسب المصطفى، فإن ذلك يظهر جليا اثناء الحروب والأزمات حيـث ينبغي لنا ان تبقى السياسة منضبطة بضوابط الفكر والقيم والحكمة، و”السياسة تعني القيادة الحكيمة” يضيف المتحدث.

ويؤكد الدكتور محمد أبلاغ مـن جهته ان للفكر -أيضا- دورا فى الصراع الي جانب المصالح السِّيَاسِيَّةُ والاقتصادية، والطريقة التى يُروَّج بها للإسلام والإنسان العربي فى الغرب وهي صورة مغلوطة تماما، توضح ذلك، علما بأن قوة الإعلام هى التى تصنع الرَّأْي العام الغربي، وليس الفكر.

لكن محمد أبلاغ يشدد على ضرورة التمييز دائما بين الفكر النظري الفلسفي والعلمي، والتوظيف “الأيديولوجي” لهذا الفكر، “فإذا أردنا ان نتحدث عَنْ دور الفكر فى هذا الصراع، يجب علينا ان نتساءل عَنْ صورة الإنسان العربي فى الإعلام الغربي، وكذلك المقررات المدرسية الحالية فى الغرب، التى لا يزال أغلبها متأثرا بالصورة الموروثة عَنْ الحروب الصليبية، وعن الصراع بين الإسلام والمسيحية وغيرها”.

Palestinians stand among the rubble of houses destroyed in an Israeli strike during the conflict, amid the temporary truce between Hamas and Israel, in Khan Younis in the southern Gaza Strip November 24, 2023. REUTERS/Ibraheem Abu Mustafa
برغم ارتقاء آلاف الشهداء وقصف المستشفيات والمساجد والكنائس فإن الغرب لا يزال يرفض الدعوة لوقف الاعلان النار (رويترز)

تحجيم

وبالنسبة للدكتور المصطفى ولد اكليب، فقد آن الأوان لتجاوز فكرة ان الحضارة الغربية هى حضارة كونية، وأن قيمها قيم عالمية وأنها الحضارة الأرقى، وأنها حضارة العقلانية المكتملة والإنسانية الرحيمة.

وشدد فى حديثه مع الجزيرة نت على ان واقع الحضارة الغربية يقول شيئا مغايرا لتلك الصُّورَةُ الجميلة التى سعى الغرب عبر قرون لرسمها لنفسه، وفرضها على الآخرين، موضحا ان تاريخ تلك الحضارة هو عبارة عَنْ مخزون مـن العنف امام شعوبها وضد الآخر المختلف معها، ومن رحمها ظهرت تيارات غير عقلانية فكرا وممارسة؛ مثل: النازية والفاشية والصهيونية وجماعات التطرف العنصري.

ودعا المصطفى ولد اكليب الي تحجيم الحضارة الغربية وردها الي حدودها الجغرافية والتاريخية، وذلك هو مضمون المشروع الفكري للمفكر المصرى الدكتور حسن حنفي الذى أطلق عليه اسم الاستغراب، موضحا فى المقابل ان الفكر الغربي لا ينبغي لنا إقصاؤه ولا يمكن إقصاؤه؛ لانه أصبح رافدا مـن روافد فكرنا العربي المعاصر، لكن ينبغي لنا ان نبتعد عَنْ التقليد الأعمى والتبعية المطلقة .

“فمنذ التقينا بحضارة الغرب مع حملة نابليون -يشرح المصطفى- ونحن نجلس مـن الغرب مجلس التلميذ مـن أستاذه معجبين منبهرين نترجم وننقل ونقلد، حتـى إن بعضا منا أصبح غربيا أكثر مـن الغرب نفسه، وهنا ينبغي لنا التمييز بين الجانب العلمي والتقني البحت الذى يمثل مشتركا إنسانيا عاما، وبين الجانب الفكري والقيمي الذى يختلف مـن حضارة الي أخرى”.

الأستاذ-الجامعي-محمد-أبلاغ
محمد أبلاغ اعلن إن المخرج يكمن فى فهم ان كوكبنا كوكب واحد يسع الجميع (الجزيرة)

انتهاء صلاحية

اما عياد أبلال فقد أعلن ان شعوب الغرب نفسها خُدعت بالحداثة وفلسفة الأنوار بعدما عجّلت النيوليبرالية بانتهاء مدة صلاحية الحداثة الغربية، وهذا ما أكدته تيارات ما بعد الحداثة التى انتهت الي توجيه نقد لاذع لها، ولكن مع الاحتفاظ بالأسس التى قامت عليها.

وبناء على ذلك -يوضح محمد أبلال- فتدريس “فلسفة الحداثة” فى الجامعات العربية والغربية على حد سواء، هو تلقين أكثر منه تدريس، واستضمار أكثر منه تساؤل، وتحنيط جثة أكثر مما هو إنعاش وإحياء.

ويشرح ذلك بقوله، إن المطلوب اليـوم هو تفكيك أسس الفلسفة الغربية، وتوجيه النقد الضروري للفصل بين القانون والأخلاق، الذى شكّل أساس النظام المعرفي الغربي الوضعي، مبرزا ان ذلك الفصل أصاب مفهوم الحرية فى مقتل.

ومن ثم فالبديل -فى نظر الدكتور محمد أبلال- ليس هو إقصاء الفكر الغربي كله، بل الخروج مـن دوائر ومدارات الدهشة والإعجاب العاطفي بالواجهة الزجاجية للحداثة، على ان يتأسس ذلك “الخروج” على قاعدة نظرية وعلى نظام معرفي جديد، يقوم على أنقاض الوضعية مـن جهة، والحداثة مـن جانب اخر، خاصة ان “لدينا فى تراثنا العربي الإسلامي ما يفي بالغرض”.

وبالنسبة للدكتور محمد أبلاغ فالطريقة التى يدرس بها الفكر الغربي فى الجامعات العربية ليست هى الطريقة المثلى، إذ لا بد مـن التعامل النقدي مع الفكر الأوروبي، “بمعنى عند دراستنا لروسو أو فولتير أو غيرهما لا بد مـن تعريض فكرهم للتعامل النقدي، لمعرفة الصواب مـن المخالفة فى فكرهم، خاصة بينما يمكن ان يعدّ ان الفكر العقلي هو فكر أوروبي، وألا دور لبقية الإنسانية فى إنجازاته”.

وتابع مؤكدا ان كل فكر كيفما كان يمر مـن المحليه الي الكونية، عكس ما تحاول “الحداثة الغربية” تكريسه مـن اثناء محاولة الاستحواذ على الفكر الفلسفي قائلة، إن الفلسفة معجزة الإغريق، وهذا الادعاء هو أساس الاستعلاء الأوروبي والنظرة الدونية مـن قبلهم الي الآخرين، خصيصى العرب والمسلمين.

وقال، إن المخرج يكمن فى “ان ندافع جميعا على فكرة ان الإنسان واحد بالجوهر، وبأن كل الناس متساوون كيفما كان لونهم أو انتماؤهم، وكوكبنا كوكب واحد، إما ان نعيش فيه جميعا، وإما نهلك فيه جميعا”.

وهو منطق مـن الواضح ان فئات واسعة مـن شعوب الغرب تؤمن به، وقد خرجت تدين مجازر غزة وتدعو الي تحقيق الحرية لأهل فلسطين، عكس أنظمتها التى تحاربه وتعمل ضده، ويصدق فيها قول الفيلسوف الجزائري الراحل مالك بن نبي “إن الغرب لا يحمل معه قيمه خارج حدوده”، فهي -أولا وأخيرا- قيم خاصة بذوي البشرة البيضاء والعيون الزرق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى