“حلم العودة الي غزة”.. هل تخطط إسرائيل لاستيطان القطاع وطرد سكانه؟ سام نيوز اخبار
مُقَدَّمَةٌ للترجمة
عادةً ما يميل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الي تقديم وعود أكثر تشددا عند محاولته الفـوز فى الانتخابات، أو اثناء يقابل مأزقا سياسيا يهدد سلطته، وهو ما ينطبق على الوضع الحالي، حيـث يحاول نتنياهو للحفاظ على ولاء المكونات المتشددة فى حكومته وقواعدها الجماهيرية مـن اثناء اعتناق دعاوى متطرفة على رأسها تلك التى تطالب بإعادة احتلال غزة وتحويلها الي مستوطنات. ورغم ان المزيد مـن السياسيين حول العالم يعتقدون ان ذلك احتمال ضعيف، فإن ذلك غير دقيق وفق محرر “ذا أتلانتيك” يائير روزنبرغ، الذى يدعو الي استكشاف النيات الحقيقية لليمين الإسرائيلي ضوء اى محاولة لفهم وحلحلة الحرب الدموية فى قطاع غزة.
نص الترجمة
فى عَامٌ 2005، أُجبرت إسرائيل على إجلاء أكثر مـن 8000 مستوطن يهودي مـن قطاع غزة، وفي ذلك الوقت، أعادت القطاع الي الحكـم الفلسطيني. وبدلا مـن ان يؤدي هذا الإجلاء الي مدة مـن السلام، اندلعتْ مرحلة جديدة مـن الصراع فى المنطقة. تعالتْ دعوات المستوطنين الذين طُرِدوا مـن غزة لمطالبة إسرائيل بإعادة استيطان القطاع مرة اخري. واليوم، ولأول مرة منذ ما يقرب مـن عقدين مـن الزمن، لم تعد آمالهم للعودة مجرد ضرب مـن الخيال.
بينما على الجانب الآخر، لا يرحب أغلب الجمهور الإسرائيلي بمثل هذه الخطوة، وهو ما اتضح فى استطلاع الرَّأْي الذى أجرته الجامعة العبرية مؤخرا، وأظهر ان نسبه الإسرائيليين الذين يعارضون جهود إعادة استيطان غزة بعد الحرب الحالية تتراوح ما بين 33-56%، وهو توجُّه مـن المفترض أنه يتوافق مع السياسة الأميركية والموقف الرسمى للحكومة الإسرائيلية. وفي أحد تصريحاته، أكَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ان محاولة العودة الي الماضي وإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية فى غزة ليست هدفا واقعيا. ويدرك معظم الإسرائيليين ان بناء معاقل يهودية صغيرة وحمايتها فى مثل هذه البيئة المعادية سيُشكِّل كابوسا أخلاقيا وعسكريا. واستنادا الي هذه البيانات، فإن اى شخص عاقل قد يستنتج ان مثل هذا الاحتمال مستبعد وربما أقرب الي المحال.
يتحدث المتطرفون فيستمع نتنياهو
لكن المشكلة ان حكومة نتنياهو مرتبطة ارتباطا غريبا بأقلية متطرفة مـن الإسرائيليين المصرِّين على إعادة استيطان قطاع غزة، حتـى لو كان ذلك على حساب تهجير الفلسطينيين أو طردهم مـن أرضهم. وعندما تتحدث تلك الأقلية، يستمع نتنياهو على الفور، وهذا لأن تحالفه قد حصل على 48.4% فقط مـن الأصوات فى الانتخابات الإسرائيلية السابقة، وتعتمد قوة حكومته الان على تحالف مـن الأحزاب اليمينية المتطرفة التى تُشكِّل أساس حركة العودة الي غزة. بدأت هذه الحركة بعد وقت قصير مـن انسحاب إسرائيل مـن غزة عَامٌ 2005، لكن يبدو أنها أصبحت الان أكثر جدية ولم تعد مجرد أفكار متهورة، إذ يحاول هؤلاء النشطاء سعيا حثيثا للقتال مـن اجل غرضهم، ورغم ان فرصة نجاحهم فى الوصول الي هذا الهدف ضئيلة، فإنها تظل واردة.
تقود ليمور سون هار-مليخ، العضوة فى البرلمان اليميني المتطرف، الجهود نحو إعادة توطين غزة. وفي مقطع فيديـو نُشر لها على وسائل التواصل الاجتماعي، وضحتْ الي أنها جلست بجوار رئيس الوزراء وأخبرته ان الصُّورَةُ الوحيدة للنصر فى هذه الحرب، التى ستسمح لهم برفع رؤوسهم، واستعادة الكبرياء اليهودي، والعودة الي مصدر قوتهم الحقيقي، تكمن فى إنشاء مستوطنات فى جميع ارجاء قطاع غزة. ويبدو مـن تصرفاتها ان هذه القضية تمسها شخصيا، فقد طُردتْ هى الاخرى عَامٌ 2005، ولكن ليس مـن غزة، بل مـن حومش، وهي إحدى المستوطنات فى الضفة الغربية التى فُكِّكت فى ذلك الوقت أيضا، باعتبارها تجربة لانسحابات إسرائيلية مستقبلية.
ومنذ انضمامها الي البرلمان فى نهاية عَامٌ 2022، لم تتورع هار-مليخ عَنْ وسيلة للتخفيف مـن الآثار الناتجة عَنْ انسحاب إسرائيل سابقا مـن قطاع غزة. وقبل هجـوم “رأس الحربة” السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول، شاركتْ فى إلغاء القانون الذى يحظر إعادة التوطين الإسرائيلي فى حومش وبلدات الضفة الغربية الاخرى التى أُخليت جاء الى. والآن، يبدو ان تطلعاتها باتت تتجه نحو غنيمة أكبر. المشكلة ان الجهود المبذولة تجاه هذه القضية لا تقودها “هار-مليخ” وحدها. ففي المراحل الأولى مثلا مـن العملية العسكرية الإسرائيلية فى غزة، ظهرتْ صور لجنود إسرائيليين يرفعون أعلاما ولافتات تحمل شعارات تطالب بإعادة توطين غزة. حتـى إن بعض الجنود أحضروا معهم خارطة طريق عمرها 18 عاما مـن جالية يهودية سابقة مُقتَلَعة مـن غزة.
تختلف الآراء دَاخِلٌ الجيش الإسرائيلي، ومن المفترض ان ما يُظهِره هؤلاء الجنود مجرد آراء شخصية لا تُمثِّل السياسة الرسمية، ورغم محاولات تقييد هذه التصرفات، تُظهِر الصور جزءا مـن حملة شعبية مرتفعة نحو إعادة استيطان غزة، ولهذا السبب نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لتغدو أسهل فى الانتشار ويتسنى لعامة الجمهور رؤيتها. وعند التدقيق، سنجد ان هذه الحملة جارية بالفعل على أرض الواقع، ففي 22 نوفمبر/تشرين الثانى، التقت مجموعه مـن المنظمات الشعبية لحضور مؤتمر فى مدينة أسدود -التى تقع بين غزة وتل أبيب- تحت شعار “العودة الي الوطن”. ولم يترأس المؤتمر السياسيين المتطرفين على غرار “هار-مليخ” فحسب، بل قاد المؤتمر عضوان مـن حزب الليكود الذى يتزعمه نتنياهو، وهما أريئيل كالنر، وتالي جوتليف، وإحدى المفارقات ان كليهما يأتي مرتبة منخفضة جدا فى أسفل القائمة الانتخابية لحزب الليكود، بعد ان حصلا على دعـم ضئيل فى الانتخابات التمهيدية للحزب، ولا يتمتع اىٌّ منهما بنفوذ كثير. لكن وجودهما فى حد ذاته ضوء مؤتمر كهذا يوضح ان حلم إعادة توطين غزة لا يقتصر على الطيف السياسي اليميني المتطرف فحسب، ولا يمكن توقع ان يظل مقتصِرا على هذا الطيف.
على المنوال ذاته، انضم الي هذا المؤتمر أيضا يوسي داغان، الناشط الاستيطاني الذى يقود إحدى مجموعـات الضغط الأكثر تأثيرا فى اللجنة المركزية لحزب الليكود (اضطر داغان الي النزوح أيضا مـن مستوطنته اليهودية فى الضفة الغربية عَامٌ 2005). وفي الاسبوع الماضي، تجمع مئات مـن الناشطين وسـط إسرائيل لحضور مؤتمر آخر جاء تحت عنوان “الاستعداد العملي للعودة الي غزة”. وتتجلى الطموحات المتصاعدة لهذه الحركة بطرق أخرى متعددة، ففي يوليو/تموز 2014، أطلق النشطاء الإسرائيليون صفحة على Facebook بعنوان “العودة الي غوش قطيف”، وهي مجموعه صغيرة مـن مستوطنات يهودية كانـت موجودة فى قطاع غزة قبل 2005. واليوم، تضم الصفحة أكثر مـن 10 آلاف متابع. وفي 23 أكتوبر/تشرين الاول، اى بعد نحو اسبوعين مـن الهجمات التى شنتها حماس، تحدث اسم الصفحة الي “العائدين الي قطاع غزة”.
التشبث بالسلطة
على الجانب الآخر، يُدرك نتنياهو جيدا ان هذه الخطة هى فكرة سيئة للغاية، لانه ببساطة يعلم ان بناء مستوطنات جديدة فى غزة سيُشكِّل تحديا أمنيا معقدا للغاية. فلو انجرف نتنياهو نحو هذه الفكرة، فسيضطر الجيش الإسرائيلي حينذاك الي توجيه جهوده نحو حماية هذه المستوطنات الصغيرة فى غزة. كَمَا ان رئيس الوزراء الإسرائيلي على دراية بأن بناء مستوطنات فى القطاع سيضعه فى مواجهه تصادمية مع ادارة بايدن، والدول العربية، والمجتمع الدولى. ومع ذلك، قد يسعي نتنياهو تنفيذ هذه الخطة سعيا منه للتشبث بالسلطة قدر الإمكان.
والجدير بالذكر ان الدعـم الانتخابي لنتنياهو قد انهار تماما منذ السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول، وهو ما يتبدى فى استطلاعات الرَّأْي التى تُظهِر ان الأغلبية الساحقة مـن الإسرائيليين يرغبون فى استقالته إما الان وإما بعد انتهاء الحرب، كَمَا تؤكد ان حزبه فقد نصف ناخبيه. وبعد ان ترأس نتنياهو أكبر كارثة دموية فى تاريخ إسرائيل، يبدو مستحيلا ان يفوز فى انتخابات أخرى. ولكن هذا لن يمنعه مـن المحاولة، فعادة ما يميل نتنياهو الي تقديم وعود يمينية متطرفة عند محاولته الفـوز فى الانتخابات.
وفي محاولة منه لاستعادة قاعدته الانتخابية المتراجعة، أثار الزعيم الإسرائيلي جدلا فى وقت لاحق مـن هذا الشهر عندما صرح أنه فخور بمنع قيام دَوْلَةٌ فلسطينية، مدَّعيا أنها كانـت ستغدو مثل غزة التى تحكمها حماس لولا جهوده فى هذا الصدد. وبالمناسبة، فإن استمرار بنيامين نتنياهو فى تغيير موقفه ليس بالأمر الجديـد، فخلال حملة إعادة انتخابه عَامٌ 2015، تراجع عَنْ التزامه الهش والمتزعزع دائما فى إقامة دَوْلَةٌ فلسطينية. وسابقا، عارض ضـم جزء مـن الضفة الغربية أو كلها، لكنه كالعادة نكث بوعده مرة أخرى اثناء حملته الانتخابية لعام 2019، وتعهد بضم الضفة الغربية الانتصار بالانتخابات. وبينما يَتَهَيَّأُ نتنياهو لمحاولته الاخيره لإنقاذ منصبه المتداعي، لن يكون مفاجئا إذا قدَّم وعودا ببناء مستوطنات مستقبلية فى غزة لاستعادة مصداقيته فى الأوساط اليمينية.
تضم الحكومة الحالية فى إسرائيل حزبا معارضا يتزعمه بيني غانتس، وهو جنرال لاحق يتفوق حاليا على نتنياهو فى استطلاعات الرَّأْي، الذى لن يوافق على اى مغامرة لإعادة استيطان غزة. ولكن إذا كان نتنياهو يريد فى الفـوز بطريقة أو بأخرى على غانتس فى الانتخابات القادمة، فهو فى سبيل طموحه لن يكف عَنْ محاولة إعادة توحيد اليمين مرة أخرى خلفه، وقد تكون خطة إعادة توطين غزة هى الإستراتيجية التى سيحاول مـن خلالها توحيد اليمين خلفه.
فى نهاية المطاف، ينبغي للأطراف المعنيّة ألا تستهين بفرصة إقامة المستوطنات الإسرائيلية فى غزة. فالاعتقاد السياسي الذى يشير الي أنها “فكرة سيئة للغاية”، وأن استطلاعات الرَّأْي تُظهر ان معظم الناس يعارضونها، وبالتالي لا يمكن ان اعلن أبدا، لم يكن ناجحا على المستوى الدولى، ولم يؤتِ ثماره منذ عَامٌ 2015. كَمَا ينبغي عدم توقع حل هذه القضية تلقائيا دون تدخل ما دامت هناك جهات تدعو باستمرار الي بناء مزيد مـن المستوطنات فى غزة، ولا تنوي التوقف عَنْ دفاعها المستمر عَنْ هذه الفكرة.
_____________________________
ترجمة: سيمة زاهر
هذا المقال مترجم عَنْ The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عَنْ موقع ميدان.