الاخبار العربية والعالمية

حُجة استخدام الدروع البشرية بوصفها تكتيكًا عسكريًّا وسياسيًّا | آراء سام نيوز اخبار

دعوى استخدام حماس المدنيين دروعًا بشرية، هى أحد ابرز المزاعم فى الحرب الإسرائيلية الجارية على غزة. فمنذ بدايات أكتوبر/ تشرين الاول الماضي، دأب المسؤولون الإسرائيليون خاصة، والغربيون عامة، على تَكرار هذه الدعوى فى كل مناسبة؛ بوصفها جزءًا مـن ادارة الحرب الإسرائيلية (والأميركية والأوروبية) نفسها، وذلك مـن اجل ما سُمي: “حق إسرائيل فى الدفـاع عَنْ نفسها”، الذى وجد ترجمته الوحيدة فى قصف غزة قصفًا مكثفًا وواسعًا لنحو ثلاثة اشهر حتـى الان؛ بهدف القضاء على حماس وتدمير إمكانات المقاومة الفلسطينية.

وإذا كان مصطلح “الدروع البشرية” مصطلحًا عسكريًّا وقانونيًّا فى الأصل، فإن استخدامه المكثف- فى هذه الحرب على ألسنة المسؤولين العسكريين والسياسيين- شكّل غطاءً سياسيًّا غربيًّا للحرب؛ لصيانة أهدافها المادية: (العسكرية والأمنية)، بالرغم مـن كُلفتها الإنسانية الباهظة وغير المسبوقة.

ومناقشة مسألة “الدروع البشرية” مناقشة وافية، تستدعي استيعاب عدة منظورات تشمل المنظورين: السياسي والعسكري مـن جهة، والمنظورين: القانوني والأخلاقي مـن جانب اخر. ولذلك سأخصص هذا المقال لإثبات ان استخدام السياسيين والعسكريين الإسرائيليين والغربيين مصطلحَ “الدروع البشرية” هنا هو جزء مـن الحرب (السياسيّة والعسكريّة)، على ان أخصص مقالًا آخر لإثبات ان الادعاءات الإسرائيلية والغربية -لو سلمنا بها – لا تسوّغ وقوع هذا العدد الهائل مـن الضحايا المدنيين الفلسطينيين، لا قانونيًّا ولا أخلاقيًّا.

تواطأ مختلف المسؤولين الغربيين -منذ حدث 7 أكتوبر/تشرين الاول 2023- على الادعاء بأن حماس تتخذ سكان غزة دروعًا بشرية، وسأشير هنا الي بعض الوقائع الدالة.

ففي 13 أكتوبر/ تشرين الاول، أعلن قائد فى القوات الجوية الإسرائيلية لقناة”الحرة” الأميركية ان المقصود مـن القصف الواسع لغزة هو “حماية مواطني إسرائيل، وأن حركة حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية”. وفي 16 أكتوبر/ تشرين الاول حمّل أوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق حركة حماس المسؤولية الكاملة عَنْ الضحايا الفلسطينيين؛ زاعمًا ان حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية، وتمنعهم مـن النزوح الي جنوب غزة.

فى 2018 اتهمت نيكي هايلي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، حركة حماس باستخدام الأطفال “دروعًا بشرية”، وذلك إثر مقتل عشرات الفلسطينيين اثناء تظاهرات فى قطاع غزة، وهو السلوك الذى نشاهده فى الحرب الجارية تمامًا

وفي 20 أكتوبر/ تشرين الاول، اعلن أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي: “إن حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية”، و”إن إسرائيل لديها الحق فى الدفـاع عَنْ نفسها امامّ هجمات حماس”. وفي 27 أكتوبر/ تشرين الاول، اعلنت ليندا توماس غرينفيلد سفيرة الولايات المتحدة الأميركية -اثناء جلسة طارئة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة -: “إن حماس لم تهتـم يـومًا لاحتياجات مـن تدّعي أنها تمثلهم أو مخاوفهم الحقيقية أو سلامتهم. لا تحترم حماس حكـم القانون أو حياة الإنسان، فالمدنيون الفلسطينيون -برأيها- قابلون للاستبدال ومجرد دروع بشرية”.

ويبدو أنه جرى التسليم بهذه الدعوى جاء الى الجانب الغربي، مع كثرة تَكرار المسؤولين لها، حتـى إن الاتحاد الأوروبي قد تبناها رَسْمِيًٌّّا، واتفق وزراء خارجية دوله على ذلك. ففي 12 نوفمبر/ تشرين الثانى أدان الاتحاد الأوروبي حركة حماس؛ بزعم “استخدامها المستشفيات والمدنيين دروعًا بشرية فى غزة”، بل إن الامر جاء الي الميدان الاعلامي، فقد نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية رسمًا كاريكاتيريًّا تحت عنوان: “دروع بشرية”.

يصوّر الرسمُ شخصًا -يُفتَرض أنه حماس- يقول وقد ربط الي جسده بحبلٍ امرأةً و4 أطفال: كيف تجرؤ إسرائيل على مهاجمة المدنيين؟!. ولكن الصحيفه اضطرت -بينما بعد- الي حذف الرسم مـن موقعها الإلكتروني؛ بسـبب انتقادات القرّاء، بينما بقي الرسم منشورًا فى النسخه المطبوعة بداية نوفمبر/ تشرين الثانى الماضي، اى بعد ان جرى تعزيز هذا الادعاء على ألسنة المسؤولين الغربيين لنحو شهر كامل.

وثمة -على مستوى الوقائع- مفارقة تتمثل فى أمرين:

  • الامر الاول: ان المسؤولين الإسرائيليين والغربيين لم يكلفوا أنفسهم عناء إثبات تلك الدعوى أو مناقشتها أيضًا؛ شأنهم فى ذلك هو شأنهم مع باقي الدعاوى والتسويغات التى دأبوا على تكرارها اثناء الحرب الجارية على غزة. وقد نفت حماس -باستمرار- هذا الادعاء الذى دأب الإسرائيليون على تكراره فى جميع حروبهم السابقة على غزة.

ففي 2010 -مثلًا- أعد روفين أرليتش، مدير مركز الاستخبارات والمعلومات الإرهابية الإسرائيلي، تقريرًا اتهم فيه حماس باستخدام الأطفال دروعًا بشرية، وإنشاء مراكز قيادة ومنصات لإطلاق صواريخ القسام على مقربة مـن نحو 100 مسجد، وعلى مقربة مـن المستشفيات.

ولم يكتفِ أرليتش بذلك، بل قد شنّ هجـوم “رأس الحربة”ًا حادًا على تقرير المحقق الدولى ريتشارد غولدستون؛ لانه لا يؤيّد مزاعم إسرائيل، واتهمه بأنه “أحادي الجانب ومتحيّز وخادع؛ بما أنه يقبل ادّعاءات حماس”. وفي 2015 أصدرت وزارتا الخارجية والعدل الإسرائيليتان تقريرًا يكرر المزاعم نفسها، ويصف “الإستراتيجية التى اتبعتها حماس” بأنها “نقلت القتال الي المناطق المدنية المأهولة واستخدمت مدنيين دروعًا بشرية”.

وكعادتهم، كرّر المسؤولون الأميركيون مزاعم المسؤولين الإسرائيليين؛ رغم ان هذه المزاعم صادرة مـن جهة هى طرف فى الصراع وخصم. وفي 2018 اتهمت نيكي هايلي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، حركة حماس باستخدام الأطفال “دروعًا بشرية”، وذلك إثر مقتل عشرات الفلسطينيين اثناء تظاهرات فى قطاع غزة، وهو السلوك الذى نشاهده فى الحرب الجارية تمامًا.

  • الامر الثانى: أنه -على العكس مما سبق- ثمة اخبار عديدة صادرة عَنْ مؤسسات ومنظمات دولية ومستقلة تُعنى بحقوق الإنسان، وثّقت استخدام إسرائيل المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية فى أنشطتها الأمنية والعسكرية السابقة، بل إن إسرائيل قد استخدمت -أيضًا- أطفالًا فلسطينيين فى هجماتها على غزة والضفة الغربية المحتلة. بينما منظمة “اليونيسيف” لحماية الطفولة ورعايتها، قد أعدت -قبل اعوام- مشروع تقرير فى ذلك يدين إسرائيل، الامر الذى أثار حفيظة إسرائيل كالمعتاد فشنت هجـوم “رأس الحربة”ًا شديدًا على المنظمة الأممية.

ففي الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005)، استخدمت القوات الإسرائيلية المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية فى نحو 1200 مناسبة، وفق مسؤولين إسرائيليين ومنظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش. وفي حرب غزة 2008-2009 اتهمت منظمة العفو الدولية ومنظمة “كسر الصمت” إسرائيلَ باستخدام المدنيين والأطفال دروعًا بشرية؛ لحماية تمركز القوات اثناء التوغلات فى قطاع غزة، وللسير امام الآليات العسكرية عند اقتحام منزل يُعتقد أنه مفخخ. وفي الحرب على غزة عَامٌ 2014 اتهم مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، إسرائيل بالاستمرار فى استخدام الأطفال الفلسطينيين دروعًا بشرية، وإجبارهم على العمل مرشدين.

وبالرغم مـن ثبوت هذه الوقائع -وقد صدر فى إحداها حكـمٌ قضائي إسرائيلي بحق جنديين استخدما طفلًا فلسطينيًّا درعًا بشريًّا- جرى تكرار المزاعم الإسرائيلية وتبنيها جاء الى المسؤولين الغربيين دون مساءلتها، ويرجع ذلك -كَمَا سبقت الإشارة- الي تحقيق اهداف سياسية وعسكرية، تتمثل فى التحرر مـن القيود التى يفرضها القانون الإنساني الدولى فى الحرب، وعلى رأسها مبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين؛ خصوصًا فى حرب غير تقليدية تجري دَاخِلٌ المدن، وعلى حركة هى ليست دَوْلَةًٌ ولا جيشًا نظاميًّا، وفي منطقه مصنفة ضوء قائمة المناطق الأكثر كثافة سكانية فى العالم، ومن ثم شكلت دعوى “الدروع البشرية” ضرورة بالنسبة للجيش الإسرائيلي وداعميه لتسويغ هذه الحرب، ومنح الجيش حرية أكبر فى الحركة لتحقيق أهدافه المادية؛ بالرغم مـن وقوع آلاف الضحايا مـن المدنيين، وخاصة مـن الأطفال والنساء.

مـن يستخدم الدروع البشرية يلجأ اليها -عادة- لإجبار خصمه على الاحتكام الي ضوابط ذاتية يفرضها على نفسه؛ لضمان الامتثال للقانون الدولى الإنساني، وبهذه الصُّورَةُ يكبح جماح العمل العسكري المضاد، ويقلل مـن فاعلية سلوك العدو فىُعيقه عَنْ تحقيق أهدافه المبتغاة، ويحمي نفسه، لكننا فى غزة امام لون جديد مـن الحرب، وهو استثمار حجة “استخدام الدروع البشرية”؛ لخدمة الأهداف السِّيَاسِيَّةُ والعسكرية، والتغلب على الصعوبات التكتيكية العسكرية المتمثلة فى صعوبة التمييز بين المدني والعسكري؛ نظرًا لعدة خصائص تتمتع بها غزة ألخصها فى الآتي:

  1. الخَصِيصة الأولى: ان الحرب فى غزة تجري فى منطقه ذات كثافة سكانية عاليه جدًّا، ومن ثم فإن اى عمل عسكري يستلزم كلفة إنسانية باهظة، خصوصًا ان الجيش الإسرائيلي يجبن عَنْ المواجهة المباشرة، ويعتمد -بكثافة- على الترسانة العسكرية، والقدرة الفائقة على التدمير عَنْ بُعد.
  2. الخَصِيصة الثانية: ان المواجهة هنا مع “عدو” غير تقليدي، ومن ثم يصعب تمييز المقاتلين مـن المدنيين.
  3. الخصيصة الثالثة: ان طبيعة السلاح البدائي ومحلي الصنع الذى تستخدمه حركات المقاومة، يَحرِم الجيش الإسرائيلي مـن معرفة تفاصيله وأماكنه، ومن ثم يفقد السيطرة فى المعركة؛ خاصة بالنسبة لشبكة الأنفاق التى تحرم الجيش الإسرائيلي مـن إمكان التمييز بين المنشآت العسكرية والمنشآت المدنية. فليس هناك منشآت عسكرية فوق الأرض، كَمَا لا يوجد منصات نظامية لإطلاق الصواريخ؛ لأنها بدائية ومتحركة.

تسهم هذه الخصائص مجتمعةً فى تعقيد الحرب الإسرائيلية على غزة، ومن ثم تتسبب المشكلات العسكرية التكتيكية فى مشكلات قانونية وأخلاقية. فالالتزام بمبدأ التمييز بين المدني والعسكري سيحول دون تحقيق الأهداف المادية للحرب؛ لأن تدمير مجموعه الأنفاق -مثلًا- يعني تدمير الأبنية الكثيفة التى فوقها بمن فيها مـن البشر، ومن ثم كان الإسرائيليون وداعموهم بحاجة ماسّة الي استثمار مصطلح: “استخدام الدروع البشرية” هنا؛ لتحقيق جملة اهداف تتلخص فى الآتي:

  1. الاول: التغلب على المشكلات العسكرية التكتيكية الخاصة بصعوبات الحرب وتعقيدات العدو وأرض المعركة، ومنح الجيش الإسرائيلي حرية أكبر فى الحركة لتحقيق أهدافه العسكرية.
  2. الثانى: الخروج على المعنى التقليدي والقانوني لفكرة “الدرع البشري”، وتسمية تكتيكات المقاومة -وأبرزها الأنفاق- “دروعًا بشرية”؛ لمجرد ان الجيش الإسرائيلي غير قادر على التمييز بين المدني والعسكري، أو تحديد الأهداف العسكرية للعدو؛ ومن ثم رمَى الكره فى ستاد حماس؛ ليغطي على عجزه العسكري والاستخباراتي.
  3. الثالث: التترّس بغطاء قانوني وأخلاقي يتصور أنه يعفيه مـن مسؤولية قتل هذا العدد الضخم مـن المدنيين، وتحميل المسؤولية بالمقابل لحركة حماس؛ لأنها لا تقاتل بشكل واضح ومكشوف للجيش الإسرائيلي، بحيث يتسنى له استهدافها بسهولة، بينما ان المسألة متعلقة بفشل ذريع للجيش الإسرائيلي؛ لانه غير قادر على تحديد أهدافه بدقة، ولا قادر على الالتزام بالقانون الدولى الإنساني فى الحرب (وخاصة حماية المدنيين).

والنتيجة وقوع هذا العدد الهائل مـن الضحايا المدنيين والتسبب فى كارثة إنسانية غير مسبوقة، ومن ثم اختلاق تعليلات عدة لاستهداف المنشآت المدنية، وخاصة المستشفيات والمدارس. مـن تلك التعليلات المختلقة مثلًا: الاعلان حماس صواريخها مـن مناطق مدنية. ومنها أيضًا: استخدام بعض المستشفيات لأغراض عسكرية.

ففي الحرب على غزة سنة 2014 كانَ مستشفى الوفاء أحد الأهداف الإسرائيلية؛ بحجة أنه “مركز قيادة” حماس، وفي الحرب على غزة سنة 2023 كان مستشفى الشفاء أحد ابرز الأهداف الإسرائيلية؛ بحجة أنه “مركز قيادة” حماس!

وكل هذه الذرائع والحجج الواهية يُقصد بها التغطية على فشل إسرائيل العسكري فى مواجهه الصعوبات التكتيكية العسكرية فى هذه الحرب. ولكن الكلفة الإنسانية العالية جدًّا فى هذه الحرب تنقلنا الي مستوى آخر مـن النقاش، وهو النقاش القانوني والأخلاقي بينما يخص “الدروع البشرية”، وهو ما سأعالجه فى المقال القادم بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى