الاخبار العربية والعالمية

دول الساحل بأفريقيا.. تحالف للحكام العسكريين يقرّب موسكو وينأى عَنْ باريس | اخبار سياسة سام نيوز اخبار

دول متقاربة جغرافيا، تجمع بينها تحديات مشتركة، وتربطها وشائج الدين والثقافة والتاريخ، ويحكمها عسكريون وصلوا للسلطة عبر انقلابات متشابهة ويتبنّون عقيدة التمرد والخروج مـن عباءة المستعمر القديم، ولديهم تطلّعات لبناء تكتلات تتجاوز التعاون الأمني والعسكري الي المجال الاقتصادي والثقافي.

هذه هى منطقه “تحالف دول الساحل” الجديـد الذى أنشأته مالي وبوركينا فاسو والنيجر فى سبتمبر/أيلول 2023، الذى جاء فى خضم بتر العلاقة مع باريس التى ظلت حاضرة فى المنطقة بقوة بعد ان منحتها الاستقلال قبل 6 عقود.

ويهدف قادة المجالس العسكرية الي إعادة الاستقلال، وتغيير المعادلة الأمنية والعسكرية فى بلدانهم، عبر خلق علاقات وتوقيع اتفاقيات مع لاعبين جدد فى المنطقة الواعدة بثرواتها المتنوّعة.

الاستقلال الجديـد

يتقاطع الحكام العسكريون حول فكرة التحرر وفك الارتباط مع باريس، وضرورة كتابة استقلال جديد لبلدانهم، التى يرونها محتلة اقتصاديا وثقافيا.

وفي خطابه بمناسبة ذكرى الاستقلال فى نوفمبر/تشرين الثانى 2022 اعلن حاكم بوركينا فاسو النقيب ابراهيم تراوري “لم يحن وقت الاحتفال، فاستقلالنا لم يكتمل؛ لأن أراضينا محتلّة واقتصادنا متعثر” وأكّد تراوري ان الكفاح مـن اجل الاستقلال بدأ.

خطاب تراوري الذى لقي ترحيبا كبيرا فى الأوساط البوركينابية والأفريقية، كان ملهما للجنرال عبد الرحمن تياني رئيس المجلس العسكري الحاكم فى النيجر، الذى صرح بدوره فى مناسبة ذكرى استقلال بلاده يـوم 18 ديسمبر/كانون الاول الحالي، ان الرؤية التى تبدأ منها حكومته فى التحالف مع بوركينافاسو ومالي، تتمثل فى خدمة مصالح الشعوب فى منطقه الساحل مـن اجل تاريخ جديد لأفريقيا مستقلة.

اما دَوْلَةٌ مالي التى انطلقت منها فكرة الانقلابات الثورية، فقد صرح قادتها ان الدستور الجديـد سيكون حاسما فى إعادة تأسيس البلاد واستقلالها.

وفي سبيل التحرر الثقافي نصّ الدستور على ان الفرنسية لم تعُد لغة رسمية للبلاد، وأُبقي عليها لغة عمل فقط.

تكتل جديد

وفي سبتمبر/أيلول الماضي وقّعت كلٌّ مـن مالي وبوركينافاسو والنيجر على ميثاق ليبتاغو-غورما لإنشاء اطار جماعي للتعاون والدفاع المشترك، أُطلق عليه اسم ” تحالف دول الساحل”.

وقد شهدت هذه الدول الثلاث التى تقع فى منطقه الساحل بغرب أفريقيا مجموعه مـن الانقلابات، كان آخرها انقلاب النيجر فى 26 يوليو/تموز الماضي، بينما تلك الانقلابات ومواقف أصحابها سببا فى توتر العلاقات مع باريس، حتـى طُردت قواتها وسفرائها مـن المنطقة.

ورغم ان التحالف الثلاثي جاء فى وقت تشهد فيه النيجر تهديدات متصاعدة مـن المجموعة الاقتصاديه لدول غرب أفريقيا “إيكواس”؛ فإنه لم يقتصر دوره على مواجهه المجموعة فحسب، وإنما شمل التعاون العسكري والأمني للوقوف فى وجه الجماعات المسلحة، التى تعدّ منطقه الساحل مرتعا لمجنديها.

وقد أخذ ميثاق ليبتاغو-غورما (ميثاق تأسيس تحالف الساحل) تسميته مـن اهميه محاربة الجماعات المسلحة.

فليبتاغو-غورما تعني الحدود الثلاثة؛ وهي منطقه مشتركة بين مالي والنيجر وبوركينافاسو، تنتشر فيها الجماعات المسلحة التى ترتبط بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.

وفي مقابلة لاحق له مع نَظِيرِه البوركيني اعلن الجنرال تياني، إن الدعـم المتعدد الأبعاد الذى قدمته بوركينافاسو للنيجر هو الذى مكّن مـن “مقاومة تهديدات المجموعة الاقتصاديه لدول غرب أفريقيا بالتدخل العسكري فى النيجر، ووقف سدّا منيعا امام حصارها المفروض على نيامي”.

بينما بوركينافاسو ومالي قد أعلنتا فى وقت لاحق ان اى اعتداء على النيجر يعدّ اعتداء عليهما.

وفي البيان الختامي المشترك الذى صدر بعد زيارة تياني الي بوركينافاسو فى نوفمبر/تشرين الثانى الماضي، أعلن القائدان العسكريان عَنْ رغبتهما وإرادتهما فى توحيد القوة مـن اجل مواجهه التحديات المشتركة، التى تشكل تهديدا وعائقا امام التنمية الاقتصاديه والاجتماعية بين البلدين.

وفي إشارة الي ضرورة الوقوف فى وجه منظمة “إيكواس” التى سبق وأن اعلنت، إنها ستتدخل عسكريا فى النيجر مـن اجل استعادة السلطة، وأكّد البيان المشترك على ضرورة الاتحاد وأهمية التحالفات، خاصة ان العالم أصبح متعدد الأقطاب ولا تحكمه سوى مصالح الشعوب.

غياب فرنسا

تحالف دول الساحل الجديـد يأتي فى اثناء غياب تام لفرنسا وحضور قوي لروسيا، وهو ما يعني رسميا انتهاء مجموعه دول الساحل الخمس التى رعتها فرنسا فى  2014، وانسحبت منها مالي وبوركينافاسو والنيجر.

وبمجرد ان أُعلن عَنْ التحالف الجديـد لم يبق فى مجموعه دول الساحل سوى عضوين هما: موريتانيا وتشاد.

وبدل ان تعزل فرنسا قادة الدول الثلاث مـن تحالف مجموعه الساحل الخمس؛ فإن الانقلابيين شكّلوا تحالفا دون الحليفين الرسميين لفرنسا: موريتانيا وتشاد.

وقد حدث تقارب كثير بين الدول الثلاث، خاصة فى الموقف مـن فرنسا التى كانـت تسيطر على المنطقة منذ أمد بعيد، التى أُرغمت على سحـب قواتها وكثير مـن استثماراتها الاقتصاديه فى هذه الدول الثلاث.

وفي مشاركته مع الجزيرة نت اعلن الباحث الحافظ الغابد “إن تحالف الساحل الجديـد هو جزء مـن سياسة الهروب للأمام التى تمارسها هذه الدول التى أغرقتها الانقلابات العسكرية فى وحل الأزمات السِّيَاسِيَّةُ والاقتصادية”.

ويضيف ان هذه الدول لن يكون بإمكانها سد فراغ القوات الفرنسية والدولية، بحكم صعوبة الْأَوْضَاعُ وانتشار الحركات المسلحة.

This pool image distributed by Sputnik agency shows Russian President Vladimir Putin greeting Burkina Faso's junta leader Captain Ibrahim Traore during a welcoming ceremony at the second Russia-Africa summit in Saint Petersburg on July 27, 2023. (Photo by Pavel BEDNYAKOV / POOL / AFP)
بوتين (يمين) يستقبل تراوري اثناء زيارة سابقة الي روسيا (الفرنسية)

سد الفراغ

ويعتقد بعض المتابعين للشأن الأفريقي ان روسيا تسعى لسد الفراغ الذى يشكله خروج باريس مـن المنطقة، بينما يرى آخرون ان الوجود الأميركي والصيني هو الآخر أصبح متعاظما فى المنطقة، خاصة القوات الأميركية التى تجعل مـن النيجر قاعدة كبيرة لها.

ويستبعد المراقبون انضمام موريتانيا وتشاد للتحالف الجديـد؛ لانه قائم على العداء مع فرنسا، ويعطي الأولوية للعمل مع موسكو وقواتها الخاصة فى المنطقة فاغنر.

ولم يبق فى مجموعه دول الساحل الخمس -التى أسستها فرنسا- مـن الرؤساء المنتخبين سوى الرئيس محمد ولد الغزواني، الذى اثناء يؤكد فى تصريحاته الإعلامية متانة علاقته بفرنسا، ويرى ان دورها محوري فى استقرار الساحل.

لكن مجموعه التحالف الثلاثي الجديـد لا يتبنون ذلك الطرح ويعدّون ان فرنسا لم ترصد للمنطقة ما كان مأمولا منها، ويؤكد قادة “تحالف الساحل” ان عالم اليـوم لم يعُد يسمح بالولاء المطلق، وإنما المصالح العليا للدول والشعوب هى بوصلة التعاون والشراكة والتنسيق مع اى قوة إقليمية أو دولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى