الاخبار العربية والعالمية

رؤية تركيا لدورها بعد انتهاء الحرب على غزة | آراء سام نيوز اخبار

|

بعد أكثر مـن سبعين يـومًا مـن العدوان “الإسرائيلي” المستمر على قطاع غزة، يبدو ان مواقف مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، قد استقرت على ما هى عليه، دون آفاق لتغيّرات جذرية يمكن ان تطرأ عليها، ومنها الموقف التركي الرسمى.

سقف محدود

بعد ارتباك ملحوظ فى الموقف مـن عملية “طوفان الأقصى”- وتحديدًا بعد بدء العملية البرية لقوّات الاحتلال والتي تخللها، ولا يزال، جرائم حرب تكاد تصل لحدود الإبادة الجماعية – تطوّر الموقف التركي بشكل ملموس باتجاه ترك مساحة الحياد، نحو دعـم الموقف الفلسطيني وإدانة الاحتلال.

وفي مفارقة ذات دلالة، رفضت أنقرة ترتيب حركة حماس بأنها منظمة إرهابية، ووصفت دَوْلَةٌ الاحتلال بأنها “دَوْلَةٌ إرهاب”، ولوّحت كثيرًا بمحاكمة نتنياهو فى المحافل الدولية.

بيدَ ان التغيير بقي حتـى اللحظة ضوء اطار المواقف الخطابية والسياسية دون إجراءات عملية مؤثرة. ذلك ان ما يقع فى الإطار العملي يكاد لا يتجاوز سحـب السفير التركي لدى الاحتلال للتشاور، وليس سحـبًا نهائىًا، كَمَا لم يتم بطاقة حمراء السفير “الإسرائيلي، كَمَا انَّ إلغاء زيارة نتنياهو المفترضة لأنقرة، ووقف التعاون فى مجال الطاقة اثناء الحرب، هما تحصيل حاصل فى أجواء العدوان.

يبدو ان أنقرة ستحاول السعي فى مسار المصالحة الفلسطينية الداخلية، حيـث استضافت، لاحقًا، عدة لقاءات بين حركتي فتح وحماس، كَمَا جمع الرئيس أردوغان قبل اشهر بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية

فى المقابل، فقد أسقطت أصوات حزبَيْ “العدالة والتنمية” الحاكم، وحليفه “الحركة القومية” مقترحَ بعض أحزاب المعارضة بتدقيق البرلمان فى السفن التجارية التى تتجه مـن تركيا لدولة الاحتلال اثناء الحرب، ومدى تأثيرها على قطاع غزة.

وفي هذا الإطار، فقد أوضح مقابلة وزير التجارة التركي عمر بولاط – مع موقع الجزيرة نت -الموقفَ الرسمى مـن التجارة مع “إسرائيل” حتـى اثناء الحرب، حيـث أكّد أنه لا نيّة للقطيعة التجارية أو الاقتصاديه معها، حتـى بينما يتعلق بالتجارة الرسمية جاء الى الدولة؛ (فقد اعلن إن المعظم مرتبط بالقطاع الخاص، ما يعني ان جزءًا رَسْمِيًٌّا “حكوميًا”، ما زال قائمًا)، رغم تأكيده على تراجع حجم التجارة بنسبة تقترب مـن 50 %، يبدو ان القسم الأكبر منه مرتبط بانخفاض الطلب جاء الى دَوْلَةٌ الاحتلال.

وأخيرًا، ما زالت أنقرة تلوّح بمحاكمة نتنياهو عَنْ جرائم الحرب التى ارتكبها، ولكنها لم تخطُ – حتـى لحظة كتابة هذه السطور وبعد أكثر مـن سبعين يـومًا مـن العدوان – خطوة عملية باتجاه تقديم شكوى لمحكمة العدل الدولية، ذات الطريق الأقصر والأكثر جدوى وتأثيرًا، رغم ان بعض الهيئات الحقوقية قد تقدّمت – بينما أعلِنَ – بشكوى للمحكمة الجنائية الدولية، ذات الطريق الأطول، وغير مضمون النتائج.

وفي المحصلة ومع مراوحة الموقف التركي فى مكانه فى الأسابيع القليلة الماضية – رغم استمرار جرائم الاحتلال – يبدو أنه قد جاء سقفه الممكن مـن الناحية السِّيَاسِيَّةُ النظرية والخطابية، ومن الصعب توقع حدوث تغيير جذري عليه فى المدى المنظور، فى حال استمرار الحرب على وتيرتها وشكلها الحاليين.

ما بعد الحرب

فى تفسير ذلك يمكن القول؛ إن الموقف التركي الحالي نتاج جردة حساب لمواقف أنقرة تجاه قضايا المنطقة فى العقد الماضي مـن جهة، ورؤية مستجدة تدفع باتجاه عدم التفرد فى المواقف العملية امام دَوْلَةٌ الاحتلال، والسير بالتوازي والتنسيق مع الدول العربية الفاعلة فى القضية الفلسطينية، وهو ما تجلَّى واضحًا بين طيات التصريحات الرسمية الصادرة عَنْ أنقرة.

وعليه، تنظر أنقرة الي مرحلة ما بعد انتهاء الحرب لتضع نفسها موضع الأداء العملي فى عدة مسارات ميدانية وسياسية. فى مُقَدَّمَةٌ هذه المسارات المساهمة الفاعلة فى إيصال المساعدات ومواد الإغاثة، وهو أمر قد أعدَّت له مستلزماته مـن اثناء قوافل الإغاثة الموجودة حاليًا على الأراضي المصرية، بانتظار السماح لها بدخول غزة، وخطط المستشفيات الميدانية الجاهزة حال الحصول على إذن. كَمَا استضافت أنقرة، فعليًا، عشرات المرضى والمصابين الفلسطينيين مـن مستشفى الصداقة التركي – الفلسطيني المختص بالأورام بعد استهدافه مـن الاحتلال وخروجه عَنْ العمل.

وبالتأكيد هناك مسار إعادة الإعمار الذى سيكون ملفًا شائكًا، وعلى قدر كثير مـن الأهمية على حد سواء. وستكون أنقرة فى هذا المجال طرفًا مقبولًا ومطلوبًا جاء الى الفلسطينيين، وقد لا تضع “إسرائيل” فيتو على مشاركته. كَمَا ان تركيا ذات خبرة واسعة وسمعة جيدة فى هذا المجال.

وبالنظر الي مستوى الدمار فى مجمل محافظات ومناطق القطاع، فثمة حاجة لجهود جبارة لإعادة الإعمار الذى سيُربط بالمسار السياسي، بلا شك، جاء الى الاحتلال، وبعض الدول العربية والإقليمية، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية.

فى المجال السياسي، يبدو ان أنقرة ستحاول السعي فى مسار المصالحة الفلسطينية الداخلية، حيـث استضافت، لاحقًا، عدة لقاءات بين حركتي فتح وحماس، كَمَا جمع الرئيس أردوغان قبل اشهر بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، دون ان يثمر ذلك عَنْ شيء ملموس.

اليـوم، يبدو ان تركيا مقتنعة بأن الْأَوْضَاعُ لن تبقى على حالها فى دَوْلَةٌ الاحتلال، ولا فى الضفة وغزة، ومن هذا المنطلق ستسعى لمحاولة تقريب طرفَي المعادلة الفلسطينية.

وفي هذا الإطار، يمكن فهم زيارة وفد مـن حركة فتح لتركيا قبل أيام بقيادة أمين سر لجنتها المركزية جبريل الرجوب، (الذى أدار حوارات المصالحة لاحقًا مع حماس)، والتي فُهمت على أنها أتت بدعوة مـن أنقرة؛ لمحاولة ترتيـب لقاءات بين الجانبين.

وقد يدعـم هذه الفرضية التصريحاتُ “الإيجابية” بخصوص حماس التى صدرت عَنْ الرجوب اثناء مقابلة مع صحيفة تركية، رغم أنها تتعارض بشكل كثير مع نبرة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ تجاه حماس والمقاومة عمومًا، وفيما يتعلق بإدارة قطاع غزة بعد الحرب على وجه الشأن.

وأخيرًا، وعلى المدى البعيد، تامل تركيا فى ان يكون لها دور فى الترتيبات السِّيَاسِيَّةُ (والأمنية) المرتبطة بإدارة قطاع غزة ما بعد انتهاء الحرب. قد يكون لأنقرة دور ما فى اى صفقة مستقبلية لتبادل الأسرى بين حماس والاحتلال، إلا أنها ترى لنفسها دورًا ابرز بينما يتعلق بالترتيبات السِّيَاسِيَّةُ والأمنية، حيـث تعتقد أنها يمكن ان تحول دون لقاءات مسلحة مستقبلًا.

وهنا، يبرز المقترح التركي الذى يلمس وجود دول ضامنة لكل مـن الطرفين فى غزة وعموم الأراضي الفلسطينية على المدى الطويل. ورغم ان تركيا لم تعلن، حتـى اللحظة، التفاصيل الدقيقه المتعلقة بالمقترح- وربما ما زال المقترح غير مكتمل بشكله النهائى وتفاصيله المتنوعة- فإن الأساس الذى يقوم عليه هو نموذج شبيه بإطار الدول الضامنة، الذى تشارك به فى جنوب القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا، وفي قبرص بين الشطرَين: التركي واليوناني، وبشكل مشابه فى شمال سوريا.

ومن نافلة القول؛ إن موقف الجانبين: الفلسطيني و”الإسرائيلي”، مـن هذا المقترح ليس معروفًا بعد، فضلًا عَنْ توفر فرص لمقترح كهذا فى التطبيق والنجاح، إلا أنه مـن المهم الإشارة الي ان القضية الفلسطينية مختلفة بشكل جذري عَنْ القضايا المذكورة والمطبق فيها نموذج الدول الضامنة، الامر الذى يجعله فى اطار المقترح المطروح للنقاش أكثر منه نموذجًا عمليًا قابلًا للتطبيق.

وفي الخلاصة، فإن الأفق المنظور قد لا يحمل تحدثًا دراماتيكيًا فى الموقف التركي الرسمى مـن العدوان “الإسرائيلي” على غزة، وقد يكون أحد أسباب ذلك ان أنقرة تخطط لمواقف وأدوار لها فى مرحلة ما بعد الحرب لا خلالها، بينما يبدو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى