فى فصل الصيف الحار، يُعتبر البطيخ رمزًا للانتعاش والراحة، حيـث تتناغم مياهه اللذيذة مع درجات الحرارة المرتفعة، ما يجعله رفيقًا مثاليًا لأوقات الاستراحة والاستجمام. ولكن هل فكرت يـومًا فى البطيخ كرمز للمقاومة الفلسطينيّة؟
يمكننا ان نرى فى البطيخ قوة وصمودًا يعكسان إرادة البقاء، فهذه الفاكهة اللذيذة ترتبط بشكل وثيق بالفلسطينيين، إذ تتطابق ألوان العلَم الفلسطيني: (الأسود، والأبيض، والأخضر، والأحمر)، مع ألوان ثمار البطيخ عند تقطيعه شرائح.
رمزية البطيخ فى فلسطين تعود الي عدّة عوامل. على المستوى التاريخي، كانـت زراعة البطيخ منتشرة بشكل كثير فى فلسطين، حتـى باتت جزءًا لا يتجزأ مـن ثقافة وتقاليد شعبها.
وفي أيام العام، لا يتغيب البطيخ عَنْ موائد الفلسطينيين، الذين يفضلون تناوله مع الجبن الأبيض، وخبز “الطابون” التقليدي؛ “نوع مـن الخبز المسطح”، الذى يتم تحضيره فى الأفران الطينية، المعروفة باسم “الطابون”، والتي كان يستخدمها الفلسطينيون قديمًا، وسُمي الخبز نسبه اليها، أو على الحجارة، حيـث إنه عند إشعال النيران تكسبها حرارة عاليه فينضج الخبز بعد ان تَترك الحجارة عليه أشكالًا تشبه الفقاعات الرائعة لتساعد فى جعله طريًا مـن الداخل.
استخدام البطيخ كعلَم
استخدام البطيخ كرمز فلسطيني ليس جديدًا، فقد ظهر هذا الرمز لأوّل مرّة فى عَامٌ 1967، عندما سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة وضمت القدس الشرقية.
وفي أعقاب ذلك، حظرت الحكومة الإسرائيلية حمل العلَم الفلسطينيّ علنًا، واعتبرته جريمة جنائية فى غزة والضفة الغربية.
وكشكل مـن أشكال الاحتجاج، وحتى يتم تجاوز هذا الحظر، بدأ الفلسطينيون فى استخدام البطيخ- الذى يمثل الألوان الفلسطينية- كرمز بديل.
شرع الفلسطينيون فى حمل شرائح البطيخ، وعرضها فى المظاهرات والفعاليات الاحتجاجية كرمز للمقاومة والصمود، ومنذ ذلك الحين، أصبح البطيخ رمزًا شائعًا للمقاومة الفلسطينية.
البطيخ كرمز فني
فى عَامٌ 1993 رفعت إسرائيل الحظر عَنْ العلَم الفلسطيني بعد اتفاقيّة أوسلو، التى نصّت على تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية، ومنح السلطة للفلسطينيين فى جزء مـن الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي مناطق كانـت قد احتلتها إسرائيل فى حرب حزيران/ يونيو 1967، ومع رفـع الحظر اثناءّ البطيخ مترسخًا فى الأذهان.
وفي عَامٌ 2007، بعد الانتفاضة الثانية أنتج الفنانون الفلسطينيون أعمالًا فنية تصوّر البطيخ كرمز للمقاومة، حيـث قام الرسام والناقد الفنى الفلسطيني خالد حوراني بتخليد إرث مقاومة رفـع علم فلسطين عبر تصميم لوحة لكتاب يحمل عنوان: “الأطلس الذاتي لفلسطين”، وسرعان ما اشتهرت اللوحة، فتم تقديمها فى العديد مـن المعارض الفنية حول العالم.
وقد شجع هذا العديد مـن الفنانين الآخرين على ابتكار أعمال فنية تستخدم البطيخ رمزًا للتضامن.
عاد الرمز مجددًا فى عَامٌ 2021، بعد ان أمرت محكمة إسرائيلية بإخلاء عائلات فلسطينية منازلَهم فى حيّ الشيخ جراح، فى القدس الشرقية.
أصبحت رؤية البطيخ- فى العديد مـن الرسوم الكاريكاتيرية والشعارات والملصقات الفلسطينية، والرموز التعبيرية والعديد مـن الحملات النضالية والتوعوية- انعكاسًا لاستخدامه رمزًا حقيقيًا للفلسطينيين والتمسك بالهُوية والأرض وتجسيد قوة الإرادة، والصمود فى وجه التحديات والاحتلال.
البطيخ فى السوشيال ميديا
فى اثناءّ سياسات Facebook وتقييد وصول المنشورات التى تدعم فلسطين، قام روّاد الموقـع باستخدام طرق مبتكرة، مثل: كتابة أحد الأحرف باللغة الإنجليزية عند كتابة المنشورات، ووضع صور البطيخ كوصف للحالة، أو كصورة للحساب الشخصي، وغيرها مـن الطرق للتلاعب بالخوارزميات، وتجنّب الرقابة المحتملة على المنشورات الداعمة لفلسطين أو حجب الحسابات.
إن رؤية البطيخ توحي بالأمل والثبات فى اثناءّ الظروف الصعبة، وتعكس رغبة الفلسطينيين فى الحرية والعدالة وإقامة دولتهم المستقلة، ومهما حاولت إسرائيل قمعهم فسوف يجدون طرقًا أخرى للتعبير عَنْ أنفسهم.
قبل ان أنهي مقالي، مكثت قليلًا على عمليات البحث “غوغل” و”بينغ” و “ياهو” فى أيقونات تستخدم للاحتجاج والمقاومة، مثل: قناع جاي فوكس “فانديتا” المثير للجدل، والذي يرتبط برواية “فى فور فانديتا” التى كتبها المؤلف البريطاني آلان مور، والتي تدور أحداثها فى إنجلترا اثناء مدة ثورة نوفمبر.
يرمز قناع “فانديتا” الي الظلم والمظالم التى يعاني منها الأفراد أو المجتمعات، وكذلك الي رغبة شخص محدد أو أشخاص فى تحقيق العدالة بأي طريقة ممكنة، ايضا شعار: “قبضة اليد” الذى اتخذه عَدَّدَ مـن حركات المعارضة فى الاحتجاجات الشعبية رمزًا لها، فرفعه المحتجون فى “ثورة الأرز” فى لبنان، وفي مظاهرات ثورة الخامس والعشرين مـن يناير فى مصر، وغيرها.
ولكن ما أدهشني فى شعار البطيخ، هو تاريخه الثري، وأنه يمكن ان يكون مـن بين الشعارات القليلة التى تَستخدم شيئًا طبيعيًا ينتمي الي الأرض أكثر منه رمزًا ابتكره مبدعون أو جماعة مـن الناس.
ولفت انتباهي أيضًا أنه على عكس شعارات أخرى فى العالم استهدفت غرضًا فئويًا عابرًا، كـ “السترات الصفراء”؛ احتجاجًا على صعود أسعار الوقود فى فرنسا، والتي سُميت على اسم السترات الصفراء التى يتعين على سائقي السيارات حملها فى سياراتهم عند القيادة حسب القانون الفرنسي.