الاخبار العربية والعالمية

“زخة صواريخ” المقاومة.. كيف راوغت فيزياء قبة إسرائيل الحديدية؟ | علوم سام نيوز اخبار

تخيل أنه تم إلقاء كرة تنس واحده تجاهك، فسيكون مـن السهل عليك التقاطها، وإذا ما تم إلقاء 10 كرات، واحده تلو الاخرى، فيمكنك أيضا التقاطها بنفس الكيفية. لكن إذا تم إلقاء 10 كرات بشكل متزامن، فقد تتمكن مـن إستقبال كرتين -على أقصى تقدير- بينما لن تتمكن مـن الإمساك بالباقي.

بهذا المثال، يوضح الأستاذ المشارك فى بحوث العمليات بجامعة بروك الكندية مايكل أرمسترونغ، كيف تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية بغزة مـن خداع الفيزياء التى يعتمد عليها نظام الدفـاع الصاروخي الإسرائيلي المعروف باسم “القبة الحديدية”.

يقول أرمسترونغ للجزيرة نت، “كَمَا لا يمكن إستقبال سوى كرتين على الأكثر مـن العشر كرات التى ألقيت فى وقت متزامن، فإن الفيزياء التى يعتمد هذا النظام (القبة الحديدية)، فشلت فى التعامل مع (زخة الصواريخ) التى انطلقت مـن غزة باتجاه إسرائيل”.

فيزياء نظام القبة الحديدة الدفاعي يعتمد على رادار يقوم بإصدار إشعاع كهرومغناطيسي فى اتجاه معين (الفرنسية)

ما فيزياء القبة الحديدية؟

مـن جانبه، يشرح يارون غروس مـن معهد “وايزمان” للعلوم فى تقرير نشره قبل عامين، ان “فيزياء هذا النظام الدفاعي تعتمد على رادار يقوم بإصدار إشعاع كهرومغناطيسي فى اتجاه معين، وعندما يضرب هذا الإشعاع صاروخا أو اى جسم متحرك آخر فى طريقه، فإنه ينعكس الي جهاز الاعلان، ويتيح حساب الفترات الزمنية بين الاعلان الإشعاع وامتصاصه بواسطة الكاشف تحديد مكان وجود الجسم، وفي تلك اللحظة، يتعين على النظام أداء مهمتين، حيـث يريد الي تحديد المكان الذى يوشك الصاروخ على الهبوط فيه بسرعة، وحساب المكان الذى يجب الاعلان الصاروخ فيه لاعتراضه على طول مساره”.

ورغم ما يبدو مـن يسر فى هذه الهامة، انطلاقا مـن ان حركة الصاروخ تعتمد على قوى قليلة نسبيا، مثل الجاذبية والسحب، مما يجعل مـن السهل نسبيا حساب مساره والتنبؤ به باستخدام اسس فيزيائية قليلة، فإن هناك عوامل قد تتدخل لتجعل تلك الهامة صعبة للغاية وفق غروس، وهي غياب معلومات مسبقة عَنْ البنية الديناميكية الهوائية للصاروخ، وتفاصيل محددة عَنْ قوى السحب وعزم الدوران المؤثرة عليه، وبالتالي، فإن التحليل الأمثل لحركة الصاروخ يتطلب تتبعا مستمرا لحساب مساره والتنبؤ به، باستخدام خوارزميات متطورة. ويفخر غروس فى تقريره بامتلاك نظام “القبة الحديدية” لهذه الخوارزميات المتطورة.

لكن مايكل أرمسترونغ، وهو صاحب دراسة نشرت فى أكتوبر/تشرين الاول مـن عَامٌ 2014 بدورية “أوبيريشن ريسيرش” عَنْ نظام “القبة الحديدية”، يشرح لـ”الجزيرة نت”، كيف نجحت زخة صواريخ المقاومة الفلسطينية فى تعطيل هذه الخوارزميات.

يقول أرمسترونغ، “عندما يكتشف الرادار فى نظام القبة الحديدية وجود صاروخ فى الجو، يقدر الحاسوب المكان الذى سيهبط فيه الصاروخ، ويقوم بتقديم هذه البيانات الي الشخص الذى يقوم بتشغيل النظام، حيـث يتخذ هذا الشخص قرار إسقاط الصاروخ، ثم يقوم بالضغط على زر الإطلاق، ويطلق الحاسوب صاروخ (تامير) الاعتراضي، ويطير (تامير) باتجاه الصاروخ الهجومي وينفجر، على أمل تدميره، وتحدث هذه الخطوات بسرعة كبيرة ولكن ليس على الفور”.

ويعود الي مثال كرات التنس، موضحا “إذا وصلت الصواريخ، واحدا تلو الآخر، كَمَا فى كرات التنس التى تلقيها على شخص واحده تلو الاخرى، فمن السهل على النظام الاعلان النار عليها جميعا، ولكن إذا جاء عَدَّدَ كثير جدا مـن الصواريخ فى نفس الوقت، فقد لا يستجيب النظام بالسرعة الكافية لإسقاطها جميعا، وهذا ما حدث فى الهجوم الأخير”.

هجـوم “رأس الحربة” الطلقة

ويطلق على هجـوم “رأس الحربة” الصواريخ التى يتم إطلاقها فى وقت واحد اسم “الطلقة”، لذلك فإن “هجـوم “رأس الحربة” الطلقة”، كَمَا تعرفه دراسة نشرتها الدورية الأميركية “جورنال أوف فرانكلين إنستيتوت”، هو ذلك الذى يتم مـن خلاله الاعلان وابل مـن الصواريخ على نفس الهدف فى نفس الوقت.

ويقول أرمسترونغ “لذلك، إذا أراد أحد المهاجمين خسارة نظام (القبة الحديدية)، فيمكنه شن (هجـوم “رأس الحربة” الطلقة)، اى الاعلان العديد مـن الصواريخ على نفس الهدف فى نفس الوقت، على أمل ألا يتمكن النظام الدفاعي مـن الاعلان صواريخ اعتراضية بالسرعة الكافية، وهذا مـن شأنه ان يسمح لمزيد مـن الصواريخ بضرب هدفها”.

وليس معلوما عَدَّدَ الصواريخ التى يمكن لنظام “القبة الحديدية” التعامل معها دفعة واحده، فهذه البيانات هى سر عسكري، كَمَا يوضح أرمسترونغ، لكنه يؤكد ان إسرائيل مـن المؤكد أنها ستستفيد مما حدث فى هذا الصراع لتصحيح تقنية النظام للتعامل مع المزيد مـن الصواريخ، كَمَا ان فصائل المقاومة، ستطور هى الاخرى مـن أدائها، مضيفا “يبدو ان حماس قد تعلمت ما الكم مـن الصواريخ الذى يمكنه مراوغة نظام (القبة الحديدية)”.

والحل الذى قد تلجأ له إسرائيل، هو بناء المزيد مـن القباب الحديدية، ويقول “إذا كان هناك نظامان فى نفس الموقـع، فيمكنهما التعاون للتعامل مع ضعف عَدَّدَ الصواريخ، لكن كل نظام مكلف للغاية”.

إسرائيل تمتلك 10 بطاريات للقبة الحديدية يمكنها توفير تقديم بحجم مدينة امام الصواريخ (رويترز)

10 بطاريات للقبة الحديدية

وتمتلك إسرائيل 10 بطاريات لـ”القبة الحديدية” يمكنها توفير تقديم بحجم مدينة امام الصواريخ التى يتراوح مداها بين 4 و70 كيلومترا، وفقا لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

وكل بطارية قادرة على الدفـاع عَنْ مساحة تصل الي 155 كيلومترا، ويتم وضعها بشكل إستراتيجي حول المدن والمناطق المأهولة بالسكان، وتشتمل البطارية على 3 الي 4 قاذفات، ويمكن لكل قاذفة ان تحمل ما يصل الي 20 صاروخا اعتراضيا.

يقول مدير ومؤسس مركز التحليل الإستراتيجي الأسترالي مايكل شوبريدغ، وهو مركز أبحاث يركز على الدفـاع والأمن فى تقرير نشره موقع مجموعه “إيه بي سي نيوز” الأسترالية، “اعتمادا على عَدَّدَ الصواريخ التى يتم إطلاقها، يجب ان تكون هناك تقديم متداخلة لبطاريات (القبة الحديدية)، فإذا كنت تدافع امام ألف صاروخ قادم، فأنت بحاجة الي ألف صاروخ اعتراضي على الأقل”.

ويوضح ان تكلفة كل بطارية حوالى 157 مليون دولار أميركي، وكل صاروخ اعتراضي حوالى 50 ألف دولار أميركي، وللحفاظ على الصواريخ الاعتراضية، يحدد نظام الرادار بسرعة ما إذا كان الصاروخ فى طريقه لضرب منطقه مأهولة بالسكان، وإذا لم يكن الامر ايضا، يتم تجاهل الصاروخ ويسمح له بالهبوط دون ضرر.

يقول مالكولم ديفيس، وهو محلل كثير فى إستراتيجية الدفـاع بمعهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي، فى نفس المقال الذى نشره موقع مجموعه “إيه بي سي نيوز” الأسترالية، إن “تنفيذ طريقة هجـوم “رأس الحربة” الطلقة، فضلا عَنْ أنه يشل قدرة القبة الحديدية، فإن تكلفة الصاروخ الاعتراضي الذى يستخدمه هذا النظام، يجعل هناك خسائر مادية كبيرة، عند تنفيذ هذا الأسلوب”.

وتقول كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- إنها اطلقت حوالى 5 آلاف صاروخ على إسرائيل فى حوالى 20 دقيقة، بينما قدر جيش الاحتلال الإسرائيلي عددها بـ 2200 صاروخ، لكنه لم يكشف عَنْ عَدَّدَ الصواريخ التى تم اعتراضها.

وربما تحمل تصريحـات أستاذ الهندسة والتكنولوجيا وسياسة الأمن القومي فى برنامـج العلوم والتكنولوجيا والمجتمع فى معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بأميركا ثيودور بوستول، تفسيرا لسبب عدم إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي.

يقول بوستول الذى زوّد “الجزيرة نت” بصور تكشف فشل منظومة القبة الحديدية، “توصلت قبل اعوام لاستنتاجات عامة تدور حول فشل أداء القبة الحديدية، ولم تتغير تلك الاستنتاجات بأي حال مـن الأحوال بناءً على تحديثي المستمر للأدلة على أدائها، فالعديد مـن الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيـديو مـن الاحداث الاخيره، تدعم تماما الاستنتاج القائل إن نسبه اعتراض القبة الحديدية منخفضة جدا، ربما أقل مـن 4 أو 5% أو حتـى أقل”. ويضيف “كَمَا ترى فى الصور بوضوح الفشل فى التعامل مع 3 صواريخ مدفعية بعيدة المدى وصلت الي تل أبيب”.

نظام القبة الحديدية يخلق إحساسا زائفا بالأمن (رويترز)

إحساس خادع بالأمان

وفي إشارة الي ان نظام “القبة الحديدية” رغم الفيزياء المتطورة له، لا يوفر الحماية الكاملة، يقول بافل بودفيغ بمركز الأمن والتعاون الدولى بجامعة ستانفورد الأميركية للجزيرة نت “مـن المعروف ان اى نظام دفاعي، سواء كان القبة الحديدية أو اى شيء آخر، يمكن التغلب عليه، فهي مجرد مسألة عَدَّدَ الصواريخ التى يمكن للمهاجم إطلاقها، ولأنه عادة ما يكون الدفـاع أكثر تكلفة مـن الهجوم، لذلك يمكن للجانب المهاجم دائما اختراق الدفـاع إذا كانـت لديه القدرة على بناء عَدَّدَ كثير بما فيه الكفاية مـن الصواريخ”.

ولهذه المبررات التى ذكرها الخبراء، يقول تقرير هندسي نشره موقع “إنترستينغ إينجينيرنغ” تعليقا على نجاح صواريخ حماس فى اختراق القبة الحديدية، “تم الترحيب بنظام القبة الحديدية باعتباره أعجوبة تكنولوجية ومنقذًا لحياة إسرائيل، لكنه فى الحقيقة يخلق إحساسا زائفا بالأمن، وقد وضح هجـوم “رأس الحربة” حماس نقاط الضعف فيه، وحقيقة أنه لا يمكن لأي نظام دفاع جوي ان يضمن الحماية الكاملة مـن الصواريخ”.

وقبل اعوام، توقع تقرير نشره الموقـع الإلكتروني لجامعة نبرة بإسبانيا هذا السيناريو الذى حدث فى الهجوم الأخير، وقال إنه “بينما توفر القبة الحديدية فى الوقت الحالي إحساسا بالأمن، فإنه لا يمكن توقع استمرار الامر على هذا النحو الي الأبد، فعلى الرغم مـن فعالية النظام، فإنها مسألة وقت فقط الي ان يطور الآخرون تكتيكات أو يكتسبوا التكنولوجيا اللازمة للتغلب عليه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى