شبح المجاعة فى غزة.. اثناء توفّر القمح تعطّلت المطحنة | سياسة سام نيوز اخبار
غزة- قبل 7 أيام “عجاف” اشترى الفلسطيني أمجد مصلح، 25 كيلوغراما مـن القمح المخصص لإطعام المواشي، وانطلق بها نحو مطحنة قديمة تقع بمخيم المغازي وسـط قطاع غزة، على أمل تحويله الي دقيق، مـن اجل إطعام أفراد عائلته الجوعى.
لكنّه سرعان ما أدرك أنه امام عملية شبه مستحيلة، نظرا لتوقف المطحنة عَنْ العمل جراء عدم توفر السولار اللازم لتشغيلها، وعدم قدرتها على التعامل مع الكميات الكبيرة مـن القمح.
ورغم خيبة أمله الكبيرة، قرر مصلح عدم التراجع، واستمر لليوم السابع على التوالي، مرابطا امام المطحنة، على أمل ان يحصل على بعض الدقيق.
وبينما هو جالس على كيس القمح فى طابور الانتظار، اعلن مصلح بضجر للجزيرة نت “أَنتظر منذ أسبوع، أنام هنا، لانه لا يوجد طحين بالمنزل، الأطفال لا يأكلون، لا يوجد شيء يأكلونه، والمطحنة دون سولار”.
ويعصف شبح المجاعة بقطاع غزة المحاصر الذى يقابل عدوانا إسرائيليا مروعا منذ السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الماضي تسبب بمعاناة كبيرة للسكان، حيـث لم تسمح قوات الاحتلال بإدخال اى بضائع للقطاع، عدا عشرات الشاحنات التى تحمل مساعدات تستلمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
كارثة القمح والطعام
يعاني أهالي قطاع غزة بشكل حصري مـن عدم توفر طحين القمح اللازم لإعداد الخبز، بالإضافة الي أغلب أنواع الأطعمة.
وارتفع سعر القمح غير المطحون فى السوق، فبعد ان كان ثمن الكيس بوزن (25 كيلوغراما) 90 شيكلا، أصبح يباع ما بين 130 الي 170 شيكلا (الدولار= 3.75 شواكل).
ويقول العديد مـن الفلسطينيين المنتظرين لدورهم فى الطابور امام المطحنة، إن القمح المتوفر مخصص لإطعام المواشي ولا يصلح للاستخدام البشري، لكنهم اشتروه مضطرين لعدم توفر البديل.
ولم يتسنّ للجزيرة نت التحدث لمالك المطحنة التى أغلقت أبوابها، أو أحد العاملين فيها، لعدم وجودهم فى المكان.
شح المواد التموينية
وذكر مصلح ان المطحنة صغيرة وقديمة، وتعمل ببطء شديد، وهي غير مجهزة للتعامل مع هذه الكميات الكبيرة مـن القمح، كَمَا ان انقطاع الوقود، يُعطّل عملها بشكل كامل.
وأضاف “منذ 10 أيام، لا خبز لدي فى المنزل، لا أنا ولا أولادي، وكل الناس مثلنا، نبحث عَنْ بدائل مثل الأرز، لكن أسعاره ارتفعت بشكل كثير، وأصبح أيضا غير متوفر فى السوق”.
وأدى شحّ المواد التموينية كالأرز والسكر والعدس، الي صعود أسعارها بشكل كثير، جاء فى بعض الأحيان الي 5 أضعاف ثمنها الأصلي.
وأشار أمجد مصلح الي أنه يقيم فى مركز إيواء بمخيم المغازي بعد نزوحه مـن شمالي القطاع، برفقة 45 شخصا مـن أفراد عائلته، مضيفا “نحتاج كل يومين كيس طحين وزنه 25 كيلوغراما، أقسم بالله ان الأطفال ينامون دون أكل”.
وانهي بالقول “نعيش فى مجاعة فعليا ولا أحد يساعدنا، أنا أبيت هنا، فى هذا المكان، وأتحمّل كل هذا مـن اجل أطفالي، أتمنى ان ينظر إلينا العالم بعين الرحمة”.
تناوب على الدور
ويبدو ان الشاب ديب حسين، افضل حالا مـن مصلح، حيـث يتناوب مع شقيقه على الانتظار فى الدور الطويل. وقال للجزيرة نت “أنتظر هنا مـن فجر الامس وبعد قليل سأغادر كي أرتاح قليلا، ويأتي أخي ليحل محلي، لن نغادر حتـى نطحن القمح”.
وبينما كان مستلقيا على فرشة جلبها معه بغرض المبيت بجوار المطحنة، يسرد حسين جانبا مـن المعاناة التى يتكبدها الأهالي فى توفير الطعام.
وأضاف “لا نجد ما نأكله أو نطعمه لصغارنا، نحن فى معاناة وندفع مواصلات عاليه، ولا توجد مياه نشربها، ولا بضائع ولا مساعدات مـن الوكالة (أونروا)، كيس الطحين أصبح ثمنه ألف شيكل وهو غير متوفر أصلا”.
ويتابع “نَجري لشراء القمح مـن السوق، لكننا غير قادرين على طحنه، ونبحث عَنْ المساعدات لكننا لا نجدها، ننتظر أسبوعا فى طابور لطحن القمح وحينما يقترب دورنا، تُغلق المطحنة أبوابها”.
وأشار الي ان عملية طحن كيس القمح (25 كيلوغراما)، فى حال نجاحها مكلفة للغاية، وقد تصل الي 200 شيكل بعد احتساب ثمن المواصلات، بينما ان ثمن الكيس قبل الحرب كان لا يتجاوز 50 شيكلا.
وتابع “نحن فى مجاعة، ما يحدث معنا حرام، تحولتُ مـن تاجر ملابس الي شخص ينام فى الشوارع رغم البرد لطحن كيس دقيق، الجمهور جاع، وهناك نساء فقدن المعيل، وأزواجهن تحت الأنقاض ولا يجدن الطعام”.
ذُل وعجز
وكغيرها مـن الموجودين، اشترت السيدة نوال أبو عجرم كيسا مـن القمح مـن مخيم النصيرات المجاور بـ160 شيكلا، وتمكنت بصعوبة مـن توفير عربة تجرها دابة لإيصاله للمطحنة، بتكلفة 30 شيكلا، على أمل ان تتمكن مـن طحنه، لكنها فشلت فى مهمتها.
وقالت نوال للجزيرة نت “مـن الامس أنتظر طحن القمح حتـى أطعم أولادي، أنا نازحة مـن الشمال وزوجي وبقية أولادي هناك ولا أعرف عنهم اى شيء، هل هم أحياء أم أموات؟”.
وذكرت أنها تقيم فى المحافظة الوسطى برفقة اثنين مـن أبنائها وشقيقة زوجها المريضة، ولا تتمكن مـن توفير الطعام لهم.
وأضافت “أنا امرأة غريبة فى هذا المخيم، ولا أعرف أحدا، الامس بكيت كثيرا على هذا الباب، قلت له (لصاحب المطحنة): إذا لم أطحن القمح لأولادي، فمن أين أطعمهم؟! لا أعرف أحدا هنا غير أناس يستضيفوننا فى منزلهم”.
وعبّرت السيدة الفلسطينية عَنْ شعورها بالذل، والعجز عَنْ “فعل اى شيء”، خاتمة حديثها بالقول “نحن فى مجاعة”.
باع القمح كَمَا اشتراه
ويبدو ان الشاب حسين أبو نصر، قد فقد فُسحة الأمل التى تُعين رفاقه فى طابور الانتظار الطويل على ضيق العيش، حيـث قرر الاستسلام وبيع جميع القمح الذى اشتراه.
وبينما كان ينادي بأعلى صوته “قمح للبيع”، اعلن “اشتريت قمحا وجئت كي أطحنه، لكني مـن أسبوع أبيت هنا، ولذلك قررت بيعه والعودة للبيت، البعض يشتري ربما هم يستطيعون طحنه”.
وذكر أبو نصر للجزيرة نت، وهو نازح مـن مخيم جباليا، شمالي القطاع أنه يبيع كيس القمح كَمَا اشتراه بـ130 شيكلا، مؤكدا ان استسلامه هذا ليس حلا، حيـث ان منزله يفتقد تماما لأي كمية مـن الطحين كي يطعم أسرته.
ويختم بالقول “الناس تأتي وتبيت هنا، أنظر الي الفرشات والأغطية، لكني أصبت باليأس وسأعود للمنزل بعد بيع القمح”.