الاخبار العربية والعالمية

ضرب مطاحن غزة.. وقائع حرب التجويع الإسرائيلية للفلسطينيين سام نيوز اخبار

ضوء حملتها الواسعة امام قطاع غزة، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا مطاحن السلام فى دير البلح وسـط القطاع، وأسفر القصف عَنْ تدمير صوامع الدقيق والقمح كيفما أدى الي خروج المطحنة مـن الخدمة، وبعدها ألحقت أضرارا كبيرة بمطاحن خان يونس، أكبر مخازن الدقيق فى غزة، ما فاقم مـن الأزمة الغذائية والإنسانية. يُذكر ان مطاحن السلام هى شركة مساهمة محدودة، وتعود فكرة إنشائها الي عَامٌ 2000 بهدف توفير الدقيق للقطاع والاستغناء عَنْ إسرائيل، وبدأت المطاحن بالإنتاج الفعلي عَامٌ 2002 بقدرة إنتاجية بلغت 120 طنا/24 ساعة، قبل تطويرها ووصول القدرة الإنتاجية الي 400 طن فى الوقت الحالي (1) (2).

هذا وقد صرح المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فى 5 نوفمبر/ تشرين الثانى الحالي، ان الحصول على الخبز فى قطاع غزة بات يُشكِّل تحديا بالغا، وأن المطاحن فى غزة غير قادرة على طحن القمح بسـبب نقص الوقود والكهرباء. وأشار المرصد الي ان الاحتلال قصف ودمّر 11 مخبزا منذ 7 أكتوبر/تشرين الاول، بينما يصطف السكان لساعات طويلة امام المخابز المتبقية ويتعرضون للغارات الجوية مـن اجل الحصول على بضعة أرغفة مـن الخبز.

 

ويذكر المرصد أيضا ان الاحتلال سمح بدخول نحو 2% فقط مـن المساعدات والإمدادات الغذائية الي غزة مـن اثناء معبر رفح، بينما يتعمد قصف آبار وخزانات المياه ومنها بئر وخزان تل الزعتر فى شمالي قطاع غزة، وهما اللذان يغذيان أكثر مـن 70 ألف شخص فى القطاع. ويحذر المرصد مـن اقتراب مجاعة واسعة النطاق فى غزة مع استمرار حرب التجويع الإسرائيلية، التى تشمل تدمير المنطقة الزراعية شرقي غزة وقوارب الصيادين فضلا عَنْ مهاجمة مراكز تموين المنظمات الإغاثية (3).

 

سياسة الجوع طويل الأمد

سياسة التجويع وإتلاف الأراضي الزراعية لا تُعَدُّ شيئا جديدا فى أعراف دَوْلَةٌ الاحتلال؛ يذكر المركـز الفلسطيني لحقوق الإنسان فى غزة ان الاحتلال أتلف قرابة 13500 دونم مـن الأراضي الزراعية (ما يزيد على 3000 فدان)، منذ بداية انتفاضة الأقصى فى سبتمبر/أيلول 2000 وحتى يوليو/تموز 2001 (اثناء نحو 9 اشهر فقط)، وهو ما يُمثِّل 7% مـن إجمالي المساحة الزراعية آنذاك فى القطاع (4).

 

وتشير التقارير الي ان طائرات الاحتلال دأبت على رشّ الأراضي الفلسطينية بالمبيدات السامة بانتظام ومنهجية، وبمعدل مرتين سنويا على الأقل، وعادة ما يكون ذلك اثناء شهر ديسمبر/كانون الاول لإتلاف المحاصيل الشتوية، ثم فى شهر أبريل/نيسان للقضاء على المحاصيل الصيفية (6)، مما أدى الي تدمير 14 ألف دونم ما بين أعوام 2014-2018. كَمَا ترصد التقارير أثر تلك المبيدات على صحة المزارعين الذين باتوا يعانون مـن أمراض الصدر والجلد، ايضا نفوق الدواجن والماشية فى أعقاب عمليات الرشّ الجوي.

 

على سبيل المثال، وفي مارس/آذار 2022 وعلى مدار أربعة أيام (5)، ألقت طائرات رشّ المحاصيل الإسرائيلية مبيدات أعشاب فى المناطق المحاذية للسياج الممتد مـن بيت حانون شمال القطاع وحتى رفح جنوبا، بعدما أكدت أعمدة الدخان الأسود التى تُستخدم عادة قبل عملية الرش لتحديد اتجاه الرياح ان الرياح سوف تحمل تلك المبيدات غربا الي أراضي المزارعين فى غزة، بينما أوضح أحد المزارعين ان الطائرات تتوقف فورا عَنْ تنفيذ عمليات الرش الجوي اثناء تحدث الرياح اتجاهها الي الشرق.

وبشكل مماثل، اعتاد الاحتلال إغراق الأراضي الزراعية فى غزة مـن اثناء فتح “عبّارات” مياه الأمطار خلف الشريط الحدودي شرق مدينتي خان يونس ودير البلح جنوب ووسط القطاع، الامر الذى يتكرر موسميا فى فصل الشتاء (7). بينما تذكر دراسة أشرف عليها معهد المياه والبيئة فى جامعة الأزهر فى غزة (8) ان الاستخدام المفرط للذخيرة إبان قصف القطاع فى يوليو/تموز 2014 (الذى جاء الي 36 ألف طن مـن القذائف) تسبب فى حدوث 7473 حفرة فى المناطق الزراعية، كَمَا أشار تحليل العينات للتربة الزراعية الي ان القذائف تسببت فى زيادة نسبه المعادن الثقيلة، مثل الكروم والكادميوم والنيكل والكوبالت والنحاس، وهي المعادن التى تنتقل مـن التربة الي المزروعات ثم الي الإنسان وتؤدي الي عَدَّدَ كثير مـن الأضرار الصحية، أبرزها تلف الكلى والكبد وهشاشة العظام وأمراض الجهـاز العصبي والسرطان والسكري، ويتأثر الأطفال بصورة أكبر حال التسمم بتلك المعادن.

 

 

سياسة تقليص السعرات الحرارية

“كيف يحكم إنسان سلطته على إنسان آخر يا ونستون؟ أجابه ونستون: بأن يجعله يقاسي الألم، يجعله يعاني”.

جورج أورويل – رواية 1984

وإلى جانب ما يُحدثه التدمير المتعمّد للأراضي الزراعية الفلسطينية مـن نقص فى الموارد وتفشي الأمراض وانتشار سوء التغذية بين السكان (الذى يقدر المرصد الأورومتوسطي ان انتشاره جاء الي 90% بين أهل غزة)، فإن أحد الأهداف الرئيسية مـن إتلاف الأراضي يتمثل فى رغبة الاحتلال فى الحفاظ على الهيمنة على الأراضي والموارد (9). وبحسب تقرير صادر عَنْ منظمة “هيومن رايتس ووتش”، تسعى السلطات الإسرائيلية الي احتكار السيطرة على الأراضي والموارد الطبيعية تزامنا مع السيطرة الديموغرافية، ويدلل المقال على ذلك مـن اثناء تعهدات رئيس وزراء إسرائيل السابق “إسحاق رابين” عَامٌ 1985 (وكان يشغل آنذاك منصب وزير الدفـاع) الذى تعهد بـ”أنه لن تكون هناك تنمية للفلسطينيين فى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولن تُعطى تصاريح لتوسيع الأنشطة الزراعية أو الصناعية هناك”.

 

وبالإضافة الي تاريخ الاحتلال الطويل فى إتلاف الأراضي الزراعية، تشير إحدى وثائق وزارة الدفـاع الإسرائيلية المنشورة بموجب قرار المحكمة (10) الي ان جيش الاحتلال أجرى حسابات دقيقة لمعرفة متطلبات سكان غزة مـن السعرات الحرارية يوميا اثناء حصاره الأراضي الفلسطينية ما بين عامي 2007-2010، وكان ذلك بغرض تقييد كميات الطعام وتحديد الإمدادات الغذائية للضغط على حماس. وتشير إحدى البرقيات الدبلوماسية الأميركية المُرسلة اثناء مدة الحصار، التى وضح عنها موقع ويكيليكس عَامٌ 2012، ان دبلوماسيين إسرائيليين أبلغوا نظراءهم فى أميركا بـ”أنهم يريدون إبقاء اقتصاد غزة على حافة الانهيار”.

 

أميركا.. الخصم والحكم فى الوقت ذاته!

U.S. President Joe Biden meets with Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu and the Israeli war cabinet, as he visits Israel amid the ongoing conflict between Israel and Hamas, in Tel Aviv, Israel, October 18, 2023. REUTERS/Evelyn Hockstein
تتغافل أميركا عما تقوم به دَوْلَةٌ الاحتلال مـن تجويع فى حق الجمهور الفلسطيني. (رويترز)

هذا ويحظر القانون الدولى الإنساني استخدام التجويع أسلوبا مـن أساليب الحرب. ايضا تدينه المادة 14 مـن البروتوكول الإضافي الثانى لاتفاقيات جنيف الخاصة بحماية ضحايا النزاعات، وتنصّ على أنه “يحظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل المواد التى لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية ومنشآت مياه الشرب”. وفي مايو/أيار 2018، أصدر مجلس الأمن قرارا يدين استخدام تجويع المدنيين أسلوبا مـن أساليب القتال، ونوّه بأن القانون الدولى الإنساني يحظر الحرمان مـن وصول المساعدات الإنسانية وحرمان المدنيين مـن الأشياء التى لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما فى ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة فى حالات النزاع المسلح (11).

 

أعاد مجلس الأمن التأكيد على هذه الامور مجددا فى بيـان بتاريخ 3 أغسطس/ آب 2023، بينما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عبر موقعها الرسمى ان البيان هو “ثمرة الجهود الأميركية”، وعلّق “أنتوني بلينكن” وزير الخارجية الأميركي على ذلك بقوله: “هذا المجلس مسؤول عَنْ الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، ولا يسعنا الحفاظ على السلام والأمن بدون تعزيز الأمن الغذائي” (12). فى الوقت نفسه تتغافل أميركا عما تقوم به دَوْلَةٌ الاحتلال مـن تجويع فى حق الجمهور الفلسطيني، ويجدر التنويه الي كون التجويع سياسة أميركية تعود جذورها الي قانون “فرانسيس ليبر” المعروف بـ”تنظيم سلوك جنود الاتحاد فى الحرب الأهلية”، والذي أباح لجنود الاتحاد تجويع المتحاربين المعادين، المسلحين والمدنيين على حدٍّ سواء اثناء الحرب الأهلية الأميركية (13).

EDITORS NOTE: Graphic content / People carry bags of bread as they stand in front of a building destroyed by Israeli strikes in Gaza City on October 28, 2023. Israeli air strikes destroyed hundreds of buildings in the Gaza Strip overnight, the civil defence service in the Hamas-controlled Palestinian territory said on October 28. (Photo by MOHAMMED ABED / AFP)
يحظر القانون الدولى الإنساني استخدام التجويع أسلوبا مـن أساليب الحرب. (الصُّورَةُ: الفرنسية)

ويُعَدُّ قانون “ليبر” أول قوية مكتوبة تحرض على استخدام آلية التجويع اثناء النزاعات. وتشير منظمة الصليب الأحمر (14) الي ان القراءة الدقيقه لقانون ليبر تؤكد ان قوانين وأعراف الحرب فى تلك الفتره لم تتضمن اى قواعد لحماية الأشخاص الخاضعين لسلطة العدو، ولا سيما أسرى الحرب وسكان الأراضي المحتلة.

 

يعدُّ “ليبر” أحد ابرز المنظرين الذين رسخوا لفكرة إلحاق الضرر بالمدنيين مـن اجل إنهاء الحرب. وتعمل تنظيرات “ليبر” على فكرة “ان مـن الأخلاقي استخدام وسائل وحشية لإنهاء حرب عادلة”. وفي عَامٌ 1863 قامت وزارة الحرب الأميركية بالاستعانة به فى صياغة مدونة سلوك الجنود التى عُرفت فى وقت لاحق باسم قانون “ليبر”. ولا تزال النسخه الحالية مـن دليل قانون الحرب الصادر عَنْ وزارة الدفـاع الأميركية تشيد بقانون “ليبر”، واصفة إياه بأنه “قوية قانون الحرب الأساسية للولايات المتحدة”، رغم أنها تعترف ان “أجزاء منه لم تعد تعكس القانون الحالي”.

———————————————————————–

المصادر:

1) مأساة إنسانية تتفاقم.. الحرب والمجاعة والأوبئة تجتمع على غزة.

2) شركة مطاحن السلام، دير البلح، غزة.

3) تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، 5 نوفمبر/تشرين ثاني 2023.

4) المركـز الإسرائيلي لحقوق الإنسان فى الأراضي المحتلة “بتسليم”، فبراير/شباط 2002.

5) The Cradle March 2022.

6) المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أبريل/نيسان 2020.

7) وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، ديسمبر/كانون أول 2022.

8) Soil and Rubble Pollution with Heavy Metals in the Gaza strip, Emad Ali, Institute of water and environment.

9) تقرير منظمة حقوق الإنسان، أبريل/نيسان 2021.

10) The Gurdian, Oct. 2012.

11) بيـان رئاسي مـن مجلس الأمن الدولى بخصوص المجاعة وانعدام الأمن الغذائي العالمي الناجم عَنْ الصراع، مايو/أيار 2018.

12) U.S Department of State, Aug. 2023.

13) قانون “ليبر” (صفحة رقم 8).

14) اللجنة الدولية للصليب الأحمر 1997.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى