طموحات تصطدم بالواقع.. جدوى مشروع الازدواج الكامل لقناة السويس | اقتصاد سام نيوز اخبار
القاهره– أثار إعلان رئيس هيئة قناة السويس المصرية النادي أسامة ربيع، عَنْ دراسة مشروع يتم بمقتضاه الازدواج الكامل للمجرى الملاحي البحري تساؤلات حول التكلفة والعائد وأبعاد التوقيت؛ فى ضوء الأزمة الاقتصاديه التى تعيشها بلاده حاليا، والتراجع الحاد فى إيرادات القناة لأسباب منها تصاعد التوتر فى البحر الأحمر.
وقال النادي ربيع، إن المشروع ما زال فى مرحلة الدراسة، التى تجريها الهيئة بالتعاون مع شركات استشارية عالمية متخصصة وسيتم الانتهاء منها اثناء 16 شهرا تمهيدا لعرض المشروع على الحكومة المصرية، على ان يُوفر التمويل اللازم لتنفيذ المشروع مستقبلا مـن الموازنة الاستثمارية للهيئة المعتمدة مـن وزارة المالية، دون تحميل اى أعباء إضافية على الموازنة العامة للدولة.
وفي اثناء تسبب الإعلان فى حدوث حالة مـن الجدل على منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ورافض ومشكك فى جدوى المشروع، خرج رئيس الهيئة فى مداخلات تلفزيونية لـ”طمأنة” المواطنين، بيد أنه شدد على ان قناة السويس تمضي قدما نحو استكمال إستراتيجيتها الطموحة فى تطوير المجرى الملاحي، محذرا فى الوقت نفسه مـن خسارة المزيد مـن عوائد مرور السفن بحلول عَامٌ 2030 إذا لم يتم تنفيذ المشروع.
ما دوافع مصر مـن مشروع الازدواج الكامل للقناة؟
حسب البيانات والتصريحات الرسمية، فإن المشروع:
- لم يأت فجأة، وهو مـن مقترحات المشاريع السابقة لتصحيح حركة الملاحة فى القناة.
- أصبح ضرورة بسـبب نمو حركة التجارة العالميه وزيادة أعداد السفن العابرة بقناة السويس.
- يعمل رفـع ترتيب القناة وزيادة قدرتها العددية والاستيعابية لكافة فئات وأحجام سفن الأسطول البحري العالمي.
- الحفاظ على المركـز التنافسي لقناة السويس امام الطرق المنافسة والبديلة سواء البحرية أو البرية.
ما علاقة المشروع بتفريعة 2015 (قناة السويس الجديدة)؟
فى أغسطس/آب 2015 افتتح مشروع “قناة السويس الجديدة” وهو تفريعة موازية للقناة بطول 35 كيلومترا، كلفت 8.2 مليارات دولار، واستهدفت الحد مـن المدة التى تقضيها السفن للعبور مـن 18 الي 11 ساعة لتعزيز الطاقة الاستيعابية للناقلات البحرية.
ولتمويل المشروع، جمعت الحكومة مـن المصريين نحو 64 مليار جنيه فى شكل شهادات استثمار، كلفت الميزانية العامة للدولة 7.6 مليارات جنيه سنويا لمدة 5 اعوام، كعائد لأصحاب الشهادات، ايضا اقترضت هيئة القناة نحو 850 مليون دولار مـن البنوك المصرية لتمويل باقي أعمال البنية التحتية.
ويعد مشروع الازدواج الكامل للمجرى الملاحي استكمالاً للتفريعة الموازية، وهو يعمل مد “التفريعة” 50 كيلومترا شمالا و30 كيلومترا جنوبا، وتقدر تكلفته المبدئية بنحو 22 مليار جنيه، وفق تصريحـات متلفزة لرئيس هيئة قناة السويس.
ووفق تصريح لاحق للرئيس عبد الفتاح السيسي استهدفت التوسعة الجزئية للقناة عَامٌ 2015 “رفـع الروح المعنوية للشعب”، الامر الذى وضع ذلك المشروع محل انتقادات شديدة وقتها بدعوى أنه لم يحظ بالدراسات الكافية وجرى تنفيذه اثناء عَامٌ واحد بتكلفة كبيرة، وأنه أسهم فى أزمة العملة وارتفاع أعباء الديون، وهو ما أثار مخاوف مـن تكرار الامر فى مشروع الازدواج الكامل للمجرى الملاحي، خاصة ان مصر لم تخرج بعد مـن أزمتها الاقتصاديه.
ما جدوى الازدواج الكامل لقناة السويس؟
وفق تصريحـات النادي ربيع، إذا اثبت الدراسات عدم جدوى المشروع وبالتالي لن يتم تنفيذه، فإن قناة السويس ستخسر بحلول 2030 عوائد مرور أكبر عَدَّدَ مـن السفن، مع استمرار طول مدة الانتظار، وعدم تحقيق الأمان الكامل لحركة المرور وتجنب إغلاق القناة وتعطل حركة التجارة العالميه، كَمَا حدث اثناء أدى جنوح ناقلة الحاويات العملاقة “إيفرغيفن” بقناة السويس فى مارس/آذار 2021.
فى المقابل، يعتقد أستاذ الاقتصاد السياسي عبد النبي عبد المطلب، ان ازدواج القناة يعد “مشروع القرن” بالنسبة لمصر وتعزيز مكانتها فى حركة التجارة الدولية ومواجهة جميع محاولات تدشين مسارات وممرات بديلة.
بيد أنه استدرك -فى حديث للجزيرة نت- بالقول إن مشكلة المشروع تكمن فى توقيت عرضه، وبالتالي الإعلان عنه والتفكير فيه يعد “خطأ كبيرا” فى اثناء الظروف المحليه والإقليمية الراهنة المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وعدم التنبؤ بمساراته، وما صاحبه مـن التهديد الكبير لحركة الملاحة فى البحر الأحمر، والذي قد يمتد عاما أو أكثر.
كَمَا ان مصر، وفق عبد المطلب، تعاني مـن مشاكل اقتصادية حقيقية، تتمثل فى عدم القدرة على توفير العملات الصعبة وخامات ومستلزمات الإنتاج، وبالتالي لو ان لدى الموازنة العامة للدولة استثمارات وفوائض، فمن الأجدى ان توجه الي مجالات التصنيع والزراعة، ولو كانـت لدى هيئة قناة السويس فوائض مالية فإن الأجدر توجيهها الي تنمية محور القناة وإقامة منطقه لوجستية أو منطقه تجارة حرة عالمية.
وممسكًا بالخيط ذاته، يقول الباحث المصرى فى الاقتصاد السياسي مصطفى يوسف، إن “الاقتصاد المصرى لم يعد قادرا على تحمل اى تكاليف أو أعباء إضافية لمشاريع عديمة الجدوى”.
وفي حديث للجزيرة نت، استشهد يوسف، بمشروع التفريعة الموازية، قائلاً إنها أدت الي تعويم الجنيه المصرى فى العام القادم لافتتاحها 2016، بعد ان تسببت فى سحـب السيولة الدولارية مـن البلاد.
ما مصادر تمويل المشروع وهل الاقتصاد المصرى قادر على تحمل تكاليفه؟
بمجرد الإعلان عَنْ دراسة ازدواج قناة السويس، ربط مغردون وناشطون الامر بالحصول على دفعة أولى تقدر بحوالي 10 مليارات دولارات مـن قيمة صفقة مدينة رأس الحكمة الجديدة بالساحل الشمالي، والتي أبرمتها القاهره مع أبو ظبي مؤخرًا، باستثمارات كبيرة تقدر بحوالي 150 مليار دولار.
بيد ان النادي أسامة ربيع نفى وجود علاقة بين الأمرين، موضحا ان التمويل اللازم لتنفيذه مستقبلا سيوفر مـن الموازنة الاستثمارية للهيئة، دون تحميل اى أعباء إضافية على الموازنة العامة للدولة.
وتعقيبا على حديث ربيع، يعتقد الخبير الاقتصادي عبد المطلب عدم قدرة ميزانية هيئة القناة أو صندوقها الخاص أو حتـى ميزانية الدولة نفسها على تحمل المشروع بالعملة المحليه دون تكاليف دولارية.
كَمَا قلل مـن فرص نجاح تكرار تجربة الأسهم والسندات المحليه، التى أصدرتها الحكومة المصرية عَامٌ 2015 لتمويل مشروع التفريعة الجديدة، بالنظر الي الارتفاع الكبير فى نسبه التضخم على مدار 10 اعوام ماضية.
هل تنعكس تهديدات الملاحة بالبحر الأحمر على مسار مشروع ازدواج قناة السويس؟
يشير النادي ربيع الي ان إيرادات القناة انخفضت بنسبة 50.7% منذ بداية 2024 وحتى 26 فبراير/شباط الماضي، متوقعا هبوط حصيلتها العامة اثناء العام الحالي، مع استمرار التوتر فى البحر الأحمر الي 5 مليارات دولار مقابل نحو 10.249 مليارات دولار فى 2023.
ومن جانبه يرى الباحث مصطفى يوسف ان الولايات المتحدة والدول العربية بما فيها مصر قادرة على ممارسة ضغوط على إسرائيل لوقف العدوان على غزة، وبالتالي تهدئة الوضع فى البحر الأحمر، داعيا بلاده الي خلق فرص استثمارية حقيقية فى قطاعي الزراعة والصناعة، بدلا مـن الانتباه على مشاريع النقل والتجارة الدولية.
ما البدائل المتاحة لتنمية قناة السويس؟
ومن منظور فني، يعتقد ابراهيم فهمي، الأستاذ الزائر بقسم الهندسة البحرية بجامعة ستراثكلايد بأسكتلندا، ان تطوير المجرى الملاحي لقناة السويس لا يتطلب ازدواج المجرى بالكامل مـن اجل تقليل زمن مرور السفن لمدة ساعتين، بعد المراحل المتعددة التى تم تنفيذها قبل عَامٌ 2011 والمرحلة اللاحقة فى 2015.
وأوضح فهمي فى حديث للجزيرة نت، ان المطلوب مشروع متوسط بتكلفة محدودة وبإمكانيات هيئة قناة السويس الحالية مـن وحدات التكريك (ماكينات تقوم بعمليات حفر فى المياه) لتعميق منتصف المجرى الملاحي مـن شكل (V) الي شكل (U) لتقليل احتمالات حدوث جنوح السفن مثل حادثة إيفرغيفن.
واستشهد بمشروع ازدواج القناة فى 2015، قائلا إنه كان مـن الممكن تنفيذه بنحو نصف التكلفة التى تخطت آنذاك 8 مليارات دولار، بينما التبريرات الحكومية لضغط الجدول الزمني للمشروع واستئجار مقاولين بضعف الأسعار العالميه “غير منطقية”.
وبحسب تقرير لاحق لمنصة “حلول للسياسات البديلة” -مشروع بحثي بالجامعة الأميركية بالقاهرة- فإن إيرادات القناة لا تعبر عَنْ قيمتها الاقتصاديه، ويجب ان تتجاوز جهود توسعة القناة ونقل ملكية أصولها الي شركات وصناديق خاصة.
وأشار المقال الي توصيات يمكن ان تحقق إيرادات مستدامة تضيف قيمة اقتصادية، منها:
- إنشاء منطقه صناعية ولوجستية حول القناة ترتكز على الصادرات، وتجنب الاعتماد فقط على نسبه مرور السفن والرسوم المفروضة عليها.
- تطوير خدمات السفن العابرة للقناة مـن اثناء إنشاء أحواض إصلاح وصيانة وخدمات فى مدينتي بورسعيد والسويس.
- تطوير المناطق التجارية الحرة بالمدن المحيطة بالقناة، حيـث تظهر البيانات ان المزيد مـن السفن العابرة للقناة تتجه أولًا الي “جبل علي” فى الإمارات للحصول على خدماتها المتنوعة قبل المرور بمصر، بسـبب ندرة الخدمات الصناعية واللوجستية بها.