أخبار عالميةأخبار عربيةأخبار فلسطينالاخبار العربية والعالمية

عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كان مختلفا | ثقافة سام نيوز اخبار

أوقفتُ سيارتي امام شقق كمبنسكي فى الخليج الغربي بالدوحة، وطلبت مـن موظف الاستقبال ان يوصلني الي الطابق الخامس، مـن اجل إجراء حوار مع الكاتب والإعلامي عارف حجاوي، الذى قضى نحو نصف قرن فى مجال الإعلام المكتوب والمرئي، وألّف 25 كتابا فى الإعلام واللغة والشعر العربي.

عمل وهو ابن الثامنة عشرة فى صحيفة محلية بالقدس، وحين جلس ليكتب عنوانا لزيارة حافظ الأسد الي موسكو كتب “الرئيس حافظ الأسد يزور غدا العاصمة الروسية موسكو”، أمسك رئيس التحرير بالورقة وشطب العنوان ذهابا وجيئة، وكتب أربع كلمات “الأسد الي موسكو غدا”، تعلّم الفتى الدرس، وسيعيش ليؤسس مدرسة فى محاربة ما يسميها “الثرثرة” فى الكتابة الصحفية.

بعد عدة عقود، سلّم له مديره فى ادارة ضبط الْجَوْدَةُ فى مجموعه الجزيرة كومة هائلة مـن دليل للكتابة الصحفية لتحريره، وعاد بعد يومين بملزمة متوسطة الحجم، كان قد حذف 50% مـن المادة الأصلية، ونُشر الدليل.

بعد رنّة واحده للجرس، فتح لي الباب، عارفٌ معروفٌ بدقته فى المواعيد، كل زملائه وأصحابه يشهدون له بأنه يصل قبل موعده ببضع دقائق، ظهر مـن خلف الباب يلبس بنطالا أسود وقميصا كحليا، شيخٌ فى الثامنة والستين، وُلد فى عَامٌ العدوان الثلاثي على مصر 1956، وعاش ليرى تواطؤ دول العالم الاول مع إسرائيل على إبادة قومه وتصفية قضيتهم بعد هجـوم “رأس الحربة” السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الماضي، والذي يصفه عارف “بالهجوم المظفّر”.

“نستطيع ان نتناول الفلافل فى مطعم أباجور أو أبو شريحة أو العكاوي” قلتُ له محاولا إغراء الرجل لإجراء الحوار خارج الشقة بوجبة الفلافل التى يحبها، والتي تناولنا المزيد مـن أقراصها اثناء علاقتنا ذات الأعوام الستة، أجابني بكلمتين “اجلس وسنرى”، جلست وأنا أعرف أني لن أهزم نزعته “للبيتوتيّة”.

بالمناسبة ما سر حبك للفلافل، هل وجدت فيها بديلا آمنا؟”، سألته، يتجنب عارف أكل اللحوم اتقاء نوبات النقرس (يصاب المرء بالنقرس نتيجه صعود حمض اليوريك فى الدم، وتعد اللحوم الحمراء مـن ابرز حوافزه).

أجابني وهو يلفُّ سيجارته بإتقان لافت “هذا جزء مـن حبي لها، لكنه حبٌّ مكتسب، لم أرَ أمي أو أبي يأكلان الفلافل قط!”.

لماذا؟” سألته.

“كانوا يعدونها مـن طعام السوق، لكني وأسرتي نأكلها اليـوم أكلا ذريعا، لقد سرق الإسرائيليون الفلافل بفحش، فى القدس وتل أبيب لا تحتاج ان تبحث عَنْ مطاعم للفلافل، فهي تحيط بك، وتقابلك فى كل زقاق، وعند كل زاوية، إذا ذهبت الي أمستردام، ستجد الفلافل المصرىّة التى تصنع بالفول فى مطاعم المصريين، وستجد الفلافل “الإسرائيلية” التى تصنع مـن الحمّص، لقد انتشر الإسرائيليون فى العالم فلافليا”، تتردد مسألة أصول الفلافل بين الشام ومصر، وتشير بعض الدراسات أنها كانـت مـن طعام المصريين قبل 1000 عَامٌ، وأنهم أطلقوا عليها اسم “فلافل” والتي تعني “المليئة بالفول”، وتتخذ إسرائيل اليـوم مـن الفلافل طبقا قوميا لها، وتقدمه للعالم على أنه طبق مـن المطبخ اليهوديّ، مضيفين الفلافل الي قائمة طويلة مـن الأشياء التى أسْرَلوها (اضاف قاموس إيربان الشعبي urban dictionary مؤخرا مفردة “أسْرَلَ” ومعناها ادعاء ملكية شيء ليس لك).

وضع عارف سيجارته فى صحن أبيض صغير مليء بالرماد، كان حوّله الي مقر لمخلفات السجائر، وقام الي المطبخ المقابل لغرفة جلوسنا، قلت له وقد سرتُ خلفه “كيف وجدتَ تقديم مؤسستك القديمة هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي التى عملت فيها 11 عاما، للعدوان الإسرائيلي على غزة؟” (عمل حجاوي صحفيا ثم مديرا للبرامج فى البي بي سي العربية بين عامي 1988 – 1998).

اعلن بدون ان يلتفت إليَّ “الان عرضت البي بي سي أسوأ ما عندها. فى حرب العراق 1991 كانـت البي بي سي الانجليزيّة على قدر لا بأس به مـن الانحياز، اما البي بي سي العربية، فكان فيها توازن معقول، لأن العرب شاركوا فى تحرير الكويت، كانـت هناك مساحة لإذاعة البي بي سي العربيّة فى متابعة الحدث، لقد غطينا جرائم الجنود البريطانيين فى البصرة. فى الانتفاضة الفلسطينية غطت البي بي سي الاحداث بحياء شديد، دائما ما يغضون النظر عَنْ دَوْلَةٌ احتلال. مؤخرا فى حرب غزة أدهشتني البي بي سي الإنجليزية بانحيازها للرواية الصهيونيّة”، لم يكن الموظف القديم وحده مـن أدهشه هذا التحيّز الاعلامي، فى نوفمبر/تشرين الثانى الماضي، اتهم صحفيون يعملون فى البي بي سي مؤسستهم بالتحيّز لإسرائيل، وجاء فى رسالة الي الجزيرة الإنجليزية وقّع عليها 8 صحفيين يعملون فى البي بي سي ان الهيئة البريطانية تتبنى معايير مزدوجة فى التعاطي مع ضحايا العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، وضحايا الحرب الروسية الأوكرانية.

بعد ان صرنا فى المطبخ مدّ حجاوي يده الي الثلاجة وأخرج منها زجاجة صفراء متوسطة الحجم “صنعتُ اليـوم سمنا مـن زبدة عمانية” اعلن وهو يقرّب الزجاجة مـن أنفي بعد ان نزع عنها غطاءها، “هل تجد رائحة السمن؟”

“ليس واضحا” 

“ما رأيك ان نقلي بيضة ونختبر طعمها؟” اعلن مقترحًا. عرفتُ وقتها أنه قام بتصفية فكرة العشاء فى الخارج، وأن هذه طريقته المهذبة ليقول إنه لا يريد فى الخروج.

“حسنا، ما قائمة العشاء الليلة؟” سألته باستسلام.

“البيض بالسمن العماني العظيم، وعندي “طون” (معلبات سمك التونة) وماذا تحب أيضا؟”

“إذا كان عندك طماطم، سأتولى أنا قلّاية البندورة” لا يثق عارف كثيرا بالناس فى مطبخه، وسماحه لي بالطبخ شهادة بأني أصنع طعاما يصلح للاستهلاك البشري.

بعد ان أخذ كل منا موقعه فى المطبخ، وقرّب لي عدة القلّاية، سألته، وأنا أقطّع الطماطم “لماذا لم تلتحق الضفة بالسابع مـن أكتوبر؟ لماذا لم تتصاعد الاحداث باتجاه انتفاضة ثالثة؟”

“لعدة أسباب، لقد استطاعت السلطة تجهيز قوى أمنيّة قادرة على ضبط الحركة فى الضفة، هذه واحده، ثم إن التوحّش الإسرائيلي وسياسية “صوِّب لتقتل” كبحت نشاط الناس، أضف الي ذلك خروج جماعات مسلحة فى الضفة ونابلس، وحين تنشط الجماعات ينحسر المدّ الشعبي، لقد كممت إسرائيل الأفواه، دلال أبو آمنة مثلا، اعتقلوها لأنها كتبت على حسابها فى مواقع التواصل “لا غالب إلا الله” واعتقلوا الآلاف العديد”.

“هل تحتاج الي البصل؟” اقترح عليّ وهو يستقبل أحد الأدراج ليناولني إياه، “لا، البصل ينحو بها الي الكشنة اليمنية، سأكتفي بالثوم” قلتُ معتذرا، ولم أرد قطع تدفق أفكاره الذى بدا لي مـن جوابه السابق، فبادرتُه: بالمناسبة يخطر ببالي سؤال، لا أريد حكما أخلاقيا على أداء السلطة الفلسطينية، يهمني ان أعرف منطقها التى تعمل به، كيف تفكر؟

“تدافع عَنْ أوسلو، يقولون جاءت أوسلو بـ300 ألف فلسطيني مـن الشتات، وأوسلو تضمن أمانا نسبيا للفلسطينيين، قبل السلطة كانـت إسرائيل مسؤولة عنا، الان أعانتها السلطة، بالمناسبة كانـت أوسلو إنقاذا للمنظمة، وليس للقضية! فقد كانـت المنظمة فى أسوأ أحوالها، كان وجودها يكاد ينعدم، القيادة فى تونس بدؤوا بتصفيتها، ولم يبقَ لها دور سياسي، اثناء بدأت المفاوضات بعد الانتفاضة، استغلت المنظمة تورع المفاوضين عَنْ التوقيع بالنيابة عَنْ جميع الفلسطينيين، ووثبت على مقعد التمثيل الفارغ. لم تصنع المنظمة الانتفاضة حسب زعمها، فى الواقع، كانـت تلاحق الانتفاضة وتحاول ان تحصّلها. رحّب الإسرائيليون بهذا الوضع بمنطق “فليدخلوا فى الخيمة وليبولوا نحو الخارج، بدلا مـن ان يكونوا فى الخارج ويبولوا صوب الخيمة!”، فلتأتِ المنظمة ولنروّضها فى الداخل، وقد نجحت خطتها” صمتَ قليلا وفتح باب الثلاجة: سنقلي بيضة لنجرّب هذا السمن عديم الرائحة، حتـى لا نتورط، فإذا أعجبنا قلينا به البقية” قلتُ له نعمَ الرَّأْي، ولكن لم تكمل حديثك عَنْ أوسلو. وضع ملعقة مـن السمن فى المقلاة وفقس بيضة، واستأنف:

“إسرائيل لم تحترم أوسلو، وألحقته باتفاق اقتصادي فى باريس، استشارت خبراءها لتقييد الفلسطينيين بحيث لا يتنفسون. لقد ربطونا بالاقتصاد الإسرائيلي ربطا لا فكاك منه، فى الضرائب والاستيراد والتصدير وفي كل شيء” وقعت السلطة الفلسطينية على اتفاقية باريس 1994 التى منحت إسرائيل حق التحكم فى الاقتصاد الفلسطيني مـن اثناء سيطرتها المطلقة على الموانئ والمعابر، وربط الموافقات الاقتصاديه بالإذن الأمني، ووضعت الاتفاقية قيودا مشددة على حركة الصادرات والواردات بحيث يمنع التاجر الفلسطيني مـن التعامل مع دول لا تقيم علاقات سياسية أو تجارية مع إسرائيل، هذه التعقيدات المتعمدة حدت بالتجار الفلسطينيين الي اللجوء الي التعامل مع البضائع الإسرائيلية لتسيير تجارتهم.

“ولكن لماذا يتحمل سكان الضفة هذه السلطة؟” سألته وأنا أضع الغطاء على قلّايتي.

“عندنا أكبر عَدَّدَ موظفين بالنسبة الي عَدَّدَ السكان. السلطة تقوم على نظام ريعي، ولا ريع، فهي تستلم ميزانيتها مـن المساعدات الأميركية والخليجيّة، وتصرفها رواتب للموظفين، هذا النظام يجعل قاعدة القوة فى يد السلطة على حساب المجتمع. “نضجت بيضتنا، وتذوقناها فوجدناها طيّبة. بدت المائدة قريبة، فانشغلنا بتحضير الطاولة، بسطنا ورقة مـن جريدة الأمس ووضعنا عليها عشاءنا”.

اثناء العشاء سألته: ماذا سيحدث لو استيقظ أبو مازن (محمود عباس) غدا وقرر عدم الالتزام بأوسلو؟

“عدم الالتزام يعني تسليم المفتاح، وهي كلمة قالها أبو مازن ذات مرة، “بدهم نسلم المفتاح بنسلم المفتاح!”، قالها بصوت عالٍ محاكيا طريقة أبي مازن فى التذمر، وأردف “تسليم المفتاح يعني تحميل الاحتلال مسؤولية السكان” أسند ظهره الي الكرسي مبتعدا عَنْ الطاولة، وأشعل سيجارته الثالثة “لما جرت الانتخابات على خلافة عرفات، عملنا برنامجا تلفزيونيا وقابلنا المرشحين السبعة، قلت لأبي مازن وقتها: أنت بتحرد كثير، بتزعل وتغضب وتنسحب، اثناء كنت تختلف مع عرفات تضجر وتغادر الاجتماعات، وهذا منصب لا يناسبه هذا السلوك، وحين استلم المنصب بدا سعيدا به، ولم يحرد، يبدو أنه استجاب أخيرا لنصيحتي ولم يضجر أو ينسحب” قالها بنبرة سخرية واضحة.

فى هذه الاحداث تذكرت روايتك التى كتبتَها فى 12 يوما، “إعصارٌ فى الهلال الخصيب”، كانـت أحداثها تدور فى الأردن، وتتحدث عَنْ المستقبل، ما الذى سيحصل لإسرائيل فى المستقبل، هل ستزول؟ سألته وقد رفعتُ يدي عَنْ السفرة.

“هذه رواية كتبتها وكان ينبغي ان أسميها “الممكن” لأنها تتحدث بمنطق الممكن السياسي، أحداثها تبدأ فى 2050، وفيها تتحول إسرائيل الي دَوْلَةٌ صغيرة، زوالها غير واقعي مع الموقف العربي الحالي، ولكني حجّمتها وجعلتها دَوْلَةٌ لليهود، ولم أُنهِ دَوْلَةٌ إسرائيل، قلصتها، كَمَا يجب ان تتقلص”.

بما أننا نتحدث عَنْ الرواية والكتابة، قل لي يا أبا مريم، ما الذى ينقص الصحافة العربية التى أفنيت فيها عمرك؟

“الصحافة العربية ينقصها القارئ! اعمل نيويوركر عندنا ولن يشترك فيها أكثر مـن خمسين قارئا. مستوى الثقافة هابط عندنا” ثم استطرد “عندنا إشكالية فى كتابتنا لتاريخنا أيضا، الطبري وابن الأثير كتبوا تاريخهم، كتّاب التَّارِيخُ اليـوم يكتبون للتمجيد. عندنا استسهال. ليس لدينا رهبنة فى العلم”، اثناء اعلن كلمته الاخيره انقدح فى ذهنه بيت المتنبي فى وصف الأسد، فأنشد بصوته الفخم:

“فى وحدة الرهبان إلا أنه.. لا يعرف والتحريم والتحليلا”، التفت إليّ بنظرة حادة أعطني ديوانا واحدا لم يسبقنا إليه المستشرقون؟”

لأن مخطوطاتنا عندهم يا سيدي!

“صحيح لكنهم يسمحون بالوصول اليها” وهمَّ بالوقوف، ففهمت أنه يريد صناعة الشاي، فبادرتُ بالوقوف “مكانَك!”، أعرفُ مكان السكر والشاي، ولكن “أخبرني عَنْ قصة برنامجك سيداتي سادتي الذى يُبث على التلفزيون العربي؟” سألته وقد صرت فى المطبخ وأخذت أرفع صوتي ليسمعني وهو جالسٌ فى مكانه.

“فى 2020 كنت متقاعدا فى الضفة، جاءني اتصال مـن صديق لي يعـرض عليّ عملا فى التدقيق بالتلفزيون العربي، فقبلت، وفي فبراير/شباط حملت حقائبي الي لندن، وحين استقبلني السائق اعلن لي: الي الفندق أم القناة؟ كنت قد سئلت السؤال نفسه مـن سائق البي بي سي قبل ثلاثين سنة اثناء جئت للندن، وأجبت بالجواب نفسه: خذني الي القناة! استقبنلي مدير القناة، وقال لي ما رأيك ان تعمل برنامجا معنا تتحدث فيه عما لديك مـن معارف ومعلومات. فقلت له: يصلك تصور للحلقة الأولى بعد يومين. وقد كان. وعملت 50 حلقة فى لندن”.

ألم تعمل مدققا فى البي بي سي؟ سألته وأنا أناوله كاس الشاي.

“فى البي بي سي كان يعمل سبعون شخصا، كلهم سيبويه! لم نحتج لمدقق”.

لكنك تميل دائما الي التسهيل فى اللغة ومذهبك واسع.

“اهم شيء ألا يثرثر المذيع، وألا يسأل أسئلة طويلة”

وإذا وقع فى لحن؟ سألتُه مستفزا.

“فليقع، لن يكون افضل مـن الوليد بن عبد الملك!”.

“كم قطعة سكر؟” سألني، وهو يأخذ مكعبين مـن السُكريّة التى على الطاولة.

“أشربه بدون سكر” أجبته، وعلى ذكر السكر لديك شيء تسميه الحاسّة النمليّة، وهي ترتبط بدأبك فى الجمع والتأليف. موسوعة المختارات الشعرية التى أصدرتها تحت عنوان “زبدة الشعر” والتي تقع فى خمسة مجلدات كبيرة تجمع فيها شعر الشعراء مـن امرئ القيس وانتهاء بالبردوني، أكانت نتيجه لهذه الحاسة؟

“نعم أنا لا أرمي شيئا، مجنونة الجارة عندنا تجمع العلب والبرطمانات حتـى يغصّ بها بيتها، أنا مثلها. اثناء جمعت المختارات كنت أكتبها لنفسي فى دفاتر كبيرة، وجمعتها على مدى 13 عاما، ولم أكن أفكر فى طباعتها”.

حسنا، ألم يحن الوقت لتكتب مذكراتك؟

“عندي شيء أسميته ورقة تأريخ شخصي، ولو جُمِع وطبع لكان افضل مـن المذكرات، أكتب فيها على امتداد 30 عاما، وفيها انطباعاتي عَنْ الأشياء”.

تفكر فى طباعته؟ سألته بحماسة.

أجاب ببرود: “ليس مستحيلا، وليس على جـدول الأعمال”.

عُد بنا الي برنامجك، ماذا تريد ان تقول للناس فيه؟ ما خلاصاتك فى الحياة؟

اعتدل فى جلسته وكأنه ارتاح للسؤال: “أريد مـن قومي الناطقين بالعربية ان يكونوا أمة ناجحة، العربيةُ طريق للنجاح، وبوابة النجاح التعليم، أريد ان نستثمر فى الكتاب المدرسي، الناس لا تقرأ إلا المفروض عليها، والمفروض يجب ان يكون جيدا، وأريد ان يكون مع الكتاب المدرسي كتاب رديف يغري الطــلاب بالقراءة، مثل ما فعلت معنا دائرة التربية والتعليم مرة، اثناء طبعت كتاب قصة الميكروب ترجمة العالم احمد زكي، وهو كتاب عَنْ الجراثيم، وكان فتحا بالنسبة لي”.

أقبلت بعده على القراءة؟

“استفدتُ مـن مكتبة بلدية نابلس التى كنت أسكنها، كان فيها فى ذلك الوقت 30 ألف كتاب وانتقيت منها”.

هل كنت تقرأ بالإنجليزية؟

“فى الثانوية قرأت قصة الحضارة لويل ديورانت، كانـت الجامعة العربية قد ترجمت 8 مجلدات منه، ولم تصل الي الجزء الذى يتكلم عَنْ عصر فولتير، أخذت الكتاب بالإنجليزية، وقطعته حبوا رفقة القاموس، لقد دمرت عددا لا بأس به مـن القواميس، كانـت تهترئ بين يدي”، قام متجها الي المطبخ لغسل الأطباق، يمكن لعارف ان يشارك فى بطوله دوليّة فى سرعة غسل الأطباق، فسرعته مذهله، نمت لديه هذه الموهبة مـن عمله فى غسل أطباق المطاعم اثناء كان طالبا فى ألمانيا فى سبعينيات القرن الماضي.

نظرتُ الي ساعتي، بدا الوقتُ قد تأخر، قبل ان أستأذنك، كنت قد حدثتني عَنْ انشغالك بتتبع المتصهينين العرب منذ اشهر، ما آخر ما ظهر لك منهم؟

“لقد قضيت ساعات كثيرة فى متابعتهم، لديهم فهم غريب للحضارة الإسلامية، وتبعيّة مطلقة للغرب. يقول الغرب إن إسرائيل دَوْلَةٌ ديمقراطية، فيقولون بقوله، لكن الذى يثير استغرابي تمجيدهم للغرب وحقدهم على الإسلام وفتوحاته، رأيت بعضهم يمجّد الدولة الرومانية. يوليوس قيصر اثناء فتح المدن كان يقتل جميع الذكور ويسبي النساء والأطفال!”.

اعلن هذا وهو عائد الي مقعده بعد ان فرغ مـن غسل الصحون، ثم أردف “بينما العرب اثناء خرجوا مـن جزيرتهم، خرجوا بالسيف والقبيلة والقرآن، لقد أخذوا دستورهم معهم للفتوحات، وكان هذا مهمًا للغاية. الفتح الإسلامي كان مختلفا. الصهاينة العرب لا يريدون ان يفهموا هذا!”

هل تراهم ظاهرة حقيقية أم موجة مفتعلة؟

“ليست موجة مفتعلة. هؤلاء حاقدون وليسوا مرتزقة، وحالة الانهيار العربية الحالية، جعلتهم يقولون كنا دائما منهارين ومتخلفين، وهذا خطأ وكذب على التَّارِيخُ”! اعلن هذا ورشف آخر رشفة مـن كاس الشاي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى