أخبار عالميةأخبار عربيةأخبار فلسطينالاخبار العربية والعالمية

عبد الرحيم محمود.. شاعر غذّ الي الموت الخطى | سياسة سام نيوز اخبار

قدم الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود نموذجًا لشعر المقاومة والقتال مـن اجل الحرية، وربط بوعي بين الموقف والمعنى، فقاتل بسلاحه حتـى نال الشهادة، وعبّر بشعره عَنْ مشاعر الثوار الذين دافعوا عَنْ حق شعب فلسطين فى حماية أرضه ومقدساته.

بين الميلاد والوفاة 35 عَامًٌا (1913- 1948)؛ لكنه شهد خلالها المزيد مـن الاحداث التى اثبت ان الشاعر يقول كلمته ويموت لكي تدبّ الحياة فى قيودها، فعندما يفخر بالكرم العربي؛ فإنه يجود بنفسه، فذلك غاية الجود.

أصالة النسب والمعرفة

وعبد الرحيم محمود شاعر أصيل النسب؛ فوالده الشيخ محمود العنبتاوي مـن عائلة فلسطينية عريقة تتمتع بالثراء، وكان يأتي مكانة اجتماعية عملية، يتوافد العرب الي مجلسه ليقوم بحلّ مشاكلهم، وإصلاح ذات بينهم، وتسير الركبان بسيرته، ويتحدث الضيوف بكرمه وطيب خصاله؛ وكان أيضًا شاعرًا وفقيهًا تخرج فى الأزهر، وأصبح مـن شيوخ المذهب الحنبلي.

كَمَا ان الأسرة كلها عرفت بالثقافة والعلم والفقه، فأطلق عليها شعب فلسطين لقب “الفقهاء”، وكان لذلك تأثيره على بناء شخصية عبد الرحيم ونفسيته ومواقفه.

وكان مجلس الشيخ محمود هو المدرسة الأولى التى تعلم فيها الشاعر العلم والدين والفصاحة والبلاغة والبيان، وحفظ القرآن، واستمع للكثير مـن شعر العرب وسير أبطالهم، وبذلك جمع عبد الرحيم أصالة النسب واللغة والتجربة التاريخية مع أصالة المعرفة والأفكار والمعاني وقوة الاعتزاز بالهوية العربية، وصدق الانتماء للإسلام، وأثرت تلك العوامل على شخصيته، وشاعريته، وخياله، ومعانيه.

فى مدرسة النجاح الوطنيه

مع ذلك سار عبد الرحيم فى طريق التعليم الرسمى؛ حيـث التحق بالمدرسة الابتدائية فى بلدته “عنبتا”، ثم انتقل الي “مدرسة النجاح الوطنيه” فى نابلس؛ فالتقى بأستاذه ابراهيم طوقان الذى كان يعمل معلمًا فى هذه المدرسة، وأثرت شخصية طوقان على اتجاه عبد الرحيم وقاموسه الشعري، وبعد ان أكمل دراسته؛ تمّ تعيينه أستاذًا للأدب العربي فى ذات المدرسة، فتوطدت علاقته بطوقان.

لكن عبد الرحيم قرر ان يستقيل مـن المدرسة عندما اشتعلت الثورة العربية عَامٌ 1936 ليلتحق بصفوف المقاتلين، ويصبح قائدًا حَقَّق المزيد مـن الانتصارات على الجيش البريطاني، وقام بعمليات فدائية؛ لذلك طاردته السلطات البريطانية.

اضطر بسـبب المطاردة الي الهجرة الي العراق عَامٌ 1939، وهناك التحق بالكلية الحربية فى بغداد، وتخرج فيها برتبة ملازم، وشارك مع ثوار العراق فى ثورة رشيد عالي الكيلاني.

العودة والشهادة

عاد عبد الرحيم الي فلسطين عَامٌ 1947، ليشارك فى ثورة شعبه التى اشتعلت بعد قرار التقسيم، وانضم الي جيش الإنقاذ ليقوم فيه بدور قيادي، وشارك فى معارك عملية كمعركة بيار عدس، ورأس العين، وتولى قيادة كتائب المجاهدين فى طولكرم والناصرة.

حققت هذه الكتائب بقيادته المزيد مـن الانتصارات اثناء النصف الاول مـن عَامٌ 1948 على العصابات الصهيونية، بالرغم مـن ان الجيش البريطاني ترك أسلحته لهذه العصابات التى استخدمتها فى تدمير القرى الفلسطينية، وإبادة سكانها، ومع ذلك استمر عبد الرحيم وقواته فى القتال؛ حتـى فـاز بالشهادة فى معركة قرية الشجرة التى كان قائدها وبطلها فى 13 يوليو /تموز 1948.

الإصرار على الشهادة

ما جاء إلينا مـن شعر عبد الرحيم محمود قليل، شأنه فى ذلك شأن كل الشعراء الذين شاركوا فى المعارك، وأنشدوا فى ميادين القتال ليشحذوا همم الرجال، فلم نعرف مـن قصائده إلا ما تمكنت لجنة مـن الأدباء الفلسطينيين مـن جمعه عَامٌ 1958 مـن أعماله المنشورة فى الصحف والمجلات، وعددها 27 قصيدة.

وتوضح هذه القصائد القليلة كيف ان روحه كانـت تحلق فى سماء الشهادة، تبحث عنها وتنتظرها، لذلك كتب وسنه لم يتجاوز 24 عَامًٌا قصيدة يقول فى مطلعها:

سأحمل روحي على راحتي              وألقي بها فى مهاوي الردى

فإما حياة تسر الصديق                     وإما ممات يغيظ العدا

ونفس الشريف لها غايتان                ورود المنايا ونيل المنى

لعمرك إني أرى مصرعي               ولكن أغذ إليه الخطى

أرى مصرعي دون حقي السليب        ودون بلادي هو المبتغى

كَمَا يقول عَنْ الشهيد:

ونام ليحلم حلم الخلود                   ويهنأ فيه بأحلى الرؤى

لعمرك هذا ممات الرجال               ومن رام موتًا شريفًا فذا

وإذا كان الشاعر قد عاش حياة قصيرة بمقاييس الناس، فقد عاش شعره طويلًا، وسار على الألسنة، فقد تحولت قصائده السابقة وقصائد أخرى الي أغانٍ وأناشيد يتغنى بها المقاومون فى فلسطين وغيرها حتـى يومنا هذا.

ويفتح هذا النوع مـن الأدب مجالًا علميًا جديدًا، هو استشراف مستقبل الصراع عَنْ طريق دراسة أدب المقاومة والتحرير، الذى يسهم فى تشكيل نفسية الأبطال الذين يدافعون عَنْ عقيدتهم وأرضهم وحقهم، أو كَمَا يقول عبد الرحيم فى قصيدته “ورود المنايا ونيل المنى”.

فى قصيدته دعوة للجهاد يقول عبد الرحيم محمود:

دعا الوطن الذبيح الي الجهاد             فخف لفرط فرحته فؤادي

وسابقت النسيم ولا افتخار                أليس علي ان أفدي بلادي؟

لكنني هنا أختلف مع الشاعر؛ فمن حق المقاوم الحر ان يفخر على القاعدين الخانعين الخاضعين الخائفين مـن القوة الغاشمة، وأن تفخر الأمة الإسلامية بكل مجاهد يتقدم لتحرير أرضه. ومن حق أبنائه ان يفخروا بسيرته التى تضيء الطريق لحركات التحرر الوطني.

لذلك أتفق مع عبد الكريم الكرمي فى وصفه لعبد الرحيم بأنه “أبر فتى لأقدس أم”.

كل ماء فى غير فلسطين كدر

عَنْ فلسطين التى أحبها وضحى بحياته مـن أجلها، يقول:

تلك أوطاني وهذا رسمها                     فى سويداء فؤادي محتفَر

يا بلادي يا منى قلبي إن                     تسلمي لي أنت فالدنيا هدر

منيتي فى غربتي قبل الردى                ان أملي مـن مجاليك البصر

يا بلادي أرشفيني قطرة                     كل مـاء غير ما فيك كدر

ليت مـن ذاك الثرى لي حفنة               أغلى مـن شذا الترب العطر

ويوضح عبد الرحيم محمود ان المجاهد يقاتل لانتزاع حقوقه، فلا يستجدي الحلول السلمية. لذلك يخاطب العرب فى عيد الجامعة العربية:

واغصب حقوقك قط لا تستجدها          إن الألى سلبوا الحقوق لئام

هذي طريقك للحياة فلا تحد              قد سارها مـن قبلك القسام

ويضيف فى قصيدته دعوة الي الجهاد:

إذا ضاعت فلسطين وأنتم             على قيد الحياة ففي اعتقادي

بأن بني عروبتنا استكانوا             وأخطأ سعيهم نهج الرشاد

كَمَا يرفض الحلول التى تأتي مـن مجلس الأمن، حيـث يرى ان الأمم المتحدة تساعد الطغاة. فيقول:

يا مجلس الذل أنتم بعض نكبتنا                   تعطي الحقوق لمن كان أفاكا

يا مجلس الخزي لن يرجوك مـن ظلموا         دم الشعوب على التَّارِيخُ أخزاكا

النار تحرق شعبًا عند هبته                         امام الطغاة ولا ترنوه عيناكا

لذلك فالحل الوحيد هو المقاومة والكفاح والجهاد. فيوجه نصيحته الاخيره للعرب:

لا تجعلوا مـن رماح الروم حاميكم             فالذئب للشاة والحملان سفاكا

هم لا يريدون إلا كل نفطكم                 وأن يكون كثير الروم مولاكا

كانـت الشهادة هى الخاتمة النبيلة لحياة شاعر شاب ثائر، انطلق يحمل سلاحه ليحمي فلسطين، ويدافع عَنْ أرضها، واستخدم كلماته ليعيد لأمته وعيها بأنها تستطيع ان تحقق النصر والمجد، وتنتزع حريتها وحقوقها.

الآراء الواردة فى هذا المقال هى آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى