الاخبار العربية والعالمية

عبد القادر الحسيني.. قائد جبهة القدس وشهيد معركة القسطل سام نيوز اخبار

“أعطني السلاح الذى طلبته منك وأنا أستردّها، ولقد كانـت خطتي الي الان ان أحاصر القدس والمستعمرات اليهودية وباب الواد، وأن أمنع وصول النجدات والمؤن الي اليهود، ونجحت هذه الخطة… اما الان فقد تطورت الحال، وأصبح لدى اليهود مدافـع وطائرات ورجال، وليس باستطاعتي ان أحتل القسطل إلا بالمدافع، أعطني ما طلبت وأنا كفيل بالنصر”.

(عبد القادر الحسيني موجِّها كلامه لقائد جيش الإنقاذ العربي إسماعيل صفوت باشا)

كان الاحتلال البريطاني لفلسطين بين عامي 1917-1947 المحفز الأبرز للهجرة اليهودية المليونية الجائرة اليها، وتكوينهم المستوطنات المتنوعة، وتسليحهم بالعتاد والسلاح بل والطيران، ناهيك بدعم القوات البريطانية أو تغاضيها عَنْ مذابحهم التى ارتكبوها تحت حماية بريطانيا، وقد اعترف بذلك عَدَّدَ مـن كبار القادة البريطانيين مثل المارشال (المشير) برنارد مونتغمري، اشهر قادتهم اثناء الحرب العالميه الثانية فى شمال أفريقيا، اثناء اعلن بعد زيارته الي فلسطين فى أواخر سنة 1946: “كان المفوّض البريطاني فى فلسطين فى هذا الوقت السير ألان كننغهام.. اجتمعت به يـوم 29 نوفمبر/تشرين الثانى 1946 واستعرضنا الحالة، فأقرَّ كننغهام ان الجيش (البريطاني) لا يمكنه ان يقوم بالمهام المتعلقة به بسـبب التضييقات المفروضة عليه بسـبب تدخل الجهات العليا والنفوذ الصهيوني المنتشر فى لندن، وأن هناك خططا موضوعة بإحكام للقضاء على البقية الباقية مـن العرب فى فلسطين لتصبح فلسطين يهودية”[1].

كان أول القرارات التى اتخذها هربرت صمويل ان فتح هجرة اليهود الي فلسطين دون قيد أو شرطٍ، وقد خوّلت المنظمةُ الصهيونيةُ بموجب قراره صلاحية إحضار 16.500 يهودي سنويًا (مواقع التواصل)

لم يكن اعتراف مونتغمري المتأخر الدلالة الوحيدة على محاباة البريطانيين لليهود وتآمرهم لمنحهم أرض فلسطين؛ حيـث كانـت نِيَّات لندن واضحة قبل ذلك بثلاثين عاما اثناء اطلقت وعد بلفور سنة 1917، وحين قررت تعيين اليهودي الصهيوني السير هربرت صمويل أول مندوب سامي بريطاني فى فلسطين عَامٌ 1920، وكان أول القرارات التى اتخذها صمويل ان فتح هجرة اليهود الي فلسطين دون قيد أو شرط، وقد مُنحت المنظمةُ الصهيونيةُ بموجب قراره صلاحية إحضار 16.500 يهودي سنويا، وأمام هذه الهجرات التى كانـت تتوالى بصورة أكبر مـن الأرقام المعلنة، وهي بمنزلة جيوش احتلال قادمة مـن أوروبا ومدججة بالسلاح والعتاد والمال، شرع الفلسطينيون فى المقاومة عبر الصحافة والإضرابات، وبالسلاح أيضا.

وأمام هذه المقاومة اضطر الإنجليز الي تعديل نظام الهجرة اليهودية أكثر مـن مرة فى أعوام 1925 و1926 و1927 و1929، ثم أخذ شكله النهائى فى عَامٌ 1932، وكان المقصود بهذه التعديلات التى أُدخلت وضع بعض القيود على الهجرة بسـبب تصاعد المقاومة العربية للانتداب وسياسته التى فتحت الباب امام المهاجرين اليهود، ولكن هذه التعديلات كانـت شكلية ولم تحدث جوهر نظام الهجرة؛ الامر الذى أدى الي ثورات الثلاثينيات فى فلسطين، مثل ثورة 1935 وثورة 1936-1939، واللافت ان الولايات المتحدة الأميركية ساعدت بريطانيا فى إنجاح المشروع الصهيوني، حيـث عمدت مع بعض الدول الأوروبية الاخرى سنة 1921 الي وضع قيود على هجرة اليهود الي أراضيها لدفعهم الي الهجرة الي فلسطين، وقد أدى ذلك الي تقليل عَدَّدَ المهاجرين اليهود الي الولايات المتحدة مـن 120 ألفا سنة 1921 الي 54 ألفا سنة 1922، ثم أصبحوا 10 آلاف مهاجر بحلول سنة 1925، ثم خُفض العدد مُجددا الي أربعة آلاف سنويا، هذا فى وقت كانـت أميركا بحاجة ماسّة الي هجرة الأيادي العاملة اليها[2].

عبد القادر الحسيني ونضاله المبكر

وسـط هذه الأجواء بزغ نجم عَدَّدَ مـن الشخصيات الفلسطينية الكبيرة ممن قادوا المقاومة والثورة امام الوجود الصهيوني والبريطاني فى بلادهم، وكان على رأسهم عَدَّدَ مـن آل الحسيني فى القدس، مثل كاظم الحسيني والمفتي أمين الحسيني وابن عمه الشهيد عبد القادر الحسيني الذى عاش أربعين عاما فقط، ولكنها كانـت مليئة بمواقف البطولة والثبات امام البريطانيين والعصابات الصهيونية، لا سيما فى منطقه القدس وما حولها، وهذا الرجل هو ابرز القادة العسكريين الوطنيين الفلسطينيين فى تلك المرحله بحق.

وُلد عبد القادر الحسيني فى إسطنبول بتركيا عَامٌ 1908، حيـث كان والده موسى كاظم الحسيني مـن اشهر الشخصيات الفلسطينية فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ممن عملوا ضوء الإدارة العثمانية فى الأناضول وسوريا والعراق وفلسطين، كَمَا كان عضوا فى مجلس المبعوثان (البرلمان) العثماني، بينما نال ابنه عبد القادر تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي فى القدس، قبل ان يلتحق بكلية العلوم بالجامعة الأميركية بالقاهرة فى وقت كانـت الحركة الوطنيه المصرية فى أواخر العشرينيات نشطة فى وجه الاحتلال البريطاني، فاحتك بحزب الوفد المصرى، كَمَا مارس نشاطه السياسي مـن اثناء رابطة الطلبة الشرقيين، غير أنه فطِن الي الدور الثقافي الذى تلعبه الجامعة الأميركية فانتهز فرصة تخرجه وقام فى صيف عَامٌ 1932 خطيبا فى حضور شمل وزراء ورجال سلطة، وكشف “خطورة ما تقوم به هذه الجامعة فى هدم ثوابت الدين الإسلامي، ودعم المحتل البريطاني فى المنطقة”، كَمَا طالب المصريين بمقاطعتها، الامر الذى اضطر رئيس الوزراء المصرى وقتها إسماعيل صدقي باشا الي طرده خارج مصر[3].

الشهيد عبد القادر الحسيني

وبالفعل عاد عبد القادر الحسيني الي القدس فى عَامٌ 1933، وعمل محررا فى صحيفة الجامعة الإسلامية، كَمَا انضم الي الحزب العربي الفلسطيني الذى ترأسه قريبه جمال الحسيني، ثم عمل مأمورا فى دائرة تسوية الأراضي فى فلسطين، وأثناء عمله فى هذه الوظيفة استطاع مـن إحباط وكشف أكثر مـن محاولة صهيونية وبريطانية للاستيلاء على أراضٍ عربية، ولما كان طموحه وهدفه الأكبر بطاقة حمراء المحتل البريطاني وأتباعه مـن الصهاينة مـن بلاده استقال مـن هذه الوظيفة وشرع فى التحضير للثورة التى انطلقت عَامٌ 1936 وظلت ثلاث اعوام كاملة حتـى قيام الحرب العالميه الثانية سنة 1939.

كان والده موسى كاظم الحسيني قد استقر فى فلسطين بعد سقوط الدولة العثمانية وترسخ الاحتلال الفرنسي فى سوريا ولبنان، وكان متوقّدا عزيمة وحماسة -على كبر سنّه فهو مـن مواليد عَامٌ 1853- فى مواجهه المحتل البريطاني والعصابات الصهيونية، وقد اشترك موسى وابنه عبد القادر فى العديد مـن الانتفاضات التى وقعت حينئذ فى القدس ويافا وحيفا وغيرها، بيد أنه استُشهد فى إحدى المظاهرات بمدينة يافا فى 27 أكتوبر/تشرين الاول 1934، وهو ابن 81 عاما، فأقسم ابنه عبد القادر على الثأر لدماء والده، وقد أصيب فى تلك المرحله فى عَدَّدَ مـن المظاهرات التى اشترك بها، ثم أُصيب إصابات بالغة فى ثورة 1936-1939، التى لمع نجمه فيها[4].

احتجاجات يافا عَامٌ 1933 التى قادها موسى الحسيني حولتها الآلة البريطانية الي مجزرة

ولأن دوره كان مفصليا وقياديا فى هذه الثورة؛ طارده الإنجليز فى القرى الفلسطينية قبل وبعد استشهاد القائد الفلسطيني سعيد العاص، أحد الذين قادوا هذه الثورة، ومع جراحه البليغة التى أُصيب بها هرب الي العراق ثم عاد الي دمشق ومنها عاد الي فلسطين سنة 1938، حيـث التحق بالعمل المسلح امام البريطانيين فى منطقه الخليل، وهناك أُصيب مرة اخري فى إحدى المعارك امام الإنجليز فى قرية تُسمَّى النعيم، بينما اصابه بالغة كادت تودي به، وبعد علاج سريع قرر رفاقه تهريبه الي سوريا ومنها سافر الي العراق سنة 1939، وفي هذه المرة الثانية قرر الالتحاق بالكلية العسكرية فتخرج فيها ضابطا احتياطيا، واشترك مع رفاقه الفلسطينيين فى ثورة رشيد عالي الكيلاني امام المحتل البريطاني سنة 1941، ولكن هذه الثورة فشلت، الامر الذى اضطره الي الهرب صوب إيران ثم عاد الي بغداد واعتُقل فى شمال العراق فى منطقه زاخو، ومكث مدة طويلة فى هذا المعتقل حتـى سنة 1944، حيـث سمحت له الحكومة العراقية بالمغادرة مع جراحه التى راحت تلتهب مرة اخري بسـبب الإهمال[5].

موسى كاظم الحسيني (الجزيرة)

هذه المرة، لجأ عبد القادر الي السعوديه، حيـث استقبله الملك عبد العزيز آل سعود واحتضنه، فقرر البقاء فى الحجاز، وأمضى مدة عامين فى السعوديه، وسافر منها سرًّا الي ألمانيا، حيـث قضى ستة أسابيع فى أحد المعاهد العسكرية الألمانية للتدرب على صنع المتفجرات والألغام واستخدامها، ثم انتقل عبد القادر الحسيني بعد نهاية الحرب العالميه الثانية مع أسرته الي القاهره فى أوائل سنة 1946، وعزمت الحكومة المصرية على إبعاده، لكنها تراجعت عَنْ ذلك بعد تدخل القوى الوطنيه المصرية.

وفي تلك الأثناء جاءته اخبار قرار مجلس الأمن بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب فى أواخر عَامٌ 1947، وإعلان الإنجليز الانسحاب فى عَامٌ 1948 تاركين المجال للصهاينة إعلان دولتهم، فقرر على الفور البحث عَنْ السلاح فى المناطق التى اشتعلت فيها معارك الحرب العالميه الثانية بين الإنجليز والألمان والطليان فى ليبيا ومرسى مطروح، بل انطلق صوب بيروت ودمشق لإنجاز هذه الهامة، وفي تلك الأثناء اختارته اللجنة العسكرية التى شُكِّلت لتحرير فلسطين وقتئذ تحت رعاية الجامعة العربية قائدا لحركة النضال والمقاومة فى الجبهة الوسطى فى فلسطين (القدس وما حولها) وذلك فى أوائل سنة 1948[6].

شهيد القسطل!

“الجهاد المقدس” أول جيش تأسس لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة عبد القادر الحسيني (الصحافة العربية)

هذه الأشهر الأربعة الاخيره مـن عمر عبد القادر الحسيني كانـت جحيما ونشاطا محموما امام العصابات الصهيونية وقواعدهم التى أقاموها فى القدس ومستوطناتها، فقد استهدف عبد القادر ورجاله الوجود الصهيوني فى المنطقة مثل تدميرهم شارع هاسوليل ومطبعة البالستاين بوست فى فبراير/شباط عَامٌ 1948، وأيضا شارع بن يهودا، كَمَا قام بنفسه مع رفاقه مـن شباب حركة “الجهاد المقدس” بتدمير طريق باب الواد وأنابيب المياه التى كانـت تجري الي الأحياء الصهيونية المحتلة، فضلا عَنْ حرب الشوارع التى خاضها مع إخوانه فى شوارع وأزقة القدس امام الصهاينة، ولكن مع كل هذه المعارك وحروب الاستنزاف والخسائر التى كان يُنزلها بالعدو، فإنه كان يدرك أنه يقابل مشكلة بسـبب ضعف السلاح والعتاد ونفاده، ولهذا السبب قرر السفر الي اللجنة العسكرية العليا فى دمشق وهي التى أُنشئت لدعم فلسطين فى أواخر عَامٌ 1947.

مكث عبد القادر الحسيني 12 يوما لإقناع رجال الهيئة العربية العليا واللجنة العسكرية لدعم فلسطين لإمداده بالعتاد والسلاح، وكان لديه نقص شديد فى المدافع الرشاشة وبعض القنابل وغيرها، وعبثا حاول ذلك، وبينما هو مستغرق فى البحث عَنْ الدعـم، واللقاء بكبار الشخصيات فى سوريا مـن العراقيين والمصريين والسوريين وغيرهم، سقطت مدينة القسطل، وهي أول بلد عربي يسقط فى يد الصهاينة، بينما فى موقع إستراتيجي غرب القدس على تلة مرتفعة، سمّاها الفرنسيون زمن الاحتلال الصليبي بـ”القلعة” لحصانتها ومناعتها، بينما تشرفُ على القرى القريبة منها وعلى الطريق الرئيسية بين القدس وتل أبيب، وقد جاء الخبر الي عبد القادر الحسيني والحاضرين فزادت نقمته وغضبه، خصوصا على القائد العراقي إسماعيل صفوة باشا، الذى يقول عنه حسنين هيكل فى كتابه “العروش والجيوش”: “كانـت تحت القيادة العليا التى يتولاها الملك عبد الله الاول ملك الأردن قيادة عامة للجيوش العربية أُسندت الي اللواء العراقي إسماعيل صفوت باشا، وضعت هذه القيادة خططا طموحة على الورق؛ لكن الذين وضعوها كان يعرفون مسبقا أنها مستحيلة التحقيق، فالقائد العام صفوت باشا لن تكون له فى حقيقة الامر اى سلطة على بقية الجيوش العربية… كان إسماعيل صفوت باشا ضابطا لم يعش تجربة ميادين القتال، وقد ترقى لرتبته الرفيعة -كَمَا هو الحال فى معظم الجيوش العربية وقتها بحكم الأقدمية- وبتقدير أنه ضابط مأمون لا يتجاوز تفكيره حدود خرائطه”.

هذا الضابط ذو الخبرة المحدودة لما سقطت القسطل فى أيدي الصهاينة اعلن لعبد القادر الحسيني: “ها قد سقطت القسطل، عليك ان تسترجعها يا عبد القادر، وإذا كنتَ عاجزا عَنْ استرجاعها فقل لنا لنعهد بهذه الهامة الي القاوقجي”، وفوزي القاوقجي هو قائد جيش الإنقاذ العربي الذى عيّنته جامعة الدول العربية واللجنة العسكرية بعد قرار التقسيم فى أواخر 1947.

وقد غضب عبد القادر الحسيني مـن هذه الإهانة، وراح يوضح لإسماعيل صفوت معنى القسطل وأهميتها الإستراتيجية، وأنه لا يمكن استرجاعها بالبنادق الإيطالية والذخائر القليلة عديمة النفع، ثم اعلن له: “أعطني السلاح الذى طلبته منك وأنا أستردّها، ولقد كانـت خطتي الي الان ان أحاصر القدس والمستعمرات اليهودية وباب الواد، وأن أمنع وصول النجدات والمؤن الي اليهود، ونجحت هذه الخطة… اما الان فقد تطورت الحال، وأصبح لدى اليهود مدافـع وطائرات ورجال، وليس باستطاعتي ان أحتل القسطل إلا بالمدافع، أعطني ما طلبت وأنا كفيل بالنصر”[7].

رفض إسماعيل صفوت هذا الطلب، وقال له: “ماكو مدافـع”، بل زاد وزير الدفـاع السوري وقتها احمد الشراباتي قائلا: “إذا احتل اليهود القدس فسنأتي ونخرجهم منها أو نقتلهم فيها”، ولم يعطوه مـن الأسلحة والذخائر إلا القليل، عند ذلك اشتعل غضب عبد القادر الحسيني، وألقى بالأوراق والخرائط التى كانـت معه فى وجه وزير الدفـاع وصفوت باشا، واتهمهما بالخيانة والتقاعس والتسبب فى ضياع فلسطين كلها، وعزم على الرجوع الي القسطل لاستعادتها على ضعف بضاعته وعتاده، ولو جاء الي به الامر برمي نفسه فى أتون المعركة ونيل الشهادة.

وبالفعل ما إن عاد فى يـوم 6 أبريل/نيسان 1948 إلا وانطلق مع أصحابه بعتادهم القليل وسلاحهم الضعيف صوب القسطل مساءا يـوم 7 أبريل/نيسان، وهناك وزع نفسه وأصحابه على محاور البلدة وعددهم وقتئذ لا يزيد على ثلاثمئة، وكادت مجموعـات الميمنة والميسرة ان تخترق حصون الصهاينة فى البلدة وتستعيدها لولا نفاد الذخيرة فتراجعت، عند ذلك اشتد غضب عبد القادر الحسيني الذى كان فى مُقَدَّمَةٌ الصفوف حينها لاستطلاع خبر مجموعه كان قد أرسلها لضرب الاستحكامات الصهيونية فى مُقَدَّمَةٌ المدينة، والقضاء على المتاريس التى فيها بالقنابل والمتفجرات، فلما تأخرت هذه المجموعة ولم تتم عملها ذهب مع مجموعه صغيرة مـن ثلاثة أو أربعة أشخاص للوقوف على الخبر، وأيضا لدعمهم بمزيد مـن المتفجرات، لكن اليهود اكتشفوهم فأطلقوا عليه النيران بعد نفاد ذخيرتهم.

وأمام مدينة القسطل سقط عبد القادر الحسيني شهيدا فجر يـوم 8 أبريل/نيسان 1948، ولم يعلم أهل القدس ولا القرى المجاورة مـن المقاومين إلا بأنه جُرح وأن اليهود يحاصرونه، حينها هبّوا لنجدته، واستطاعوا استعادة القسطل فى الساعة الرابعة عصر ذلك اليـوم ورفعوا الأعلام فوقها، ولكنهم اكتشفوا وقتها استشهاده، وقد حزن عليه الجميع؛ لانه كان أكبر قيادات المقاومة الفلسطينية فى قطاع القدس وما حولها، وأكثرهم خبرة ودربة وحماسة لا متناهية لقضيته، وعقب صلاة الجمعة يـوم 9 أبريل/نيسان صلّى عليه 10 آلاف شخص فى المسجد الأقصى ثم دُفن بجوار والده فى ضريح واقع بين باب القطانين والباب الحديد[8].

ورغم استعادة المقاومين للقسطل، فإن اليهود والبريطانيين استغلوا تشتت المقاومين بسـبب وفاة عبد القادر الحسيني والانشغال بالصلاة عليه، وذهاب البعض الآخر الي بيوتهم بهدف الراحة بعد أيام طوال مـن المقاومة والقتال، فهجموا على البلدة بعد ساعات ليلة 8-9 أبريل/نيسان واستعادوها بعدما قضوا على الأعداد القليلة المتبقية مـن المقاومين فيها. وهكذا بلغت رحلة عبد القادر الحسيني نهايتها بعد أربعين عاما فقط، قضى جلّها ثائرا ومقاوما، وختمها شهيدا فى سبيل ما آمن به ودافع عنه.

____________________________________

المصادر:

  • [1] مذكرات المريشال مونتغمري ص302.
  • [2] الموسوعة الفلسطينية 4/518.
  • [3] الموسوعة الفلسطينية 3/168.
  • [4] عارف العارف: النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود 1/166، 167.
  • [5] عارف العارف: السابق 1/167.
  • [6] موسوعة فلسطين 3/169.
  • [7] عارف العارف: السابق 1/159، 160.
  • [8] عارف العارف: السابق 1/ 162- 168.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى