الاخبار العربية والعالمية

على اى شيء يراهن أردوغان؟.. ولماذا تحول الموقف التركي تجاه غزة؟ | آراء سام نيوز اخبار

 

بخطابِه امامَ قرابة مليون ونصف المليون مُســاهم، فى تجمُّع جماهيريّ لنصرة فلسطينَ فى إسطنبولَ، دشّن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إستراتيجيةً جديدة فى تعاطي أنقرة مع أزمة العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزة.

فمنذ اندلاع الأزمة فى السّابع مـن أكتوبر، تعرّض الموقف التركيّ لانتقادات عديدة، بسـبب السياسة الملتبسة التى انتهجها أردوغان بصفة حصريّة، فى خطأ لمواقف سابقة له.

فلماذا حدث هذا التغيير؟؟ وما هى التحديات التى تنتظره؟

اهم مضامين خطاب “تجمّع فلسطين”:

قبل البحث فى أسباب تحوّل الإستراتيجية التركية تجاه الأزمة، نريد التوقف امام مضامين كلمة أردوغان فى الحشد الذى حمل اسم “تجمّع فلسطين”:

أولًا: إعادة التأكيد على انّ حماس ليست منظمة إرهابية، بل حركة مقاومة مشروعة.

ثانيًا: إعلان إسرائيل دَوْلَةٌ مجرمة حرب، حيـث شدّد أردوغان على انّ أنقرة ستبدأ فى اتخاذ الإجراءات “القانونيّة” حيال هذا الامر.

ثالثًا: تحميل الولايات المتحدة وأوروبا مَسْؤُولِيّة العدوان على قطاع غزّة، وتأكيده على انّ إسرائيل ليست سوى “بَيدق فى المنطقة سيتم التضحية به عندما يأتي الوقت.”

رابعًا: التلويح بالتدخّل العسكري، حيـث استخدم أردوغان العبارة التى يستخدمها قبل عمليات الجيش التركيّ امام التنظيمات الإرهابية، وهي: “قد نأتي ذات ليلة على اثناء غِرّة”، وإعلانه انّ القوات التركية قد تظهر فى الشرق الأوسط، كَمَا فعلت فى ليبيا، وقره باخ فى أذربيجان.

أسباب إعادة التموضع التركيّ تجاه الأزمة:

اثناء العشرين عَامًٌا الاخيره، دعمت حكومات حزب العدالة والتنمية، القضية الفلسطينية بوضوح. ومن هنا فإنّ الذى تابعناه فى الأيام الأولى مـن مرحلة الصراع الحالية، كان خروجًا عَنْ السياسة المألوفة، قبل ان يتمّ الاستدراك وتعيد أنقرة تموضعها، والذي حدث لعدّة أسباب:

أولًا: على عكس الجولات السّابقة، اندلعت هذه الجولة بمبادأة مـن كتائب القسّام، دون التّنسيق مع أحد، وبأداء عمليّاتي، أدرك معه الجميع انّ التداعيات ستكون مختلفة، لذا احتاجت تركيا الي مزيدٍ مـن الوقت لتقدير الموقف، وبناء موقف إستراتيجي على جميع الصّعد: السِّيَاسِيَّةُ، والعسكرية، والاقتصادية.

ثانيًا: احتاجت تركيا الي مزيدٍ مـن الوقت للتشاور مع دول الإقليم، قبل ان تتخذ موقفًا أحاديًا قد يكلفها المزيد لاحقًا، فكانت اتصالات أردوغان المتعدّدة بزعماء المنطقة، كَمَا أوفدَ وزير الخارجيّة، هاكان فيدان، الي عَدَّدَ مـن دول المنطقة للتشاور بشأن سبل مواجهه الأزمة.

ثالثًا: تلخّصت الرؤية التركية، لمآلات الأزمة، فى مسارَين، أعلنهما هاكان فيدان، أكثر مـن مرّة، إما الذهاب الي سلام تاريخيّ، وإمّا الي حرب إقليمية شاملة، وطرحت تركيا نفسها ضامنة لأي اتّفاق سواء بمفردها أو بالتّعاون مع دول عربية. لكن يبدو انّ خيارَ السلام تضاءلت فرصُه مع اتّساع حجم الجرائم التى ارتكبتْها القوات الإسرائيلية امامّ المدنيين، والضغط الأمريكيّ فى اتجاه خيار توسيع الحرب.

ثالثًا: فُوجئت تركيا بالانغماس الأمريكيّ السريع فى الأزمة، مـن اثناء إرسال حاملتَي طائرات وعددٍ مـن السفن الحربية الي المنطقة بمؤازرة دعـم عسكري أوروبي واضح، حصريّة مـن بريطانيا، مع مدّ الجيش الإسرائيليّ بما يحتاجه مـن ذخائر وآليات، الامر الذى أدركت معه أنقرة انّها إزاء حلف عسكري واسع، تحتاج معه الي مزيدٍ مـن التّريث قبل ان تلقي بثقلها فى الأزمة.

رابعًا: يبدو انّ تقدير أنقرة للموقف، انتهى الي انّ الحشود العسكرية الغربية التى أتت على عَجَل الي المنطقة- وهي أكبر مـن قطاع غزّة محدود المساحة والإمكانات- وراءها رغبة فى إعادة تنظيم وترتيب المنطقة، ضوء اطار أوسع، وهو بناء نظام عالمي جديد بواسطة الولايات المتحدة، كَمَا صرّح بذلك، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حيـث تدرك تركيا انّ إقامة دَوْلَةٌ “كردية” انفصاليّة فى شمال سوريا، وضمّ ولايات جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية اليها، هـدفٌ أمريكي تعمل عليه بدأب، لذا سيكون مـن المخالفة الإستراتيجي الفادح، ان تسمح تركيا بسقوط قطاع غزّة، والقضاء على حركة حماس، ومجمل المقاومة الفلسطينية، وتبعاتها الجيوإستراتيجية على المنطقة كلها.

خامسًا: الضغوط الشعبيّة والحزبية التى شهدتها تركيا منذ بداية العدوان، فإضافة الي الفعاليات التى لم تهدأ فى الولايات المتنوعة، كانـت التصريحات مـن رؤساء الأحزاب- معارضين كانوا أو حلفاء- التى أكّدت على دعـم المقاومة، وطالبت أردوغان باتّخاذ موقف أكثر ترصدًا إزاء العدوان.

لكنّ الموقف الأقوى كان مـن دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية، والحليف الأقرب الي أردوغان، حيـث دعا الي تدخّل الجيش التركي لوقف العدوان. محذرًا مـن انتقال المجازر الي قلب الأناضول.

امام كل هذا كان مـن الصعب ان يظلّ أردوغان على موقفه لا يبرح مكانه، دون ان يتخذ خطوات الي الأمام.

تحديات إعادة التموضع التركي:

يترقّب الجميع الان، بعد خطاب أردوغان، داخليًا وخارجيًا، الخطوات القادمة إزاء الأزمة، حصريّة مـن ناحية وقف العدوان والمجازر التى ترتكب فى قطاع غزة.

لكن يجب الاعتراف انّه على أرض الواقع، فإن ثَمّة صعوبات لا يمكن تجاوزها على النّحو القادم:

أولًا: التحدي العسكري: فتركيا رغم كل إمكاناتها العسكرية المتقدمة، لا يمكنها ان تواجه منفردة الولايات المتحدة وحلفاءَها الأوروبيين، لذا مـن غير المعروف كيف يمكن ان ترسل أنقرة قواتها الي غزّة!! كَمَا هدّد أردوغان بذلك، فالأمر هنا يختلف عَنْ ليبيا أو أذربيجان، فضلًا عَنْ شمال كلّ مـن سوريا والعراق.

ثانيًا: التحدي الاقتصادي: حيـث مـن المتوقع ان تتعرّض تركيا بسـبب تموضعها الجديـد حيال الأزمة، لضربات اقتصادية ونقدية، فى وقت كانـت تأمل فيه ان تنعش اقتصادها، وتحاصر التضخم المفرط، وأن تؤدّي خطوات تطبيع العلاقة مع تل أبيب الي ترصد فى ملف الطاقة وثروات المتوسط المتنازع عليها.

ثالثًا: التحدّي الإقليمي: فرغم تحسّن العلاقات التركية-العربية اثناء الفتره الاخيره، إلا أنه لكل دَوْلَةٌ سياستها الخاصة تجاه الأزمة، أو إزاء حركة حماس نفسها.

رابعًا: التحدي الداخلي: حيـث يتعرّض أردوغان، منذ بدء تغيير لهجته، لانتقادات داخلية مـن بعض أطياف المعارضة، خاصة ميرال أكشنار رئيسة الحزب الجيد، التى تصرّ على وصف حركة حماس بـ “الإرهابية”!! ومما لا شكَّ فيه انّ مثل هذه المواقف ستمثّل ضغطًا على أردوغان، خاصةً مع تنامي الأزمة وتعاظُمها.

ويبقى سؤال أخير:

على اى شيء يراهن أردوغان، وهو يدرك أنه سيدخل فى صدام جديد مع الولايات المتحدة وأوروبا قبل إسرائيل؟؟

فى تقديري انّ رهان أنقرة الاساسى، يتمحور حول مكانتها فى حلف الناتو، واحتياج واشنطن والعواصم الأوروبية اليها، فى مواجهه التهديدات الروسية، فى هذه المرحله على الأقل، إضافةً الي إدراك تركيا انّ الولايات المتحدة، ستدخل فى مدة الجمود، استعدادًا للانتخابات الرئاسية.

فهل ستجري الرياح بما يشتهي أردوغان؟

تطوّرات الأزمة وحدَها هى التى تحمل فى طيّاتها الإجابة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى