أخبار عالميةأخبار عربيةأخبار فلسطينالاخبار العربية والعالمية

عودة الأموال الساخنة لمصر .. المخاطر والفرص | اقتصاد سام نيوز اخبار

بعد ثورة 25 يناير/كانون الثانى 2011، خرج المزيد مـن أموال المستثمرين الأجانب، التى كانـت تعمل فى الدين الحكومي المحلي (أذون وسندات) بنحو 8 مليارات دولار، وفي السنوات 2018 و2020 و2022، تكرر نفس الامر جاء الى المستثمرين الأجانب، وكان هذا الامر أحد اهم أسباب شح النقد الأجنبي اثناء تلك الفترات، وانتعاش السوق السوداء للنقد الأجنبي.

بينما أكثر عمليات خروج هذه الأموال ضررا لسوق الصرف فى مصر، ما تم بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وتحديدا بعد أبريل/نيسان 2022، حيـث خرجت أموال للمستثمرين الأجانب العاملين فى الدين الحكومي المصرى بما يتراوح بين 18 و20 مليار دولار.

ولكن فى يونيو/حزيران 2022، اعلن وزير المالية المصرى محمد معيط، اثناء لقائه بغرفة التجارة المصرية الأميركية: “الدرس الذى تعلمناه أنه لا يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة، لأنها تأتي مـن اجل العائد الكبير فقط.. مصر يجب ان تتعلم الدرس، لا يجب ان تعتمد على تلك الأموال، إذا جاءت مجددا فليس لدينا مشكلة”.

ما الأموال الساخنة؟

والأموال الساخنة هى ابرز صور الاستثمارات غير المباشرة، حيـث تأتي لتشتري أذونا وسندات تخص الديون الحكومية، سعيا وراء سعر فائدة أعلى فى سوق ما، دون غيره مـن الأسواق، لتستفيد مـن فرق سعر الفائدة.

وعادة ما تتسم بسرعة الدخول والخروج مـن الأسواق، وهو ما يحدث حالة مـن الإرباك، وخاصة عند خروجها، لما تحدثه مـن ضغط على الطلب على النقد الأجنبي.

وتوجد ايضا فى سوق الأسهم والسندات التى لا تشترط مددا زمنية لعمليات البيع والشراء، وقد تتسع الدائرة لتشمل وجود الأموال الساخنة فى مجال المضاربات التى تتسم بالسرعة مثل الذهب أو النقد الأجنبي، أو بورصات السلع.

الأموال الساخنة

تهيئة المناخ لعودة الأموال الساخنة

ولكن بعد قرابة عامين مـن تصريحـات الوزير، وتحديدا فى السادس مـن مارس/آذار 2024، اتخذت مصر قرارات ترتبط برفع سعر الفائدة وتخفيض قيمة الجنيه، وهو ما جعل توقع عودة الأموال الساخنة لمصر واردا بشكل كثير، فهذه الأموال تراهن على هذين الأمرين لوجودها فى اى سوق يصل سعر الفائدة ويخفض قيمة العملة.

وحسب وكالة بلومبيرغ فإن مصر تعد ثالث أعلى عائد مـن أذون الخزانة والسندات بالعملة المحليه مـن بين 23 دَوْلَةٌ نامية يتم متابعتها جاء الى الوكالة.

ووفق نفس الوكالة، فمصر باعت فى السابع مـن مارس/آذار أذون خزانة بنحو 87.8 مليار جنيه (1.78 مليار دولار) بسعر فائدة 32.2%. وإن كبار مؤسسات الاستثمار العاملة فى الديون المحليه ساهمت فى شراء أذون السابع مـن مارس/آذار 2024، ومن بين هذه المؤسسات (غولد مان ساكس، وسيتي بنك، ومورغان ستانلي).

ونظرا لأن مخرج مصر مـن أزمتها الاقتصاديه والتمويلية فى مارس/آذار 2024، أتى عبر مصادر تتسم بعدم الاستدامة، مثل صفقة “رأس الحكمة” أو زيادة قيمة قرض صندوق النقد الدولى، أو الحصول على بعض القروض الخارجية، فإنه مـن المناسب ان تتعامل مصر بحذر فى ضوء ممارستها السلبية السابقة، وفي ضوء ما اعلن به وزير المالية الدكتور محمد معيط، مـن أنهم تعلموا الدرس، وأنه لا يجب ان يُعتمد على هذه الأموال.

الفرصة التى تتيحها الأموال الساخنة

فى حالة مصر، لوحظ ان مواردها مـن النقد الأجنبي كانـت دوما أقل مـن احتياجاتها، وهو ما نلمسه مـن بيانات الميزان التجاري السلعي، الذى عادة ما يُفضى عَنْ عجز، وهو أمر مستمر منذ اعوام، بينما أكبر قيمة لهذا العجز اثناء السنوات العشر الماضية، فى عَامٌ 2021-2022 حيـث جاء الي 43.3 مليار دولار.

كَمَا ان مصادرها مـن النقد الأجنبي، فى أغلبها مصادر ريعية، مثل إيرادات قناة السويس، والصادرات النفطية، وعائدات قطاع السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، وهي مصادر معرضة بشكل شبه دائم للتهديدات الإقليمية والدولية.

وهو ما جعل اللجوء للأموال الساخنة، أحد الملاذات التى اعتمدتها مصر للعمل على استقرار سعر الصرف، وشهدت مدة تولي فاروق العقد محافظا للبنك المركزي، توسعا فى استخدام هذه الآلية، حيـث كانـت تبعات الديون الخارجية لمصر محدودة، بينما السياسة المالية فى ذلك الوقت لا تعبأ بقيمة وحجم الدين المحلي.

إلا ان التوسع الذى تم بعد 2016، وما تم توصل إليه مـن اتفاق مع صندوق النقد، أدى الي الاعتماد على الأموال الساخنة للوصول لما تراه الحكومة استقرارا لسعر الصرف.

لذلك هبطت قيمة الدولار بعد استخدام الأموال الساخنة، وذلك وفق بيانات المقال الشهري لوزارة المالية عَنْ ديسمبر/كانون الاول 2023، فكان متوسط سعر الصرف فى عَامٌ 2017 عند 17.8 جنيها للدولار، ووصل الي متوسط سعر 15.6 جنيها للدولار عَامٌ 2021.

فالفرصة الوحيدة التى تتيحها عودة الأموال الساخنة لمصر اثناء الفتره القادمة، هى إحداث زيادة فى عرض النقد الأجنبي، وهو ما يساعد على تحسين سعر صرف الجنيه امام العملات الأجنبية.

ولكن هذا مشروط بحسن أداء الحكومة لمواردها مـن النقد الأجنبي، وبخاصة ان شروط صندوق النقد الدولى ان تترك مصر سعر الصرف لآليات العرض والطلب، وأن تنظر الحكومة الي هذه الأموال على أنها أداة استثنائية، ولا يتم الاعتماد عليها، وأن تستغني عنها فى أقرب فرصة، بسـبب أعبائها على الدين العام مـن جهة، ومن جانب اخر اتسامها بعدم الاستقرار أو الاستدامة.

 

أسباب المشاكل الاقتصادية في مصر

المحاذير وما أكثرها

ينظر الاقتصاديون بشكل عَامٌ للأموال الساخنة، على أنها لا تمثل استثمارا حقيقيا، فهي استثمارات غير مباشرة، ولا تتجه للإنتاج الحقيقي، وبالتالي فحاجة مصر كدولة نامية، ان تجذب الاستثمارات المباشرة، التى تتسم بالاستقرار، وتعمل على زيادة فرص العمل والصادرات، وتستقدم تكنولوجيا جديدة، كَمَا تساهم فى عملية ضخ نقد أجنبي مـن الخارج فى شرايين الاقتصاد القومي.

الامر الآخر، ان حالة مصر فى مؤشر الدين العام، مثيرة للقلق، سواء كانـت ديونا محلية أو خارجية، حيـث مثلت أعباء الديون على الموازنة اثناء السنوات الماضية، حملا ثقيلا، فهي صاحبة أكبر مخصصات ببنود الإنفاق فى الموازنة العامة.

وفي آخر الإحصاءات لوزارة المالية، فإن فوائد الديون اثناء الفتره (يوليو/تموز 2023 – يناير/كانون الثانى 2024) بلغت 962 مليار جنيه، بينما إجمالي الإيرادات العامة جاء الي 951 مليار جنيه، اى ان الإيرادات العامة تعجز عَنْ سداد فوائد الديون فقط.

وعلى ذلك فكل عبء إضافي الي فاتورة فوائد الدين -حتـى ولو كان قليلا- أمر متعب للوضع المالي للدولة.

وستضيف الأموال الساخنة عبئا على موارد النقد الأجنبي، بسـبب سعيها فى نهاية كل مدة لإخراج ما حصـلت عليه مـن فوائد على أموالها، وحسب آخر بيانات لميزان المدفوعات لمصر فى العام المالي 2022-2023، فإن مدفوعات الاستثمار للأجانب بلغت 19.4 مليار دولار، وبالتالي سيكون وجود الأموال الساخنة فى مصر، له دوران، الاول مـن الممكن ان يساعد على استقرار سعر الصرف، والآخر ان يساعد على نزيف النقد الأجنبي للخارج.

غياب الرؤية الحكومية

لا شك ان أمر الأموال الساخنة مقلق للجميع، وبخاصة للدول النامية، التى تنشد إنهاء مشكلاتها الاقتصاديه، وتسعى للاستقرار الاقتصادي، ومن اهم منغصات عدم الاستقرار الاقتصادي وجود الأموال الساخنة.

وكالعادة، لم تعلن الحكومة برنامجا للتعامل مع الأزمة الاقتصاديه الحالية، وبخاصة بعد انفراجة تمويلية أتت بكاملها مـن الخارج، فالمطلوب ان ترصد الحكومة رؤية تتضمن جميع التفاصيل للشركاء الاقتصاديين، مـن مجتمع أعمال وقطاع عائلي، ومجتمع مدني.

وبخاصة بينما يتعلق بالأموال الساخنة، ما هو برنامـج الحكومة تجاه هذه الأموال، مـن حيـث مستهدف المبالغ المطلوبة مـن هذه الأموال، وكيفية التعامل معها، ومتى يتم الاستغناء عنها، وكذلك تحديد قيمة فاتورة الفوائد التى يمكن تحملها فى اثناء وجود هذه الأموال بمصر.

فأمر وجود هذه الأموال مع الأسف، تم معرفته مـن اثناء مصادر أجنبية، كَمَا ان بيانات البنك المركزى عَنْ هذه الأموال، تأتي متأخرة 3 اشهر على الأقل، فالمطلوب مزيد مـن الشفافية حول الْأَوْضَاعُ الاقتصاديه بمصر، بما يجعل مناخ الاستثمار أكثر جاذبية للمصريين وللأجانب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى