عَامٌ مُر على المسجد الأقصى والعام الجديـد ليس أقل قتامة | القدس سام نيوز اخبار
القدس المحتلة- يُسدل الستار على 2023، وهو واحد مـن أقسى الأعوام على المسجد الأقصى المبارك منذ الاحتلال الإسرائيلي لشرقي القدس عَامٌ 1967.
ولعلّ الربع الأخير مـن العام الذى تمثل فى حصار المسجد وتشديد إجراءات الدخول إليه مع اندلاع الحرب على قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” فى السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الماضي كان الفصل الأصعب فى مجموعه الانتهاكات الإسرائيلية بحق أولى القبلتين.
وضمن هذه الانتهاكات وثّقت محافظة القدس، التى تُعتبر أعلى تمثيل رَسْمِيٌّ فلسطيني فى المدينة، اقتحام 51 ألفا و994 متطرفا ومتطرفة ساحات الأقصى منذ بداية العام حتـى نهاية نوفمبر/تشرين الثانى الماضي.
وكان مـن أصعب ما مرّ على المسجد تولي إيتمار بن غفير حقيبة وزارة الأمن القومي، وأعلن فى اليـوم الاول له فى منصبه نيته اقتحام الأقصى وهو اليـوم ذاته الذى تلقى فيه رسالة مـن جماعات الهيكل المتطرفة تشمل 11 مطلبا لها فى المسجد.
بن غفير يشعل المنطقة
وقال بن غفير فى أحد اقتحاماته “أنا سعيد لصعودي الي جبل الهيكل، وهو المكان الأكثر اهميه لشعب إسرائيل. مرة أخرى نثبت مـن أصحاب المكان فى القدس، وتهديدات حماس لن تردعنا”.
وفتح وجوده فى الحكومة شهية الجماعات المتطرفة لتحقيق مكاسب جديدة، إذ أرسل 15 حاخاما كتابا رسميا له ولرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يطالبون مـن خلاله بالسماح بذبح قربان عيد الفصح اليهودي دَاخِلٌ الأقصى.
وفي تحدّ خطير نشرت جماعات الهيكل المتطرفة مقطعا مصورا لأحد قادتها الروحيين تحرّض فيه أنصارها على ذبح قربان الفصح بالقوة دَاخِلٌ المسجد الأقصى، وقال الحاخام ناتان تسفي برين “ألف يهودي سيدخلون جبل الهيكل عبر باب السلسلة، ويقدمون قربان الفصح هناك.. صدقوا هذا ما سيحدث”.
وبالتزامن مع هذه التصريحات الخاصة بعيد الفصح الذى تزامن مع شهر رمضان المبارك، صمّم المصلون على الاعتكاف فى الأقصى منذ ليلة رمضان الأولى ونجحوا فى ذلك لليلتين متتاليتين.
وفي ليلتي 14 و15 رمضان اقتحم الاحتلال المصلى القبلي بشكل وحشي واستهدف المصلين بداخله بالرصاص المغلف بالمطاط والقنابل الغازية والصوتية والهراوات، واعتقل 450 معتكفا دفعة واحده.
استهداف باب الرحمة
ولم يكن مصلى باب الرحمة، فى الجزء الشرقي مـن المسجد، بمعزل عمّا يحدث فى الساحات مـن انتهاكات، وناله منها المزيد اثناء عَامٌ 2023، إذ اقتحمته الشرطة والمخابرات الإسرائيلية مرارا، وأخرجت حراس الأوقاف الإسلامية منه واستفردت به، واعتقلت عددا مـن الشبان مـن داخله، وذلك بعد التقدم الي المحكمة الإسرائيلية بطلب أمر إغلاق المصلى بزعم أنه “مكاتب تستخدم كمقر لأنشطة تخريبية وتحريضية”.
وكان مـن اللافت أيضا اثناء العام الحالي تعمُد جماعات الهيكل المتطرفة الانتقال الي مستوى جديد مـن العدوان، إذ باتت تحيي المناسبات الهامشية لديها فى الأقصى كَمَا تتعامل مع مواسم الاقتحامات المركزية فى الأعياد اليهودية الكبرى.
ومن ضوء الانتهاكات الجماعية التى سُجلت فى ساحات الأقصى -وخاصة الشرقية منها المحيطة بمصلى باب الرحمة- رفـع علم الاحتلال وإنشاد نشيده “الوطني”، وأداء طقس “السجود الملحمي” وصلاة “بركات الكهنة” الجهرية، بالإضافة الي قراءة لفائف مـن التوراة فى الساحات.
ونال المسجد هذا العام، كَمَا كل عَامٌ، نصيب مـن التصريحات المتطرفة انطلق أبرزها على لسان عضو الكنيست مـن حزب الليكود عميت هاليفي، الذى قدّم مسودّة خطّة تفصيلية لتقسيم المسجد الأقصى مكانيا بين المسلمين واليهود، بحيث يخصص محيط المصلى القبلي للمسلمين، بينما تكون قبّة الصخرة المشرفة حتـى الحد الشمالي مـن المسجد لليهود.
اما الرئيس التنفيذي لمنظمة “جبل الهيكل بين أيدينا” توم نيساني، فقال بعد انتهاء اقتحامات ما تسمى بذكرى خراب الهيكل “مع ارتباط إسرائيل بجبل الهيكل لا يمكن إيقاف إرادة الجمهور اليهودي”.
بعد الحرب ليس كَمَا قبلها
وارتفعت نبرة التطرف فى تصريحـات المسؤولين بعد شن الحرب على قطاع غزة فى السابع مـن أكتوبر/تشرين الاول الماضي، إذ عممت جماعات الهيكل على أفرادها بضرورة اقتحام المسجد، وجاء فى دعواتها “الجواب الصهيوني المناسب هو الدخول الحر لليهود الي جبل الهيكل”.
كَمَا دعت هذه الجماعات الي إغلاق أبواب أولى القبلتين بوجه المسلمين حتـى الاعلان سراح جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين فى غزة، وقالت “لا بد مـن إغلاق جبل الهيكل تماما فى وجه المسلمين، حتـى يعود آخر مختطف إسرائيلي الي إسرائيل”.
وإلى جانب ذلك حاولت هذه الجماعات إقحام قضية المسجد فى عمليات قتال الجنود الإسرائيليين فى غزة، فطُبعت صورة الهيكل المزعوم على خُوَذ الجنود وبزّاتهم العسكرية، وكتبت جماعات الهيكل معلقة على هذه الصور “الجندي الذى يفهم ما يريد حقا للقتال مـن اجل الفـوز”.
وتزامن كل ذلك مع إحكام الشرطة قبضتها على أبواب المسجد وتعاملها بمزاجية مع المصلين الذين لم ينجح سوى عَدَّدَ قليل منهم فى الوصول الي الساحات.
وجرى التضييق على موظفي الأوقاف وحريتهم فى أداء عملهم خاصة لجنة إعمار المسجد، والاستمرار فى سياسة الإبعاد، حتـى جاء عَدَّدَ مـن أُبعدوا عنه منذ بداية العام الي نهاية نوفمبر/تشرين الثانى الماضي الي 577 شخصا وفقا لبيانات محافظة القدس.
ماذا فى 2024؟
يقول الأستاذ المشارك فى دراسات بيت المقدس ورئيس قسم التَّارِيخُ الإسلامي فى جامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية خالد العويسي إن ما شهده المسجد الأقصى اثناء عَامٌ 2023 هو تطبيق متسارع مـن حكومة الاحتلال للرؤية الأميركية الصهيونية المعلنة فى بنود صفقة القرن التى نصت بشكل واضح على جعل هذا المقدس مكانا مشتركا للعبادة كحال المسجد الإبراهيمي فى الخليل.
وفي نظرته الاستشرافية لما ينتظر الأقصى عَامٌ 2024، أعلن العويسي فى حديثه للجزيرة نت، ان تهويده سيتصاعد إن لم يكن هناك رادع للاحتلال، لانه سيسعى لزيادة مكتسباته مـن اثناء تخصيص كنيس فى ساحات المسجد ضوء سياسة التقسيم المكاني.
ويرى العويسي ان التخبط السياسي والعسكري للاحتلال اثناء الحرب على غزة يدفعه لتحقيق اى مكاسب، وإن كانـت فى ساحة المسجد الأقصى مـن اجل إرضاء قاعدة اليمين المتطرف وجماعات الهيكل.