الاخبار العربية والعالمية

“غزة”.. هذا ما حققته المقاطعة! | آراء سام نيوز اخبار

|

الأزمةُ تشتدُ والحصار فى كلّ مكان. مستشفيات غزّة تُضرب، والمنازل تُهدَّم، والدم مُراق، إنّها الحرب تشتعل كَمَا نراها على شاشات التلفزيون، فتتّقد معها المشاعر العربية والإسلامية.

الشعوب غاضبة، ومتعاطفة مـن المحيط الي الخليج، بل وفي كثير مـن البلاد الأوروبية والآسيويَّة.

أزمة فلسطين ليست وليدة اليـوم، بل هى واحده مـن القضايا الدولية طويلة الأمد، تشتعل مـن اثناء الي آخر، وفي هذه الأيّام، يشهد الجمهور الفلسطينيّ فى غزّة تحديات يوميّةً كبيرة تتعلّق بالمعيشة، حيـث انقطاع المياه والكهرباء، ونفاد الأدوية والوقود، وغياب الأمان. ومن زاوية أخرى، تتجدّد حملات المقاطعة العربيّة امامّ الشركات الداعمة إسرائيلَ.

لطالما كانـت التجارة الدولىّة وسيلة شائعة فى تعزيز العلاقات بين الدول، وفي الوقت نفسه، يمكن استخدام مقاطعة السّلع التى تساهم فى الاعتداء على أوطاننا وسيلةً شعبية للتأثير على مبيعات هذه الشركات، ومن ثمّ الضّغط على حكوماتها.

نظرة تاريخيّة

شهد التَّارِيخُ عَدَّدًَا مـن المقاطعات أشهرها المقاطعة التى دعا اليها المهاتما غاندي عَامٌ 1930 لعدم لشراء المنتجات الاستعمارية البريطانية احتجاجًا على قانون الملح، وقد حقّقت هذه المقاطعة خَسارة كبيرة للشركات البريطانية، وعزَّزت الوعي بأهمية دور المواطنين فى تحديد مصير سوق السلع المحليّة.

ومن المقاطعات التى حقَّقت نجاحًا كثيرًا، مقاطعة حافلات “مونتغمري” بولاية ألاباما عَامٌ 1955، عندما ألقي القبض على روزا باركس، وهي خياطة أميركيّة سمراء، لرفضها التخلّي عَنْ مقعدها فى إحدى الحافلات لراكب أبيض. كانـت قوانين الولاية تنصّ على ان النصف الأمامي مـن الحافلة مخصصٌ للبيض، وإذا كان النصف الأمامي مـن الحافلة، ممتلئًا فيجب ان يتخلَّى سود البشرة عَنْ مقاعدهم للركاب البيض. وقد أثار اعتقالها شرارة مقاطعة حافلات “مونتغمري”، والتي رفضَ خلالها المواطنون، سود البشرة، فى “مونتغمري” ركوب حافلات المدينة؛ احتجاجًا على سياسة الفصل العنصري التى يتّبعها نظام الحافلات.

كانـت هذه المقاطعة- بمثابة احتجاج على الحقوق المدنية للأميركيين مـن أصل افريقى – ناجحةً للغاية، ففي نوفمبر عَامٌ 1956 صدر حكـم المحكمة العليا الأميركية الذى ينصّ على انَّ الفصل العنصري فى الحافلات العامة غير دستوريّ.

المبادرات الشجاعة

والآن، على ضوء الاحداث فى غزة، بدأ عَدَّدٌَ مـن الدول العربية حملة قوية لمقاطعة المنتجات التى تدعم الاحتلال الإسرائيلي، والاعتداء على أوطاننا ومقدراتنا بشكل مباشر أو غير مباشر؛ بهدف خفض الطلب على المنتجات التى تدعم إسرائيل، بالإضافة الي ذلك فإن هذه المبادرات تشجّع على المساهمة فى تشجيع الصناعات الوطنيه، التى تساهم مساهمة كبيرة فى توفير فرص العمل، والحدّ مـن البطالة.

وتضيف المقاطعة فرصًا فعّالة لتطور هذه المنتجات الوطنيه كمًّا وكيفًا. إنها مساهمة فعالة فى تقليص المديونية العامة التى تعاني منها كل أقطار بلادنا.

لقد جعلتنا المقاطعة نكتشف أشياء ما كنا لنكتشفها بطريقة أخرى، فمثلًا مقاطعة البضائع والسلع المستوردة والسلع المنتجة، عَنْ طريق الشركات التى دخلت بلادنا بامتيازات أجنبية خاصة، بسـبب أسمائها الرنَّانة، أدّت الي التراجع القاتل فى أداء الشركات الوطنيه الناشئة وإغلاق أغلبها؛ إذ إنّ هذه الشركات الأجنبية والحائزة امتيازات خاصة عَنْ الشركات الوطنيه، لا تخلو مـن اهداف أخرى تسعى لتنال مـن الاقتصاد الوطني.

وهل منافستها للمنتجات الوطنيه وتدميرها سوى لأهداف استعمارية خبيثة؟ وهل إخراج ما تجنيه مـن الأرباح الي خارج البلاد إلا مساهمة فى تدمير سعر صرف العملات الوطنيه؟

وهل التراجع فى الشعور القومي الذى مـن شأنه ان يغلي فى دمائنا إلا سببٌ ونتيجة لوجود هذه الشركات؟

ومن يرجي العلم انَّ هذه المقاطعة لا تقتصر فقط على السلع الغذائية، بل تشمل مختلف المنتجات والخِدمات التى تدعم الاحتلال الإسرائيلي.

بالتحوّل الي منتجات محلية وأخرى ذات أصول أخلاقية، يمكن للأفراد والمجتمعات ان يساهموا فى دعـم اقتصادهم المحلي وإحداث التغيير الإيجابي فى مجتمعاتهم.

وتظهر اهميه المقاطعة كوسيلة فعَّالة لتعبئة الجهود، والضغط على الدول التى تدعم الاحتلال الإسرائيلي.

إنَّ المقاومة فى غزة، وحملات المقاطعة العربية تسلط الضوء على القضايا الإنسانية والسياسية المشتركة فى عالمنا اليـوم، مـن اثناء تفعيل المقاطعة وتوجيه الاهتمام نحو المنتجات والخدمات المحليه، ما يسمح للأفراد والمجتمعات بالمساهمة فى تحسين وضعهم وتعزيز قضيتهم بفاعليَّة.

وكما يُظهر التَّارِيخُ، فإنَّ المقاطعة تعد وسيلة قوية للتأثير على السياسة والاقتصاد، وهي أداة يمكن استخدامها بنجاح فى سبيل تحقيق العدالة والتغيير.

هكذا تتكلّم العبقرية

للمقاطعة كحالة نفسية جمعيَّة جذورٌ فى تراثنا العربي والإسلامي، كَمَا ورد مـن شكوى الناس لإبراهيم بن أدهم غلاء أسعار اللحم عند الجزّارين، لم يأمر الجزّارين ان يخفضوا سعر اللحم، بل اعلن للناس أرخصوه أنتم (اى اتركوه لهم) فقالوا: نحن لا نملكه حتـى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس فى أيدينا؟ اعلن: اتركوه لهم.

هكذا تتكلم العبقرية عندما يكون هناك إرادة التغيير وإرادة الغيرة على الأوطان والحقوق، نعم، بالمقاطعة والاعتماد الكُلي على السلع المحليَّة، وليس بسلع مـن يدعـم ويؤازر عدوًا لنا، ويريد بيعها فى بلادنا، وهذا هو أضعف الإيمان لمن لا يقوى قلبه، ولا تتحمله ظروفه الي فعل ما هو أكبر مـن ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى