فردريك بانتنغ.. مكتشف الأنسولين وأصغر فائز بنوبل الطب | الموسوعة سام نيوز اخبار
فردريك بانتنغ، طبيب وفنان وباحث وضابط فى الجيش الكندي. ولد عَامٌ 1891، واكتشف دواء الأنسولين عَامٌ 1921 بعدما فقد أحد أصدقائه المقربين بسـبب مرض السكري.
أكسبه هذا الاختراع شهرة عالمية، نال بموجبها تكريمات وجوائز كثيرة، وأصبح أول كندي وأصغر شخص (32 سنة) يتوج بجائزة نوبل فى الطب والفسيولوجيا، وذلك بالمناصفة مع جون جيمس ريتشارد ماكليود عَامٌ 1923.
المولد والنشأة
ولد فردريك بانتنغ فى 14 نوفمبر/تشرين الثانى 1891 فى أليستون بمقاطعة أونتاريو فى كندا، وهي مدينة طقسها بارد وممطر طول العام، وتتميز بمساحاتها الكبيرة المخصصة للزراعة.
بانتنغ هو أصغر الأبناء الخمسة لوالده ويليام طومسون بانتنغ، ووالدته مارغريت غرانت. أحب الرسم منذ صغره واتخذه هواية، وفي الوقت نفسه مارس مهنة الطب، وكان أحد اشهر الأطباء الكنديين اثناء القرن الـ19، مما خوله نيل العضوية فى عَدَّدَ مـن الجمعيات والمؤسسات الطبية دَاخِلٌ البلاد وخارجها.
وقد قدم بانتنغ خدمات كبيرة لوطنه اثناء الحرب العالميه الأولى بمشاركته فى الفيلق الطبي الكندي، إذ كان فى الصفوف الأمامية للجيش، وتعرض لإصابات جسدية جراء مشاركته فى هذه الحرب.
تزوج فردريك بانتنغ مرتين فى حياته، كان زواجه الاول مـن مارون روبرتسون عَامٌ 1924، وأنجب منها ولدا واحدا أسماه ويليام، وفي 1928 انفصلا، وتزوج للمرة الثانية عَامٌ 1932 مـن هينلايتا بول ولم ينجبا أطفالا.
التكوين العلمي والحياة العملية
تلقى بانتنغ تعليمه فى المدارس العامة لمدينة أليستون، وبعد إعلان الحرب العالميه الأولى فى الرابع مـن أغسطس/آب 1914، حاول فردريك الالتحاق بالجيش الكندي مباشرة فى اليـوم القادم، لكن طلبه رُفض بحجة ضعف بصره.
وبعد حصوله على شهادات عليا فى الطب، وتمكنه مـن إكمال معظم تدريباته، انضم الي الخدمة الطبية فى الجيش الكندي، وجرى تجنيده فى ربيع عَامٌ 1915، إذ كان الجيش الكندي حينها فى حاجة الي مسعفين فى الحرب.
وقد صممت كلية الطب فى جامعة تورنتو آنذاك، منهجا خاصا لفوج 1917، الذى كان ضمنه بانتنغ، إذ تم تكثيف السنة الخامسه فى فصل دراسي حصري فى الصيف والخريف، للانخراط فى الحرب التى عاشتها البلاد.
وشهد ذلك الفصل الاستثنائي تخرج بانتنغ فى التاسع مـن ديسمبر/كانون الاول 1916 بدرجة البكالوريوس فى دراسات الطب، وأبلغ بالخدمة الفعلية فى صباح اليـوم الموالي.
عمل بانتنغ لأول مرة فى أحد المستشفيات قبل ان يُرسل الي الخطوط الأمامية للجيش بصفته ضابطا طبيا للكتيبة فى يونيو/حزيران 1918، وفي أواخر سبتمبر/أيلول مـن ذلك العام، أصيب بانتنغ فى معركة “كامبريه” ببلجيكا، لكن ذلك لم يمنعه مـن استكمال مهمته فى الهيئة الطبية بالجيش الكندي، إذ استمر فى علاج المرضى حتـى تم تعويضه بطبيب آخر.
بينما مدينة “كامبريه” البلجيكية مـن المدن التى احتلتها القوات البريطانية اثناء الحرب العالميه الأولى، ومعركة “كامبريه” هى المعركة التى تم فيها استخدام الدبابات بنجاح لأول مرة فى التَّارِيخُ.
وعلى الرغم مـن ان جرح فردريك بانتنغ لم يكن خطيرا، فإنه استغرق وقتا طويلا للشفاء، مما أجبره على البقاء فى المستشفى حتـى الرابع مـن ديسمبر/كانون الاول 1918، اى بعد مرور أكثر مـن 3 أسابيع على انتهاء الحرب، ليعود بعدها الي استئناف مهامه مسؤولا طبيا، حيـث عمل لأول مرة فى إنجلترا، قبل ان يتم تسريحه مـن الخدمة العسكرية، وبقي فى تورنتو لمدة عَامٌ إضافي لإكمال مدة تدريبه فى الجراحة دَاخِلٌ مستشفى الأطفال.
وفي عَامٌ 1920، وبعد ان أكمل بانتنغ واجباته كجراح، بدأ عمله الخاص طبيبا وجراحا، فقرر بحلول خريف ذلك العام مغادرة تورنتو متوجها صوب لندن أونتاريو، حيـث دفعته الوفيات الكثيرة للمرضى والنقص فى الأموال الي تولي وظيفة بدوام جزئي مـن اجل تدريس جراحة العظام بجامعة ويسترن أونتاريو فى لندن بكندا.
وفي ليلة 31 مـن أكتوبر/تشرين الاول 1920، اثناء تدوينه ملاحظات حول مقال كتبه الطبيب والجراح موسى بارون حول محاضرة عَنْ البنكرياس، تصور بانتنغ “الفكرة” التى مـن شأنها ان تحدث ليس حياته فحسب، بل حياة عَدَّدَ لا يحصى مـن المرضى عبر العالم.
التجارب الأولى لاكتشاف الأنسولين
بعد ان عمل مسعفا اثناء الحرب العالميه الأولى، أصبح بانتنغ مهتما بمرض السكري، وظل يركز على إمكانية تسخير الإفرازات الداخلية للبنكرياس لمساعدة مرضى السكري على تنظيم مستويات السكر فى الدم.
ولأن هؤلاء الأشخاص لا يستطيعون استقلاب الكربوهيدرات، فإن مستويات السكر فى الدم لديهم ترتفع الي درجة تهدد حياتهم.
اعلن فريدريك بانتنغ -الذى كان متحمسا لفكرته- الي أستاذ علم وظائف الأعضاء بجامعة تورنتو البروفيسور ماكليود، الذى اهتمّ بفرضية الشاب بانتنغ، لكنه تردّد فى البداية فى إعطاء تفويض مطلق لشخص غريب تماما فى ذلك الوقت، الي ان انتهى الامر بالبروفسور بالاستسلام لإصرار الطبيب بانتنغ، وسمح له بإجراء أبحاثه فى مختبره.
وفي مايو/أيار 1921 وبمساعدة طالب الطب تشارلز بيست، بدأ فردريك بانتنغ التجارب الأولى لاكتشاف دواء الأنسولين، إذ كثف الباحثان التجارب على الكلاب، فوصفت نتائجهما الأولى بالكارثية، لأنها تسببت فى موت معظم الحيوانات اثناء التدخل.
وفي الاول مـن أغسطس/آب 1921، ولأول مرة تم حقن كلب مصاب بالسكري بمستخلص البنكرياس، مما جعل مـن الممكن تثبيت مستويات السكر فى الدم، وبمساعدة عالم الكيمياء الحيوية جيمس كوليب، استطاع النادي مـن عزل مستخلصات البنكرياس النقية والفعالة بشكل متزايد.
وفي 11 يناير/كانون الثانى 1922، سُجل اسم الشاب ليونارد طومسون ذي الـ14 ربيعا، والذي كان يعاني مـن مرض السكري، بصفته أول مريض بالسكري فى التَّارِيخُ يتم علاجه بمستخلص البنكرياس فى مستشفى تورنتو، فى غضون أيام قليلة، بعدما جاء الي المستشفى فى حالة حرجة كادت ان تودي بحياته.
وبفضل هذا الإنجاز نال فردريك بانتنغ على الفور شهرة دولية هائلة، إذ عُرض عليه مَبْلَغٌ مليون دولار للحصول على حقوق الاكتشاف، حسب ما وضحت إليه مصادر اعلامية متطابقة، ولكن استجابة لدوافع إنسانية وليست مالية، اختار بانتنغ وتشارلز بيست نقل الحقوق الي جامعة تورنتو مقابل دولار رمزي فى أكتوبر/تشرين الاول 1922.
وأصبح بانتنغ بالتعاون مع ماكليود أصغر فائز بجائزة نوبل فى الطب وعلم وظائف الأعضاء، وتوج أيضا حينئذ (عَامٌ 1934) بلقب فارس، ويعدّ أحد اهم الشخصيات فى كندا والعالم على مرّ التَّارِيخُ.
تطوير الأنسولين
وفي عَامٌ 1923 انتشرت اخبار اكتشاف دواء الأنسولين حول العالم كالنار فى الهشيم، وبعد مدة وجيزة، بدأت الشركة الطبية “إيلي ليلي” فى إنتاج الأنسولين على نطاق واسع، ولم يمض وقت طويل حتـى تم إنتاج ما يكفي مـن الأنسولين لتزويد قارة أميركا الشمالية بأكملها، وفي العقود التالية طور المصنعون مجموعه متنوعة مـن عقار الأنسولين بطيء المفعول، كان أولها مـن صنع شركة “نوفو نورديسك للأدوية” عَامٌ 1936.
وقد تم استخلاص الأنسولين مـن الأبقار والخنازير لسنوات عديدة علاجا لمرض السكري، وأسهم فى إنقاذ الملايين، لكنه لم يكن مثاليا لتسببه بمضاعفات وحساسية لدى عَدَّدَ مـن المرضى، لذا أُنتج أول أنسولين “بشري” مُعدل وراثيا عَامٌ 1978 باستخدام بكتيريا الإشريكية القولونية.
وفي عَامٌ 1982 باعت شركة “إيلي ليلي” أول أنسولين بشري صناعي متاح تجاريا تحت اسم العلامة التجارية “هومولين”. ويتوفر الأنسولين اليـوم بأشكال عديدة، بدءا مـن الأنسولين البشري العادي المماثل لما ينتجه الجسم مـن تلقاء نفسه، الي الأنسولين فائق السرعة وطويل المفعول.
وبفضل عقود مـن الأبحاث، يمكن للأشخاص المصابين بداء السكري الاختيار اليـوم مـن بين مجموعه متنوعة مـن التركيبات، وكذلك طرق تناول الأنسولين بناء على احتياجاتهم الشخصية وأنماط حياتهم مـن “هومولين” الي “نوفولوج” ومن أقلام الأنسولين الي المضخات.
أبحاث أخرى
أصبح فردريك بانتنغ بعد اكتشافه لدواء الأنسولين، بطلا شعبيا وأشهر كندي فى عشرينيات القرن الماضي، وتوقع الناس ان يكتشف أدوية مضادة للتغلب على أمراض أخرى، مما أثقل كاهل الباحث الكندي الذى سعى جاهدا لإثبات ان اكتشافه للأنسولين لم يكن مجرد صدفة.
وبعد انتهاء تعاونه مع تشارلز بيست، عكف بانتنغ فى أبحاثه على إيجاد أدوية لمرض السرطان، وأجرى اختبارات غريبة، إذ أجرى تجربة على غذاء ملكات النحل (مادة يفرزها النحل)، كَمَا حاول ايضا العمل على إحياء ضحايا الغرق، لكن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح.
وأثناء إشرافه على مجموعه مـن العلماء الشباب فى قسم الأبحاث الطبية بجامعة تورنتو، قدم بانتنغ مساعدة للعالم لوبيز فرانكس، الذى اخترع بذلة مقاومة الجاذبية، وهي بذلة تساعد الطيارين على البقاء يقظين عند تعرضهم لتأثيرات الجاذبية. كَمَا قام فريقه بعمل مفيد على مرض السحار السيليسي (مرض رئوي مهني) ومشاكل أخرى.
وبحلول أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، أصبح فردريك بانتنغ قائدا محنكا لجهود البحث الطبي فى كندا، ويعود دوره هذا الي شهرته وحماسه للبحث، ومع بداية الحرب العالميه الثانية اهتم بانتنغ بشدة بالقضايا الطبية ذات الصلة، حيـث أطلق بشكل فعال الجهود البحثية الأولى لكندا فى طب الطيران والمشاكل المتعلقة بالأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية.
وأصبح فريدريك بانتنغ ضابط الاتصال الرئيسي لكندا مع الباحثين البريطانيين فى بداية الحرب العالميه الثانية، فقرر الذهاب الي إنجلترا مرة أخرى فى فبراير/شباط 1941 على متن طائرة هدسون التى سافرت مـن نيوفاوندلاند الي المملكة المتحدة.
الْجَوَائِزُ والإنجازات
حصل فردريك بانتنغ، اثناء مسيرته المهنية المليئة بالأبحاث والاكتشافات، على عدة جوائز وتكريمات بفضل إنجازاته التى غيرت حياة كثير مـن المرضى عبر العالم، فحصل على:
- شهادة التخصص الطبي.
- الدكتوراه الفخرية عَامٌ 1924 مـن جامعة غرب أونتاريو، وجامعة تورونتو، وجامعة كوينز كينغستون، وجامعة ميشيغان، وجامعة ييل (حصل عليها مـن هذه الجامعات فى العام نفسه).
- الدكتوراه الفخرية مـن جامعة ماكجيل فى مونتريال عَامٌ 1931، ودكتوراه مـن جامعة كيبيك عَامٌ 1939.
- لقب فارس عَامٌ 1934 بوسام الإمبراطورية البريطانية فى الجمعية الملكية البريطانية.
- انتخب زميلا فى الجمعية الملكية البريطانية عَامٌ 1935.
- وسام الصليب العسكري مـن الجيش الكندي تقديرا لبطولته اثناء الحرب العالميه الأولى وهو وسام عسكري مـن المستوى الثالث يُمنح للضباط.
- جَائِزَةٌ نوبل فى الطب والفسيولوجيا بالمناصفة مع جون جيمس ريتشارد ماكليود، الذى ساعده فى اكتشاف الأنسولين عَامٌ 1923.
- كَمَا كان بانتنغ عضوا فى عَدَّدَ مـن الأكاديميات والجمعيات الطبية دَاخِلٌ كندا وخارجها، ومنها الجمعية الفيسيولوجية البريطانية والأميركية، وجمعية الأدوية الأميركية.
الوفاة
توفي فردريك بانتنغ فى 21 فبراير/شباط 1941 بالقرب مـن ميناء موسغريف نيوفاوندلاند على الساحل الشرقي لكندا، عندما تحطمت طائرته وهي فى طريقها الي إنجلترا اثناء الحرب العالميه الثانية، وذلك بعدما أقلعت فى طقس سيئ، وواجهت مشاكل فى المحرك قبل ان تتحطم بالقرب مـن بركة فى نيوفاوندلاند، إذ أصيب فردريك بانتنغ بجروح قاتلة، وتوفي قبل وصول المساعدة.
وتفيد رواية أخرى ان الطائرة عندما واجهت مشاكل فى المحرك اصطدمت بشجرة قبل سقوطها، مما أدى الي وفاة بانتنغ فى اليـوم الموالي.